وضع داكن
23-04-2024
Logo
على هدى - الحلقة : 23 - أحد مرتكزات الدين : الفطرة.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

الإسلام دين الفطرة :

 أيها الأخوة الكرام؛ مع ومضات من طريق الهدى إلى الله عز وجل، تحدثنا من قبل عن أن الكون أحد مرتكزات الهدى، والقرآن أحد مرتكزات الهدى، والنصوص التي بين أيدينا من السنة أحد مرتكزات الهدى، والعقل أحد مرتكزات الهدى، والفطرة أحد مرتكزات الهدى، وهذه المرتكزات تمثل دعائم للهدى، فاليوم الحديث عن الفطرة.
 يقال دائماً: الإسلام دين الفطرة، ما معنى هذا الكلام؟
 أنت أيها الإنسان لك نفس وروح وجسد، النفس ذاتك أنت، اسمك فلان الفلاني أي نفسك، النفس ذات الإنسان، النفس هي التي تؤمن، تؤمن وتكفر، وترقى وتسقط، وتتقدم وتتأخر، النفس هذا الجسم وعاء لها، والعقل جهاز وضع معها، فالعقل جهاز، والجسم وعاء، وذات الإنسان هي النفس، فإذا قرأت قوله تعالى:

﴿قَد أَفلَحَ مَن زَكّاها﴾

[سورة الشمس: ٩]

 النفس:

﴿وَقَد خابَ مَن دَسّاها﴾

[سورة الشمس: ١٠]

الفلاح و النّجاح :

 الشيء الذي يلفت النظر أن هناك ثلاث آيات فقط في القرآن:

﴿قَد أَفلَحَ المُؤمِنونَ﴾

[سورة المؤمنون: ١]

﴿قَد أَفلَحَ مَن زَكّاها﴾

[سورة الشمس: ٩]

 ويوجد آية ثالثة من القبيل نفسه معناها الفلاح، ما الفلاح؟ لنا مصطلح آخر اسمه النجاح، النجاح شيء يا أخوان والفلاح شيء آخر، قد تنجح في جمع المال هذا نجاح، قد تنجح في اعتلاء منصب رفيع هذا نجاح، قد تنجح في اختيار زوجة جيدة هذا نجاح، لكن الفلاح حينما تحقق الهدف الذي خلقت من أجله، حينما تحقق الهدف الذي خلقت من أجله أنت أفلحت، لماذا؟ أنت في الدنيا – يوجد سؤال كبير- الله عز وجل أخبرك بكتابه الكريم قال:

﴿وَما خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلّا لِيَعبُدونِ﴾

[سورة الذاريات: ٥٦]

 فالعبادة أصل.
 تصور أن شخصاً ذهب للمدرسة، وظنّ أن وجوده في المدرسة من أجل أن يأكل شطيرة، لا، يوجد دراسة، مدرس، كتاب مقرر، انتباه للمعلم، كتابة وظائف، متابعة مذاكرة، ويوجد مطعم صغير في المدرسة، وملعب، فأنا سؤالي: أنت لماذا في الدنيا؟ الدنيا ساعة اجعلها طاعة.
 أي الواحد منا تنجبه أمه، كونه جاء سليماً من كل العلل هذه فرحة كبيرة جداً، بعد حين يمشي فرحة ثانية، بعد حين تظهر بعض أسنانه فرحة ثالثة، بعد حين نضعه في الروضة فرحة رابعة، أصبح حافظاً الفاتحة كلما قدم ضيف تعال بابا أسمع عمك الفاتحة، بعدها دخل ابتدائي إعدادي ثانوي جامعة أصبح معه لسانس، أكمل دكتوراه، صار معه شهادة جامعية عليا، يريد أن يتزوج، هذه طويلة وهذه قصيرة، وهذه بيت أهلها ليس فخماً مثلاً، هذه متاهة ثالثة، بعدها تزوج لم ينجب العلة منه أم منها، أي يوجد عندنا بكل مرحلة هموم، آخر شيء عنده اثنا عشر دواء في اليوم قبل المغادرة، بعدها تأتي النعوة، هل يستطيع أي شخص أن يتلافى هذه السلسلة؟ أبداً.

