وضع داكن
19-04-2024
Logo
على هدى - الحلقة : 25 - ومضات من معاني سورة التكاثر.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

اللهو هو الانشغال بالخسيس و ترك الشيء النفيس :

 أيها الأخوة الأكارم؛ مع لقاء جديد من هذه اللقاءات الإيمانية موضوع هذا اللقاء: سورة التكاثر.
 هي سور قصيرة لكنها خطيرة، هذه السورة يقول الله عز وجل يخاطب الناس:

﴿أَلهاكُمُ التَّكاثُرُ﴾

[سورة التكاثر: ١]

 ما هو اللهو؟ اللهو أن تنشغل بشيء خسيس وأن تدع الشيء النفيس، الذي يغوص في البحر إذا اكتفى بالأصداف وترك اللآلئ فهو خاسر، اللؤلؤة الواحدة يقدر ثمنها بألف صدفة، بعشرة آلاف صدفة، فإذا اشتغل في جمع الاصداف وترك جمع اللآلئ نقول: هذا اشتغل بالخسيس وترك النفيس، فأنت بالأرض أعمال الأرض كلها إن لم تقصد بها وجه الله فهو الخسيس، لو سكنت بأجمل بيت في الأرض مادام القلب ينبض تستمع بهذا البيت، فإذا توقف القلب انتهى البيت، انتهت المركبة، الزوجة، البنات، الأصهار، الشباب، الكنائن، كله انتهى، مادام القلب ينبض تستمع، فإذا وقف القلب عن النبض انتهى كل شيء.

 

عبادات المنافق سيئات وعادات المؤمن عبادات :

 لذلك:

﴿ يا لَيتَني قَدَّمتُ لِحَياتي﴾

[سورة الفجر: ٢٤]

 كأن الله عز وجل أخبرنا أن الإنسان حينما يأـتيه ملك الموت وقد غفل عن حياة الآخرة يتألم ألماً لا حدود له لأنه أدرك الخسارة:

﴿ قُل إِنَّ الخاسِرينَ الَّذينَ خَسِروا أَنفُسَهُم وَأَهليهِم يَومَ القِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الخُسرانُ المُبينُ﴾

[سورة الزمر: ١٥]

 خسرت الأبد، ما الأبد؟ كم سنة؟ ألف سنة؟ ألف ألف؟ لا، مليون؟ لا، ألف مليون؟ لا، مليون مليون؟ لا، مليون مليون مليون؟ لا، مليون مليون حتى يموت الإنسان؟ لا، الأبد أكبر رقم تتصوره إذا نسب للأبد للانهاية صفر. الآن تصور واحداً بالأرض وأصفاراً للشمس، مئة و ستة و خمسون مليون كيلو متر أصفار، وكل ميلمتر صفر، هذا الرقم إذا نسب إلى اللانهاية فهو صفر.
 لو معك مئة ألف مليار، مليار مليار، لو كنت تملك قصور الأرض، لو تملك مليون زوجة، كله صفر، لأنه يوجد موت، فمن هو البطل؟ الذي ينقل اهتمامه من هذه الدار الفانية إلى الدار الباقية، ليس معنى هذا ألا يعمل، يعمل ويتزوج وينجب ويدرس، لكن كل هذه الأعمال من أجل إرضاء الله عز وجل:

﴿قُل إِنَّ صَلاتي وَنُسُكي وَمَحيايَ وَمَماتي لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ﴾

[سورة الأنعام: ١٦٢]

 يتزوج كي ينجب ولداً صالحاً يدعو إلى الله من بعده، يتزوج امرأة صالحة كي يحفظها، أي أعماله كلها:

﴿ وَلا يَطَئونَ مَوطِئًا يَغيظُ الكُفّارَ وَلا يَنالونَ مِن عَدُوٍّ نَيلًا إِلّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ ﴾

[سورة التوبة: ١٢٠]

 لذلك عبادات المنافق سيئات، وعادات المؤمن عبادات، عادات المؤمن اشترى بيتاً، اشترى مأوى، عمل عملاً طيباً، كسب أموالاً، عنده أولاد. أحد الصحابة قال: حبذا المال أصون به عرضي وأتقرب به إلى ربي، فالمؤمن يرجو الله في كل شيء، بل حركاته وسكناته بل عاداته عبادات، بل غير المؤمن عباداته سيئات، لأنه ينافق بها.

 

حجم الإنسان عند ربه بحجم عمله الصالح :

 أيها الأخوة؛ الإنسان ينبغي أن يتعظ، يتعظ بهذه الحقائق، إذاً:

﴿أَلهاكُمُ التَّكاثُرُ﴾

 لهو، البطولة أن تبحث عن الحقيقة في الدنيا، أن تطلب العلم، البطولة أن تعمل بما علمت، البطولة أن تعمل أعمالاً صالحة تراها يوم القيامة، يقولون: من قدم ماله أمامه سهل عليه اللحاق به، الإنسان أنفق ماله في الدنيا في سبيل الله، في إطعام الفقراء، في بناء المساجد، إنشاء المعاهد الشرعية، إذا أنفق ماله أي قدمه أمامه عندئذ يسهل عليه اللحاق به.
 فيا أيها الأخوة، حجم الإنسان يوم القيامة بحجم عمله الصالح، فاسأل نفسك ما العمل الذي إذا وقفت بين يدي الله عز وجل تقدمه لله؟ ربيت أولادك تربية صحيحة؟ ضبطت حجاب بناتك؟ هل تحريت الحلال في دخلك؟ هل حرفتك مشروعة أم فيها شيء غير مشروع؟ فيها مادة غير مقبولة؟ عند الله عز وجل يوجد مليون سؤال.

 

أندم الناس يوم القيامة من عاش فقيراً ليموت غنياً :

 من قال لك إن الصلاة والصيام والحج والزكاة هي الإسلام؟

(( بُنِي الإسلامُ على خَمْسٍ ))

[البخاري وابن خزيمة عن عبد الله بن عمر ]

 هذه دعائم الإسلام بناء آخر، الإسلام والله لا أبالغ قد تقترب بنوده من خمسمئة ألف بند، مئات الشروط بكسب مالك، في إنفاق مالك، في اختيار زوجتك، في تربية أولادك، في العلاقة بأمك وأبيك، بأهل بيتك، بمن حولك، بمن فوقك، بمن دونك، بصحتك، بأوقات فراغك، كله فيه أسئلة.

﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسأَلَنَّهُم أَجمَعينَ*عَمّا كانوا يَعمَلونَ﴾

[سورة الحجر: ٩٢-٩٣]

﴿أَلهاكُمُ التَّكاثُرُ﴾

 همه الوحيد يجمع المال، الله عز وجل قال:

﴿ وَرَحمَةٌ خَيرٌ مِمّا يَجمَعونَ﴾

[سورة آل عمران: ١٥٧]

 هذه الأموال مهما كثرت ليست لك، أي ليس لك بصراحة إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت، والباقي ليس لك، لذلك أندم الناس يوم القيامة من عاش فقيراً ليموت غنياً.
 أحياناً الابن مربى تربية غير صحيحة، وترك أبوه له أموالاً طائلة أنفقها في المعاصي والآثام، أي يوجد حوادث كثيرة جداً.
 أيها الأخوة؛ هذه سورة قصيرة لكن خطيرة:

﴿أَلهاكُمُ التَّكاثُرُ*حَتّى زُرتُمُ المَقابِرَ﴾

[سورة التكاثر: ١-٢]

 من بيت إلى قبر، من شركة عملاقة إلى قبر، من مكانة اجتماعية إلى قبر، من متع الحياة إلى قبر، من أهل بيت إلى قبر.

﴿أَلهاكُمُ التَّكاثُرُ*حَتّى زُرتُمُ المَقابِرَ﴾

.

 

التفكر بالموت من العبادة :

 أقول لكم من تجربتي الشخصية لابد من أن تتفكر في الموت كل يوم ولو خمس دقائق، ساكن في بيت مثلاً لو أن الله توفاك أين يغسلونك؟ ما هو وضع أولاده من بعدك؟ وضع زوجتك؟ يوجد أسئلة كبيرة.
 أي الإنسان يفكر بكل شيء إلا هذا الحدث الخطير، أخطر حدث، لذلك التفكر بالموت من العبادة:

(( أكثروا ذكر هادم اللذات الموت))

[أخرجه الترمذي وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه]

 ما قال: تفكر، أكثر من التفكر:

(( أكثروا ذكر هادم اللذات الموت))

[أخرجه الترمذي وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه]

(( هذا هادم اللذات ومفرق الجماعات))

[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير]

(( عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من أحببت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به))

[أخرجه الحاكم في مستدركه]

 ورد في الأثر: أن روح الميت ترفرف فوق النعش تقول: يا أهلي يا ولدي لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال مما حلّ وحرم، فأنفقته في حله وفي غير حله، فالهناء لكم والتبعة علي.
 هذا الحدث الخطير مغادرة الدنيا إلى القبر، ماذا أعددت له؟

مصاحبة المتقين :

 لذلك الله قال:

﴿أَلهاكُمُ ﴾

 يوجد لهو، انشغال بالخسيس وترك النفيس، النفيس معرفة الله، النفيس الاستقامة على أمر الله، النفيس العمل الصالح، النفيس صحبة الصالحين.

﴿وَاصبِر نَفسَكَ مَعَ الَّذينَ يَدعونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ وَالعَشِيِّ يُريدونَ وَجهَهُ وَلا تَعدُ عَيناكَ عَنهُم تُريدُ زينَةَ الحَياةِ الدُّنيا وَلا تُطِع مَن أَغفَلنا قَلبَهُ عَن ذِكرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمرُهُ فُرُطًا﴾

[سورة الكهف: ٢٨]

 قل لي من تصاحب أقل لك من أنت، هؤلاء الذين يحيطون بك من هم؟ مؤمنون؟ متفوقون؟ لا تصاحب من لا ينهض بك إلى الله حاله، ويدلك على الله مقاله، اصحب المتقين:

﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا ﴾

[سورة التوبة: ١١٩]

 دقق

﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَكونوا مَعَ الصّادِقينَ﴾

 كأن الله يقول لنا: لن تستطيعوا أن تتقوا الله إلا إذا كنتم مع الصالحين، فكل شخص يجب أن يختار نخبة من المؤمنين يعيش معهم، أما أن يسهر مع أهل الدنيا فيبعدونه عن الدين.

 

بطولة الإنسان أن يصل إلى الشيء بعقله قبل أن يصل إليه بجسمه :

 فيا أيها الأخوة؛

﴿أَلهاكُمُ التَّكاثُرُ*حَتّى زُرتُمُ المَقابِرَ*كَلّا سَوفَ تَعلَمونَ﴾

[سورة التكاثر: ١-٣]

 ما رأيت للعقل تعريفاً كهذا التعريف، أنت بالعقل تصل إلى الشيء قبل أن تصل إليه، بالعقل تصل إلى الشيء بفكرك قبل أن تصل إليه بجسمك، أحياناً إنسان يدخن لا سمح الله ولا قدر بعد أن يصاب بالورم الخبيث في رئتيه يدع الدخان، البطولة أن تدع الدخان إذا علمت أن هذا الدخان له آثار ضارة كبيرة جداً، ثلاثة آلاف مادة سمية بالدخان، يوجد أبحاث علمية عن الدخان دقق بها، فالبطولة أن تصل إلى الشيء بعقلك قبل أن تصل إليه بجسمك.

 

أصل الدين معرفة الله :

﴿كَلّا سَوفَ تَعلَمونَ﴾

[سورة التكاثر: ٣]

 لا، الآن اعلم، العلم أصل، أصل الدين معرفة الله، معرفة منهجه، معرفة ما بعد الموت، معرفة يوم القيامة، معرفة الدار الآخرة، فهذه المعرفة هي أصل معرفة الدين، فلابد من شحن هذا الهاتف، إن لم يشحن تنطفئ الشاشة ويسكت، فكما أن هذا الهاتف يحتاج إلى شحن، صاحب الهاتف يحتاج إلى شحن أيضا، الشحن نوعان: شحن علمي، وشحن روحي.
 حينما تقرأ القرآن ويخشع قلبك وتبكي هذه شحنة روحية، وحينما تطلع على موضوع دقيق في تفسير آية أو حديث وتتأثر به هذا شحن علمي، فلابد من شحن علمي، وشحن روحي، كي تكون قريباً من علة وجودك، وغاية وجودك،

﴿أَلهاكُمُ التَّكاثُرُ*حَتّى زُرتُمُ المَقابِرَ*كَلّا سَوفَ تَعلَمونَ﴾

 هذا العلم متى؟ عند الموت،

﴿كَلّا سَوفَ تَعلَمونَ﴾

  والله أيها الأخوة، يأتي على الإنسان الشارد عن الله عند موته ساعة الوضع النفسي لا يحتمل، يكاد يموت قلقاً وخوفاً، ترك الدنيا كلها، ترك بيته، ترك أسرته، ترك المال، ترك المتع، ترك الوجاهة وانتقل إلى القبر، فلذلك:

﴿أَلهاكُمُ التَّكاثُرُ*حَتّى زُرتُمُ المَقابِرَ*كَلّا سَوفَ تَعلَمونَ*ثُمَّ كَلّا سَوفَ تَعلَمونَ﴾

[سورة التكاثر: ١-٤]

 الأولى عند الموت، والثانية يوم القيامة، حينما يجمع الخلائق، حينما يحاسب الناس على كل صغيرة وكبيرة،

﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسأَلَنَّهُم أَجمَعينَ*عَمّا كانوا يَعمَلونَ﴾

﴿كَلّا سَوفَ تَعلَمونَ*ثُمَّ كَلّا سَوفَ تَعلَمونَ﴾

[سورة التكاثر: ٣-٤]

 ما البطولة؟ أن تعلم الآن لا أن تعلم بعد فوات الأوان.

 

بطولة الإنسان أن يعرف الحقيقة قبل فوات الأوان :

 أكفر كفار الأرض الذي قال:

﴿ أَنا رَبُّكُمُ الأَعلى﴾

[سورة النازعات: ٢٤]

 من؟ فرعون، والذي قال أيضاً:

﴿ ما عَلِمتُ لَكُم مِن إِلهٍ غَيري ﴾

[سورة القصص: ٣٨]

 حينما أدركه الغرق قال:

﴿ قالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذي آمَنَت بِهِ بَنو إِسرائيلَ وَأَنا مِنَ المُسلِمينَ*آلآنَ وَقَد عَصَيتَ قَبلُ ﴾

[سورة يونس: ٩٠-٩١]

 الآية الكريمة:

﴿ يَومَ يَأتي بَعضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفسًا إيمانُها لَم تَكُن آمَنَت مِن قَبلُ أَو كَسَبَت في إيمانِها خَيرًا ﴾

[سورة الأنعام: ١٥٨]

 فالبطولة أن تعرف الحقيقة قبل فوات الأوان، هذه حقيقة مصيرية تحدد سلامتك وسعادتك إذا عرفت الحقيقة، إذاً أيها الأخوة أرجو الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه السورة:

﴿أَلهاكُمُ التَّكاثُرُ*حَتّى زُرتُمُ المَقابِرَ*كَلّا سَوفَ تَعلَمونَ*ثُمَّ كَلّا سَوفَ تَعلَمونَ*كَلّا لَو تَعلَمونَ عِلمَ اليَقينِ*لَتَرَوُنَّ الجَحيمَ*ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَينَ اليَقينِ*ثُمَّ لَتُسأَلُنَّ يَومَئِذٍ عَنِ النَّعيمِ﴾

[سورة التكاثر: ١-٨]

 هذه الصحة ماذا فعلت بها؟ هذه الزوجة هل عرفتها بالله؟ هؤلاء الأولاد هل عرفتهم بالله عز وجل؟ سورة دقيقة جداً وخطيرة جداً ومصيرية جداً، أرجو الله أن ينفعنا بها.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور