وضع داكن
20-04-2024
Logo
مختلفة - الأردن - المحاضرة : 40 - مدينة العقبة - مجمع البيطار الإسلامي ومعهد المعارج للدراسات الشرعية - ملتقى العقبة العلمي الثاني - دور العلماء في تزكية المجتمعات.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

تجلي عظمة الله في خلقه :

 أيها الأخوة الكرام؛ أهل العلم والفضل والبيان، الأخوة الحضور؛ لعلكم تعجبون من هذه البداية، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

(( لو كانت الدنيا تَعْدِلُ عند الله جَناح بعوضة ما سَقَى كافراً منها شَربة ماء ))

[ مسلم وأبو داود عن جابر بن عبد الله ]

 معنى ذلك ليس من مخلوق أهون على الناس من بعوضة، ومع ذلك في رأس البعوضة مئة عين، وفي فمها ثمانية وأربعون سناً، وفي صدرها ثلاثة قلوب، قلب مركزي، وقلب لكل جناح، وفي كل قلب أذينان، وبطينان، ودسامان، وتملك البعوضة جهازاً لا تملكه الطائرات، تملك جهاز استقبال حراري، ترى الشيء لا بشكله ولا بحجمه ولكن بحرارته، حرارة الغرفة في الشتاء درجة أو درجتان، الطفل حرارته سبع وثلاثون، لا ترى إلا بالحرارة، حساسية هذا الجهاز واحد على ألف من الدرجة المئوية، أنت بكل إمكانياتك تقول: سبع وثلاثون وثلاث أرباع الدرجة، أما هذه البعوضة فحساسية إدراك الحرارة واحد على ألف من الدرجة المئوية، تملك جهاز تحليل للدم، فما كل دم يناسبها، ينام أخوان على سرير واحد ، يستيقظ الأول وقد ملئ بلسع البعوض، ويستيقظ الثاني سليماً معافى لم يصب بشيء، هناك دم يناسبها ودم لا يناسبها، تأخذ عينة تحللها، وتملك جهاز تخدير لئلا تقتل وهي تمص الدم، ومعها جهاز تمييع للدم، لأن دم الإنسان سمج لا يجري بخرطومها لا بد من تمييع الدم، وفي أرجلها مخالب إن وقفت على سطح خشن، ومحاجم على الضغط إن وقفت على سطح أملس، أما خرطومها فشيء لا يصدق، في خرطومها ست سكاكين، أربع سكاكين لإحداث جرح مربع في هذا الجسم، وسكينان يلتئمان على شكل أنبوب لامتصاص الدم، والبعوضة كما قلت: إن وقفت على سطح أملس تستخدم محاجمها وإن وقفت على سطح خشن تستخدم مخالبها.
 طبعاً ذكرها الله عز وجل في القرآن الكريم، قال تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يستحي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾

[ سورة البقرة: 26 ]

 يمكن أن تتعرف على الله بدءاً من البعوضة وانتهاءً بالحوت الأزرق الذي يزن مئة وخمسين طناً، ويستخرج منه خمسون طناً لحماً، وخمسون طناً زيتاً، وخمسون طناً عظماً، والحديث عن الحوت شيء لا يصدق، فالله تتجلى عظمته من أقل مخلوق إلى أكبر مخلوق.

 

أنواع الدعوة إلى الله :