 

أعقل إنسان من يعد لساعة الموت عدتها :

 إذاً الدنيا مؤقتة، والله الذي لا إله إلا هو مرة شيعنا أحد الأخوة الكرام توفاه الله، أعرف بيته، أعرف حجمه المالي، أعرف مستوى بيته، أعرف رفاهه الغير معقول في بيته أي وفق الشرع كله، وعندما وضع في القبر، وكشف عن وجهه، ووضعوا البلاطة فوق الفتحة، كان هناك فرق بين البلاطة والفتحة عشرة سنتمترات ثم أهالوا التراب، يمكن سقط فوقه الكثير من التراب، أقسم لكم بالله ما وجدت على ظهر الأرض إنساناً أعقل ولا أذكى ممن يعمل لهذه الساعة، هل يستطيع شخص من الحاضرين أن يقول: أنا لا أموت؟

كل مخلوق يموت ولا يبقى  إلا ذو العزة والجبروت
***
والليل مهما طال فلابد من طلوع الفجر  والعمر مهما طال فلابد من نزول القبر
***
و:
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته  يوماً على آلة حدباء محمول
فإذا حملت إلى القبور جنــــــــازة  فاعلم بأنك بعدهـــــا محمـــــول
***

 أتمنى عليكم إخوتي الكرام أن تقف من حين لآخر، وأن تسأل نفسك هذا السؤال: لماذا جاء الله بي إلى الدنيا؟ ماذا ينبغي أن أفعل في الدنيا؟ هذه أسئلة كبيرة متعلقة بكليات الحياة، فلعل الله سبحانه وتعالى ييسر لنا بهذه المعلومات الدقيقة من الكتاب والسنة أن نصل للحكمة من وجودنا في الدنيا.

 

تطابق الفطرة مع المنهج :

 الله عز وجل قال:

﴿فَأَقِم وَجهَكَ لِلدّينِ حَنيفًا ﴾

[سورة الروم: ٣٠]

 الحنيف هو المائل،

﴿فَأَقِم وَجهَكَ لِلدّينِ حَنيفًا ﴾

 أن تقيم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها أي أنت أيها الإنسان مبرمج، تعبير حديث مولف، تعبير آخر مفطور على الطاعة، أي أمرك الله أن تفعل كذا وكذا، ونهاك عن كذا وكذا، وأنت مولف أو مفطور أو مبرمج على محبة كذا وكذا، وكره كذا وكذا، هذا اسمه: تطابق الفطرة مع المنهج.
 يوجد الآن خارطات نافرة من البلاستيك لو وضعت إطاراً خشبياً لهذه الخارطة، وصببت جبصيناً سائلاً، بعد أن يجف الجبصين تطابق على مستوى عشرة ميلمتر بين الأصل وبين القالب أليس كذلك؟
 صدق ولا أبالغ التطابق بين فطرتك كإنسان وبين منهج الله مئة بالمئة، فكل شيء الله أمرك به تسعد بتطبيقه، وكل شيء الله نهاك عنه تسعد بتركه.

 

أول ثمرة من ثمار الصلح مع الله أن الإنسان سعيد لأنه اهتدى لفطرته :

