وضع داكن
20-04-2024
Logo
ماليزيا- ديناً قيماً 1 - الحلقة : 17 - الولاء والبراء أساس العمل الصالح.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
  الولاء والبراء ما شروطهما في ميزان الشريعة الإسلامية؟ كيف نوالي وكيف نبرأ؟ هل هناك ضوابط محددة أم لا أم أن الأمر متروك لاجتهاد الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية للرسول صلى الله عليه وسلم؟ ما منهج السلف الصالح في الولاء والبراء؟ ومن نوالي وممن نبرأ؟ هل نحن في حاجة ماسة لتطبيق عقيدة الولاء والبراء الآن؟ وهل تبخرت هذه العقيدة من بين ظهراني المسلمين أم هي موجودة وهل نحن بحاجة إلى تفعيلها؟ وكيف نربط بين الولاء والبراء وبين التعايش داخل الأوطان بين الملل والنحل والعقائد المختلفة وكذلك الشرائع؟
 الولاء والبراء حلقة جديدة في برنامج:" ديناً قيماً " أهلاً بكم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً بكم إلى هذه الحلقة الجديدة، نرحب بحضراتكم، ونرحب بضيفينا الكريمين العالمين الجليلين السبتين العدلين أصحاب المعالي والفضيلة، فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور عمر عبد الكافي، و فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، مرحباً شيخنا.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
المذيع:
 وبكم بإذن الله ولكم مثلها وزيادة بإذن الله تعالى، فيما تحبان أن يدور حوارنا في هذه الحلقة من: " ديناً قيماً"؟
الدكتور عمر :
 يقترح شيخنا ونحن له تبع.
الدكتور راتب :
 والله أنا أقترح موضوعاً هو علة وجودنا في الدنيا، وهو العمل الصالح لقوله تعالى:

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾

[ سورة المؤمنون : 99-100]

 ولقوله أيضاً:

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾

[ سورة الأنعام: 132]

 حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، والعمل الصالح علة وجودك في الدنيا.
المذيع:
 هل العمل الصالح شيخ عمر لا بد أن يتعلق بالولاء والبراء؟

 

تعلق العمل الصالح بالولاء و البراء :

الدكتور عمر :
 جذع العمل الصالح الولاء والبراء، حتى يكون صالحاً، وإلا ما أثمر عمل ولاء للمؤمنين بعد الله ورسوله وبراء ممن يحارب دين الله عز وجل إلا إذا ثبت في جذور قلوب المؤمنين بالولاء والبراء.
المذيع:
 دعنا نقف مع فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي على مفهوم الولاء والبراء.

 

معنى الولاء و البراء :

الدكتور راتب :
 الحقيقة من دون تعقيد أن توالي المؤمنين، أن تميل إليهم، أن تحبهم، أن تدعمهم، أن تثني على فضلهم، مفردات كثيرة لكن يوجد انتماء للمؤمنين وأن تتبرأ من الطرف الآخر.
المذيع:
 من الطرف الآخر؟
الدكتور راتب :
 غير المؤمنين، ألطف كلمة.
المذيع:
 إذا تعلق الأمر أيضاً بالمسلمين الذين لا يقيمون حدود الله تعالى نتبرأ منهم؟
الدكتور راتب :
 لي مهمة معهم، قيل للإمام الغزالي: ما حكم تارك الصلاة؟ قال: أن تأخذه معك إلى المسجد، فغير المؤمن أنا آخذ بيده إلى الطاعة، إلى الاستقامة، إلى أداء الفرائض.
المذيع:
 دكتور عمر هل للولاء والبراء حدود؟ مع مراعاة أن غير المسلمين يقطنون مع المسلمين في وطن واحد، كيف يحل هذا الإشكال؟

حدود الولاء و البراء :

الدكتور عمر :
 أولاً: من فضل الله عز وجل أن المؤمن يحمد رب العباد عز وجل أنه من القسم الذي عافاه رب العباد سبحانه، الناس قسمان؛ معافى ومبتلى، فاحمدوا الله على العافية، وارحموا أهل البلاء، لا تكرهوا أهل البلاء، ارحموا أهل البلاء.
المذيع:
 وكيف رحمتهم؟
الدكتور عمر :
 أرحم أهل البلاء بأن أكون قدوة أمامه، ثم أحن عليه، وأحن إليه، وأقترب منه، ولا أتركه لشياطين الإنس والجن، وإنما يجب عليّ أنا مسؤولية أنني من أمة أمرت أن تأمر بالمعروف، وأن تنهى عن المنكر، فبدل أن أعلن أمامه أنني بريء منك، وأنني لا أحبك، هذا كلام صادم، وإنما أنت أخي في الإنسانية، كلنا لآدم، وآدم من تراب، قد نختلف في مذاهب وشرائع وملل، ولكن تحتوينا هذه الأرض، فتعال واسمع مني، واسمع مني لا تسمع عني، بهذا نشرح صدورنا، لعل الله عز وجل يجعل بيننا وبين الذين كفروا منهم مودة.
المذيع:
 آمين يا رب العالمين، فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي هل للبراء من غير المسلمين حدود قصوى في الشريعة الإسلامية؟

هل للبراء من غير المسلمين حدود قصوى في الشريعة الإسلامية ؟

الدكتور راتب :
 هل تسمح لي أبدأ بشيء أراه ضرورياً؟
المذيع:
 تفضل سيدي.
الدكتور راتب :
 ما حكم هذا اللقاء مع الطرف الآخر؟ هل يستمر أم ينقطع؟ هناك ضابط، إذا أمكنك أيها المؤمن أن تشد الآخر إليك تابع العلاقة معه، أما إذا شعرت أنه شدك إليه هنا يوجد مشكلة، أنا أقيم علاقة طالما أنا قادر على أن أنمي هذه العلاقة لصالح الطرف الآخر، أما أنه إذا ثبت لي أنه قد يغويني، فالأولى أن أبتعد عنه ابتعاداً ناعماً، غير عنيف، من دون كلام قاس، أنا أنسحب منه بالتدريج.
الدكتور عمر :
 فضيلة الشيخ إذا أذنت لي.
الدكتور راتب :
 أستغفر الله أنت أستاذنا.
الدكتور عمر :
 الصاحب عندما يصاحب آخر، كلمة صاحب الذي يصاحب من هو خير منه، لذلك سمي الصحابة صحابة، لأنهم صاحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أصحاب الفيل لأن الفيل كان أفضل منهم، أبى أن يهدم الكعبة وهم أرادوا أن يهدموها، الصاحب كيف يكون ساحباً؟
المذيع:
 هل هذا ينطبق على أصحاب الكهف والرقيم؟
الدكتور عمر :
 الكهف سبحان الله إن كانوا هم مسبحون لمدة محددة فالكهف مسبح منذ آلاف السنين إلى آلاف السنين، الإنسان حينما يصاحب إنساناً لا يبث الصاحب لصاحبه أسراره إلا إذا طالت صحبته، إذا كان من منطق الولاء أن أصادق وأصاحب القرآن زمناً وتلاوة واستماعاً وتطبيقاً، بث لي القرآن من أسراره، فإذا بث المؤمن من أسراره صار إنساناً قرآنياً، تتلقى صفحات قلبه سطوراً من مداد من نور، كما كان الصحابة يتلقون من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكتب الرسول القرآن في مصحف في بداية الأمر، وإنما كتبه بمداد كلماته الطيبة على قلوب الصحابة فنقشت مصحفاً، فلما صاحبوه سحبهم إلى الخير، هنا يكون الولاء، وعندئذ صار عند الإنسان مقياس.
المذيع:
 والبراء لأن البراء هو عليه المعول في الحياة.
الدكتور عمر :
 القرآن فيه وعد ووعيد، فيه جنة ونار، فيه رحمة وعذاب، مثان، عندئذ يتضح لي من القرآن ومن المنهج، ولمن أبرأ ممن، وأكون في صنف من وضد من، مع من وليس مع من.
المذيع:
 دكتور محمد راتب النابلسي الولاء والبراء مستنبط من القرآن الكريم بآية الذكر الحكيم وحديث النبي صلى الله عليه وسلم أم هو مجرد اجتهاد فقهي من العلماء؟

 

استنباط الولاء و البراء من نصوص عدة :

الدكتور راتب :
 هناك استنباطات من نصوص عديدة، قال تعالى:

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾

[ سورة الحجرات: 10 ]

 فالإيمان درجات، واحد أكثر إيماناً، والثاني أقل إيماناً، يجب أن يأخذ الأكثر بيد الأقل، والأقوى بيد الأضعف، والمستنير بيد المعمى عليه، عملية تبادل خبرات، وعملية أخوة في الله، لا تحتاج إلى سيطرة، ولا إلى تسلط.
المذيع:
 دكتور عمر هل من متطلبات البراء من غير المسلمين أو من غير المؤمنين أن نحاربهم و نناصبهم العداء وإن كانوا شركاء وطن وأرض؟

 

من متطلبات البراء عدم مناصبة غير المسلمين العداء :

الدكتور عمر :
 لا، الذين لهم ذمة في رقبتنا وعهد هؤلاء مؤمنون في بلاد المسلمين مهما كانت قبلتهم، لو أن ذمياً في بلدنا أو معاهداً في بلدنا وظلمناه الرسول خصمه يوم القيامة.
المذيع:
 ولو كان واحداً؟
الدكتور عمر :
 ولو كان فرداً، لأنك إذا ظلمته فقد ظلمت كل أهل ذمته، وكل من يخالفك في الدين، بل بالعكس أنا يجب أن أوسع له صدري، وأشعره أنه بين أهله، عندئذ يشعر برحمة المؤمنين، ولذلك نحن لا نحارب إلا من يحاربنا، ويأخذ أرضنا ومقدساتنا، وينتهك أعراضنا، عندئذ وجبت الحرب عند تحرير أرضنا لأن المؤمن إنما هو سلم، من المسالمة.
المذيع:
 في قوله تعالى شيخنا محمد راتب النابلسي:

﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ ﴾

[سورة الممتحنة:8-9]

 كيف نفهم هذه الآيات في سياقيات عقيدة الولاء والبراء؟

 

ضرورة ذوبان عقيدة الولاء والبراء داخل المجتمعات التي تحمل عقائد وشرائع شتى :

الدكتور راتب :
 نفهمها فكرياً وسلوكياً، حينما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة مهاجراً، فيها أوس وخزرج وثنيون، وفيها أوس وخزرج مسلمون، وفيها يهود، وفيها نصارى، وفيها أعراب، أجناس شتى، مجتمع فسيفسائي، في أول خطاب له، وأنا أعدّ هذا الخطاب أول خطاب وطني، قال: " أهل يثرب أمة واحدة، سلمهم واحدة، وحربهم واحدة، لليهود دينهم ولنا ديننا". صار هناك شيء يجمع هؤلاء المتعاكسون في الاجتهادت، جمعهم وطن، مصلحة عامة، فهناك مصالح عامة يخضع لها الجميع، جميع أفراد المجتمع.
الدكتور عمر :
 ولذلك مما يوسع الأوطان أمناً أن يسع بعضنا الآخر وتسعنا ساحة الوطن التي تجمع العرقيات والجنسيات والأقطار والرايات، متى؟ إذا ادعى كل إنسان أو كان صادقاً بأن يقول: إنني مواطن صالح، كيف تكون مواطناً صالحاً؟ ألا تشرب على من يسكن على نفس الأرض وله نفس الحق؟ أحمد بن حنبل وهو ذاهب إلى الدرس ومعه أتباعه، مرّ أعزكم الله كلب، قال: وسعوا له لقد صار شريكاً معنا في الطريق، تضيق عليه لماذا؟ هذه الحوادث التي تحدث بين الناس لم تحدث؟
المذيع:
 ما أجمل هذا الاجتهاد بصراحة، وسع الطريق لكلب.
الدكتور عمر :
 لأنه صار مشاركاً.
المذيع:
 هذا ديننا.
الدكتور عمر :
 هذا ديننا، الإنسان المؤمن الصادق هو إنسان يسع الكون كله، لأنه هو جزء من هذا الكون، يجب ألا يكون هناك نغم نشاز في هذا الكون.
المذيع:
 هل معنى هذا أفهم من كلام فضيلتكم أنه ينبغي أن تذوب عقيدة الولاء والبراء داخل المجتمعات التي تحمل وتطوي بين دفتها عقائد وشرائع شتى؟
الدكتور عمر :
 سبحان الله! عندما قال تعالى:

﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾

[ سورة الكافرون: 6 ]

 لم يقل رب العباد لكم دينكم الباطل ولي دين الحق، رغم أن هذا صدق، واعتبر أن عبادة الكافرين لأصنامهم ديناً، لأنها بعرفهم ما هي؟ دين يدينون به، فالله عز وجل ما أنكر عليهم خاطبهم بنفس الحوار، أرقى حوار هو ما يعرضه القرآن بيننا وبين غيرنا، قال تعالى:

﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾

[ سورة الكافرون: 6 ]

 لم يقل: أنا على دين الحق وأنت على دين الباطل.
المذيع:
 سؤال مشترك لكم جميعاً مع بعضكم البعض كيف نفهم كل هذا والرسول صلى الله عليه وسلم طرد اليهود من المدينة، ألم يفعل؟

 

طرد اليهود من المدينة لخيانتهم العهد :

الدكتور راتب :
 لأنهم ائتمروا عاقبهم، تآمروا عليه.
الدكتور عمر :
 لأن هناك عهداً وفي المعاهدات الدولية إذا خانت أحد الدول هذه المعاهدة وجبت القطيعة.
المذيع:
 هل ينبغي للمسلم أن يبدأ من حيث انتهى الرسول عليه الصلاة والسلام ويقوم بطرد من يخالفه في العقيدة والشريعة؟ أليست هذه من متطلبات الولاء والبراء؟

طرد من يخالف المسلم في العقيدة والشريعة مسؤولية أولي الأمر :

الدكتور راتب :
 لا، ليست من متطلبات ولاء الفرد المسلم، هذا مما يجب على ولي الأمر.
الدكتور عمر :
 للحكومات ضروراتها، وللشعوب اختياراتها.
المذيع:
 جميل هذه الجملة.
الدكتور عمر :
 أي قد يضطر الحكام إلى معاهدات معينة نتيجة نظرة واسعة لما يحدث في العالم من توازنات في حفظ الأوطان، قد لا أراها أنا.
المذيع:
 كالذي حصل مع النبي عليه الصلاة والسلام عندما رجع من مكة؟
الدكتور عمر :
 رضي الله عنك، هذه موازنات معينة، أما للشعوب اختياراتها يا أخي فأنا لا أقبل هذا الكلام، ليس معنى أنني لا أوافق على القرار الذي أصدره الحاكم هذا أنني أشاكسه، أو أنني أهز كرسيه، والله لا يتوطن كرسي الحاكم في مكان إلا بالرأي والرأي الآخر.
المذيع:
 كلمة أخيرة تقولها لمن يلجأ دائماً إلى عقيدة الولاء والبراء ويناصب غير المسلمين العداء؟ نبدأ بالشيخ راتب ونختم بها الحلقة.

كلمة لمن يلجأ إلى الولاء والبراء ويناصب غير المسلمين العداء :

الدكتور راتب :
 أريد أن أقول: مرت جنازة فوقف النبي لها، قيل: هذه الجنازة ليست لمسلم، فقال: أليس إنساناً ؟ لا يوجد أوضح من هذا، فالانتماء العام إنساني.
المذيع:
 صدقت.
الدكتور عمر :
 وعاد ابن جاره اليهودي فجلس بجواره والولد ينازع، غلام بلغ الحلم، قالت له أمه: أجب أبا القاسم، لم تقل رسول الله ليست مقتنعة به، لكن من حسن الجوار زاره، أجب أبا القاسم، قال: يا بني أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، ثم فاضت روحه، فاغرورقت عينا رسول الله بالدموع، وقال: الحمد لله الذي أنقذه من النار بي، فرح.

 

خاتمة و توديع :

المذيع:
 شكراً لكما على هذا اللقاء، مشاهدينا الأكارم في الحب عشنا اللقاء، وبالخير والأمل يمضي بنا موكب الزمان، وحتى لقاء جديد أشكركم، و نشكر ضيفينا الكريمين العالمين الجليلين السبتين العدلين أصحاب المعالي والفضيلة، فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، والشيخ عمر عبد الكافي، شكراً لكم، و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إخفاء الصور