وضع داكن
29-03-2024
Logo
ماليزيا- ديناً قيماً 1 - الحلقة : 04 - الإخلاص - المُخْلِص و المُخْلَص.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
 إنهم من عبادنا المخلصين، هكذا وصف الله عز وجل سيدنا يوسف عليه السلام، فما هو المُخْلَص؟ وما هو المُخْلِص؟ وهل كل مخلص يصل إلى درجة الإخلاص أم يخلصه الله سبحانه وتعالى ويطلق عليه مخلصاً أم لا؟ ما هو الإخلاص وحقيقة الإخلاص وأنواع الإخلاص؟ وكيف يخلص الإنسان نفسه من ذنوب الدنيا ومن آثارها ومن سيئاتها؟ ولماذا سميت سورة الإخلاص بهذا الاسم؟ وكيف نجني ثمارات الإخلاص؟ كل هذا وأكثر في هذه الحلقة من برنامج:" ديناً قيماً" الإخلاص أهلاً ومرحباً بكم.
 مشاهدينا الكرام رحبوا معي بالعالمين الجليلين العدلين الثبتين من علماء الأمة الإسلامية أصحاب المعالي والفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، مرحباً فضيلة شيخنا.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم.
المذيع:
 وبارك فيك، ومعنا فضيلة الأستاذ الدكتور عمر عبد الكافي مرحباً بكم.
الدكتور عمر :
 مرحباً، اهلاً وسهلاً.
المذيع:
 أنا في الحلقة المنصرمة بدأنا بشيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي فلذلك سنبدأ بحضرتكم ما رأيك هل هذا من الأخلاق؟
الدكتور راتب :
 هذا هو العدل.
المذيع:
 اتفقنا في الحلقة المنصرمة أن نبدأ كما قال شيخنا الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي بالإخلاص، فلم نقول الإخلاص؟ ما هو الإخلاص؟

تعريف الإخلاص و الفرق بين المخلِص والمخلَص :

الدكتور عمر :
 حمداً لله، والصلاة والسلام على الرسول عليه الصلاة والسلام الإخلاص سمة ثلاثية الأبعاد، إذا جاز بالتعبير الإعلامي أو الكاميرات أو التصوير لأن الإخلاص هو سرّ الأسرار في قضية الأخلاق، والمنبع الصافي، إذا صورت الأخلاق كبستان، سور هذا البستان، وماء هذا البستان الذي يرويه، ونسيم هذا البستان الذي يغذيه هو الإخلاص، لماذا؟ صفات الإخلاص أو صفة الإخلاص الصفة الأولى أن العبد نفسه لا يعرف أنه من المخلصين، فلا يغتر، يرفع الإخلاص من أمام العبد المؤمن حتى يصير مغلقاً، الشيطان نفسه لا يستطيع.
المذيع:
 ما الفرق بين مخلِص ومخلَص؟
الدكتور عمر :
 مخلِص هو صنع كل شيئاً بتزكية نفسه، و تزكية العمل، وتجديد النية أن يصير العمل لله وحده، أنا أغنى الأغنياء عن الشرك، فإذا أخلص نيته أنزل الله عليه سبحانه وتعالى مدداً من عنده، ونوراً من عنده، فيصير عبداً مخلَصاً، حتى يصنفه بعيداً عن مرمى إبليس، إلا من عبادك منهم المخلصين، فأول ركيزة من الركائز الثلاثية أن العبد نفسه المخلص لا يعرف مدى إخلاصه فلا يغتر.
المذيع:
الثانية؟
الدكتور عمر :
 الثانية أن الشيطان لا يستطيع أن يطلع على قلب المخلص، أو على الإخلاص في قلب المخلص فيفسده عليه، الملك نفسه، الملك الموكل بكتابة الحسنات لا يطلع على الإخلاص ويكتبه، لأن الإخلاص علاقة بين العبد وبين خالقه، وهذه قيمة الإخلاص العجيبة.
المذيع:
 تمام، نفهم إذاً ألا يعرف أنه مخلص، ألا يطلع الشيطان على قلبه، من مواسم الإخلاص.
الدكتور عمر :
 ولا الملك الذي يكتب، لأني أنا أصلي، الملك يكتب ركوعي وسجودي، وتؤدتي في صلاتي، لكن مدى الإخلاص في هذه الصلاة لا يعلمه إلا الله، الله الذي يطلع على السرائر.
المذيع:
 نعود إلى شيخنا فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي قلت في الحلقة المنصرمة مقولة: الإخلاص يحتاج إلى إخلاص ما معنى هذا المقولة؟

الإخلاص في عبادة الله :

الدكتور راتب :
 أي هناك حالة اسمها عبادة القلب، قال تعالى:

﴿ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ﴾

[سورة الزمر:2 ]

 العبادة علة وجودنا، قال تعالى:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات : 56 ]

 وفي تعريفاتها الدقيقة هي طاعة طوعية ليست قسرية، والذي خلقنا حياتنا بيده، موتنا بيده، فرحتنا بيده، ما قبِل أن نعبده إكراهاً، قال:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

[ سورة البقرة: 256 ]

 بل أراد أن تكون المحبوبية أساس العلاقة به، قال:

﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾

[سورة المائدة : 54]

 لذلك تعبد الله مخلصاً، العبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، فما عبد الله من أطاعه ولم يحبه، وما عبد الله من أحبه ولم يطعه، طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.
 يوجد بهذا التعريف كليات ثلاث؛ الأصل بالعبادة الطاعة، الخضوع لمنهج الله بكل تفاصيله، من أخص خصوصيات الإنسان من العلاقة الزوجية إلى العلاقات الدولية، منهج كامل، هذه العبادة التي أرادها الله عز وجل، هذه العبادة ممزوجة بعبادة القلب، القلب عبادته الإخلاص، فاعبد الله مخلصاً أي من علامات الإخلاص أن يستوي العمل في السر والعلن، أن يستوي العمل في المديح والذم، أن يستوي العمل في الخلوة والكثرة، العمل واحد لا يتغير، علاقته مع الله عز وجل، ويوجد إنسان عبادته جغرافية ينتقل من بلد إلى بلد يغير دينه.
المذيع:
 دكتور عمر كيف يحقق العبد الإخلاص؟

 

كيفية تحقيق العبد الإخلاص :

الدكتور عمر :
 أولاً: أن يعلم أنه عبد يتسم بصفات العبودية، أول صفة من صفات العبودية أو جذع شجرة الإخلاص الذلة لله، ولا يحدث نصر الإنسان، ولا توفيق الإنسان، ولا توفيق الأمة إلا إذا ذلت لخالقها:

﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾

[ سورة آل عمران: 123 ]

 وصف المؤمنين قال:

﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾

[ سورة المائدة : 54]

 أما أن تغير فالإخلاص قد تبخر، عندما تذل لأخيك المؤمن ليس منا من لم يوقر كبيرنا، ويعطف على صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه، هذا إذا نبتت هذه الفروع على جذع الإخلاص، فإذا برعت وغرست أنت شجرة الإخلاص في قلبك أورقت هذه الزبدة، عبد عبادة وعبد عبودة، عبد عبادة أي عبد موسمي، يأتي رمضان ويصوم، يكون طيباًً، ويصلي التراويح، فإذا انقضى رمضان، رمضان ولى قم هاتها يا ساقي، هذه أركان سبحان الله، لكن العبد الإنسان هو ليس عبداً موسمياً، لا يعبد العبادة لذاتها، إنما يعبدها تكليفاً ومحبةً لله سبحانه وتعالى، وعبد عبودة يستشعر أو يتصف بصفاته كي يملي ويعطيه رب العباد من صفاته هو سبحانه وتعالى، فمن تحقق بذلته أعطاه الله من عزته، ومن تحقق بفقره أعطاه الله من غناه، ومن اعتقد بضعفه أعطاه الله من قوته، لذلك صرخ الكليم عليه السلام:

﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾

[ سورة الشعراء : 61]

 لأنهم من المخلِصين ومن المخلَصين، قال بصوت واحد أو بكلمة واحدة:

﴿ كَلَّا ﴾

[ سورة الشعراء :62 ]

 مع أن كلا هذه تنافي الحواس والنظرة، العدو وراءنا والبحر من أمامنا إنا لمدركون:

﴿ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾

[ سورة الشعراء :62 ]

 لماذا؟ عندما أخلص النية لله صار قلبه أرضاً خصبة لشجرة الإخلاص، فأنبتت هذه الثقة بالله سبحانه وتعالى، فعندما يذل الإنسان بالله يصير مخلِصاً.
المذيع:
 يحضرني بهذا ما تفضلت به شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي، الآية التي ذكرنا بها فضيلة الإمام عمر عبد الكافي:

﴿ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾

[ سورة الشعراء :62 ]

 نفس الموقف تقريباً حدث مع النبي عليه الصلاة والسلام وأبي بكر في الغار لكن ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله معنا، فلم قدم لفظ الجلالة وأخر سيدنا موسى؟ أو قدم المعية مع سيدنا موسى، هل هناك درجات إخلاص مختلفة بين الأنبياء؟

 

الفرق بين المعية العامة و الخاصة :

الدكتور راتب :
 هناك فرق كبير بين المعية المطلقة والمعية المخصصة قال تعالى:

﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾

[ سورة الحديد: 4 ]

 معكم بعلمه، فهو مع الكافر، مع المؤمن، مع الصادق، مع المتقي، مع المجرم، معكم بعلمه:

﴿ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلَاةَ ﴾

[ سورة المائدة: 12 ]

 هذه المعية الخاصة معية نصر وتأييد وحفظ، أعلى معية المعية الخاصة، لكن هذه المعية لها ثمن:

﴿ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ﴾

[ سورة المائدة: 12 ]

 هناك شروط، فالإنسان إذا قدم هذه الشروط استحق معية الله عز وجل، وإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟
المذيع:
 هل تتحقق هذه المعية الإلهية بالإخلاص؟

 

تحقيق المعية الإلهية بالإخلاص :

الدكتور راتب :
 نعم بالإخلاص، إذا كان الله معك فمن عليك؟ لكن الإخلاص قبل قليل لو أن إنساناً دخل إلى طبيب، وكان عنده ثلاثون شخصاً ينتظرون دورهم في المعالجة، وكل شخص مبلغه كبير، فجمع وطرح وجد أن دخل الطبيب فلكي، فذهب وسأل جهة دلوني على كتابة الوصفة فقط، فقالوا له: هذه الوصفة محصلة علم عشرين سنة، ابتدائي، متوسط، ثانوي، جامعي، دبلوم، ماجستير، ودكتوراه، ويريد ملخص الوصفة؟!
الدكتور عمر :
 وإضافة لكلام أستاذنا الفاضل لماذا قدم لفظ المعية على لفظ الجلالة؟ قال:

﴿ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي ﴾

[ سورة الشعراء :62 ]

 لكن سيدنا موسى من رؤساء أقسام الأدب مع الله عز وجل، لكن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قال: إن الله معنا، فقدم لفظ الجلالة على لفظ المعية، القضية في المخاطَب، سيدنا موسى عليه السلام يحدّث بني إسرائيل، وهم قوم مترددون، والإخلاص غير موجود، فيذكرهم بالمعية حتى يتثبتوا بتأمين أمانهم، أما الرسول صلى الله عيه وسلم فيكلم أبا بكر الرجل الأول بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه درجة عالية من الإيمان، ومن الإخلاص، عندما يذكره بالله سوف يهدأ باله، فقال له: إن الله معنا، فقدم له لفظ الجلالة على لفظ المعية.
المذيع:
 عدنا إليك فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي هل يعلم العبد أنه مخلص مع الله سبحانه وتعالى؟

 

الله جلّ جلاله يوقع في نفس العبد المؤمن الصادق أنه يحبه :

الدكتور راتب :
 والله أنا أشعر أن من كمال الربوبية أن يوقع الله جلّ جلاله في نفس العبد المؤمن الصادق أنه يحبه، لذلك قالوا: " من وقف في عرفات ولم يغلب على ظنه أن الله غفر الله له فلا حج له" فالله عز وجل حكيم، أنت إذا جاء ابنك معه الجلاء، و كانت علاماته تامة، وهناك ثناء على أخلاقه، ألا تضمه؟ ألا تعده بهدية؟ هذا طبيعي جداً، فكما أن الله ينتظر منا أن نتودد له هو يتودد إلينا، هذه نقطة دقيقة جداً.
المذيع:
 الله يتودد إلينا بماذا وهو الغني عنا؟
الدكتور راتب :
 يتودد إلينا بنعم لا تعد ولا تحصى، أعلاها الهدى، طبعاً هذه نقطة دقيقة جداً، أي أن الله عز وجل غني عن عباده، لكن يفرح بهدايتهم:

(( لله أفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد، ومن الضال الواجد، ومن الظمآن الوارد))

[ أخرجه ابن عساكر في أماليه عن أبي هريرة ]

 كي نعرف شيئاً عن الحقيقة الإلهية جعلنا ننجَب من أبوين، فالأب وحده يتمنى لابنه أن يكون فوقه في المال، وفي كل شيء، فنحن معنا في الأرض نماذج، قال تعالى:

﴿ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ﴾

[ سورة البلد:3]

 آية قرآنية.
 نظام الأبوة والأمومة آية من آيات الله، فكما أننا نعرف أن الأب والأم يتمنيان لنا خير ما نتوقع، لذلك ربنا عز وجل بعيد عن كل مصلحة من عباده، ولو أن أولكم وآخركم الحديث معروف.
الدكتور عمر :
 القضية أيضاً دكتور محمد لماذا يصرف الله عن المخلصين رؤية إخلاصهم؟ الصحابة وهم خير الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأت عن واحد منهم وهو مبشر بالجنة من رسول صلى الله عليه وسلم رجل كعمر، رجل كأبي بكر، في هذا المنطق تجد مدى خوفه بعد تبشيره بالجنة أكثر من خوفه قبل أن بشر بالجنة، كيف؟ لأنه صرف عنه رؤية أعماله الصالحة فيرى دائماً نفسه مقصراً، المؤمن يزرع ويخشى الكساد، والمنافق يخلع ويرجو الحصاد.
المذيع:
 دكتور راتب يوجد عندك دقيقة لنقف عند ثمرات الإخلاص إذا أذنت لنا نختم بها الحلقة؟

 

ثمرات الإخلاص :

الدكتور راتب :
 الحقيقة الإنسان إذا أخلص يقبض ثمن إخلاصه في الدنيا قبل الآخرة، الله عز وجل يلقي في روعه أنه يحبه، شعور المؤمن أنه محبوب من قبل الله لا يقدر بثمن:

فلو شاهدت عيناك من حســننــا  الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنــــــا
ولو سمعت أذناك حُسن خطابنـا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنــــا
ولو ذقت من طعم المحـبَّة ذرةً  عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـةٌ  لمـُت غريبـــــــاً واشـتياقـــــاً لقربـنـــــا
فما حبنا سهلٌ و كل مـن ادعى  ســهولته قلنا له: قــــــــــــد جهـلتنـا
فأيسر ما في الحب بالصب قتله  وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنـا
***

خاتمة و توديع :

المذيع:
 نختم بها جميل، شكراً لكما على هذا اللقاء أي آنستمونا وأمتعتمانا به.
 مشاهدينا الكرام نشكر حضراتكم ونشكر ضيفينا الكريمين العالمين الجليلين صاحب الفضيلة فضيلة الشيخ الدكتور الأستاذ محمد راتب النابلسي، وصاحب الفضيلة فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور عمر عبد الكافي، شكراً لكما على هذا اللقاء، وبارك الله بكما حتى يضمنا لقاء جديد شكراً لكما، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إخفاء الصور