 لذلك هناك دعوة إلى الله، موضوع اللقاء الطيب: متى تؤثر الدعوة؟ هناك دعوة بالعموميات ودعوة بالخصوصيات، التفاصيل لها دور كبير جداً، نحن بحاجة في الدعوة إلى الله أن نجمع بين العموميات والتفاصيل، أما الشيء الدقيق فهناك دعوة إلى الذات، ودعوة إلى الله خالصة، والدعوة إلى الذات لشيء دنيوي، خصائص الدعوتين، الدعوة إلى الله أساسها الاتباع، وأما الدعوة إلى الذات فأساسها الابتداع، تبتدع حتى تنفرد، الدعوة إلى الله الخالصة أساسها التعاون، أنا أتصور العلماء جميعاً بمعلوماتهم المعقولة حول فروع الدين هناك دائرة واحدة، وكل عالم وفقه الله في اختصاص معين، لو رمزنا للاختصاص بمثلث على محيط الدائرة لكان هناك معلومات و قواسم مشترك بين كل العلماء، وكل عالم وفقه الله بشيء، هذه التوفيقات والاختصاصات متكاملة فيما بينها، وليست متعارضة، أحياناً هناك تنوع غنى لا تنوع تضاد، الشيء الدقيق: الدعوة إلى الله الخالصة أساسها التعاون، بينما الدعوة إلى الذات أساسها التنافس، الدعوة إلى الله الخالصة أساسها الاعتراف بالآخر، أنا داعية وفلان داعية كبير أيضاً، أما الدعوة إلى الذات فأساسها إلغاء الآخر، فالدعوة إلى الله الخالصة لها خصائص؛ الخالصة تجمعنا، وتوفقنا، وتقوينا جميعاً، لكن لي تعليقاً لو رمزنا للحق بالشمس الساطعة، وإلى الباطل بالظلام الدامس، الذي يعمل في الظلام يسبق النائم في ضوء الشمس، لعل ألطف تعليل لضعف المسلمين أنهم نائمون في ضوء الشمس، وأعداؤهم يعملون ليلاً ونهاراً في الظلام الدامس، لكن الذي يعمل في الظلام ينتصر على النائم في ضوء الشمس.

 

التفكر في خلق السموات والأرض من أرقى العبادات :

 أيها الأخوة الكرام؛ الآن شيء بديهي إنك إن قرأت آية فيها أمر هذه تقتضي أن تأتمر، قرأت آية فيها نهي تقتضي أن تنتهي، آية حديث عن نبي كريم تقتضي أن تتعظ، فإذا كان في القرآن ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون والإنسان، ما الموقف الشرعي الحقيقي الحكيم من هذه الآيات؟ أنا أرى إنه التفكر في خلق السموات والأرض، وهو من أرقى العبادات، لأن التفكر في خلق السموات والأرض يضعك وجهاً لوجه أمام عظمة الله.
 لقطة واحدة، ومضة واحدة، الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، أي جوف الشمس يتسع لمليون وثلاثمئة ألف أرض، و بين الشمس والأرض مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، وإذا قال الله عز وجل:

﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾

[ سورة البروج : 1 ]

 أحد أبراج السماء برج العقرب، هذا البرج لو وصلت بخطوط بين نجومه، لرأيت عقرباً تماماً، هذا البرج فيه نجم اسمه: قلب العقرب، أحمر اللون، وهذا النجم يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، هذا الإله العظيم يعصى؟! هذا الإله العظيم ألا يخطب وده؟ ألا ترجى جنته؟ ألا تخشى ناره؟

 

الدين شريط عريض يتسع لكل الأطياف :

 أيها الأخوة الكرام؛ أنا أتصور وقد أكون مخطئاً أن الدين عند بعض العلماء خط رفيع هو خطه، فإن خرجت ميلمتراً عن خطه خرجت من الدين عنده، أما الدين في الحقيقة فهو شريط عريض يتسع لكل أطياف الدين، لكل العاملين في الدعوة، أنت حينما ترى أننا جميعاً نختلف اختلاف رحمة، نختلف اختلاف تنوع وغنى لا اختلاف تضاد وتناقض، اختلاف امتي رحمة من هذا المعنى جاء، فالإنسان عندما يعرف أنه واحد من مجموع هو مخلص وغيره مخلص، هو أكرمه الله بشيء وغيره أكرمه الله بأشياء، هذا الموقف المعتدل من الآخرين أصبح العلماء قوة كبيرة، وأصبحوا في وجه الطرف الآخر قوة صامدة لا يخترقون.

التدخل الإيجابي بالأدلة و البراهين :

 لي رأي؛ عندنا شيء اسمه التدخل الإيجابي، والله مقالة قرأتها في مجلة تموين، ليس لها علاقة بالدين إطلاقاً، لكن لفت نظري فيها أنها منهج للدعاة، التدخل الإيجابي للسوق هناك طريقة تهاجم فلاناً وعلاناً، هذا فاسق وهذا مرتد، هذا مقبول وهذا كافر، هذا طريق مسدود يفعل فتناً ومشكلات، أنت اعرض الإسلام عرضاً جيداً، اعرضه بالأدلة بالبراهين بأسلوب لطيف، إذا كان سيدنا موسى نبي من أولي العزم أمر أن يخاطب فرعون، قال تعالى:

﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾

[ سورة القصص: 43-44]

 لِمَ الغلظة يا أخي؟ لِماذا العنف؟ والعنف لا يلد إلا العنف، هذا اسمه: تدخل إيجابي في السوق - طبعاً المقالة بالتموين- أنت كوزير تموين بدل أن ترسل الموظفين لقمع الغش وإغلاق المحلات وتسطير المخالفات والغرامات، اعمل مؤسسة استهلاكية، بع في هذه الاستهلاكية أفضل بضاعة، بأقل سعر، بأطيب معاملة، فقط تسحب إلى عندك كل الزبائن، هذا اسمه التدخل الإيجابي في السوق، وهذا أنسب منهج للدعاة، أنت قدم ما عندك بالأدلة والبراهين وكن لطيفاً، وأحسن الظن بالآخرين، نتعاون جميعاً، لذلك التعاون دين، والتعاون فريضة، والتعاون قوة، والتعاون منعة، قال تعالى:

﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾

[ سورة المائدة : 2 ]

 الآن اعتقد يقيناً أن الطرف الآخر وضعنا جميعاً في سلة واحدة، إذاً ينبغي أن نقف جميعاً في خندق واحد، العدو لا يفرق بين مذهب ومذهب، هذا مسلم، فما لم نكن جميعاً في خندق واحد نحن أمام مشكلة مصيرية نكون أو لا نكون، والكلمة المشهورة: نتعاون فيما اتفقنا ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا، أنا عدلتها: نتعاون فيما اتفقنا وينصح بعضنا بعضاً فيما اختلفنا، نصيحة، أنا أرى بمنهجي الاتجاه التوفيقي، أذكر مرة ولعلها طرفة لكم عقب درس في مدينة لا أذكرها الآن، دعيت إلى بيت، كانت غرفة الضيوف طويلة وضيقة، وفيها مقاعد على الطرفين، و لحكمة بالغة بالغة لا أعرفها أن أحد الطرفين كان من الصوفيين، والطرف الآخر من السلفيين، وسئلت عن حكم الاحتفال بعيد المولد، ماذا قلت لهم؟ قال تعالى:

﴿ وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾

[ سورة هود : 120 ]

 إذا كان قلب سيد الخلق وحبيب الحق يزداد يقيناً بسماع قصة نبي دونه فلأن يمتلئ قلبنا إيماناً بسماع قصة سيد الأنبياء والمرسلين، هذه واحدة ، قال تعالى:

﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ ﴾

[ سورة المؤمنون : 69]

معرفة رسول الله جزء من الدين :

 إذاً معرفة رسول الله جزء من الدين، قال تعالى:

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ﴾

[ سورة سبأ : 46]

 ثلاث آيات ممكن أن نعقد جلسة في بيت، أو في مسجد، نتحدث عن شمائل النبي صلى الله عليه وسلم، عن أخلاق النبي، عن سيرة النبي، إلا أنك إذا سميت هذا عبادة فهو بدعة، سمّها دعوة إلى الله، المشكلة في التسمية فقط، الأصل في العبادات الحظر، ولا تشرع عبادة إلا بالنص الدقيق القطعي، أما الأشياء فالأصل فيها الإباحة، فسمّها دعوة إلى الله، سمّها دعوة للتعريف برسول الله لا تسمّها عبادة، إن سميتها عبادة هنا المشكلة فهي بدعة أما ضمن التعريف برسول الله فالباب واسع جداً.

