وضع داكن
25-04-2024
Logo
ماليزيا- ديناً قيماً 1 - الحلقة : 28 - الرضا بمكروه القضاء والرضا بالله والرضا عن الله
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:

صغير يطلب الكبـــــــــرا   وشيخ ودّ لــــــو صغـــــــــــــرا
وخالٍ يشتهي عمـــــــلاً   وذو العمل بــــــــه ضجــــــــرا
ورب المال في تعــــــب   وفـــــي تعــــــب من افتقــــــرا
ويشقى المرء منهزمـــاً   ولا يرتـــــــــــاح منتصـــــــــــــرا
ويبغي المجد في لهف   فإن يظفـــــــــــر به فتــــــــــــرا
فهل حاروا مع الأقدار   أم هم خيّـــــــــــــروا القــــــــدرا
شكاة مالها حكــــــــــــــــم   سوى الخصمين إن حضرا
***

 هذه الأبيات تدل على عدم رضا الإنسان بما قسمه الله تبارك وتعالى له، ترى ما هو الرضا؟ وما أنواعه؟ كيف يكون الرضا بالله والرضا عن الله؟ وكيف يرضى الله سبحانه وتعالى عن عباده؟ وكيف ندخل أنفسنا فيمن رضي الها عنهم تبارك وتعالى وأرضاهم؟ هل يرضى الله عنهم وهل نرضى نحن عن الله عز وجل؟ كيف يكون رضا العبد على الرب؟ الرضا حلقة جديدة في برنامج: " ديناً قيماً " أهلاً بكم.
 مشاهدينا الكرام؛ مستمعينا الأعزاء؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً بحضرتكم معنا إلى حلقة جديدة، في هذا البرنامج نرحب بحضرتكم، كما نرحب بضيفينا الكريمين العالمين الجليلين الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، والشيخ الدكتور عمر عبد الكافي، مرحباً بكما في هذه الحلقة.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع:
 وفيك بارك، شيخنا فيم تحب أن نتكلم هذه الحلقة؟
الدكتور راتب :
 والله حالة الرضا عند المؤمن حالة أساسية، هو راض عن الله عز وجل في كل شيء لمعرفته به، وأصل الدين معرفة الله عز وجل، إنك إن عرفت الله عرفت كل شيء، وإن فاتتك المعرفة فاتك كل شيء، والله أحبّ إلينا من كل شيء.
المذيع:
 إذاً عن الرضا؟
الدكتور راتب :
 نعم.
المذيع:
 شيخنا الدكتور عمر ما الرضا؟

 

تعريف الرضا :

الدكتور عمر :
 إذا نزل بالإنسان أمر نعمة أو بلية:

قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت  ويبتلي الله بعض الناس بالنعم
***

 قد أرى بظاهر عقلي البسيط أن هذه بلية، وقد أرى بظاهر عقلي أن هذه نعمة، لكن يوجد قضية؛ اطلب من الله ما شئت وخذ قدرها هماً، أي أنا أريد ابناً، خذ هذا الابن، وخذ المشاكل، يريد مالاً، خذ المال وخذ بقدره هماً، حريص عليه وقد تبخل به، يريد منصباً، خذ المنصب.
 فالرضا أعلى درجات اليقين بالله، والقرب من الله، الرضا بمواضع القدر، لأن العبد عبد والرب رب، ورب العباد لا يعطي العبد إلا ما يصح، فإن من عباد الله الغني لا يصح له إلا الغنى، لو أفقره لهزل حاله، ومن عباد الله الصحيح لا تصح له إلا الصحة، فكن مع مقادير الله عز وجل حيثما أراد الله بك، إذا أراد الله بك كن ما تكون، أنت في صلاة الاستخارة، إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني فعجله لي، ويسره لي، وبارك لي فيه، الثاني اصرفني عنه، واصرفه عني، لماذا؟ لأنك أنت عبد ضعيف، الملكات لا ترى من خلال حجب الغيب، وإنما ثق فيما أعطاك الله، هو الخير، واعلم أن رزقك محفوظ عند الله، فلا تحن هامتك إلا لله، ولا تطأطئ إلا لله، وكن واثقاً من فضل الله عليك.
المذيع:
 في قوله تعالى:

﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم وَرَضوا عَنهُ ﴾

[سورة المائدة: ١١٩]

 كيف نفهم الرضا من قبل الله سبحانه وتعالى للعبد والعبد لله تبارك وتعالى؟

 

الرضا من قِبل الله عز وجل للعبد و الرضا من قِبل العبد لله تعالى :

الدكتور راتب :
 حينما يخضع العبد لربه يرضى الله عنه، حينما يقبل قضاءه وقدره الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين، كل شيء وقع أراده الله، لا تعني أنه أمر به، ولا رضيه، بل سمح به، وكل شيء أراده الله وقع، الإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة.
المذيع:
 هل الرضا هو الإيمان؟
الدكتور راتب :
 من فروع الإيمان.
الدكتور عمر :
 رجل أراد أن يسافر إلى بلد هو وابنه يملكون من الدنيا حماراً، وضعوا عليه أثقالهم، وتحركوا، عثر الحمار بحجر فانكسرت رجله، فاستغنوا عنه، حمل الأب وولده الأحمال، فبدأ الولد يتذمر قال: يا بني ما خبأه الله أعظم، اسكت يا بني لا تعرف ما في المستقبل، بعد قليل جرحت رجل الرجل، فلا يستطيع أن يحمل، فحمل الولد الحملين عنه وعن أبيه، ما هذا الذي نحن فيه؟ ما سوف تراه أعظم، إلى أن أصاب عقرباً الولد نفسه، فسبحان الله العظيم، وصلوا إلى المدينة متأخرين ستة أيام، وجدوا أن زلزالاً مدمراً ضرب المدينة، ما بقي عليها شيء.

﴿الَّذينَ يُؤمِنونَ بِالغَيبِ ﴾

[سورة البقرة: ٣]

 إن الغيب مخبأ، وهذا الإيمان الراضي، قال علي رضي الله عنه: من يزرع شجرة الرضا يجد لها جذعاً وهو الصبر، الرضا ثمرة الصبر، لماذا؟ سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري، وأصبر حتى يأذن الله في أمري، وأصبر حتى يعلم الصبر أنني صابر على شيء أمر من الصبر، وتثمر ثمرة الرضا، ثمرة الرضا عندما تثمر تستوي عند الإنسان النعمة والبلية لأنه يعلم أنهما من الله.
الدكتور راتب :
 تأكيداً لكلام أستاذنا:

﴿قُل لَن يُصيبَنا إِلّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا ﴾

[سورة التوبة: ٥١]

 لنا ليس علينا، فالمؤمن متفائل لأنه يؤمن إيماناً قطعياً أن الله سبحانه وتعالى كما قال لرسوله:

﴿ فَإِنَّكَ بِأَعيُنِنا ﴾

[سورة الطور: ٤٨]

 وكل آية متجهة إلى النبي الكريم للمؤمن نصيب منها بقدر إيمانه وإخلاصه

﴿ فَإِنَّكَ بِأَعيُنِنا ﴾

 برعايتنا، بعطائنا، بإكرامنا لك.
المذيع:
 في قوله تعالى لرسول الله عليه الصلاة والسلام:

﴿وَلَسَوفَ يُعطيكَ رَبُّكَ فَتَرضى﴾

[سورة الضحى: ٥]

 أي رضا يرضاه الرسول؟

 

الرضا الذي يرضاه الرسول صلى الله عليه وسلم :

الدكتور عمر :
 الرسول صلى الله عليه وسلم تهمه أقدار أمته، ومصائر أمته، كل الأنبياء يوم القيامة وكل المقربين من الملائكة دعوتهم: يا ربي سلم، يا ربي سلم، إلا إنساناً واحداً يقول: يا ربي أمتي، يا ربي أمتي، رضاه التام أن يرى أمته في الجنة، لكظيظ أمتي على أبواب الجنة أحب إلي من أي شيء، هذا ما يرضاه النبي، وقل لمحمد يا جبريل إننا لنرضيه ولا نسوءه في أمته، فخبره الله عز وجل وخبر الصحابة ألا ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ شطر أهل الجنة- نصفهم-؟ خبر الصحابة ألا ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ إن أهل الجنة مئة وعشرون صفاً وأمتي ثمانون صفاً هنا يرضى النبي صلى الله عليه وسلم.
الدكتور راتب :
 وكل آية موجهة للنبي الكريم للمؤمن منها نصيب بقدر إيمانه وإخلاصه،

﴿وَلَسَوفَ يُعطيكَ رَبُّكَ فَتَرضى﴾

المذيع:
 من أنواع الرضا الرضا بالله والرضا عن الله ما معناهما؟

 

تعريف أنواع الرضا :

الدكتور راتب :
 رضي به، الباء باء الاستعانة، عن التجاوز، أي رضي عنه، بمعنى أنه قبِل قضاءه وقدره برضاه، أما يرضى به أي بمعرفته، فالسبب هنا أنا عن طريق معرفتي بالله، وعن طريق تطمين الله لي، وعن طريق القرآن الكريم أرضى.
المذيع:
 أفلا يرضى شيخنا من الرضا الخنوع والذلة والضعة بدعوة أن هذا قضاء الله وقدره؟

الرضا سكينة في النفس و ليس ضعة و خنوعاً :

الدكتور عمر :
 الرضا هو بستان العارفين في قلوب المؤمنين، الرضا أن تتنقل بين أزهار الرضا ورياحينه، وتشعر بسكينة في النفس فتسعد في الدنيا والآخرة، ترى نفسك راضياً، وفي نفس الوقت ترى نفسك مرضياً من الهف عز وجل إذا رضيت، لماذا؟ لأنك قبلت قضاء الله عز وجل، " إذا قال العبد إذا أصيب بمصيبة: إنا لله وإنا إليه راجعون، قال الله عز وجل: أسلم عبدي واستسلم"
 ويقال في الأثر: " إن الملائكة تقول عندما يصاب العبد ويبتلى ويقول: إنا لله وإنا إليه لراجعون يقولون قد اصطلح العبد مع ربه، وعاد الآبق إلى مولاه ".
المذيع:
 كيف نفهم هذا والرسول صلى الله عليه وسلم عندما مات ابنه قال: إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع، أين كان الرضا عندئذ؟

مواقف تبين رضا النبي عليه الصلاة والسلام :

الدكتور راتب :
 حينما يأتي الإنسان مصيبة، ويقبلها من الله عز وجل، ولا ينفي قبوله لها، الحزن لا يتناقض مع الرضا إطلاقاً، هذا فعل الله عز وجل، فلذلك المؤمن حينما يرى فعل الله عز وجل يرضى عنه، لكن هذا لا يمنع أن يكون حزيناً، والدليل ابن النبي الكريم، إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا عليك يا ابراهيم لمحزونون.
المذيع:
 في كلام النبي في بستان ابن شبلة لما دخل قال فيما قال: " لك العتبى حتى ترضى" ما معنى هذا؟
الدكتور عمر :
 ذكرتنا بدعاء النبي عليه الصلاة والسلام، هذا دعاء الفرج، والله ما قاله مكروب إلا وفرج كربه، لكن يقوله بيقين، أي هو يستشعر ضعفه في الدنيا، يا ربي أنت ترى هواني على الناس، أنهم لا يصدقوني " إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري؟- ثم ينتبه إلى حقائق الرضا والإيمان- إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أضاءت له السماء والأرض، وسهل عليه أمر الدنيا والآخرة، لك العتبى حتى ترضى".
 يا رب عاتب كما شئت، ولمني كما شئت، وامتحني كما شئت، فإني صابر، المهم أن ترضى:

﴿وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ المُنتَهى﴾

[سورة النجم: ٤٢]

الدكتور راتب :
 لكن عبوديته تعنيني، لكن عافيتك أوسع لي هذا واقعي.
المذيع:
 لماذا بكيت شيخنا الدكتور عمر؟
الدكتور عمر :
 نحن في عالم صاحب الحق يتهم بأنه صاحب باطل، وأن تقوم التحوت، وتهلك الوعول، وتنطق الرويبضة.
 فعلينا أن نستغل وجود علماء يربون الأمة على منهج الله، ويعيدون القطعان الشاردة إلى حظيرة الإيمان مرة أخرى، فماذا تقول؟ نسأل الله أن يهدي قومنا فإن كثيراً من قومنا لا يعلمون.
المذيع:
 صحح لي الأثر، في الأثر:" لما نزل سيدنا جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم قال له: أبلغ أبا بكر أن الله راض عنه فهل هو راض عن الله؟" هل هذا الأثر صحيح؟ وكيف يرضى أبو بكر الصديق عن الله؟

 

كيفية تحصيل الرضا :

الدكتور راتب :

﴿إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجعَلُ لَهُمُ الرَّحمنُ وُدًّا﴾

[سورة مريم: ٩٦]

 هذه مودة من الله أعلى درجة.
المذيع:
 نختم بها، كيف نحصّل الرضا؟

 

الدكتور عمر :
 إذا صبرت وصابرت وصرت مصابراً مصطبراً وصلت إلى درجة الرضا.
الدكتور راتب :
 والرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين.
المذيع:
 أي يحتاج إلى تدريب؟
الدكتور راتب :
 نعم لا يوجد مانع.
الدكتور عمر :
 إذا كان لاعب الكرة يلعب في الملعب إحماء من أجل أن يتجهز، فيجب أن نجهز الناس لتقبل الإيمان، نعمل لهم بيئة، لو ألف بان خلفهم هادم واحد لكفى، فكيف ببان خلفه ألف هادم؟ نحن نخرج عشر دقائق على الشاشة، أي ماذا فعلت مثلاً؟ الشيخ راتب والشيخ عمر ينطقون في البرية.
المذيع:
 يجوز أن أقول: رضي الله عنكما وأرضاكما.

رضي الله عنكما وأرضاكما عبارة تقريريّة للصحابة و دعائيّة للمؤمنين :

الدكتور راتب :
 تقريرية للصحابة، الدعائية للمؤمنين.
المذيع:
 ما التقريرية هذه؟
الدكتور راتب :
 لقد رضي الله عنكم، هذه تقريرية، الدعائية: أرجو الله أن يرضى عنكم.
الدكتور عمر :
 الصحابة نترضى عليهم وغيرهم نترحم عليهم.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 نلقاكم في حلقة قادمة، شكراً لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إخفاء الصور