وضع داكن
16-04-2024
Logo
ماليزيا- ديناً قيماً 1 - الحلقة : 24 - تفريج الكربات.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
  يقول رسول صلى الله عليه وسلم فيما معناه: الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته.
 كيف نكون في حاجة أخواننا وأخواتنا كيف نقضي حاجاتهم؟ وكيف نقضي الحوائج معهم؟ كيف تكون قضاء الحوائج؟ ما هي ضوابطها؟ ما شروطها؟ وما حقيقتها؟ وكيف نفعلها؟
 وسط حقيقي عملي في حياتنا الآن، لم يعرض بعضنا عن بعض؟ وإذا كان الله تعالى في عون العبد مادام العبد في عون أخيه فلم يعرض أحدنا عن الله سبحانه وتعالى؟ كيف نلتجئ إليه؟ وكيف نفعل فضيلة قضاء الحوائج؟
 قضاء الحوائج موضوعنا في هذه الحلقة الاستثنائية من برنامج:" ديناً قيماً " نحييكم بتحية الإسلام، وتحية الإسلام السلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً ومرحباً بكم.
 أهلاً و مرحباً بحضرتكم في حلقة جديدة من برنامج:" ديناً قيماً " نرحب بحضرتكم كما نرحب بضيفينا الكريمين العالمين الجليلين الدكتور عمر عبد الكافي مرحباً فضيلتك.
الدكتور عمر :
 أهلاً وسهلاً.
المذيع:
 والدكتور محمد راتب النابلسي مرحباً شيخنا.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع:
 لقاء جديد حلقة جديدة، نوهنا في الحلقة الماضية أن يكون الموضوع عن تفريج الكربات، ما معنى تفريج الكربات؟

تفريج الكربات :

الدكتور راتب :
 أي عمل صالح يصلح للعرض على الله، والعمل الصالح الذي يقبله الله له شرطان؛ أن يكون خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة، حتى هذا العمل يقبل ويرفع إلى الله يجب أن يكون صواباً، معنى صواباً خالص النية لوجه الله، أي ما ابتغي به وجه الله، ووافق السنة.
المذيع:
 معنى الكربات دكتور عمر؟
الدكتور عمر :
 كل إنسان في الدنيا في حالة كرب، وجوده في الدنيا كرب، لأنه لا يعرف ما الذي ينتظره، ومكلف بتكاليف قد يعيقه عنها سلوكيات كثيرة لا يتغلب عليها، فما الذي يفرج الكربات؟ لا يفرغ الكربات إلا عبد رباني، لماذا؟ لأن تفريج الكربات هي من عند الله عز وجل، فلما التصق بالكون وصار ضمن منظومة الكون التي تسبح بحمد الله صار مفرجاً للكربات، وجابراً للخواطر، ومن جبر خاطر الناس جبر الله خاطره يوم القيامة، ومن فرج الكربات اختاره الله لقضاء مصالح الناس، فأنا أقول لكل مسؤول صغيراً كان أم كبيراً فرج كربات الناس يفرج الله لك كربك، أي أتاك الله نعمة أن تصدر قراراً فلتكن قراراتك مرضاة لله، وتوسعة على المسلمين.
 لما رجع المسلمون من المعركة سأل عمر من قتل من المسلمين، فقالوا: القعقاع بن عمرو، فأجهش عمر بالبكاء فالرجل ظنّ أنه يبكي على القعقاع، قال: لا والله لا أبكي على القعقاع بل أبكي على أناس لا يعرفهم عمر، ولكن يعرفهم رب عمر.
المذيع:
 لماذا عندما نتكلم عن هذه الأمور تبكي شيخنا؟
الدكتور عمر :
 كنا نود أن نعيش مع هؤلاء لكن.
المذيع:
 تفتقدهم؟
الدكتور عمر :
 طبعاً، أجدادنا
المذيع:
 يوجد حديث لرسول صلى الله عليه وسلم فيما معناه: الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، كيف نفهم هذا الحديث ونسقطه على الواقع سيدي؟

