وضع داكن
19-04-2024
Logo
ماليزيا- ديناً قيماً 1 - الحلقة : 19 - الموت وتذكره.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:

النفس تبكي على الدنيا وقد علمت   أن السلامة فيها ترك ما فيهـــــا
لا دار للمرء بعد الموت يسكنــــــــها   إلا التي كان قبل المـوت يبنيها
فإن بناها بخير طاب مســـــكنــــــــــه   وإن بناها بشر خاب بانـــــــــــيها
***

 ربنا تعالى يقول:

﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾

[ سورة ق: 19]

 ما هو الموت؟ وما طبيعته؟ وما حقيقته؟ وهل حقاً كما يقال: الموت الحقيقة الوحيدة الموجودة في هذا الكون أم لا؟ كيف يستعد الإنسان لما بعد الموت؟ كيف يزرع أخراه ولما يحرص على دنياه ويخرب أخراه؟ تذكر الموت حلقة جديدة في برنامج:" ديناً قيماً " أهلاً ومرحباً بكم.
 أهلاً بكم إلى هذه الحلقة الجديدة من برنامج:" ديناً قيماً " نرحب بحضراتكم، ونرحب بضيفي الكريمين العالمين الجليلين الحبرين السبتين العدلين أصحاب المعالي والفضيلة، فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور عمر عبد الكافي، مرحباً شيخنا، و فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، مرحباً شيخنا.
سيدي في الحلقة المنصرمة فضيلتك أشرت أن نتكلم في هذه الحلقة حول تذكر الموت، لماذا اختيار هذا الموضوع؟

 

 

تذكر الموت :

الدكتور راتب :
 لأن:

كل مخلوق يموت ولا يبقى  إلا ذو العزة والـــجبروت
***
والليل مهما طــــال  فلا بد من طلوع الفـــجر
والعمر مهما طــــال  فلابد من نزول الـــــقبـــر
***
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته  يوماً على آلة حدباء محمول
فــإذا حملت إلى القبور جنـــــــازة  فــاعلم بأنك بعدها محمــــــــول
***

 نهاية كل حي، و ما من تعريف جامع مانع للإنسان كتعريف الإمام الجليل الحسن البصري: الإنسان هو بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه. فأنت زمن، أو رأس مالك هو الزمن، أو أثمن شيء تملكه هو الزمن، ولأنك زمن أقسم الله لك بمطلق الزمن، قال تعالى:

﴿ وَالْعَصْرِ﴾

[ سورة العصر : 1 ]

 أقسم الله بمطلق الزمن، جواب القسم:

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

[ سورة العصر: 2 ]

 أي خاسر، لو شخص سأل: لم الخسارة يا الله؟ قال: لأن مضي الزمن يستهلكه فقط، قبل أن نقول: مؤمن، غير مؤمن، مضي الزمن وحده يستهلكك، فالإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، فرأس مالك هو الزمن، أثمن شيء تملكه هو الزمن، أنت زمن، لذلك هذا الزمن إما أن ينفق استهلاكاً أو استثماراً، أكلنا وشربنا وسهرنا واستمتعنا، ثم جاء الموت فجأة، هذا الزمن الذي سينقضي عملاً ينفعك بعد انقضاء الزمن، فأنت بضعة أيام إن فعلت الصالحات ثم جاء الموت معك ذخيرة كبيرة لما بعد الموت، فكل مخلوق يموت، إذاً:

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

[ سورة العصر:1- 2 ]

 إله، جواب القسم خاسر، إلا، رحمته في إلا، ما بعد إلا أركان النجاة، قال تعالى:

﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

[ سورة العصر: 3]

 أي لا بد من البحث عن الحقيقة آمنوا، ولا بد من التحرك وفقها وعملوا الصالحات، ولا بد من الدعوة إليها، هذه الدعوة إلى الله كفرض عين، ولا بد من الصبر على البحث عنه، والعمل بها، والدعوة إليها.
المذيع:
 شيخنا لا أود أن أدخل في تفصيلات الموت وما بعده لكن لماذا نخاف من الموت ونخاف من الآخرة ونحب الدنيا؟

 

 

الحكمة من محبة الدنيا و الخوف من الموت :

الدكتور عمر :
 أول ما زين إبليس لأبينا آدم زين له قضية الخلد، والخلد مطلب إنساني، حتى الذي يعلم سواء المؤمن أو غير المؤمن يعلم أنه فان في هذه الدنيا، فيحاول أن يبقى خالداً بالتناسل، قال تعالى:

﴿ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴾

[ سورة طه: 120]

﴿ وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ﴾

[سورة الأعراف: 20]

﴿ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ﴾

[سورة الأعراف: 22]

 ما الغرور؟ ظن آدم للحظات أنه إن خلد في الدنيا أطاع ربه إلى الخلد، أي أطاع ربه إلى الأبد، من باب الحسن، فالشيطان يأتي بالسم داخل العسل.
المذيع:
 مدخله طاعة.
الدكتور عمر :
 الكلام هذا منمق، لكن حقيقة الأمر سبحان الله هو غير ذلك.
المذيع:
 مع أن الله ضمن لآدم ألا يجوع فيها ولا يعرى وأنه لا يظمأ؟
الدكتور عمر :
 لكن هذه الدنيا منغصاتها أنها تنتهي، كلها نقائص، تنقص بالمرض وبالابتلاء وبالهم إلى آخره، لكن مع وجود هذه الأربعة التي ضمنت لآدم ، قال تعالى:

﴿ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى ﴾

[سورة طه:118-119]

 قال له: أنك تخلد فلا تنتهي، ولا تنتهي حياتك، عندئذ أبونا آدم ظن سبحان الله حتى يقال في كتب السير أن شيس ولده قال: يا أبت أتطيع الشيطان وتغضب الرحمن؟ كيف تسمع؟ قال تعالى:

﴿ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴾

[سورة الأعراف: 21]

 قال: والله يا بني ما ظننت أن أحداً يقسم كذباً بالله، كان أبونا آدم على هذه الفطرة. المذيع:
 هل هذا يجعلنا نخاف من الموت ونخشى الآخرة؟
الدكتور عمر :
 الإنسان نوعان، مؤمن وغير مؤمن، المؤمن يخاف ألا يكون قد تقبل له عمل، أو ظن أنه عمل خيراً وما هو بخير، يكون هباء منثوراً فهو خائف مما سوف يلقى، لأن عنده يقيناً سيقف بين يدي الله، والناقد بصير، هذا المؤمن يخاف أن يرسب في الحساب، والآخر أحرص الناس على حياة، قال تعالى:

﴿ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾

[سورة البقرة: 96]

 لأن الحياة عنده فرصة واحدة ينتهب منها ما يشاء، فيظلم ويضرب ويقتنص، لأن هذه الحياة فرصة واحدة، عندما تذكره بالموت تشعره أن هذه الدنيا سوف تسلب منه فيخاف، فكلاهما خائف، فلا راحة في الدنيا، لا للمؤمن ولا للكافر.
المذيع:
 تقول المقولة الفلسفية دكتور راتب: الموت هو الحقيقة الوحيدة في الحياة أو في الكون هل هذه صحيحة على إطلاقها؟

 

توضيح المقولة الفلسفية : الموت هو الحقيقة الوحيدة في الحياة :

الدكتور راتب :
 الحقيقة أريد أن أبين الإجابة بشكل تفصيلي، بين الأرض والشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، يقطعها الضوء في ثماني دقائق، فإذا وضعنا واحداً في الأرض وأصفاراً إلى الشمس، أي مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر أصفاراً وكل ميلي صفر، ما هذا الرقم؟ هذا الرقم إذا نسب إلى اللانهاية صفر، فنحن مخلوقون للجنة، مخلوقون للأبد، فالذي يختار الدنيا هو غبي جداً، واحد في الأرض وأصفار إلى الشمس، مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر أصفاراً وكل ميلي صفر، ما هذا الرقم إذا نسب إلى اللانهاية؟ صفر، فالإنسان بضعة أيام.
المذيع:
 أنا ما فهمت هذا المثل.
الدكتور راتب :
 أي الله عز وجل خلقنا لجنة عرضها السموات والأرض، الدليل قال تعالى:

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

[ سورة هود:119]

 خلقهم للجنة، قال تعالى:

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾

[ سورة الرحمن : 46]

 جنة في الدنيا، وجنة في الآخرة، نحن مخلوقون للجنة، والجنة فيها أبد.
المذيع:
 أو لا يعذب المؤمن يوم القيامة؟
الدكتور راتب :
 بقدر أخطائه طبعاً، يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان.
الدكتور عمر :
 أنا أريد أن أوضح لك كلام فضيلة الشيخ بارك الله به، أي رقم بالنسبة إلى اللانهاية في علم الرياضيات صفر، فالإنسان يحيا في الحياة رقماً، خمسون سنة، سبعون سنة، مئة سنة، مئة وخمسون سنة، هذا الرقم الذي عاشه بالنسبة إلى الآخرة يساوي الصفر، فأنت تحيا بالصفر ورغم ذلك يقول الله لك: سوف أقبل منك ما تعمله داخل الصفر.
المذيع:
 يا الله جميل..
الدكتور عمر :
 يرضى القليل منك من العمل.
المذيع:
 ورغم هذا لماذا نخاف الموت؟ حتى عندما نتكلم في الموت يقولون: بعيد الشر، غيّر السيرة، أعوذ بالله، يا عمي تذكر شيئاً جميلاً.

 

محبة المؤمن الصادق لقاء ربه لأن الآخرة دار تشريف والدنيا دار تكليف :

الدكتور عمر :
 المؤمن الصادق يحب لقاء الله، من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، دخلوا على عمر بن عبد العزيز وهو ينازع، قالوا: يا بن عبد العزيز قل: لا إله إلا الله محمد رسول الله، نظر إلى السماء وقال: يذكروني بك؛ جمالك في وجهي، وذكرك في فمي، وحبك في قلبي، فكيف تغيب؟
المذيع:
 الله، مرة ثانية يا شيخنا.
الدكتور عمر :
 عمر رضي الله عنه ذكروه بالشهادتين عند خروج الروح، فقال: يا رب يذكروني بك، هو حسن الظن بالله يريد أن يكون له دلالة، والله يحب العبد أن يتدلل عليه، جمالك في وجهي، وذكرك في فمي، وحبك في قلبي، فكيف تغيب؟ لم يغب.
الدكتور راتب :
 أي إنسان فقير جداً وذكي جداً استطاع أن يقنع من حوله أن يبيعوا أساورهم كي يقطع بطاقة طائرة لأمريكا، ليصل إلى هذا البلد وينال الدكتوراه، ذكي جداً، فاشتغل بعد الظهر في مطعم، قبل الظهر في الجامعة، في الليل دراسة، أمضى سبع سنوات من أصعب ما يكون، لأنه موعود في بلده بأعلى منصب، وبأجمل بيت، فركب الطائرة باتجاه بلده، هذا الموت عند المؤمن، كل هذا التعب، التكليف، ضبط النفس، ضبط الدخل، الإنفاق، تربية الأولاد، حضور درس العلم، كله من أجل الآخرة، وصل إلى الآخرة، والآخرة دار تشريف، الدنيا دار تكليف والآخرة دار تشريف، فإذا الإنسان وصل إلى حقيقة الموت:

(( الموت عرس المؤمن ))

[رواه ابن المبارك في والبيهقي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ]

 الموت تحفة لك، نيل المراد عند الموت.
الدكتور عمر :
 لذلك فضيلتك عندما علمتمونا أن..
الدكتور راتب :
 أستغفر الله..
الدكتور عمر :
 ..والله لو تعلمون ما ينتظرني من الخير لأسرعتم بها.
المذيع:
 لم البكاء مولانا؟
الدكتور عمر :
 أتذكر الموت.
الدكتور راتب :
 المؤمن إذا دنا أجله، يقول: لم أر شراً قط، والآخر يقول: لم أر خيراً قط.
المذيع:
 باعتقادك معالي الدكتور والسؤال لكما نختم به الحلقة، حينما نتذكر الموت ونتكلم في الموت نبكي، مع أننا نعلم أن من أحبّ لقاء الله أحب الله لقاءه، أي المفروض أن نكون في غبطة وفي سعادة.

 

البكاء عند تذكر الموت أو التكلم عنه :

الدكتور عمر :
 يا مؤمن نحن ننام كل ليلة عندما نستيقظ ندعو الله سبحانه وتعالى على أن ردّ لنا حياتنا مرة أخرى، الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا، فالنوم هو موت في الصورة، ولذلك رب العباد يذكر العبد كل حين سبحان الله، مالك يوم الدين، فيفرح الإنسان، وتزداد عقيدته ثباتاً، ويقينه ثباتاً أن الذي يملك يوم الدين هو الله رب العالمين، قال تعالى:

﴿ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ﴾

[سورة غافر: 17]

 أما الدنيا فبنيت على ظلم، ندعو الله أن نرحل عنها بإيمان.
المذيع:
 ظلمت يا مولانا في الدنيا؟
الدكتور عمر :
 والله أنا أشفق على الظالم، والله لو يعلم الظالم ما للمظلوم عنده لضن عليه بظلمه.
المذيع:
 لا إله إلا الله، كلمة أخيرة صاحب الفضيلة دكتور محمد.
الدكتور راتب :
 والله الإنسان إذا عرف الطريق إلى الله، وسار فيه هو أسعد الناس، ليس على وجه الأرض من هو أسعد من المؤمن، إلا أن يكون أتقى منه، لذلك إذا أردت أن تسعد فأسعد الآخرين، تكن أنت أسعدهم.

 

خاتمة و توديع :

المذيع:
 بارك الله بكما، شكراً لكم على هذا اللقاء، نلتقي في الحلقة القادمة إن شاء الله تبارك وتعالى، مشاهدين الكرام؛ مستمعينا الأعزاء؛ شكراً لكم والسلام عليكم ورحمة الله، نشكر ضيفينا الكريمين العالمين الجليلين السبتين العدلين أصحاب المعالي والفضيلة، فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، والشيخ عمر عبد الكافي، شكراً لكم، وحتى يضمنا لقاء جديد، مع تفريج الكربات نستودعكم الله، شكراً لكم، و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إخفاء الصور