وضع داكن
23-04-2024
Logo
ماليزيا- ديناً قيماً 1 - الحلقة : 25 - الصفح.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:

﴿ فَاصفَحِ الصَّفحَ الجَميلَ﴾

[سورة الحجر: ٨٥]

  أمر إلهي من لدن الله سبحانه وتعالى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده، كيف يكون الصفح الجميل؟ ولماذا وصف الصفح بأنه لابد أن يكون جميلاً؟ نقرأ ونسمع عن العفو والمغفرة والصفح والستر فما الفرق بين كل هذه الكلمات؟ ولم وصف القرآن الكريم الصفح بأنه لابد أن يكون صفحاً جميلاً؟ هل تبخر الصفح من بين المسلمين أم لا؟ ما الأسباب التي تؤدي إلى تصافح المسلمين بعضهم مع بعض؟ هل الصفح ظاهرة مكتسبة أم فطرة وطبيعة جبلية؟ الصفح حلقة جديدة في برنامج:" ديناً قيماً " أهلاً بكم.
 مشاهدينا الكرام؛ مستمعينا الأعزاء؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً بكم إلى حلقة جديدة من هذا البرنامج، نرحب بحضرتكم كما نرحب بضيفينا العالمين الجليلين الدكتور عمر عبد الكافي، والدكتور محمد راتب النابلسي، مرحباً بكما في حلقة جديدة.
الدكتور عمر :
 أهلاً بك.
الدكتور راتب :
 بارك الله فيكم، ونفع بكم.
المذيع:
 حينما نقرأ قوله تعالى،

﴿ فَاصفَحِ الصَّفحَ الجَميلَ﴾

  ما المستنبط لأول وهلة من هذه الآية الكريمة؟

الصفح الجميل والصبر الجميل والهجر الجميل والسراح الجميل :

الدكتور عمر :
 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، هناك الصفح الجميل، والصبر الجميل، والهجر الجميل، والسراح الجميل.
المذيع:
 جميل كل هذا الجميل.
الدكتور راتب :
 جماليات.
الدكتور عمر :
 الصبر الجميل صبر بلا شكوى، فإذا شكوت فإنما أشكو الذي يرحم للذي لا يرحم، فلا يصير صبراً جميلاً، قال يعقوب: فصبر جميل، عمل على الرفع والاستمرار والثبوت.
المذيع:
 لكن سيدنا يعقوب شكا لله؟
الدكتور عمر :

﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ﴾

[ سورة يوسف:86]

 لم يشكُ لأحد، أنت مباح لك أن تشكو إلى الله، فهذا صبر جميل، هجر جميل هجر بلا انقطاع، أي أن تهجر فلاناً لكن لا تقاطعه مئة بالمئة.
الدكتور راتب :
 تخفيف علاقات.
الدكتور عمر :
 السراح الجميل أن تطلقها وتعطيها حقها وفوق حقها فتتعامل بالفضل لا بالعدل، هذا السراح الجميل، بقي الصفح الجميل وهو موضوع حديثنا الصفح الجميل صفح بلا عتاب، عندما تصفح لا تعاتب.
المذيع:

وإذا ذهب العتاب فليس ود  ويبقى الود ما بقي العتاب
***

الدكتور عمر :
 هذا ما يقوله الشاعر، أما الصفح الجميل فهو صفح بلا عتاب، قال له ربه:

﴿عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُم ﴾

[سورة التوبة: ٤٣]

 فذكر العفو قبل أن يذكر الذنب.
المذيع:
 تمام، شيخنا الدكتور محمد راتب ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة: مرحباً بمن عاتبني فيه ربي، الله عاتب نبيه كيف نفهم الصفح الجميل؟

 

معاتبة الله عز وجل لنبيه الكريم لإثبات بشريته :

الدكتور راتب :
 بمكانة هذا الإنسان عند الله مطلقاً، الله عاتب النبي الكريم، والعتاب أولاً هناك بعض المواقف التي كانت من النبي الكريم، هذه المواقف ضرورية جداً لإثبات بشريته، طبعاً هو معصوم على أن يخطئ في أقواله وأفعاله وإقراره، لكن أحياناً يجتهد، يجتهد اجتهاداً بخلاف الأولى لحكمة بالغة أن هذا ليس معصوماً، هناك فرق بين مقام الألوهية ومقام البشرية.
المذيع:
 لكن الصفح الجميل كما فهمت من حضرتك دكتور عمر لا عتاب فيه وقد عاتب الله سبحانه وتعالى نبيه.

المسلمون لا يجيدون التعاتب ولا يحسنون الخلاف :

الدكتور عمر :
 نحن بفقه الواقع الذي نراه وأنا أرى بعد سنوات طويلة من دعوتي إلى الله عز وجل أن العرب والمسلمين لا يجيدون التعاتب، ولا يحسنون الخلاف، ولا أدب الاختلاف، لأننا لم ندرس هذا بالجامعات، ولم نربّ على هذا في بيوتنا، فإذا تعاتبنا تخاصمنا ثم تحاربنا بالسيوف، أما أن نغلق صفحة العتاب فنقطة من أول السطر وصفحة جديدة.
 ولذلك نحن إذا عدنا لبعضنا البعض بعد خصام للأسف الشديد نعيد من الصندوق الأسود كل شيء منذ أن عرفتك، ومنذ أن عرفتني، ونفتح صفحة العياذ بالله لكنها لا بياض فيها، لذلك أنا أغلق باب العتاب لنبدأ باباً جديداً، والباب الجديد هو الصفح، فاصفح الصفح الجميل، ألا تذكر الماضي، أي عندما تحدث المشاكل بين الزوجين عند مجلس الصلح هو يعيد منذ أن تقدم لخطبتها من أول يوم وهي كذلك، لقد تقطبت أمك في وجهي وقالت: كذا.. نحن لا نجيد هذا، نحن ما ربينا إلا على صحيح الكتاب والسنة.
المذيع:
 لماذا وصف الله الصفح أن يكون جميلاً؟ لماذا هذا التركيب؟

الصفح الجميل لا عتاب فيه ولا منّة :

الدكتور راتب :
 لأن هناك صفحاً غير جميل، الجميل يوجد معه معاتبة، ويوجد معه منة، عفوت عنك، نسيت عفوي عنك باستمرار.
الدكتور عمر :
 ينقلب الصفح إلى منّة؟
المذيع:
 فالصفح الجميل لا عتاب ولا مَنّة فيه أبداً، لماذا أمر ربنا تبارك وتعالى بالصفح الجميل؟
الدكتور عمر :
 المؤمن في كل حركاته وسكناته وأقواله جميل، لا يخرج إلا الكلمات الجميلة، يبحث عن الكلمة الطيبة، يبحث عن الابتسامة الطيبة، يبحث عن التعبير الطيب، الهدية الطيبة، سبحان الله.
 جارية عند الحسين رضوان الله عليه أعطته وردة فأعتقها، قال: أعطتنا على قدرها ونحن نعطيها على قدرنا، لا يصدر الفعل الحسن إلا من إنسان يحمل قلباً جميلاً، ولفظاً جميلاً، وسكنات جميلة، ثم إذا غاب الناس عنه أمنوه.
المذيع:
 شيخنا الدكتور محمد راتب متى صفح الرسول عليه الصلاة والسلام صفحاً جميلاً؟

صفح النبي الكريم عن أهل مكة :

الدكتور راتب :
 عن أهل مكة: " اذهبوا فأنتم الطلقاء" ناصبوه العداء عشرين عاماً، قتلوا أصحابه، نكلوا بهم، صفح عنهم صفحاً جميلاً، أعلى عفو وصفح من رسول الله.
المذيع:
 لكن كان هذا على هوى الصحابة أيضاً؟
الدكتور راتب :
 دائماً الأنبياء مثل عليا، وكمال مطلق، وهم معصومون، فدون الأنبياء يوجد تفاوت، فليس كل شيء يتخذه النبي الكريم من المفروض أن يكون الصحابة معه مئة بالمئة، لكن هم يخضعون له خضوعهم لنبيهم.
المذيع:
 لماذا صفح الرسول صلى الله عليه وسلم عن مشركي مكة وقد كان باستطاعته أن يقتص لما حدث معه على أيديهم؟

الحكمة من صفح النبي الكريم عمن ناصبه العداء :

الدكتور عمر :
 ليضع قانون التسامح الدولي، ويضع حجر الأساس في مبنى التسامح الدولي الذي يدعيه المتسامحون.
الدكتور راتب :
 وما رؤي فاتحاً ببلاد ناصبته العداء عشرين عاماً إلا وقد أحنى رأسه حتى كادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره تواضعاً لله، فالمؤمن عندما ينتصر لا يتكبر، لا يتجبر، يتواضع لله.
الدكتور عمر :
 هو انتصر على نفسه أولاً، وانتصر على نوازع الإنسانية التي تعتريه، قال: أنا بشر أغضب وأرضى، فهو انتصر، كان في جانب الأخلاق الجميلة، والصفح الجميل، عندما يصفح عن أهل مكة يصفح قلباً وقالباً لأنه ليس في قلبه ضغينة لأحد.
الدكتور راتب :
 لأن بإمكانه أن ينتقم.
المذيع:
 ولكنه لم يفعل.
الدكتور راتب :
 لم يفعل.
المذيع:
 نتذكر حادثة الإفك وموقف أبي بكر الصديق من مسطح الذي ساهم في ترويج هذا الحادث منعه عطاؤه الذي كان يعطيه حتى نزل قوله تبارك وتعالى:

﴿ وَليَعفوا وَليَصفَحوا ﴾

[سورة النور: ٢٢]

 تبدل حال أبي بكر نريد هذه القصة باختصار والدرس المستفاد؟

 

قصة أبي بكر مع مسطح و الدرس المستفاد من ذلك :

الدكتور عمر :
 هزت الآية قلب الصديق المليء بالإيمان، فلما هزّ الإيمان في قلب الصديق أصدر العفو العام، والصفح العام، وعاد لينفق على مسطح، مهما بلغ السيف الزبى، ما نقص أبو بكر بصفحه لكن كبر.
المذيع:
 كيف نفهم هذا في سياق من يصر على القصاص والأخذ بالثأر وأخذ حقه؟

من غلب على ظنه أن عفوه عن الآخرين يصلحهم فليعف و ليصفح :

الدكتور راتب :
 الضابط أن الذي أساء إلى إنسان أنه إذا غلب على ظنك أن عفوك عنه يصلحه ويصلح دينه ينبغي أن تعفو عنه، بالمقابل الله جلّ جلاله في عليائه يتولى مكافأتك.
المذيع:
 وإذا لم يغلب على ظني؟
الدكتور راتب :
 أما إذا رأيت أن العقاب يردعه عن متابعة هذا الخطأ فينبغي أن تعاقبه.
الدكتور عمر :
 هذه ليست مطلقة لأن الناس ماذا تقول لك؟ يقولون: يقول الرسول: استفت قلبك ولو أفتاك الناس، هذه قالها لصحابي جليل قلبه سليم، أما يأتي شخص نصاب أو مرتش؟!
الدكتور راتب :
 ولا قلب له.
الدكتور عمر :
 ليس له قلب أصلاً، كالحجارة بل أشدّ قسوة، هل هذا يستفتى قلبه فقط توضيح لكلام أستاذنا؟
المذيع:
 ألا يبدو هذا أن هناك تعارضاً في النصوص بين بعضها البعض:

﴿ وَليَعفوا وَليَصفَحوا ﴾

 وهو متهم في شرف ابنته، والشارع يقول: "من مات دون عرضه فهو شهيد".
الدكتور عمر :
 هذا العدل، أما من صفح فهذا هو الفضل، الله عز وجل يقول:

﴿وَمَن أَحسَنُ قَولًا ﴾

[سورة فصلت: ٣٣]

﴿ وَقولوا لِلنّاسِ حُسنًا ﴾

[سورة البقرة: ٨٣]

 أي ليس قولوا للناس أحياناً حسناً، وأحياناً لا، ليس هكذا، قولوا للناس حسناً، دع معاملتك كلها حسناً، فدائماً يدعونا للأفضل، أي دائماً يجب أن يكون الأفضل حتى يصير المؤمن قمة في الأخلاق.
المذيع:
 في الشريعة الإسلامية تستخدم العفو الغفران والصفح هل بينها بعض الفروق؟

 

الفرق بين العفو و الغفران و الصفح :

الدكتور راتب :
 أحياناً يكون العفو نفسياً و الغفران من العقاب مثلاً يوجد فروقات بسيطة بينها.
المذيع:
 كلام تقوله لمن لا يريد أن يصفح عمن ظلمه.

كلمات لمن لا يريد أن يصفح عمن ظلمه :

الدكتور عمر :
 إذا تذكرت من ظلمني ليلاً نهاراً ضيعت حياتي، وضيقت صدري، وشغلت بالي بما لا يجب، وإنما أدعه لله عز وجل ليقتص منه، قلت من سنوات: إذا أردت أن تقطع إصبع من ظلمك دعه لله يقطع لك يده، وإن أدرت أن تقطع له يده دعه لله يقطع لك ذراعه، وإن أردت أن تقطع له ذراعه دعه لله يقطع لك خبره من الدنيا كلها، فأنا أقول: دع الله ينتقم لك والله ما بعد انتصار الله من انتصار.
المذيع:
 ونعم بالله، شيخنا دكتور راتب نختم بها أفلا يعتبر الصفح نوعاً من أنواع الخضوع والضعف؟

الصفح قوة و ليس ضعفاً :

الدكتور راتب :
 بالعكس الصفح قوة، والذي مكن أن ينتقم ويعفو أقوى عند الله وعند المؤمنين، دعك من تقييم الآخرين.
الدكتور عمر :
 إذا سرت بهوى الناس ضعت في هوى الناس، ومن اتبع الهوى فقد هوى.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 شكراً لكما على هذا اللقاء، ومتعكما الله بالصفح الجميل.
 مشاهدينا الكرام شكراً لحضرتكم، على موعد جديد في حلقة جديدة بإذن الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إخفاء الصور