حجم الإنسان عند ربه بحجم عمله الصالح :

الدكتور راتب :
 أنا أفهم الحديث كما يلي؛ إنسان أرسل ابنه إلى باريس لينال الدكتوراه من السوربون، نسأل سؤالاً دقيقاً: ما علة وجود هذا الطالب في باريس؟ يوجد مزارع، حدائق، منتجعات، مطاعم، دور سينما، مسارح، ما علة وجود هذا الطالب في باريس؟ شيء واحد الدراسة، هذا لا يمنع أن يأكل ويتنزه أحياناً، ويصادق صديقاً فرنسياً، كله مسموح لكن علة وجوده الدراسة، يجب أن نؤمن يقيناً أن علة وجودنا في الدنيا العمل الصالح أي تفريج الكروب، الدليل:

﴿وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلوا ﴾

[سورة الأنعام: ١٣٢]

 حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، بل إن علة وجودك في الدنيا العمل الصالح، تفريج الكرب، الدليل:

﴿ رَبِّ ارجِعونِ*لَعَلّي أَعمَلُ صالِحًا ﴾

[سورة المؤمنون: ٩٩-١٠٠]

 والعمل الصالح اسمه عمل صالح أي يصلح للعرض على الله عز وجل، فالإنسان يستطيع أن يخدع معظم الناس لبعض الوقت، أو بعض الناس لكل الوقت، أما أن يخدع نفسه وخالقه ولا ثانية واحدة.

﴿بَلِ الإِنسانُ عَلى نَفسِهِ بَصيرَةٌ*وَلَو أَلقى مَعاذيرَهُ﴾

[سورة القيامة: ١٤-١٥]

 فأنا أفهم أن علة وجودي في الدنيا العمل الصالح، الشيء الأساسي.
 فعندما أرى أن إنساناً منهكاً في حياته الدنيا، بثانية واحدة يموت، يفقد كل شيء، يوجد خط بياني صاعد، أي أخذ شهادة ثانوية ثم جامعية ثم ماجستير ثم دكتوراه، تعين بوظيفة مرموقة، اشترى بيتاً ووسعه، اشترى سيارة، تزوج إلخ، خط صاعد يأتي الموت للصفر، كل شيء حصله في عمر مديد يخسره في ثانية واحدة، وحياته متعلقة بنبض القلب، أو سيولة الدم، انتهى كل شيء.
 المؤمن خط بياني صاعد بشكل مستمر، والموت نقطة على هذا الخط، لأنه أراد الجنة خطه البياني صاعد، والموت نقطة على هذا الخط:

﴿أَفَمَن وَعَدناهُ وَعدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقيهِ كَمَن مَتَّعناهُ مَتاعَ الحَياةِ الدُّنيا ﴾

[سورة القصص: ٦١]

 المسافة كبيرة جداً، مرة قال لي شخص: تقول: المؤمن سعيد، لا، ليس سعيداً، قلت: لماذا؟ قال: إذا كان هناك موجة حر شديدة يتحملها المؤمن أيضاً، وموجة الغلاء يتحملها، قلت له: إذا شخص يسكن في بيت غرفة واحدة، ودخله لا يكفيه خبز فقط، وعنده ستة أولاد، وعليه دعوى إخلاء من هذه الغرفة، ذكرت حالة من أصعب ما يكون، له عم يملك خمسمئة مليون ومات بحادث، وليس له أولاد، ما الذي حصل؟ خمسمئة مليون تنتقل لهذا الإنسان بثانية واحدة، لكن حتى يقبضها يحتاج إلى سنة من الروتين المعقد، لماذا هو في هذه السنة أسعد إنسان؟ لأنه موعود بمبلغ ضخم، اسمع الآية:

﴿ أَفَمَن وَعَدناهُ وَعدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقيهِ كَمَن مَتَّعناهُ مَتاعَ الحَياةِ الدُّنيا ﴾

إدخال السرور على قلب المسلمين فرض :

الدكتور عمر :
 قطع ابن عباس اعتكافه في العشر الأواخر من رمضان، ومشى مع رجل ثم رجع فسئل، فقال: أخي كان له حاجة، قيل: أتقطع اعتكافك؟ قال: أسير في قضاء حاجة أخي المسلم خطوة أو خطوتين قضيت أم لم تقض خير لي أن أعتكف عند هذا الحجر الأسود سبعين سنة، كأن الله عز وجل يقول: يا عبدي أنت تدخل السرور على قلب أخيك المسلم بأن تفرج كربه أنا القادر على تفريج الكربات، هي هكذا، أي إذا أرسل لي رئيس دولة أو وزارة أو مسؤول كبير مندوبه الشخصي، أنا أحترم المندوب الشخصي للمسؤول بقدر تقديري لهذا المسؤول، أنا ربما لا أعرفه لكن أقدره لأنه مدير مكتب فلان، وإذا كان خليفة الله في الأرض يأتي إليّ وقد وقع في ورطة وأنا أفرج كربه، أنا أقدر من؟ هي هكذا..
الدكتور راتب :
 أعرف أسرة الأب أصيب بآفة قلبية، تحتاج العملية لمبلغ فلكي، ولا يملك منه شيئاً، جاء محسن فأجرى العملية للأب، أنا زرته قبل العملية يوجد كآبة في البيت شديدة جداً، بعدما نجحت العملية كاد الأولاد يرقصون من فرحهم، شعرت أن هذا الذي قدم هذه العملية الجراحية للقلب كم هو عند الله قريب؟ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( الخلق كلهم عيال الله تعالى ، فأحبهم إلى الله عز وجل أنفعهم لعياله ))

[أخرجه أبو يعلى والحارث في مسنده]

الدكتور عمر :
 ومن القيم إدخال السرور على قلب المسلمين فرض، وأنا أحذر أي زوج يدخل الحزن على زوجته وأولاده بأن يطعمهم الحرام، بأن لا يتقي الله فيهم، يا أخي المدير في المؤسسة أياً كان في مؤسسة الدولة أو مؤسسة صغيرة يجب أن يدخل السرور على الناس، ويفرج كرباتهم، لأن العلماء قالوا: يوجد واد في النار اسمه وادي هبهب يكون فيه كل من أدخل النكد على المسلمين، هذا الوادي سوف يكون مزدحماً.
المذيع:
 هل الكلام عن تفريج الكربات يدخل في حسن الخلق؟

 

تفريج الكرب من حسن الخلق :

الدكتور عمر :
 هذا العمل قد لا يكون للنفس فيه حظ، إذا حسبتها بحسابات الدنيا، لكن لو حسبتها بحسابات الآخرة كأن الله يقول: عبدي أنت ضعيف وتفرج كرب أخيك؟! فكم يساوي هذا عند الله تعالى؟
 ولذلك لما دخلوا بمرسوم كسوة الكعبة على عمر بن عبد العزيز قال: ما هذا؟ قال: وقع على مرسوم كسوة الكعبة بكذا ألف، قال: الكعبة لا تحتاج إلى كسوة اكسوا اليتامى والمساكين خير عند الله من كسوة الكعبة، حرمة البيت الحرام إذا وضعت في كفة وحرمة المؤمن وشرف المؤمن في كفة غلبت حرمة المؤمن حرمة الكعبة، فما بالك بمن فرج كربة؟
المذيع:

(( مَنْ فَرَّجَ عن مُسلِم كُرْبَة فَرَّجَ اللهُ عنه بِهَا كُرْبَة من كُرَبِ يومِ القيامةِ))

[أخرجه أبو داود]

 كيف نفهم هذا ونحاول أن نصنعه في الحياة الدنيا؟

 

توسيع وعي الناس لقيمة العمل الصالح :

الدكتور راتب :
 والله حينما نوسع وعي الناس لقيمة العمل الصالح، أقول: العمل الصالح علة وجودنا في الدنيا، فحينما نهتم بالعمل الصالح هذا عمل يومي؛ إما إطعام طعام، أو إلقاء سلام، أو تفريج كربة، أو حل مشكلة جراحية مثلاً، الكلمة الدقيقة الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، مليون طريق إلى الله؛ إطعام الطعام، إفشاء السلام، تزويج الشباب، هذه مهمة كبيرة جداً.
 أقول: الشباب قوام الأمة، عماد الأمة، مستقبل الأمة، هذا الشاب مطالبه جداً متواضعة، يريد فرصة عمل، وزوجة، وبيتاً فقط، فأي جهد جماعي لتأمين حاجات الشباب هذا عمل عظيم جداً، فهذا الشاب إن لم يحقق هذه الأهداف المتواضعة يقع في تطرف إما تشددي أو تفلتي.
المذيع:
 قد يقول قائل: لم أفرج كربة فلان والله سبحانه وتعالى ابتلاه بهذا والله يغنيه من فضله؟

من فرج كربة إنسان أتى من فرج كربه :

الدكتور عمر :

الناس للناس من دلو وحاضرة  بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم
***

 أنا مهما أكون إنساناً له قيمة و مال سوف يأتي عليّ يوم فيه كرب، وسوف يأتي من يفرج كربي كما فرجت كرب غيري.
 عمر رضي الله عنه لما توفي ورآه ابن عباس في الرؤيا رضي الله عنهم جميعاً قال: يا أمير المؤمنين ماذا صنع الله بك؟ قال: يا بن عباس طاحت تلك الإشارات، وضاعت تلك العبارات، والله يا بن عباس لكان عرشي أن يهد لولا أني وجدته غفوراً رحيماً، قال: الله عز وجل رحمك لنصرك للإسلام؟ قال: لا، عدد له كل الأعمال الصالح، قال: لا، قال: كنت أسير مرة في شارع من شوارع المدينة رأيت صبية يلعبون بعصفور قد ربط أحدهم العصفور بخيط ففكت أسر العصفور وطار، قيل لي: يا عمر فككت أسر العصفور ونحن نفك أسرك وندخلك الجنة.
المذيع:
 رسالة نهائية نوجهها دائماً، رسالة توجهها للمسؤولين وللشباب بأن يفرجوا الكربات ماذا تقول لهم؟

 

رسالة للمسؤولين وللشباب بأن يفرجوا الكربات :

الدكتور راتب :

(( أكثروا ذكر هادم اللذات الموت))

[أخرجه الترمذي وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه]

(( هذا هادم اللذات ومفرق الجماعات))

[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير]

(( عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من أحببت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به))

[أخرجه الحاكم في مستدركه]

المذيع:
 شيخنا عمر ماذا تقول؟
الدكتور عمر :
 أنا أقول: ما لم نحذر الأطفال من صغرهم على تفريج الكربات حيث أن كل طفل عندما يرى اليتيم على الشاشة يقول له: يا ولدي تآخى معه عن طريق الهاتف، بأنه أخوه في الله ويراعيه، نزرع في أولادنا حب هؤلاء، لأن أولادنا ليسوا أفضل منهم، ولا نحن أفضل منهم، وإنما إذا تآخى هذا مع ذاك فرج الله كرباته، وساعد في اللحمة الإسلامية.
المذيع:
 عاقبة تفريج الكربة طيبة يوم القيامة؟

 

عاقبة تفريج الكربة :

الدكتور عمر :
 يكفي أن الكربة يوم القيامة مفرجة لمن فرج الكربة في الدنيا، الثلاثة الذين دخلوا الكهف، وكل شخص ذكر العمل الصالح الذي قدمه، الصخرة وقعت، يقول لك: لم يخرجوا الثواب المباشر فما بالك يوم القيامة؟
الدكتور راتب :
 الله ودود، فإذا خطبت وده خطب ودك.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 ما أبدع جملك دكتور.
 مشاهدينا الكرام؛ شكراً لكم، وشكراً لضيفينا العالمين الجليلين الدكتور عمر عبد الكافي، والدكتور محمد راتب النابلسي، شكراً لكم على هذا اللقاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إخفاء الصور