وضع داكن
20-04-2024
Logo
ماليزيا- ديناً قيماً 1 - الحلقة : 15 - الظلم.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:

ألا واللــــــــه إن الظلم لـــــــــؤم   وما زال المسيء هو المــــلوم
إلى ديان يوم الدين نمضـــي   وعند الله تجتمع الخصـــــــــوم
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً   فالظلم ترجع عقباه إلى النـدم
تنام عيناك والمظلوم منتبـــه   يدعو عليك وعين الله لم تنم
***

 حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأن نتقي دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب، يرفعها الله فوق الغمام، ويقول لها: وبعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين. لماذا الظلم بيننا؟ الظلم حلقة جديدة في برنامج:" ديناً قيماً " أهلاً بكم.
 مشاهدينا الكرام؛ مستمعينا الأعزاء؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً بحضرتكم معنا في حلقة جديدة من هذا البرنامج، نرحب بحضرتكم كما نرحب بضيفينا العالمين الجليلين الدكتور محمد راتب النابلسي، والدكتور عمر عبد الكافي، مرحباً بكما في هذه الحلقة الجديدة.
 شيخنا الدكتور عمر بعد هذه التجارب ماذا تحب أن نقف عند بعض الصفحات من سوء الخلق.
الدكتور عمر :
 والله يا ولدي من أسوأ ما انتشر في مجتمعاتنا على مر العقود الأخيرة الظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة.
المذيع:
 تريدنا أن نتحدث عن الظلم، شيخنا الدكتور محمد راتب ما الظلم؟

 

تعريف الظلم :

الدكتور راتب :
 أن تأخذ ما ليس لك. بادئة البدء، لكن متى تستقيم على أمر الله؟
 مثلاً تركب مركبة، والإشارة حمراء، والشرطي واقف، إذا تجاوزت هذه الإشارة لابد من أن واضع قانون السير علمه يطولك، وقدرته تطولك، إذاً لا يمكن أن تعصيه، فما من إنسان ظلم الآخر إلا بجهل بمعرفة الله عز وجل، هذا الإله العظيم لن يسمح لك أن تفعل ما تريد بلا حساب:

﴿أَيَحسَبُ الإِنسانُ أَن يُترَكَ سُدًى﴾

[سورة القيامة: ٣٦]

 هذا الذي يتوهم أنه يترك سدى أحمق، مادام هناك إله وشرع ومنهج وأدلة ينبغي أن نتحرك وفق منهج الله، ولكن ما من شهوة أودعت فينا يمكن أن تمارسها بمئة و ثمانين درجة، لكن مئة صح، مئة حلال، فلا يوجد شيء حلله الله إلا له قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها.
الدكتور عمر :
 حدود الله لا نقربها، ولا نعتدي عليها، لا تقربوها، لا تعتدوها، إذا تعدى الإنسان حدود الله فقد ظلم، فالظلم هو تعدي الحد، لأننا يجب أن نتعامل بين بعضنا، ووجوه التعامل في محاور ثلاثة بالعدل أو بالفضل أو بالظلم، فإذا تعاملنا بالعدل دائماً حتى بالبيوت انقلب العدل إلى فضل، إذا تراجعت الحالة النفسية والروحية والمحبة بين الزوجين دخلنا في مرحلة الظلم، أنا أرى أن البيوت لا تبنى على العدل تبنى على الفضل، فإذا تأخر الفضل أصبحنا في دائرة العدل، كذلك بالضبط قضية الحرام والحلال والورع، إذا عشنا في دائرة الورع وانطفأت شعلة الإيمان في قلوبنا رجعنا لمنطقة الحلال، ولو اكتفيت بالحلال فقط دخل الحرام والشبهة، وبالتالي المجتمع الإسلامي يجب أن يبدأ بالتعامل في الفضائل وليس بالفرائض فقط مثل النوافل، النوافل لماذا؟ أنا عندي بيت على قارعة الطريق، وغبت عنه أياماً، صار باب البيت ونوافذه على قارعة الطريق، أي لص يريد أن يسرق الدخول بسهولة إلى البيت، لو أن بيتي هذا فيه كاميرات، وفيه حديقة، اللص إذا أراد أن يدخل أولاً يمر عبر ممرات الحديقة.
 هذه النوافل هي حدائق الإيمان التي تحيط بالفرائض، فإذا أراد لص الحسنات وهو الشيطان أن يدخل لن يدخل على صلاة العشاء فوراً، بل يدخل على النفل، على الوتر، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فالمرحلة هذه ترفعني عن مرحلة الظلم، لكن الظالم كما أورد أستاذنا لا يراقب الله عز وجل بل نسي رب العباد فنسيه، لو علم أن له رقيباً وحسيباً يحاسبه على الصغيرة قبل الكبيرة لتذكر قدرة الله عليه، إذا أردت أن تظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك، يوجد شخص أكبر منك يظلمك، أن نرفع الظلم الذي علينا من كل مؤسسات العالم وجب أولاً أن نرفع الظلم الذي بيننا وبين أنفسنا.
المذيع:
 سيدنا الدكتور محمد راتب بارك الله فيك:

﴿الَّذينَ آمَنوا وَلَم يَلبِسوا إيمانَهُم بِظُلمٍ ﴾

[سورة الأنعام: ٨٢]

 أي لم يظلم نفسه؟

 

الظلم إن صار لباساً للإيمان فلن يكون إيماناً صافياً :

الدكتور راتب :
 الظلم إذا تاب الإنسان منه، التائب من الذنب كمن لا ذنب له، أما حينما يصر على الظلم فيوجد فرق كبير، له دخل غير مشروع أصر عليه، مشكلة، أما نبه فارتدع انتهت المشكلة.
 فلا بد من إدخال موضوع التوبة وعفو الله عز وجل بعلاقتنا مع الله عز وجل:

﴿قُل يا عِبادِيَ الَّذينَ أَسرَفوا عَلى أَنفُسِهِم لا تَقنَطوا مِن رَحمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغفِرُ الذُّنوبَ جَميعًا﴾

[سورة الزمر: ٥٣]

 بشرط التوبة، بشرط العمل، لابد من توبة، أي يسبقها ندم، يتبعها إصلاح.
الدكتور عمر :
 الإيمان إيمانان؛ إيمان خالص نقي، وإيمان مشوب ملبس فيه أمور أخرى، فالإيمان الخالص الذي يقبل، الإيمان الذي التبس بظلم لا يقبل:

﴿الَّذينَ آمَنوا وَلَم يَلبِسوا إيمانَهُم بِظُلمٍ ﴾

 أي الظلم صار لباساً للإيمان فكيف يكون إيماناً صافياً؟
المذيع:
 أي أصبح شركاً؟

﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾

[سورة لقمان:13]

الدكتور عمر :
 هو دخل في شرك الشرك فأشرك، فصار مشركاً.
المذيع:
 هل للظلم أنواع؟

 

أنواع الظلم :

الدكتور عمر :
 نعم
المذيع:
 ما هي؟
الدكتور عمر :
 أول نوع من الظلم هو ظلم الإنسان نفسه، أن يبتعد الإنسان عن المنهج، أن ينسى علة وجوده:

﴿وَما خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلّا لِيَعبُدونِ﴾

[سورة الذاريات: ٥٦]

 أن يعطل جوارحه عن طاعة الله، بل يشغلها بالمعصية، فهي مجبوله على طاعة الله، هو أجبرها أن تتخلى عن هذا الأمر، وتتحلى بما يوافق هواه، أن تعصي، هذا أمر، فمنهم ظالم لنفسه، وهناك ظالم لأهله، وهذا أشدّ ظلم، وظلم ذوي القربة أشدّ مضاضة على النفس، فهذا الظلم الذي يتعدى يوجد باللغة العربية فعل لازم وفعل متعدّ، هذا الظلم متعدّ، تعدى إلى غيره، ثم أن يظلم الإنسان الإسلام، المسلم تظهر عليه سمات الإسلام، أنا عندما أذهب إلى طبيب أعرف أنه طبيب، كيف؟ أرى الشهادة العلمية، أرى السماعات.
 المحامي نفس القضية، متى أعرف أنه مسلم؟ إذا ظهرت على حركاته وسكناته وأقواله وأفعاله، والله هناك أناس تعيش في الخارج ويجلس سنة يقول جيرانه: لا نعرف ما دين هذا الشخص.
المذيع:
 أنواع الظلم كما ترصدها فضيلتك؟
الدكتور راتب :
أولا:

﴿ وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ عَلى أَلّا تَعدِلُوا اعدِلوا هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوى ﴾

[سورة المائدة: ٨]

 فهذا الذي تظنه ليس مسلماً ينبغي أن تعدل معه، أي أن تحمله على محبة هذا الدين، لذلك:

﴿رَبَّنا لا تَجعَلنا فِتنَةً لِلَّذينَ كَفَروا ﴾

[سورة الممتحنة: ٥]

 أنا حينما أقدم تصريحاً كاذباً وأنا مسلم، والآخر لا يقدم هذا التصريح، يفتن بدينه، يقول: أنا على حق ولستم أنتم.
الدكتور عمر :

﴿ وَيَقولونَ لِلَّذينَ كَفَروا هؤُلاءِ أَهدى مِنَ الَّذينَ آمَنوا سَبيلًا﴾

[سورة النساء: ٥١]

الدكتور راتب :
 نعم، فالعبرة دقيقة جداً، فالاستقامة هي دعوة، الصدق دعوة، والأمانة دعوة، والإنسان قد يكون في دعوة صامتة، سلوكه المستقيم، أمانته، ورعه، عفته، هذه كلها وسائل دعوية غير صائبة صامتة.
المذيع:
 حسنا، إذا كان الله عز وجل - شيخنا الدكتور عمر- خلق الظلم أليس:" خلقت الظلم وحرمته على نفسي وجعلته بينكم محرماً"؟

 

الإنسان السليم يرى بنور الله ولا يظلم أحداً :

الدكتور عمر :
 لا، الظلم لا يوجد إلا عند شخص جيناته ومورثاته مستعدة لأن تحمل الظلم، أي العدل حبب إلى عمر بن الخطاب، وإلى الصالحين من عباده، والظلم حبب إلى الذين ابتعدوا عن دين الله عز وجل، أحبوا الظلم، وأصبحوا ظلّاماً. أما الإنسان الآخر فلم يحبب إليه الظلم، لماذا؟ لأن عنده مقياساً يسير فيه، فما وجده على الكتاب والسنة استحبه، وما وجده مخالفاً للكتاب والسنة أبغضه، لذلك سبحان الله العظيم الإنسان السليم السوي هو الذي يرى بنور الله، يرى بكتاب الله، وقاف عند كتاب الله.
المذيع:
 شيخنا الدكتور إذا كان القائل يقول:

لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً  فالظلم ترجع عقباه إلى الندم
تنام عيناك والمظلـــوم منتبه  يدعو عليك وعين الله لم تنم
***

 كيف تكون نهاية الظالمين؟

 

نهاية الظالمين :

الدكتور راتب :
 البرمكي بلغ أعلى منصب في العصر العباسي، ثم رأى نفسه في السجن، جاءته ابنته قال لها: يا بنيتي لعلها دعوة مظلوم أصابتنا في جوف الليل، فالإنسان حينما يؤمن يعلم إن كل عمل سوف يحاسب عليه، يستقيم، من ضعف إيمانه لا يستقيم، والظلم ظلمات يوم القيامة.
المذيع:
 هل للظلم عاقبة في الدنيا؟

عاقبة الظلم في الدنيا و الآخرة :

الدكتور راتب :
 في الدنيا والآخرة.
المذيع:
 الظلماء يموتون دون أن نشعر أنهم عوقبوا أو حوسبوا.
الدكتور راتب :
 لماذا؟ قال تعالى:

﴿وَإِن مِنكُم إِلّا وارِدُها ﴾

[سورة مريم: ٧١]

 لأن أسماء الله الحسنى كلها محققة في الدنيا إلا اسم العدل فمحقق جزئياً، فالله يكافئ بعض المحسنين في الدنيا، ويعاقب بعض المسيئين، أما الحساب النهائي الكامل فيوم القيامة، لذلك لماذا يرد المؤمن النار؟ يرد النار ليرى عدل الله المطلق، هناك طغاة لهم جنائز رائعة جداً.
الدكتور عمر :
 أي أعزك الله مات كلب مدير شؤون العاملين، فقامت كل المؤسسة بتشييع الكلب، فلما مات مدير شؤون العاملين ما سار في جنازته أحد.
الدكتور راتب :
 كنت في بلد بعيد بأستراليا فبلغني عندما وصلت المطار أن هناك كاميرا صورت، صورت من استقبلني، فإذا كان المستقبل مقبولاً ليس هناك مشكلة.
المذيع:
 أي يدعو المظلوم دائماً على الظالم وربما لا تتحقق دعواه في الدنيا.

 

الظلم والبغي من الأشياء التي تظهر نتيجتها في الدنيا :

الدكتور عمر :
 لو يعلم الظالم ما أعده الله للمظلوم لبخل الظالم على المظلوم بظلمه له، ولو علم المظلوم ما له عند الظالم لفر منه في الدنيا كي لا يعطيه حقه، كي يأخذه كاملاً مباركاً يوم القيامة. لا تدع على الظالم لأنه ظلمه أسرع عليه من دعائك عليه، لأنه في الوقت الذي يريده الله:

﴿ حَتّى يَبلُغَ الكِتابُ أَجَلَهُ ﴾

[سورة البقرة: ٢٣٥]

 يصبر المؤمن، وسبحان الله! رب العباد عز وجل في قدرته أن يرسل جبريل ليلة الهجرة ليأخذ سيدنا محمد على جناحيه، ويوصله للمدينة، وانتهى الموضوع، لكن تمحيص وتثبيت، حتى يرى الإنسان المسلم كيف ينظر إلى الظالم وكيف ينتصر المظلوم، سوف يأتي يوم أبيض على كل مظلوم، أسود على كل ظالم، الظلم والبغي وعقوق الوالدين من الأشياء التي تظهر نتيجتها في الدنيا وعقوبة الله أشد.
المذيع:
 قيمة دعوة المظلوم عند الله سبحانه وتعالى؟

 

قيمة دعوة المظلوم عند الله سبحانه وتعالى :

الدكتور راتب :

(( اتقوا دعوة المظلوم ولو كان كافراً فإنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَينَ اللهِ حِجَابٌ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عبد الله بن عباس ]

الدكتور عمر :
 وأنا أقول: لا تظن أن المظلوم غير المسلم إذا دعا عليك لا يستجيب الله له، ولو أن المظلوم كافر ودعا عليك لاستجاب الله له.
المذيع:
 حتى من غير المسلم، الكافر؟
الدكتور عمر :
 حتى من غير المسلم.
المذيع:
 إذاً لا نستبيح ظلم غير المسلم؟
الدكتور عمر :
 ولا يجوز لك أن تظلم لأنه سوف يتهم دينك بأنه دين ظالم:
الدكتور راتب :

﴿أَمَّن يُجيبُ المُضطَرَّ ﴾

[سورة النمل: ٦٢]

 ما قال: لا مسلم ولا غير المسلم:

﴿أَمَّن يُجيبُ المُضطَرَّ إِذا دَعاهُ ﴾

المذيع:
 جميل ما استفدناه في هذه الحلقة حتى وإن كانت الدعوة من غير مسلم تستجاب ولا يجب أن يظلم المسلم غير المسلم.
الدكتور عمر :
 لا، يجب أن نعطيه حقه كاملاً، قال عمر لليهودي: أنا لا أحبك حتى تحب الأرض الدم المسفوح، قال: هل هذه الكراهية تحرمني حقاً من حقوقي؟ قال: لا، قال: إذاً لا بأس علي، تحبني أو تكرهني أنت حر لكن أنا سآخذ حقي:

﴿ وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ ﴾

خاتمة و توديع :

المذيع:
 شكرا لكما على هذا، للقاء مشاهدينا الكرام؛ نترككم في رعاية الله وأمنه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إخفاء الصور