 

الحبّ أصل في حياة كل مؤمن :

 الآن نحن عندنا بعلم النفس خارطة للإنسان، يسألونه حوالي ألف سؤال يجيب، إذا أحبّ أن يغير الحقيقة بجواب يقع في السؤال الثاني فتظهر خارطة هذا الإنسان على شكل خط عامودي، وفيها صفاته، مثلاً تمضي أوقات فراغك، فكره كلي أم جزئي، تفاصيل دقيقة جداً لو عملنا لإنسانين خارطتين وضعناهما جنباً إلى جنب هذا يحب أن يمضي نهاية الأسبوع في البيت، والثاني كذلك، خط عرضي كلما تشابهت صفتان في هذه الخارطة يكون هناك الحب والتوافق، الحب له قانون، إنسان يحب الكليات والآخر يحب الكليات، إنسان لا يحب المزاح الفاحش والثاني كذلك صار هناك توافق، فكلما توافقت صفتان في الإنسان وعددنا هذه التوافقات فإذا هي كثيرة كان هناك الحب، فالحب شيء لا تملكه أنت ولا أملكه أنا، التوافق يعمل حباً، فإذا كان المؤمنون مستقيمون طاهرون صادقون أوفياء متواضعون، كلها صفات مشتركة، لذلك الحب بين المؤمنين شيء طبيعي جداً، وأنا والله سافرت لمعظم بلاد العالم شخص لا أعرفه إطلاقاً والله كأن بيني وبينه علاقات منذ عشر سنوات، توافق الإيمان، فالأصل نحن في حياتنا توافق وتقاطع خطوط كثيرة جداً.
 الآن الأمة الإسلامية في أعلى مقوماتها الوحدة لماذا؟ لتشابه خصائص كل إنسان مؤمن مع الآخر، الأصل في الأمة الإسلامية الوحدة، لكن أعداء الأمة يؤججون الخلافات هذه خطة واضحة جداً، الطرف الآخر حينما رأى أنه عاجز عن إلغاء الإسلام عمد إلى تفجيره من الداخل، هذه الخطط الذكية عند الغرب لما عجز عن إلغاء الإسلام كدين كبير عمد إلى تفتيته من الداخل، هذا سماه العلماء: التفجير من الداخل، الشيء الدقيق أن أعداءنا - هذا والله شيء مؤلم جداً - يتعاونون، وبينهم خمسة بالمئة قواسم مشتركة، والمسلمون يتقاتلون وبينهم من القواسم المشتركة خمسة وتسعون بالمئة، ما قولك؟ والله هذا وصمة عار في حقنا.

التزكية علة وجودنا في الدنيا :

 الآن علة وجودنا في الدنيا - الآن دخلنا في الموضوع المقرر- قال تعالى:

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ﴾

[ سورة الشمس الآية : 9]

 ما التزكية؟ أن تتعرف إلى الله من خلال آياته الكونية والتكوينية والقرآنية، وأن تستقيم على أمره، وأن تعمل صالحاً تقرباً إليه، هذه الأمة الإسلامية هذا منهجها وهذه خصائصها، فشيء طبيعي جداً وحقيقي جداً أن التعاون مهم لنشر هذا الدين العظيم، لكن الإنسان حينما يتصل بالله - الآن دخلنا بالتفاصيل - يشتق من الله الكمال، مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً، مؤمن ماكر لا يوجد، مؤمن خبيث لا يوجد، مؤمن يتآمر لا يوجد، هذا الإيمان في حدّ دقيق جداً لا يمكن التنازل عنه.

(( يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب ))

[ أحمد عن أبي أمامة الباهلي ]

 فلذلك عندما قال تعالى:

﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾

[ سورة الأعراف: 180 ]

 الباء للاستعانة أكلت بالملعقة، أي استعن على أن تقبل على الله بكمال مشتق منه من خلال اتصالك به، تتصل بالله تشتق الرحمة.