 لذلك أول ثمرة من ثمار الصلح مع الله أنك سعيد جداً لأنك اهتديت إلى فطرتك، تطابق حركتك في الأرض مع فطرتك، أي أكبر إنجاز تملكه أن تصطلح مع فطرتك.
 أنت مخلوق لمعرفة الله، انظر الصادق يحس باعتزاز، الأمين يحس باعتزاز، المستقيم يحس باعتزاز، وأي خروج عن طاعة الله أو عن فطرتك يوجد كآبة.
 الآن أكبر مرض يعاني منه الغرب الكآبة، قال لي دكتور في الجامعة مختص في علم النفس قال لي: نسب الكآبة بالمئة مئة وخمسون، قلت له: كيف؟ قال لي: مئة بالمئة معهم كآبة، وخمسون معهم كآبة مضاعفة، ثم قال كلمة هذا الدكتور قال: الأمراض النفيسة في بلادنا تكاد تكون معدومة بسبب الإيمان، أي يوجد ميزات في عالم المسلمين لا يعلمها إلا الله، يوجد إله تحبه ويحبك، فأنت حينما تؤمن أنت اصطلحت مع نفسك، وصدق ولا أبالغ كلما ألتقي بأخ كريم يقول لي: ما هو أسعد شيء في الدين؟ أقول له: معاملة الله لك، بعد أن تصطلح مع الله والله ترى من الله مودة وتوفيقاً وتيسيراً ودعماً وإكراماً منقطع النظير، وهذا الكلام لكل أخ، لا يوجد خصوصيات في الدين، هذا الإسلام للجميع.
 أي إنسان في أي مكان، في أي زمان، من أي انتماء، مادام اصطلح مع الله، وطبق منهج الله، حق له عند الله أن يسعده، وهذه السعادة يا أخون لمن؟ الله تعالى يقول:

﴿وَلِمَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ﴾

[سورة الرحمن: ٤٦]

 جنة في الدنيا، والله الذي لا إله إلا هو يوجد بقلب المؤمن من الأمن و الرضا عن الله ما لو وزع عن أهل بلد لكفاهم، المؤمن مقامه كبير جداً.
 للتقريب إذا شخص أعطاك بطاقة مكتوب: د فلان، هذه الدال ما معناها؟ أي دكتور، أي معه ابتدائي وتوجيهي وثانوي ومعه لسانس ودبلوم عامة ودبلوم خاصة وماجستير ودكتوراه، أي درس ثلاثاً و ثلاثين سنة و ملخص هذه الدراسة بحرف د.

المؤمن مرتبة علميّة و أخلاقيّة و جماليّة :

 المؤمن، ما المؤمن؟ المؤمن مرتبة علمية، هذا المؤمن عرف الله، عرف سرّ وجوده، عرف غاية وجوده، عرف الآخرة، عرف طريق الحق، عرف مكارم الأخلاق، هذا المؤمن كتلة كمال، المؤمن مرتبة علمية، ومرتبة أخلاقية، لا يكذب، لا يغش، لا يحتال إطلاقاً، لا يتكبر، لا يرضى أن يذله أحد، مرتبه أخلاقية، مرتبة علمية وأخلاقية، ومرتبة جمالية، ما جمالية؟ المؤمن أسعد إنسان ولو كان بكوخ والله، وغير المؤمن:

﴿وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَةِ أَعمى﴾

[سورة طه: ١٢٤]

 إذا الله عز وجل قال:

﴿فَأَقِم وَجهَكَ لِلدّينِ حَنيفًا ﴾

 الحنيف المائل، أي ما عبد الله من أطاعه ولم يحبه، كما أنه ما عبد الله من أحبه ولم يطعه.
 طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.

الفطرة مقياس نفسي والعقل مقياس علمي :

 الآن الفطرة مقياس نفسي، العقل مقياس علمي، حلال، حرام، خير، شر، الفطرة ترتاح أو لا ترتاح، الله أعطاك مقياسين؛ مقياس علمي عقلي، ومقياس نفسي فطري.
 هذه الفطرة أثمن شيء يملكه المؤمن بعد إيمانه بالله،

﴿فَأَقِم وَجهَكَ لِلدّينِ حَنيفًا ﴾

  أي أن تقيم وجهك للدين حنيفاً، هذا هي فطرة الله التي فطر الناس عليها، هكذا جبلنا، هكذا فطرنا، هكذا ولفنا، هكذا برمجنا، فالفطرة مقياس.
 الآن الفطرة لها نتائج مذهلة، ولولا الفطرة ما تاب إنسان مذنب، لما أذنب الذنب تناقض مع فطرته شعر بالضيق، هذا الضيق دفعه للتوبة، بالفطرة تتوب إلى الله، بالفطرة تتفوق وتشعر بهذا التفوق، بالفطرة ترتاح.
 الآن التوبة بسبب الفطرة تنقلك لمشاعر لا توصف، والله الذي لا إله إلا هو لا سيما أول التوبة يشعر الإنسان بأن جبالاً تثقل صدره وأزيحت عنه، مشاعر التائب لا توصف، لا يمكن أن توصف لأن التوبة نجاة، التوبة حرية، التوبة رقي، التوبة توفيق، التوبة أنك مع من تحب وهو الله عز وجل.

تعريف الحق :

 أخواننا الكرام؛ لكن أحياناً يوجد دائرة - اقبلوا مني هذا التمثيل- يتقاطع فيها أربعة خطوط، هذه الدائرة أنا أسميها الحق ما هي دائرة الحق؟ فيها خط النقل الصحيح، ديننا دين نقل نص جاءنا عن الله - القرآن - ونص جاءنا عن النبي شرح به ما جاءنا عن الله، هو الدين نص، بالنهاية نص.
 فأول خط بهذه الدائرة النقل الصحيح مع التأويل الصحيح، كلمتان نقل صحيح مع تأويل صحيح هذا أول خط، الخط الثاني: الواقع الموضوعي، يجب أن يتطابق النص مع الواقع، وإلا النص كان جهلاً لأنهم يقولون: علاقة قطعية بين متغيرين تطابق الواقع عليها دليل، أي هذا التعريف للعلم الجامع المانع؛ علاقة بين متغيرين تطابق الواقع عليها دليل، فأنت بالدين معك أفكار قطعية لأنك مؤمن بالله، عندنا وهم، وعندنا شك، وعندنا ظن وغلبة ظن، وعندنا قطع، أول شيء وهم ثلاثون بالمئة، وبعدها شك خمسون بالمئة، ثم ظن ثمانون بالمئة، وغلبة الظن خمسة و تسعون بالمئة، والقطع مئة بالمئة.
 فتعريف الحق علاقة بين متغيرين، مقطوع بصحتها، تطابق الواقع، عليها دليل، ألغي الدليل أصبحت تقليداً، لذلك لا يقبل الله العقيدة تقليداً ولو أنها صحيحة، ما الدليل؟ قال تعالى:

﴿فَاعلَم أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾

[سورة محمد: ١٩]

 لم يقل: فقل، فاعلم، لابد من أن يكون اعتقادك نتيجة بحث وأدلة. فهذا العقل أول خط، الشيء الثاني الفطرة خط ثان، فطرة سليمة غير منطمسة، واقع موضوعي غير مزور، نقل صحيح بتأويل صحيح، إذا اجتمعت هذه الخطوط الأربعة فأنت مع الحق.
 سيدنا عمر رأى راعياً يرعى الغنم قال له: بعني هذه الشاة، قال له: ليست لي، قال له: قل لصاحبها ماتت، فقال هذا الراعي: والله إنني لفي أشدّ الحاجة إلى ثمنها ولو قلت لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب لصدقني فإني عنده صادق أمين ولكن أين الله؟ هذه أعلى مرتبة، إذا قلت: أين الله لا يمكنك الكذب، لا يمكنك أن تقول لمريض: مرضك خطير من أجل أن تكبر عليه الوهم، لا يمكن أن تطلب من إنسان تحليلاً ليس بحاجة له.
 قضية الفطرة اعتقد يقيناً أنها تتطابق مع دينك تطابقاً تاماً، فكل شيء الله أمرك به تسعد نفسك بتطبيقه، وكل شيء نهاك الله عنه تشقى نفسك بفعله، هذه حقيقة دقيقة، فلذلك الآلام التي تصيب المعرضين عن الله سببها أنهم حينما عصوا ربهم، خالفوا الفطرة التي فطروا عليها.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور