وضع داكن
19-04-2024
Logo
مختلفة - المغرب : 4 - مسجد الهدى - جلسة مصورة خاصة في مدينة فاس بالمغرب .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

مقدم الندوة :
 الآن لا يكاد يخلو بيت من بيوت المغاربة خاصة والعالم الإسلامي عامة إلا ويعرف فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، موسوعته لا يكاد أحد من طلبة العلم يبتعد عن دخولها والبحث فيها مرات في اليوم، وهو رجل موسوعي وإن كان تخصصه في آداب اللغة العربية، ولذلك يستمتع معه كل من يستمع إلى نظراته وخواطره، يستمتع بهذه العربية التي كدنا نفقدها، وكدنا لا نعود نسمع لها، ونتذوق لها طعماً كما عهدناها في أصلها.
الدكتور راتب:
 هذه نعمة لا يعرفها إلا من فقدها.

سبب عدم تمكين الدين الإسلامي في الأرض في وقتنا الحالي :

 أيها الأخوة الكرام؛ أنا أتصور أن زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، إله، قال تعالى:

﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً ﴾

[ سورة النساء : 87]

﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ﴾

[ سورة التوبة: 111 ]

 ماذا قال؟ قال تعالى:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 أنا يمكن أن يسمح لي أن أذكر الحقيقة المرة لأني أراها أفضل الف مرة من الوهم المريح، نحن كأمة إسلامية هل نحن مستخلفون في الأرض؟ لا والله، قال تعالى:

﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 هل هذا الدين ممكن أم يواجه حرباً عالمية ثالثة كانت تحت الطاولة اليوم فوق الطاولة؟ قال بعض أعضاء الكونغرس: بما أن الغرب مهيمن على الشرق لن نسمح بقيام حكم إسلامي. والذي حدث يؤكد هذا الكلام، قال تعالى:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 هذا قانون، من مسلمات العقيدة، من قوانين الله عز وجل إن صح التعبير، أو من سننه القطعية، قال تعالى:

﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 هذا الدين ليس ممكناً في الأرض بل يواجه حرباً عالمية ثالثة كان قبل حين تحت الطاولة اليوم فوق الطاولة جهاراً نهاراً، قال تعالى:

﴿ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 وهذا غير محقق، لسنا آمنين، لسنا مستخلفين، ولسنا ممكنين، وهذه حقيقة مرة، إذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:

(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس]

 فكيف إذا كنا ملياراً وسبعمئة مليون؟ كيف وليست كلمتنا العليا وليس أمرنا بيدنا والآخر علينا ألف سبيل وسبيل؟ أين الخلل؟ قال تعالى:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 آخر كلمة في الآية تحل بها المشكلة، قال تعالى:

﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 فإذا أخلّ الطرف الآخر بما كلف به من عبادة فالله جلّ جلاله في حلّ من وعوده الثلاثة،

﴿يَعْبُدُونَنِي﴾

  والعبادة لا كما نتصورها- صلاة وصوم وحج وزكاة- العبادة خضوع لمنهج الله في كل شيء، في كسب أموالنا، في إنفاق أموالنا، في اختيار زوجاتنا، في تربية أولادنا، في عطائنا، في منعنا، في غضبنا، في رضانا، هذا خضوع كامل، وهذا المنهج قد يصل آلاف مؤلفة من البنود.

 

أي شيء في الكون له وظيفتان؛ وظيفة نفعية ووظيفة إرشادية :

 نحن نفهم الإسلام على أنه عبادات شعائرية؛ صلاة وصوم وحج وزكاة، هذه عبادات شعائرية، والدليل اسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم:

((بني الإسلام على خمس))

[البخاري وابن خزيمة عن عبد الله بن عمر ]

 الإسلام غير الخمس، هذه أعمدة، هذه ركائز، الإسلام منهج تفصيلي يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان وينتهي بالعلاقات الدولية، هذا الإسلام، فما لم نخضع لهذا المنهج بتفاصيله، بدقائقه، لن نقطف ثماره، لكن حكمة الله ورحمته أن الفرد المسلم إذا عرف الله، واستقام على أمره، وأحسن إلى خلقه، له معاملة خاصة، قال تعالى:

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء : 147]

 هذا الكون مسخر لنا تسخير تعريف، رأى النبي صلى الله عليه وسلم الهلال فقال:

(( هِلالٌ خَيْرٍ وَرُشْدٍ ))

[ رواه أبو داود عن قتادة ]

 خير ننتفع به، ورشد يرشدنا إلى الله عز وجل، أي شيء في الكون له وظيفتان؛ وظيفة نفعية ووظيفة إرشادية، لعل الغرب حقق الوظيفة الأولى أعظم تحقيق، انتفع من كل شيء، أما الإرشادية فلم يحققها، فإذا قصر المسلمون في تحقيق الأولى والثانية معاً هذه مشكلة كبيرة جداً، فلذلك

﴿يَعْبُدُونَنِي﴾

  قيل في العبادة بتعريف جامع مانع: هي طاعة طوعية، ليست قسرية، ربنا خلقنا، حياتنا بيده، رزقنا بيده، من حولنا بيده، الأقوياء بيده، الضعفاء بيده، مع كل هذه الخصائص ما أراد أن نعبده إكراهاً، قال تعالى:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

[ سورة البقرة : 256 ]

 أراد أن تكون علاقة عباده به علاقة حب، قال تعالى:

﴿ وَالَّذينَ آمَنوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾

[سورة البقرة: ١٦٥]

﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾

[ سورة المائدة : 54 ]

 لذلك يقول ابن القيم: من أعجب العجب أن تعرفه ولا تحبه، ومن أعجب العجب أن تحبه ثم لا تطيعه. مستحيل إنسان يتعرف إلى الله ثم لا يحبه، الله عز وجل أسماؤه حسنى كلها، صفاته علا، هو عنده النوال والكمال والجمال، عنده كل شيء:

(( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء...))

[ تفسير ابن كثير]

التفكر في خلق السموات والأرض أقصر طريق إلى الله :

 الآن عندنا إشكال، قال تعالى:

﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 فإن قصرنا في العبادة فالله في حلّ من وعوده الثلاثة، هل هناك تفصيل؟ نعم ورد في الأثر القدسي: " ليس كل مصلٍّ يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي" هل فكرنا في خلق السموات والأرض؟ هل وقفنا عند آياته الكونية والتكوينية والقرآنية؟ هل وقفنا مع الكونية تفكراً ومع التكوينية نظراً ومع القرآنية تدبراً؟ هل فعلنا هذا؟ أقصر طريق إلى الله وأوسع باب ندخل منه على الله التفكر في خلق السموات والأرض، وإذا كان بالقرآن ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون والإنسان ما الموقف الكامل من هذه الآيات؟ كل أخ كريم من أخواننا الحاضرين وأخواتنا الفضليات إذا آية أمر ينبغي أن نأتمر، وإذا آية نهي ينبغي أن ننتهي، وإذا قصة عن نبي ينبغي أن نتعظ، فإذا وجدنا في القرآن الكريم ألفاً وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون ما الموقف منها؟ لذلك: " ليس كل مصلٍّ يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي".

 

الله عز وجل علمه يطولك وقدرته تطولك :

 طبعاً إبليس آمن بالله، قال تعالى:

﴿ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾

[سورة ص: 82]

﴿ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾

[سورة الأعراف: 14]

 آمن بالله رباً وعزيزاً، وآمن بالآخرة، ومع ذلك هو إبليس اللعين، إذاً أين الخلل؟ قال تعالى:

﴿ إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ﴾

[سورة الحاقة:33]

 ما آمن به عظيماً آمن به الإيمان الساذج العادي، أما ما آمن به عظيماً، لو آمن به عظيماً لا يمكن أن نخرج عن أمره، راكب سيارتك والإشارة حمراء، أنت مواطن، ممكن لو خالفت الإشارة أن تدفع ثمناً كبيراً جداً، وقد تحجز المركبة، لأن علم واضع القانون يطولك من خلال هذا الشرطي، وقدرته تطولك من خلال هذا الشرطي، إذاً لا يمكن أن تعصيه، متى تعصيه قديماً ليس الآن؟ الساعة الثالثة بالليل ليس هناك شرطي، الآن يوجد كاميرات، الوضع اختلف، إذاّ حينما تتصور أن علمه لا يطولك وأن قدرتك لا تطولك تعصيه، الآن اسمعوا القرآن الكريم:

﴿ اللَّهُ الَّذي خَلَقَ سَبعَ سَماواتٍ وَمِنَ الأَرضِ مِثلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمرُ بَينَهُنَّ لِتَعلَموا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَد أَحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلمًا ﴾

[ سورة الطلاق: ١٢]

 الله عز وجل اختار من أسمائه في هذا الموضوع العلم والقدرة، أي الله عز وجل علمه يطولك وقدرته تطولك، وأنت في قبضته فكيف تعصيه؟

 

قضية الدين قضية خطيرة جداً :

 أخواننا الكرام؛ قضية الدين قضية خطيرة جداً، قضية حياة أو موت، سعادة أو شقاء، توفيق أو تعسير، قضية تقزم أو كبر، كبر الإيمان، كبر الإسلام، كبر الصلة بالله عز وجل، فليس لنا خيار، نحن خيارنا أن نسعى، والآية خطيرة جداً، قال تعالى:

﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾

[ سورة القصص: 50]

 لا يوجد طريق ثالث، إما أن تكون مع الحق أو تكون بخلاف الحق، القضية واضحة جداً، والله ما كلف الإنسان فوق طاقته، إذاً نعود إلى الأثر القدسي: " ليس كل مصلٍّ يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي.."

ومضة من ومضات الإعجاز العلمي :

 ومضة واحدة فقط؛ الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، أي مليون وثلاثمئة ألف أرض تدخل في جوف الشمس، وبينهما مئة و ستة و خمسون مليون كيلو متر، وإذا قال الله عز وجل:

﴿ وَالسَّماءِ ذاتِ البُروجِ ﴾

[سورة البروج: ١]

 البروج جمع برج، الأرض في دورتها حول الشمس تمر باثني عشر برجاً، منها برج العقرب، هذا برج العقرب فيه نجم صغير اسمه قلب العقرب، هذا النجم يتسع للأرض والشمس مع المسافة بينهما، قلب العقرب يتسع للأرض والشمس مع المسافة بينهما، هذا الإله العظيم يعصى؟ ألا يطلب وده؟ ألا ترجى جنته؟ ألا تخشى ناره؟

تعصي الإله وأنت تظهر حبه  ذاك لعمري في المقال شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطـعتـــه  إن المحب لـمن يحب يطيع
* * *
لو شاهدت عيناك من حسننـــا  الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا  خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــــــا
ولو ذقت مـن طعم المحبـــة ذرة  عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـة  لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــا
فما حبنا سهل وكل من ادعــى  سهولته قلنا له قــــــــــــد جهلتنــــــــــــا
***
فأيسر مافي الحب للصب قتـلـه  وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنـــا
***

أصل الدين معرفة الله عز وجل :

 لذلك أخواننا الكرام؛ "..إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي" لا بد من التفكر في خلق السموات والأرض كي نعظمه، وكأن تعظيمه هو معرفته، لذلك أصل الدين معرفة الله، إنك إن عرفته ثم عرفت أمره تفانيت في طاعته، أما إذا عرفته ولم تعرف أمره فتتفنن في معصيته، هذه واحدة..

من لم يستقم على أمر الله لن يقطف من ثمار الدين شيئاً :

 "..إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، وكفّ شهواته عن محارمي" سؤال: كم نوع تجارة يوجد بالأرض؟ أنا أتصور من فوق المليون، وكم مستوى في الأرض؟ بائع على الرصيف إلى صاحب شركة جينرال الكتريك، أنواع التجارات لا تعد ولا تحصى، ومستوى التجارات لا تعد ولا تحصى، هل بإمكانكم جميعاً أن تضغطوا التجارة جميعاً بكلمة واحدة؟ أنا أقول: نعم، إنها الربح، فإن لم تربح فلست تاجراً، هل يمكن أن أضغط الدين كله في كلمة؟ إنها الاستقامة، فإن لم تستقم لن تقطف من ثمار الدين شيئاً، دين من دون استقامة فولكلور، بلا استقامة يقول لك: تراث، أو يقول لك: خلفية إسلامية، له خلفية إسلامية، أو توجهات إسلامية، أو عواطف إسلامية، أو بطاقة معايدة إسلامية، أو قوس إسلامي، أو زخرفة إسلامية، أما الدين فهو منهج تفصيلي دقيق، فما لم تطلب معرفة هذا المنهج، وما لم تأتمر بما أمر الله، وتنتهي عما نهى عنه الله عز وجل فالطريق إلى الله غير سالك..
 " ...إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، وكفّ شهواته عن محارمي" هذه الاستقامة، أنا أقول كلمة: كنت مرة بأمريكا، دخلت إلى معمل سيارات كاديلك، بقيت به سبع ساعات، قال لي المرافق: هذه السيارة فيها ثلاثمئة ألف قطعة، أنا كراكب سيارة أعرف أن لها غلافاً معدنياً، مقاعد، عجلات، محرك بنزين، سائقاً، أنا اختصروا عندي لستة، الآن الدين فيه مليون موضوع.

 

حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح :

 أنا بهذا اللقاء القصير سوف أضغطهم إلى ستة، أن تعرف الله، أصل الدين معرفته، وأن تستقيم على أمره، الاستقامة سلبية، يقول لك: أنا ما أكلت مالاً حراماً، أنا ما كذبت، أنا ما غششت، طابعها سلبي، طابعها ترك، تركت الكذب والخيانة والغش وما إلى ذلك، إيجابي ماذا فعلت؟ تحتاج إلى عمل صالح، حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، قال تعالى:

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾

[ سورة المؤمنون : 99-100]

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾

[ سورة الأنعام: 132]

 حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، كأن الاستقامة طريق كان فيه صخور على عرض الطريق تعيق السير فيه، فالاستقامة أزلت هذه الصخور، وأما العمل الصالح فسرت على هذا الطريق، قال تعالى:

﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾

[ سورة فاطر: 10]

 والاستقامة أزلت العقبات.

 

الاستقامة أهم شيء في الدين :

 أيها الأخوة الكرام؛ "...ممن تواضع لعظمتي، وكفّ شهواته عن محارمي، ولم يصر على معصيتي- التوبة عند كل خطأ يوجد توبة، أي عمل صالح- وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب، وآوى الغريب، كل ذلك لي- إخلاص، صار معرفة، استقامة، عمل صالح، إخلاص- وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوأ عندي من نور الشمس، على أن أجعل الجهالة له حلماً، والظلمة نوراً، يدعوني فألبيه، يسألني فأعطيه، ويقسم عليّ فأبره، أكلأه بقربي، وأستحفظه ملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها، ولا يتغير حالها".
 أخواننا الكرام؛ يجوز أن يكون هناك حقيقة مرة، إذا الواحد منا بلغ الأربعين، أنا فوق السبعين، الأربعون سنة التي مضت كيف مضت؟ مضت كلمح البصر، وإذا كان هناك أربعون أخرى تمضي أيضاً كلمح البصر، أليس كذلك؟ فجأة على شفير القبر، رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبق لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت.
 طرفة على موعظة؛ شاب في مصر له أب ملياردير، هذا الشاب سمع هذا الحديث: رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبق لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت، بحث عن إنسان فقير جداً يكاد يموت من الجوع، بعد الأوصاف التي وردت يرتدي كيس قمح، فتحه من الأعلى لرأسه، ومن طرفيه ليديه، وأحضر حبلة ربطه بها، أعطوه عشر جنيهات لينام في هذه الليلة مع أبيه في القبر، فتحوا لها طاقة ليتنفس منها، الآن - هذه القصة ليست واقعية- جاء الملكان فرأيا شخصين، قال أحدهما للآخر: عجيب، يوجد اثنان في القبر، يبدو أن الحي خاف فتحرك، فقال له: هذا حي وليس بميت، بدؤوا به فأجلسوه، بدؤوا بالحبل من أين جئت به؟ قال: من بستان فلان، كيف دخلت إلى البستان؟ تلعثم، انهالوا عليه ضرباً، ففي صبيحة اليوم التالي خرج من القبر وقال: أعان الله أباكم. قال تعالى:

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة الحجر:92-93 ]

 والله أنا ليس من عادتي أن أروي منامات أبداً، لي أستاذ له فضل عليّ كثير، له عمة توفيت، شاهدها في المنام تشتعل ناراً، ما هذا المنام؟ تألم كثيراً، بقي ثمانية أشهر يراها كذلك، ثم وجدها تلبس ثوباً أبيض، وغطاء أبيض، الوضع اختلف، قال لها: عمتي ما قصتك؟ قالت له: الحليب..ما الحليب ما فهم، سأل، جاء، دقق خلال شهر حتى عرف، كان عندها أولاد زوج، وعندها أولادها، أولادها الكأس بكامله حليب، أولاد زوجها نصف الكأس حليب ونصفه ماء.
 يا أيها الأخوة؛ كلما كنت ذكياً أكثر تخاف من الله أكثر، كلما كان عندك عقل كبير تستقيم، مع الله لا يوجد مزح، مع الله لا يوجد غير مستقيم، لا يوجد ذكي، يؤتى الحذر من مأمنه، مرة كنت في أمريكا تفاجأت، طبيب دخلت إلى بيته ليس معقولاً ارتفاع السقف يقدر بعشرين متراً، مسبح مفلتر بداخل البيت، بيت مثل الخيال، الأطباء في أمريكا أعلى دخل دخلهم، دخل فلكي، لكن هذا الإنسان وضعه العام ليس وضعاً نشيطاً، في إنكسار، ماذا يعمل؟ طبيب قلب، معه احتشاء بالقلب، عمره ثلاث وأربعون سنة، هناك كل مرض يهد الجبابرة، أنت بقبضة الله، قال تعالى:

﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾

[ سورة هود: 112 ]

 أنا هذا اجتهادي، أهم شيء في الدين الاستقامة، هناك أشياء كثيرة لو كان هناك تقصير فيها لا يوجد مشكلة، لكن الاستقامة حدية، أنت مثلاً إذا كان هناك مستودع للمواد البترولية مثقوب ثقباً، هذا المستودع سينزل مستواه، يوجد ثقب يفرغه في شهر، وثقب يفرغه بخمسة عشر يوماً، وثقب يفرغه بيوم، وإذا لم يكن له قعر لا يمتلئ إطلاقاً، الاستقامة حدية، مستودع محكم، محكم أي لا يوجد حالة ثانية، العمل الصالح نسبي، هذا قدم مئة، هذا قدم ألفاً، إملاء المستودع المحكم ممكن بالتساوي، واحد معه ثمن مئة لتر، الثاني معه ثمن خمسمئة لتر، الإملاء نسبي، أما الإحكام فحدي، أي بالاستقامة لا يوجد حل وسط، لا يوجد بين بين، لا يوجد نصف نصف، الاستقامة حدية لها حد دقيق، لذلك الحرب بين حقين لا تكون، لأن الحق لا يتعدد، مثلاً ارسم خطاً مسقيماً بين نقطتين، يأتي الثاني فوق الأول، لو رسمت مليون خط فوق بعضهم، والحرب بين حق وباطل لا تطول لأن الله مع الحق، والحرب بين باطلين لا تنتهي، راحت مع العمر.

 

عظمة هذا الدين أنه دين فردي وجماعي معاً :

 أدق شيء أريد أن أقوله الآن: عظمة هذا الدين أنه دين فردي ودين جماعي في آن واحد، تطبقه الأمة تنتصر، الأمة لا تطبقه طبقه بمفردك تقطف كل ثماره الفردية، سعادة، توازن، ثقة بالله، تفاؤل، سكينة، وقار، رزق حلال، زوجة صالحة، أولاد أبرار، بنات صالحات:

((اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا ))

[ رواه ابن ماجه وأحمد والدارمي عَنْ ثَوْبَانَ]

 نظر ثاقب، تماسك نفسي، توفيق بعملك، ربح حلال، تربي أولادك، أقول لك بجنة، مرة أخ عاد من الحج قال لي وبكى: ليس على وجه الأرض إنسان أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني.
 يا أخوان؛ كنت بجدة، أروني بناء من أربعة عشر طابقاً، قالوا: هذا له قصة، ما هي القصة؟ بدوي عنده أرض بشمال جدة، لا يعرف سعرها الحقيقي، غير مثقف ثقافة تجارية، بعيدة خمسون كيلو متراً عن جدة، الآن جدة قطرها يقدر بتسعين كيلو متراً، عندما توسعت جدة كثيراً اقتربت من أرضه، فارتفع سعرها، فنزل وباعها إلى مكتبٍ عقاريٍ خبيثٍ جداً، اشتراها منه بربع ثمنها، وأنشأ عليها بناءً كبيراً، هم شركاء ثلاثة، أول شريك وقع من أعلى البناء فنزل ميتاً، والثاني دهسته سيارة، فانتبه الثالث، ربط موت شريكيه بالاحتيال على صاحب الأرض – البدوي- بحث عن صاحب الأرض ستة أشهر، حتى عثر عليه، فأعطاه ثلاثة أضعاف حصته، فقال له هذا البدوي: ترى أنت لحقت حالك، ونحن كلنا ما دام القلب ينبض بإمكاننا أن نستدرك الخطأ السابق، الصلحة بلمحة.
 حفظ الله لكم إيمانكم، وأهلكم، وأولادكم، وصحتكم، ومالكم، واستقرار بلادكم، اللهم أطعم من أطعمنا، واسق من سقانا، وأكرم من أكرمنا، أكل طعامكم الأبرار، وصحبكم الله عز وجل في كل أعمالكم.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور