وضع داكن
25-04-2024
Logo
ماليزيا- ديناً قيماً 1 - الحلقة : 13 - الطمع.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:

يود الفتى أن يجمع الأرض كلها   إليه ولما يدر ما الله صانـــــع
فقد يستحيل المال حتفا لربــــــــــه   وتأتي على أعقابهن المطامع
ولست بعلام الغيـــــــــوب وإنمــــــــا   أرى بألحاظ الرأي ما هو واقـع
***

 الطمع والطماعون، لماذا يطمع أحدنا بما في أيدي الآخرين؟ ما منشأ الطمع؟ هل الحسد؟ هل الحقد؟ هل الكراهية؟ هل الطمع والطماعون طبيعة فطرية طبع عليها الخلق أم هو ظاهرة مكتسبة؟ ما الذي يلجئ الإنسان إلى الطمع؟ الطمع حلقة جديدة في برنامج:"ديناً قيماً" أهلاً بكم.
 مشاهدينا الكرام؛ السلام عليكم، أهلاً بكم في حلقة جديدة من هذا البرنامج، نرحب بحضرتكم كما نرحب بضيفي العالمين الجليلين الدكتور محمد راتب النابلسي، والدكتور عمر عبد الكافي، مرحباً بكما في هذه الحلقة الجديدة، مازالت رحلتنا مستمرة حول هذه السلسلة الطيبة الطاهرة، وموضوعنا اليوم: الطمع، ما الطمع دكتور راتب؟

 

تعريف الطمع :

الدكتور راتب :
 أن تطلب شيئاً دون أن تدفع ثمنه، فالإنسان إذا طلب المغفرة ولم يستغفر، طلب التوفيق ولم يستقم، طلب الجنة ولم يعمل لها، فهو طامع بشيء لا يصله.
المذيع:
 الطمع برحمة الله شيء جميل.
الدكتور راتب :
 لكن الطمع برحمة الله لها ثمن، من أجل العدل رحمة الله لها ثمن، وكل إنسان دفع ثمنها ينالها أكيد.

الفرق بين الأمنية و الرجاء :

الدكتور عمر :
 هناك فرق كبير بين الأمنية والرجاء، الأمنية رجاء بلا عمل، والرجاء أمنية بعمل، فالذي يطمع أن يغفر له رب العباد وهو لم يرد الحقوق إلى أصحابها، ولم يقلع عما يصنع، ثم يطمع بعد ذلك بالجنة فهو متمنّ:

﴿لَيسَ بِأَمانِيِّكُم وَلا أَمانِيِّ أَهلِ الكِتابِ ﴾

[سورة النساء: ١٢٣]

 أما:

﴿أَمَّن هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيلِ ساجِدًا وَقائِمًا يَحذَرُ الآخِرَةَ وَيَرجو رَحمَةَ رَبِّهِ ﴾

[سورة الزمر: ٩]

 هذا الإنسان الذي بنى رجاءه على عمل صواب بحيث أنه صنع التخلية قبل التحلية، ولكن لا يأتي للتحلية قبل التخلية.
المذيع:
 أي صاحب الأمنية طماع؟
الدكتور عمر :
 لا، صاحب الأمنية راكب بحر أماني، هو رأس أموال المفاليس، يصل إلى بحر لا ساحل له، ليأتيه في البرية، لا يعرف أحد، ولا يعرفه أحد.
المذيع:
 دكتور راتب الطماع إذا كان طامعاً في شيء من الدنيا هذه صفة مذمومة، ونفس هذا الذم ينسحب على الطماع في رحمة الله دون عمل؟

 

الطمع برحمة الله دون عمل :

الدكتور راتب :
 طلب الجنة من غير عمل ذنب من الذنوب، هذا الطلب استخفاف بقوانين الله، استخفاف بعدالته، استخفاف بشرعه، لكل شيء سبب، ولكل نتيجة سبب، الإنسان الغبي ينتظر نتائج باهرة بمقدمات سابقة قديمة، هذا غباء بالإنسان، أي الله عز وجل نهانا عن التمني:

﴿لَيسَ بِأَمانِيِّكُم وَلا أَمانِيِّ أَهلِ الكِتابِ مَن يَعمَل سوءًا يُجزَ بِهِ﴾

[سورة النساء: ١٢٣]

الدكتور عمر :
 ولذلك لما رأى عمر رجلاً عند الحرم يطلب من الله عز وجل بعد ركعتين سريعتين - مثلما يصنع كثير منا - الجنة والحور العين، فضربه عمر بدرته وقال: يا لكع أغليت العروس وأرخصت المهر.
 أي أين المهر الذي ستدفعه لهذه العروس الغالية؟ سبحان الله موظف الدائرة لا يذهب إلى عمله، ولا ينفذ ما يطلب منه، بعد ذلك يقف بالصف ليأخذ راتب الشهر، أو الراتب المعول له، ويغضب إذا خسر منه أي مبلغ، أنت على ماذا تطلب؟
المذيع:

تهون علينا في المعالي نفوسنا  ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر
***

 هل هناك من الطمع ما هو محمود؟

 

الطمع المحمود :

الدكتور راتب :
 طبعاً، إذا طمع برحمة الله فهذا الطمع محمود، طمع برحمته بعد دفع الثمن، طمع بمغفرته بعد الاستغفار، يدخل الجنة بدفع ثمن مفتاح الجنة، يوجد فرق.
الدكتور عمر :
 يدخل الجنة برحمة الله، ويقتسمها عباد الرحمن بأعمالهم، أي دخول الجنة عند الله عز وجل برحمة الله.
 قالوا: وأنت يا رسول الله ليس بعملك؟ قال: نعم. قال: وأنت. قال:

(( ولا أنا ، إلا أنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ بِفَضلٍ ورَحْمَةٍ ))

[ أخرجه البخاري]

 فلذلك يدخل من على الباب برحمة الله، أما اقتسام الدرجات العلى فهي بالأعمال، ولذلك لما قيل لعثمان رضي الله عنه: ما هي الراحة عندك؟ قال: عندما أرى قدمي اليسرى بجوار قدمي اليمنى داخل عتبة الجنة، هنا الراحة، هنا الغنى.
المذيع:
 إذاً الطمع المحمود أن يطمع في رحمة الله بعد تأدية العبادات.
الدكتور راتب :
 طبعاً، الإنسان حينما يؤدي الذي عليه، ما معنى أدى الذي عليه؟ طاعة الله عز وجل وفق ما أمر، والتقرب إليه بالعمل الصالح، الآن ينتظر من الله الإكرام، هذا الإكرام الطلب المحمود، لأن له سبباً حقيقياً شرعياً، أما إذا طلب الرحمة بلا سبب، بلا عمل، بالتمنيات،

﴿لَيسَ بِأَمانِيِّكُم وَلا أَمانِيِّ أَهلِ الكِتابِ ﴾

 لذلك التعامل مع الله من دون أخذ بالأسباب معصية، السبب لأن الله عز وجل أمرنا أن نأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم نتوكل على الله وكأنها ليست بشيء. هذا الموقف الكامل، كأنك تمشي بطريق عن يساره واد سحيق وعن يمينه واد سحيق، إن طلب الجنة بلا سبب، بلا عمل، هذا وادي التمنيات، وإن عملت عملاً وألهته واعتقدت أنه ثمن للجنة خطأ، الجنة ثمنها لا يمكن أن يدفع بالأرض لكن ثمنها ثمن مفتاح الجنة كما تفضل، أي العمل الصالح ثمن مفتاح الجنة.
المذيع:
 دكتور عمر لما ألقي سيدنا إبراهيم في النار أرسل الله له ملكاً قال: ألك حاجة؟ قال: فمنك؟ قال: لا، قال: من الله؟ قال: بلى، قال: فسله هو أعلم بحالي والغني عن سؤالي.

 

إخلاص النية لله و الطمع برحمته :

الدكتور عمر :
 إذا صح الخبر طالما أنه ليس في القرآن ولا في الكتب الصحيحة نتوقف، لكن يقبل على علته إذا صح، سيدنا إبراهيم وصل إلى درجة الخلّة، فلما اتخذ الله إبراهيم خليلاً كأن الملائكة ظنوا أنه عندما أنجب إسماعيل على كبر أن يشغل قلب الخليل عن خليله، فابتلاه الله عز وجل بذبح فلذة كبده، فلما قام بتفعيل الأمر وتنفيذه فلما أسلم كلاهما، هنا تيقن الملائكة أن هذه الخلة استحقها الخليل عن اختيار الله عز وجل، ولا اختيار مع اختيار الله، إذا الإنسان خلصت نيته وقلبه لله عز وجل فطمع بما عند الله نفذ أمر الله، أنا أريد أن أقول: والله حتى الذي يطلب الجنة بالدعاء ليعلم العبد أن الله ما وفقه للدعاء إلا ليريد أن يعطيه، أي هو من رزق الله، ومن عطاء الله، أن العبد يطمع فيما عند الله أن يوفقه للعمل، فإذا وفقه للعمل والدعاء كان هذا سبباً لفتح أبواب العطاء، ولذلك ربما فتح لك باب العمل، وأغلق عليك باب القبول، وربما أتاك بالذنب لتتوب فكان سبب الوصول. فالقضية بهذا المنطق ليست القضية بالأمطار ولكن القضية بالإثمار، القضية ليست بالعمل، هذا العمل خالص لوجه الله.
المذيع:
 قبل أم لم يقبل؟
الدكتور عمر :
 رضي الله عنك، لذلك حاتم لما وضح القضية، وهدم المسجد على الصفين الآخرين، وهربوا من المسجد جميعاً، التفت الإمام ليجد أنه لا يوجد مصلون خلفه، تعجب ما الذي حدث؟ قالوا: ألم تشعر السقف وقع علينا، أين كنت؟ قال: أنا كنت في الصلاة. وكيف تصلي؟ لخص القضية وقال: أنا إن جاء وقت الصلاة أتوضأ وأجلس في المكان الذي سوف أصلي فيه، حتى تجتمع جوارحي، فأقوم أكبر، أقرأ قراءة بترتيل، أركع ركوعاً بخشوع، أسجد سجوداً بتواضع، وأضع الجنة عن يميني، والنار عن يساري، والصراط بين قدمي، والكعبة بين حاجبي، وملك الموت ورائي، لأظنها آخر صلاة لي، وأتبع ذلك بالإخلاص بالنية، ثم لا أدري أقبلها رب العباد أم لم يقبلها، هنا هو الطمع برحمة الله دل على عدم ثقته بالعمل.
المذيع:
 دكتور راتب هل امتدح الله المؤمنين حينما قال:

﴿ يَدعونَ رَبَّهُم خَوفًا وَطَمَعًا ﴾

[سورة السجدة: ١٦]

 هل ترى الطمع هنا في مقام المدح؟

 

ضرورة محبة الله بقدر الخوف منه :

الدكتور راتب :
 والله حينما قال تعالى:

﴿تَبارَكَ اسمُ رَبِّكَ ذِي الجَلالِ وَالإِكرامِ﴾

[سورة الرحمن: ٧٨]

 أي أنه يجب أن تحبه بقدر ما تخافه، وأن تخافه بقدر ما تحبه، هذا الموقف الأكمل، يوجد جلال، ويوجد جمال، فينبغي أن تحبه بقدر ما تخافه، وأن تخافه بقدر ما تحبه.
 فلذلك الإنسان بين الطمع وبين الأخذ بالأسباب، يأخذ بالأسباب ويراها ليست كافية لما يطلب عندئذ تشمله رحمة الله.
الدكتور عمر :
 لذلك أرى العبد نحو ربه كالطائر الذي يطير في الأفق، له رأس وجناحان، الرأس هو محبة الله، وجناح خوف وجناح رجاء، يجب أن يوازن بينهما، أن تقوده محبة الله عز وجل عندما يحب الله:

﴿ يُحِبُّهُم وَيُحِبّونَهُ ﴾

[سورة المائدة: ٥٤]

المذيع:
 ورد عن ربيعة العدوية عندما قالت: اللهم إن كنت أعبدك خوفاً من نارك فاحرقني بها، وإن كنت أعبدك طمعاً بجنتك فاحرمني منها، ولكني أعبدك أنت لذاتك، هل هذا الأثر توافق عليه بداية؟

 

الافتقار إلى الله عز وجل لأنه أصل التوحيد :

الدكتور راتب :
 ما قاله الأنبياء نهائياً، نحن تعبدنا الله بقول الأنبياء.
الدكتور عمر :
 نحن لا نوافق على هذا، أنا بصراحة أعبد الله عز وجل كي يجيرني من عذاب جهنم، ومن زحزح عن النار فقد فاز، أنا أطمع بهذا النصر، أما هذه فالله أعلم من قالها:

﴿ يَدعونَ رَبَّهُم خَوفًا وَطَمَعًا ﴾

 خوفاً من ناره وعذابه وسخطه، وطمعاً في جنته، فلذلك بلال رضي الله عنه قال: " يا رسول الله أنا لا أحسن دندنتك، ولا دندنة معاذ بن جبل- ما شاء الله يدعو طوال الوقت، يدعو عندما يتوضأ، وبعد الوضوء، وعندما يدخل المسجد، ومعاذ تعلم منك، ومسك راية العلماء يوم القيامة، أما بلال فضعيف في الحفظ- قال: فماذا تقول يا بلال؟ قال: يا رب أسألك رضاك والجنة، وأعوذ بك من سخطك والنار".
الدكتور راتب :
 الصحابة افتقروا فانتصروا، وفي موقف آخر اعتدوا بالعدد فلم ينتصروا، الأصل الافتقار إلى الله عز وجل، الافتقار هو أصل التوحيد.
المذيع:
 هل الطمع فطرة؟

 

الطمع فطرة :

الدكتور راتب :
 طبعاً، لأنك مفطور على حبّ وجودك، وسلامة وجودك، وكمال وجودك، سبعة مليارات ومئتا مليون ما منهم واحد إلا وهو حريص على سلامة وجوده؛ من يحب المرض؟ من يحب الفقر؟ من يحب القهر؟ وكمال وجوده من لا يحب أن يكون في بحبوحة؟ زوجته أمامه، تروق له، أولاده، شيء طبيعي جداً، واستمرار وجوده، إلا أن استمرار الوجود بتربية أولاده.
المذيع:
 قد يكون الإنسان في الدنيا طماعاً فمتى يكون الطمع مذموماً؟

الطمع المذموم :

الدكتور عمر :
 عندما ترنو عينه لما في أيدي الآخرين، أي يرى بما في أيدي غيره يريد أن يقتنصه بلا حق، فاللص طماع، والمرتشي طماع، والذي يغتصب كرسياً في الإدارة طماع.
المذيع:
 والذي يريد الاستزادة من الخير؟
الدكتور عمر :
 الاستزادة تكون من شيء مباح، فالطمع المباح كشخص عنده طموح، الطمع لا يخالف الطموح؛ الطموح فيما يحل لك، وفيما يباح لك، وفيما لا يقتنص حقوق الآخرين، الطمع عكس ذلك أن تطمع وتطمح بما في أيدي الآخرين تريد أن تقتنصه لك، وأن تقتنص الفرص لك، وإذا طمع الإنسان لا يدخل في درجة الإيمان، لماذا؟ ما الإيمان؟ أن تحب لأخيك ما تحبه لنفسك، نضرب مثلاً صغيراً؛ ولدي وابن أخي كلاهما تخرجا من نفس المؤهل، ونفس الإمكانيات، وعرضت وظيفة في مؤسسة ما، وتقدم لها الاثنان، أنا أتمنى من يتولى هذه الوظيفة ابني أم ابن أخي؟
المذيع:
 ابني.
الدكتور عمر :
 خرجت من دائرة الإيمان، معذرة، ليس الإيمان بالتمني، لا، إذا استوى عندي أن يتولى ابن أخي الذي هو في حاجة أشدّ، وليس في بحبوحة من العيش دون قضية الإيثار:

﴿ وَيُؤثِرونَ عَلى أَنفُسِهِم وَلَو كانَ بِهِم خَصاصَةٌ ﴾

[سورة الحشر: ٩]

﴿ وَآتَى المالَ عَلى حُبِّهِ ﴾

[سورة البقرة: ١٧٧]

 فبالتالي الطماع ينافي هذا كله يريد أن تكون الدنيا له، وصل الأمر بأشعب قال: ما زفت عروس إلا وطمعت أن تكون لي، وما صنعت وليمة في المدينة إلا وطمعت أن أدعى إليها، حتى لدرجة أنه وقع بالبئر، هات يدك يا أشعب، هات يدك، فلم يمد يده، قال ذكي: خذ يدي يا أشعب، قال: عجباً هذا ما تعود كلمة هات، تعود كلمة خذ، حياته طمع.
المذيع:
 رسالة توجهها للطماعين ماذا تقول لهم؟

 

رسالة للطماعين من البشر :

الدكتور راتب :
 ينبغي أن يطمعوا برحمة الله وجنته بعد الأخذ بالأسباب، الطموح موجود بكل إنسان.
المذيع:
 ولا حرج فيه؟
الدكتور راتب :
 لا، أبداً.
الدكتور عمر :
 الطمع فيما عند الله، أعطاه ما يتمناه، وما لا يتمناه، ولا يخطر في باله أن يتمنى، فعطاء ربك خير، لأنه لا حدود له، لأن الله يعطيك باللامحدود، أي:

﴿ يَداهُ مَبسوطَتانِ يُنفِقُ كَيفَ يَشاءُ ﴾

[سورة المائدة: ٦٤]

 اطلب ما عند الله.

 

خاتمة و توديع :

المذيع:
 ونعم بالله، شكراً لكما على هذا اللقاء.
 مشاهدينا الأعزاء؛ وصلنا وإياكم إلى نهاية هذه الحلقة، على وعد بلقاء في الحلقة القادمة بإذن الله، إلى ذلك الحين نستودعكم الله، وشكراً لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إخفاء الصور