وضع داكن
29-03-2024
Logo
ماليزيا- ديناً قيماً 1 - الحلقة : 22 - التواضع.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:

﴿فَبِما رَحمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُم وَلَو كُنتَ فَظًّا غَليظَ القَلبِ لَانفَضّوا مِن حَولِكَ ﴾

[سورة آل عمران: ١٥٩]

  هكذا قال ربنا تبارك وتعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم، ويفهم منها تواضع النبي عليه الصلاة والسلام مع أصحابه، ومع أهله، ومع عشيرته، ومع كل من دعاهم إلى الدين الحنيف، الدين الإسلامي.
فما هو التواضع؟ وما هي حقيقته؟ وما أنواعه؟ وما شروطه؟ وكيف يكون الإنسان متواضعاً؟
 ونحن نقرأ كتب التاريخ تذكر لنا بعضها أن عمر بن عبد العزيز عليه رضوان الله -وكان أمير المؤمنين- قام في طلب حاجة له، قال أحد رعاياه: أقضي عنك يا أمير المؤمنين؟ قال: ولم ذاك؟ ذهبت وأنا عمر بن عبد العزيز ورجعت وأنا عمر بن عبد العزيز. منتهى التواضع. وكيف نُفّعل التواضع في حياتنا ونترك الكبر وأهله؟
 التواضع موضوعنا في هذه الحلقة من برنامج:" ديناً قيماً " أهلاً وسهلاً بكم.
 مشاهدينا الكرام نحييكم بتحية الإسلام، وتحية الإسلام السلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً معكم إلى حلقة جديدة من برنامج:" ديناً قيماً " نرحب بحضرتكم كما نرحب بضيفينا الكريمين العالمين الجليلين الدكتور عمر عبد الكافي مرحباً بك فضيلة الشيخ.
الدكتور عمر :
 أهلاً وسهلاً، بارك الله فيك.
المذيع:
 بارك الله فيك، والدكتور محمد راتب النابلسي أهلاً بك شيخ راتب.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم ونفع بكم.
المذيع:
 وفيك بارك، اخترنا موضوع الحلقة التواضع لصفة وجدتها فيكما، فبمن نبدأ منكما؟ كل منكم أشار إلى صاحبه وهذا منتهى التواضع، نبدأ من اليمين جعلكم الله من أصحاب اليمين بإذن الله تعالى ما التواضع شيخنا الدكتور عمر؟

 

تعريف التواضع :

الدكتور عمر :
 كل نعمة تحسد حتى العبادة.
المذيع:
 تحسد؟
الدكتور عمر :
 نعم، لو قال رجل أمام أناس مثلاً: أنا بفضل الله منذ عشرين عاماً لم أنقطع عن قيام الليل، الليلة التي تليها لن يقوم، إلا عبادة واحدة لا نحسد وهي نعمة التواضع لا تحسد، لأن الناس يظنون أن التواضع ضعة وذلة، أي كن كنجم لاح لناظر في طبقات الماء وهو رفيع، ولا تكن كالدخان يعلو بنفسه إلى طبقات الجو وهو وضيع.
 عندما ننظر في قعر نهر نجده، هيأ التفوق رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيش واحداً فوق الجميع فعاش بتواضعه واحداً بين الجميع، أعرابي يقول: أيكم ابن عبد المطلب؟ لا يجلس في مجلس متميز، هل أدلكم على رجل من أهل النار جالس وبين يديه رجال قيام، كان لا يرى ماداً رجليه بين صحابته قط، ومرت المرأة التي كانت ترافق الرجال - امرأة بذيئة في المدينة- مرت عليه وهو يأكل مع صحابته قالت: أهكذا يأكل كما يأكل العبد ويجلس كما يجلس العبد؟ فتبسم وقال: وهل هناك من هو أعبد مني لله؟ قالت: انظروا يأكل ولا يطعمني، فناولها لقمة فلم تنطق بكلمة خبيثة بعد وأسلمت وحسن إسلامها.
 ما أحوجنا لهذه اللقمة، فالتواضع صفة عظيمة.
المذيع:
 لكن أين اليد التي ستطعمنا إياها؟
الدكتور عمر :
 نسأل الله أن يكون هناك أياد تطعمنا بالخير.
المذيع:
 نسأل الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي بارك الله فيك،

﴿فَبِما رَحمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُم وَلَو كُنتَ فَظًّا غَليظَ القَلبِ لَانفَضّوا مِن حَولِكَ ﴾

  كيف نفهم ماهية التواضع من هذه الآية الكريمة؟

 

فهم ماهية التواضع وفق الآية الكريمة السابقة :

الدكتور راتب :
 بعد قليل أقول لك الجواب، كتاب قرأته قدم لصاحب الرسالات رسول الله فقال له المؤلف: " يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ، يا من قدست الوجود كله ورعيت قضية الإنسان، يا من زكيت سيادة العقل ونهنهت غريزة القطيع، يا من هيأك تفوقك لتكون واحداً فوق الجميع فعشت واحداً بين الجميع، يا من كانت الرحمة مهجته، والعدل شريعته، والحب فطرته، والسمو حرفته، ومشكلات الناس عبادته. فمقام النبي مقام كبير جداً.
الدكتور عمر :
 نذكر من باب الأمانة، المؤلف الأستاذ خالد محمد خالد شيخنا الجليل هو صاحب هذا المقدم العظيم، وكان يحبه الشيخ الغزالي حباً عظيماً، أي نحن تعلمنا السلوك من هؤلاء، قال الشيخ الغزالي: رأيت الشيخ خالد محمد خالد وهو يشار إليه بالبنان يسند رجلاً كبيراً، ويقبل يده أمام الناس، يوصله إلى المركبة لكي يعود إلى بيته، ولا يقوم بهذا الكلام إلا عظيم.
الدكتور راتب :
 ومن تواضع لله رفعه، أي أصحاب رسول الله في بدر تواضعوا وافتقروا فانتصروا. هم هم وفيهم سيد الخلق اعتدوا بعددهم في حنين فلم ينتصروا:

﴿ وَيَومَ حُنَينٍ إِذ أَعجَبَتكُم كَثرَتُكُم فَلَم تُغنِ عَنكُم شَيئًا ﴾

[سورة التوبة: ٢٥]

 فلذلك مخلص الملخص تقول: أنا، يتخلى عنك، تقول: الله، يتولاك، أنت بين التولي والتخلي، إذا عزوت شيئاً إلى ذاتك هذا خطأ كبير. فالنبي صلى الله عليه وسلم قال له عز وجل: أنت أنت يا محمد النبي الرسول وسيد الخلق وحبيب الخلق

﴿ وَلَو كُنتَ فَظًّا غَليظَ القَلبِ لَانفَضّوا مِن حَولِكَ ﴾

 أنت أنت، فلذلك موضوع التواضع شيء أساسي جداً في حياة المؤمن، والتواضع واقع أي أنت من؟ خثرة لا ترى بالعين في أحد الشرايين تفقد الذاكرة كلها، عندنا قصص كثيرة، نقطة لا ترى بالعين في أحد الشرايين بالدماغ يفقد ذاكرته كلها أو حركته.
الدكتور عمر :
 مولانا عندما تراقب الناس الفلاح الذي يبذر البذر ماذا يصنع؟ يكون واقفاً ينحني ليضع الشتلة، تواضعه هذا سبحان الله ينبت له الخير، فإذا تواضع الإنسان للكينونة التي هو فيها أعطاه الله الفضل كله.
المذيع:
 هل التواضع ظاهرة مكتسبة أم فطرة جبل الشخص عليها أم منحة إلهية؟

 

التواضع منحة إلهية :

الدكتور عمر :
 عبد القيس لما جاء مع وفد البحرين - البحرين منطقة الإحساء والمنطقة الشرقية كانت تسمى البحرين- فقال: أين زعيمكم؟ فقالوا: يأتي الآن يا رسول الله، دخل الوفد وهو من طول الرحلة دخل فتغسل وتطيب ولبس ليقابل رسول الله، قال رسول الله لأشج عبد القيس: فيك خصلتان يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة - لأن الحلم والأناة الوجه الثاني من التواضع- قال: أخصلتان جبلت عليهما أم خلقت بهما؟ قال: جبلت عليهما، قال: الحمد لله الذي جبلني على خلق يحبه الله ورسوله.
 فالإنسان سبحان الله! الله عندما يختار عبداً ييسر له، علم الله الخير في أبي بكر ففتح له باب الهداية، فصار أول المسلمين بعد رسول الله، وعلم الله الشر والحقد الذي في أبي جهل فغلق أمامه الباب، يهدي من يشاء من العباد، لكن الذي يشاء من العباد أن يهتدي سهل الله له بابه لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، يأت أبو جهل ويقول: لو هديتني مثل أبي بكر كنت دخلت بالإسلام، لا، الرسول لم يختص أبا بكر بيوم الدعوة، واختص أبا جهل بنصف ساعة. أي أنا وأنتم على السواء، أي المعلومة التي عندي كما هي عندكم، لكن هذا سبب للهداية لذلك دخل.
 لذلك الإنسان عندما يطمئن مثل ابن عباس لما امتطى صهوة جواده جاء زيد بن ثابت أحد كتبة الوحي يضع الركاب في قدم ابن عباس، ابن عباس يقول: ما الذي تصنع يا زيد؟ قال: هكذا أُمرنا أن نجل آل بيت نبينا، فنزل ابن عباس من فوق الفرس وقبل يد زيد ما الذي تصنع؟ ونحن أمرنا أن نجل علماءنا.
المذيع:
 دكتور راتب يوجد في أمر الله تعالى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ألن جناحك:

﴿ وَاخفِض جَناحَكَ لِلمُؤمِنينَ﴾

[سورة الحجر: ٨٨]

 هل التواضع أمر إلهي من الله سبحانه وتعالى؟ وهل يجوز تطبيق مفهوم المخالفة مع هذا الأمر الإلهي؟

 

انتماء المؤمن لمجموع المؤمنين :

الدكتور راتب :
 قبل أن أجيب يوجد ملمح بالآية دقيق جداً:

﴿وَاخفِض جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤمِنينَ﴾

[سورة الشعراء: ٢١٥]

 الثانية:

﴿ وَاخفِض جَناحَكَ لِلمُؤمِنينَ﴾

 يوجد إنسان مرتبط بمن حوله فقط، أما المؤمن فيخفض جناحه لكل مؤمن، ولو لم يكن متبعاً له، فالانتماء إلى مجموع المؤمنين، وما لم يكن الانتماء إلى مجموع المؤمنين هناك مشكلة كبيرة جداً، دخلنا في متاهة كبيرة جداً. لن تكون مؤمناً إلا إذا كان انتماؤك لمجموع المؤمنين الدليل:

﴿إِنَّمَا المُؤمِنونَ إِخوَةٌ فَأَصلِحوا بَينَ أَخَوَيكُم ﴾

[سورة الحجرات: ١٠]

 فلذلك الذي ينتمي إلى فئة معينة، إلى فقاعة، إلى جماعة، الانتماء إلى المجموع هذا هو الأصل في الدين، لكن ممكن أن يكون لي أم ولكن لا أنكر أمهات الآخرين، أي أحب أمي ولا أنكر أن هناك أمهات أخريات فضليات.
الدكتور عمر :
 شيخنا نحن آن لنا أن نسقط الرايات كلها ويكون ولاؤنا لمجموع المؤمنين.
المذيع:
 هل يكون هذا التواضع فقط للمؤمنين؟ أم للمؤمنين وغير المؤمنين؟ أم يكن ذلة وتواضعاً للمؤمنين وعزة على الكافرين؟

 

لا يتواضع إلا عظيم و لا يتعاظم إلا حقير :

الدكتور عمر :
 المؤمن مأمور بحسن الخلق، والإنسان المتواضع هذه ملكة تصير في تصرفاته، والله إذا تواضعنا لكل الناس بعد أن نتواضع لرب الناس، النفوس جبلت على حبّ من أحسن إليها ولا يتواضع إلا عظيم، ولا يتعاظم إلا حقير.
المذيع:
 لكن الكبر على أهل التكبر صدقة؟
الدكتور عمر :
 لا، هذا كلام في الأسواق، لكن في البرامج الهادفة لا، صرت متكبراً مثله، ما الفائدة!
الدكتور راتب :
 دخل النبي الكريم إلى المدينة فيها أوس وثنيون، وخزرج وثنيون، وفيها موالي وأعراب ويهود وصحابة كرام فقال: " أهل يثرب أمة واحدة" هذا أقدم مفهوم مواطنة في الإسلام.
الدكتور عمر :
 ولذلك فضيلتك أبو رغال أو الخائن العربي أبو رغال هذا الذي سعى ليدل أبرهة على مكان بيت العرب قبل الإٍسلام، هذا الذي يريد أن يدل أبرهة اعتبروه جاسوساً عربياً، وقبره كان مكاناً للتبرز والتبول عند العرب، وكم من أبي رغال يعيشون بيننا؟! العربي المشرك رفض الخيانة، فلو أن أبا رغال تواضع لقومه وصار لحمة معهم لكان أفضل له.
 لذلك يقولون: الملتزم ليس عنده وطنية، لا هو الوطنية بنفسها، والله الثاني يبيع دينه بعرض من الدنيا، والذي يصير جاسوساً على بلده يحاسب أمام القضاء بتهمة الخيانة العظمى فما بالك بمن يخون خالق الأرض؟

من أراد القوة و التقدم فليهتم بضعفائه :

الدكتور راتب :

(( فإنما تُرزقُونَ وتُنصرون بضعفائكم ))

[أبو داود والترمذي والنسائي عن أبي الدرداء]

 هذا الضعيف هلا أطعمته إن كان جائعاً، وكسوته إن كان عارياً، أنصفته إن كان مظلوماً، علمته إن كان جاهلاً، آويته إن كان شارداً، يتفضل الله على المؤمن هذا بمكافأة من جنس عمله فينصره على من هو أقوى منه، فلذلك إن أردنا القوة وأن نتقدم ينبغي أن نهتم بضعفائنا:

(( فإنما تُرزقُونَ وتُنصرون بضعفائكم ))

[أبو داود والترمذي والنسائي عن أبي الدرداء]

 ويوجد ملمح أخير البطولة أن نعالج المشكلة لا من آخرها بل من أولها.
 دخل إنسان إلى بستان أنصاري، وأكل من ثماره دون إذنه، فساقه إلى النبي الكريم على أنه سارق، فقال له النبي الكريم:" هلا أطعمته إن كان جائعاً، وهلا علمته إن كان جاهلاً" قبل أن تقول: هذا سارق ابحث عن السبب، فالبطولة أن تبحث عن الشيء من أصله، وأن تحل المشكلات من أولها لا من آخرها.

 

خاتمة و توديع :

المذيع:
 شكراً لكما على هذا اللقاء، نلتقي في الحلقة القادمة إن شاء الله، أشكركم وأشكر باسمكم ضيفينا العالمين الجليلين الدكتور عمر عبد الكافي، والدكتور محمد راتب النابلسي، نستودعكم الله وشكراً لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إخفاء الصور