(( من لا يَرحم لا يُرحم ))

[متفق عليه عن أبي هريرة]

 برحمة أودعت في قلبك من خلال اتصالك بالله تقبل على الله بهذه الأسماء، قال تعالى:

﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾

[ سورة الأعراف: 180 ]

 لذلك ابن القيم رحمه الله قال: الإيمان هو الخلق، ومن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان.
 لكن ما قولك أن الله بين كل مؤمنين؟ ما معنى بين كل مؤمنين؟ كل مؤمن يخشى الله أن يظلم المؤمن الآخر، وكل مؤمن يتقرب إلى الله بخدمة الطرف الآخر، هذا معنى الله بين المؤمنين.

 

من آمن أن علم الله و قدرته تطوله لا يمكن أن يعصيه :

 شيء آخر؛ ما من ركنين من أركان العقيدة اجتمعا مع بعضهما البعض كالإيمان بالله واليوم الآخر، الإنسان إذا آمن باليوم الآخر إيماناً حقيقياً الآن صار هناك قواسم مشتركة إن لم تنعكس مقاييسه مئة وثمانين درجة يكون إيمانه باليوم الآخر ضعيفاً جداً، مثلاً إنسان راكب سيارته والإشارة حمراء، وهو مواطن عادي، ليس له أية ميزة، إذا تجاوزها هناك غرامة كبيرة، سحب إجازة ومبلغ كبير، لماذا لا يخالف القانون؟ لأن واضع قانون السير علمه يطولك من خلال هذا الشرطي، وقدرته تطولك، وقبل الإلكترونيات الساعة الثالثة يمشي على اللون الأحمر باعتبار أنه لا يوجد شرطي، الآن في كل الأوقات القضية مضبوطة، فأنت حينما تؤمن أن واضع القانون علمه يطولك، وقدرته تطولك، لا يمكن أن تعصيه، هذا قانون الاستقامة، قال تعالى:

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾

[ سورة الطلاق : 12]

 قدرته تطولك وعلمه يطولك، إذا وضع وزير الداخلية شرطة عند الإشارات لا تستطيع أن تخالفه فكيف خالق الأكوان؟
 لذلك أيها الأخوة الكرام؛ في النهاية هذا المجتمع الإنساني تقع على رأسه زمرتان هم الأقوياء والأنبياء، الأنبياء ملكوا القلوب، و الأقوياء ملكوا الرقاب، الأقوياء عاش الناس لهم، والأنبياء عاشوا للناس، الأقوياء يمدحون في حضرتهم، والأنبياء يمدحون في غيبتهم، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، وأي واحد منا تبع لقوي أو نبي فهنيئاً لمن كان تبعاً للأنبياء لأنه يعطي.

 

الدين توقيفي لا يضاف عليه ولا يحذف منه :

 الشيء الدقيق أن الدين توقيفي بمعنى أنه لا يضاف عليه، ولا يحذف منه، إن أضفت عليه اتهمته بالنقص، إن حذفت منه اتهمته بالزيادة، توقيفي، لكن الخطاب الديني ممكن أن يكون فيه إبداع، الدين لا يضاف عليه ولا يحذف منه، وهناك خطاب ديني يخاطب العقل والقلب معاً، أحياناً الإنسان يخاطب العقل فقط، أحياناً يخاطب القلب – شطحات- لذلك قالوا: لا تكن داعية يصدح ولا داعية ينطح، كن داعية ينصح لا يمدح ولا يقدح.
 نحن في الشام عندنا محطة اسمها محطة الحجاز، محطة قطارات مع مرور السنوات والقرون أصبح البناء لونه أسود، هناك شركة أجنبية ضربت هذا الحجر برمل صار أبيض، أنا أفهم التجديد في الدين بالضبط أن تنزع عن الدين كل ما علق به مما ليس منه، هذا التجديد، أما الدين فتوقيفي من عند الخالق، خير مطلق، حق مطلق، جاءته أشياء و إضافات ليست منه.

 

أنواع الخطاب الديني :

 أيها الأخوة الكرام؛ الآن عندنا خطاب ردعي، وخطاب تحفيزي، البطولة أن تجمع بينهما، أي الدعاة عندما يتحدثون ملياً عن الثعبان في القبر، وعن النار، يغفلون آيات الجنة والإكرام، وقعوا في خطأ، لا بد من التوازن، اجمع بين الترهيب والترغيب، هذا على مستوى الأب مع أولاده، مستوى المعلم مع طلابه، مستوى المرشد الديني مع أخوانه، لا تجعل الدرس كله عن جهنم ولا عن العذاب، ولا عن الثعابين في النار، اجمع بين التبشير والتحذير، هناك عبارة أقولها هذه بطولة وليست سهلة: اجعل أولادك يحبونك بقدر ما يخافون منك، أو يخافونك بقدر ما يحبونك، هذه قضية في الوسط تحتاج إلى مهارة كبيرة جداً، هناك قسوة بالغة، نفور، وتساهل كبير، تجاوز، أما أن يحبك ابنك بقدر ما يخافك فهذه نقطة دقيقة جداً، قال تعالى:

﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾

[ سورة الرحمن: 78]

 تتساهل تأتي ضربة شبح مصيبة، تخاف زيادة، يأتي تكريم، الله عز وجل بين الجلال والإكرام، هو يحب أن تحبه بقدر ما تخافه، أو أن تخافه بقدر ما تحبه.
 يقول بعض العلماء الكبار: ماذا يفعل أعدائي بي؟ بستاني في صدري، إن حبسوني فحبسي خلوة، وإن أبعدوني فإبعادي سياحة، وإن قتلوني فقتلي شهادة، فماذا يفعل أعدائي بي؟
 هذه من عظمة المؤمن، سعادته تنبع من داخله.

 

الفرق بين اللذة و السعادة :

 عندنا لذة وعندنا سعادة، اللذة مشكلة كبيرة تحتاج إلى ثلاثة أشياء؛ تحتاج إلى وقت وإلى مال وإلى صحة، ولحكمة بالغة بالغة بالغة دائماً الإنسان ينقصه واحدة ، في البدايات الصحة جيدة وهناك وقت لكن لا يوجد مال، في المنتصف عنده معمل ومحل تجاري إذاً عنده مال و صحة لكن لا يوجد وقت، كبر بالسن سلّم أولاده المعمل صار عنده وقت وعنده ومال لكن لا يوجد صحة، أسيد أوريك على شحوم ثلاثية على...هكذا الدنيا، اللذة تحتاج إلى وقت وإلى مال وإلى صحة، أما السعادة فلمجرد أن تنعقد الصلة بالله أنت أسعد الناس، وإن لم تقل: ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني فهناك مشكلة كبيرة جداً.
 الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق- الشاهد في الثالثة - و النبي قرآن يمشي، أنا الآن اجتهاد مني إن لم ير الناس إسلاماً يمشي أمامهم لن يقتنعوا بهذا الدين، الدين كأفكار و كمعلومات هناك ألف منافس له، أما الدين كسلوك فهو شيء يلفت النظر.

العبادات الشعائرية لا تصح ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية :

 لذلك أيها الأخوة الكرام؛ العبادة الشعائرية كالصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، هناك نصوص مخيفة:

(( يؤتى برجال يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة يجعلها الله هباء منثوراً، قيل: يا رسول الله جلهم لنا، قال: إنهم يصلون كما تصلون، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها))

[ ابن ماجه عن ثوبان]

 انتهينا من الصلاة.

(( مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ))

[البخاري وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة ]

 انتهى الصيام.

(( من حج بمال حرام فقال : لبيك اللهم لبيك ، قال الله له : لا لبيك ولا سعديك حجك مردود عليك))

[الأصبهاني في الترغيب عن أسلم مولى عمر بن الخطاب ]

 الزكاة:

﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾

[ سورة التوبة: 53]

 التوحيد:

((من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل وما حقها؟ قال: أن تحجبه عن محارم الله))

[ الترغيب والترهيب عن زيد بن أرقم بسند فيه مقال كبير ]

 العبادات الشعائرية لا وزن لها ولا تصح ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية، الأمانة والاستقامة والوفاء، فلذلك أيها الأخوة الكرام؛ الذي أريد أن أنهي به هذه الكلمة إن شاء الله أن بطولتك في أن تعرف الله أولاً، إن عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، وإن عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في معصية الآمر.
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين. اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور