وضع داكن
19-04-2024
Logo
ماليزيا- ديناً قيماً 1 - الحلقة : 02 - التطفيف.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
  قال تعالى:

﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ*الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ*وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ*أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ ﴾

[ سورة المطففين:1-4 ]

 ما هو التطفيف؟ ومن هم المطففون؟ ولماذا أفردت سورة بالقرآن الكريم الذي يتلى إلى يوم الدين بعنوان سورة المطففين؟ ما هو التطفيف؟ وهل يقع بين ظهرانينا الآن أم لا؟ وهل التطفيف مقصور على الموازين والمكاييل فقط أم التطفيف يكون في المعاملات وفي المعاشرات؟ ما هي صور التطفيف في العصر الحديث وكيف نتخلص منه؟ ما منهج السلف الصالح وأهل السنة والجماعة في التعامل مع التطفيف والمطففين؟
 التطفيف حلقة جديدة في برنامج ديناً قيماً، أهلاً بكم..
 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً وسهلاً في حلقة جديدة من هذا البرنامج، أرحب بحضراتكم وأرحب بضيفينا الكريمين الجليلين أصحاب المعالي والفضيلة، فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، وفضيلة الأستاذ الدكتور عمر عبد الكافي، مرحباً بكم في حلقة جديدة..
الدكتور راتب :
 أهلاً بكم، ونفع بكم.
المذيع:
 بارك الله بكما، منذ بدايتنا في هذا البرنامج ونحن تعودنا منكم دائماً أن تقترحا عليّ موضوع هذه الحلقة وهذا النقاش، فما الذي تقترحانه؟
الدكتور عمر :
 يوجد مشكلة أن تقترح علينا ونحن نواصل الحلقة.
المذيع:
 تأدباً مع العلماء فقط.
الدكتور عمر :
 تسيئنا كثيراً كارثة التطفيف في المجتمع الإسلامي، وهو مجتمع من الواجب أن يكون أقرب إلى الفضل، وأقرب إلى العدل، أما أن يخرج من دائرة الفضل والعدل ويدخل إلى دائرة التطفيف، فهذا موضوع يجب أن ننبه عنه.
المذيع:
 إذاً نتكلم عن التطفيف، معالي فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي بارك الله بك ما التطفيف؟

 

من لم يستقم على أمر الله لن يقطف من ثمار الدين شيئاً :

الدكتور راتب :
 قبل أن أقول لك ما التطفيف، هل يمكن أن نجمع التجارة كلها في كلمة واحدة؟
المذيع:
 لا .
الدكتور راتب :
 أنا أقول: ممكن، إنها الربح، فإن لم تربح لست تاجراً، يمكن أن نجمع الدين كله في كلمة؟
المذيع:
 التجارة ربح وخسارة.
الدكتور راتب :
 الأصل فيها الربح، إذا كان هناك خسارة لمرة واحدة ممكن، أما باستمرار فلم يعد تاجراً، الدين ممكن أن نضغطه كله في كلمة؟ أنا أراها إنها الاستقامة، فإن لم تستقم لن تقطف من ثمار الدين شيئاً، وعندها يكون الدين فلكلوراً، تراثاً، نزعة إيمانية، أرضية إيمانية، هكذا كلمات عديدة.
المذيع:
 نفس المصطلحات التي تتردد الآن.
الدكتور راتب :
 أما الدين الحقيقي فخضوع لمنهج الله، فما لم نستقم على أمر الله لن نقطف من ثمار الدين شيئاً، والتطفيف من الاستقامة.
المذيع:
 ما هو التطفيف؟

 

تعريف التطفيف :

الدكتور راتب :
 أن تبيع شيئاً بأكثر مما ينبغي إما بالوزن، أو بالحجم، أو بالسعر.
الدكتور عمر :
 أو أـن تصف السلعة بما ليس فيها.
المذيع:
 بمعنى؟
الدكتور عمر :
 إنسان يعمل إعلاناً معيناً أن هذا الشامبو يطيل شعر المرأة إلى المتر، وهي صلعاء أصلاً، يحضر امرأة شعرها طوله متر ينصب على النساء، ويضحك عليهم، ويبيع الشامبو، وهو نصاب، والشركة نصابة، والكيميائي نصاب، وقابض الثمن نصاب، وكلهم مطففون.
المذيع:
 هذا تطفيف، قال تعالى:

﴿ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ*وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴾

[ سورة المطففين: 2-3 ]

الدكتور عمر :
 هذا مقياس التطفيف، أن يأخذ حقه وأكثر منه، وألا يؤدي الواجب ولا أقل منه.
المذيع:
 نزول سورة المطففين في القرآن الكريم فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي بارك الله بك ما دلالاتها؟

 

دلالة نزول سورة المطففين :

الدكتور راتب :
 أولاً: الآيات مكية ومدنية، المكية تؤكد الإيمان بالخالق والدار الآخرة، والمدنية التشريع، فأن تأتي سورة ضمن الآيات المكية معنى ذلك عدم الإيمان خطأ كبير جداً، ولا يقل عنه عدم الاستقامة، يوجد إيمان ويوجد استقامة، كلاهما شرطان لازمان غير كافيين، لا يكفي الإيمان، ولا الاستقامة وحدهما شرطان لازمان غير كافيين، فلا بد من أن يكون مع الإيمان استقامة، التطفيف يتناقض مع جوهر الإيمان.
الدكتور عمر :
 إذا انحرف الإنسان عن قبلة الصلاة جاز تصحيحها، إذا انحرف عن قبلة الحياة لم يجد تصحيحها.
المذيع:
 كيف ذلك؟

التطفيف المعنوي كارثة على المسلمين أكثر من التطفيف المادي :

الدكتور عمر :
 أنا أصلي وأكتشفت فجأة أن هذه ليست قبلة، فأعيد الصلاة بقبلة صحيحة، أما إذا انحرفت في الحياة، واستمرأت هذا، والإنسان بطبيعته يستمرئ عاداته، المطفف للأسف أنا أذكر في أيام الأحاديث عن الدار الآخرة أول مرة بالسبعينات جاءني رجل جزار أو قصاب أو لحام كما يقول الأخوة في بلاد أخرى، يقول: تعودت يدي أن أنقص في الميزان، فاللحم الذي آخذه إلى بيتي أنقص فيه بالميزان، إلى هذه الدرجة صارت عادة، فهذا المطفف استمرأ هذه المعصية مثل الذي تتصاغر عنده أزمة الغيبة، يغتاب الناس، الناس يا ولدي في الخمسينات والستينات يغتاب أهل زوجته، الآن يغتاب دولاً، يقول والله المصريون كذا أما العراقيون فكذا، لو كل واحد جاء وأخذ مني عشر حسنات، طففت في حياتي، صرت مطففاً، لأنني أصف الناس بسوء ليس فيهم، لأكبر نفسي بصفات حسنة، ليست فيّ وهذا نوع من التطفيف، التطفيف المعنوي كارثة على المسلمين أكثر من التطفيف المادي.
المذيع:
 صورة التطفيف قديماً فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي تقتصر على المكيال فقط؟

 

صور التطفيف :

الدكتور راتب :
 قد تشتري بضاعة- قماش رخيص جداً- الآن يوجد طرق تضع عليه: صنع في إنكلترا، ممكن، هذا من التطفيف أي تغير المواصفات، والسعر، والوزن، والكيل، كله تطفيف.
الدكتور عمر :
 الجاهلية القديمة كانت جاهلية ساذجة.
المذيع:
 بمعنى؟
الدكتور راتب :
 كان يعبد صنماً.
الدكتور عمر :
 الجاهلية الحديثة معقدة، مفبركة، ذكية، يجعل آلهة شتى، فيجعل مثلاً عالم الأزياء من الآلهة، يلبس مرتباً.
المذيع:
 يلبس سينييه على الموضة.
الدكتور عمر :
 عالم هوليود والحور الهوليوديات، يصفونهم بكذا وكذا هذا من التطفيف، يظن الرائي أن هذه صناعة حقيقية، هذه ليست صناعة حقيقية، يا أخي سبحان اللهّ ليوسع دائرة الحرام يضع له غلافاً من حسن العرض، هذا من التطفيف، فالجاهلية الحديثة جاهلية عجيبة.
المذيع:
 لأنه يعبد الأفكار والمفاهيم.
الدكتور عمر :
 رضي الله عنك، ويجعلها صنماً، وبالتالي كانت قديماً كما أخبر أستاذنا محصورة في مسألة المكيال والميزان.
المذيع:
 أشياء حسية.
الدكتور عمر :
 الآن شركة تتعب سنوات طويلة في بحوث لتخرج برنامجاً معيناً، هذا البرامج يباع بآلاف الدولارات، إنسان بسيط كما يقول أستاذنا بكبسة زر يحصل على هذا البرنامج، ويظن أن هذا ذكاء، هذا لص، هذا حرامي، ولذلك وجدوا يحدون يد السارق، قال: ما هذا؟ قالوا: سارق يحد، قال: عجباً سارق السر يحد سارق العلن، اللصوص الكبار المختبؤون وراء الستار يحدون سارقاً.. نحن نريد مسألة التطفيف تنتهي حتى بمعاملاتنا في الأسرة.
المذيع:
 سارق السر يحد سارق العلن. فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ما الآثار السلبية للتطفيف على الفرد و الأسرة والمجتمع؟

 

الآثار السلبية للتطفيف على الفرد و الأسرة والمجتمع :

الدكتور راتب :
 الإنسان عنده فطرة، ومعه تكليف، الحقيقة الفطرة تتوافق مع الشرع، أي أمر أمرك الله به يوجد دليل قرآني:

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾

[ سورة الروم: 30]

 أن تقيم وجهك للدين حنيفاً هذه الفطرة، فأنت مبرمج، مفطور، على محبة الأمر الإلهي، وكراهية المعصية، فحينما تأتي الفطرة مطابقة للشرع الوضع واضح جداً، الإنسان حينما يطفف دون أن يشعر ابتعد عن الله بعقله الباطن، أنا أضرب مثلاً بسيطاً: شخصان أرادا شراء سيارتين، الأول اشترى والثاني لم يشترِ، سرى في البلد إشاعة أنه سوف يصدر قانون بتخفيض الرسوم الجمركية إلى النصف، الذي اشترى السيارة يكذب هذه الإشاعة من دون بحث، ولا درس، ولا دليل، تكذيبها يريحه، والذي لم يشترِ يصدقها من دون دليل، الإنسان أحياناً يغطي معصيته بوهم، هذا الوهم لا يقدم ولا يؤخر.
المذيع:
 في ذهنه هو؟
الدكتور راتب :
 المطفف عنده انكماش، عنده شعور بالخطأ، هذا يسمونه بعلم النفس: انهدام داخلي.
المذيع:
 الاتصال بعالم التجارة عموماً، هل يكون المطفف تاجراً شاطراً في عالم التجارة أم لا؟

 

ابتعاد التاجر الصدوق عن التطفيف :

الدكتور راتب :
 ورد في الأثر: "إن أطيب الكسب كسب التجار؛ الذين إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا ائتمنوا لم يخونوا، وإذا اشتروا لم يذموا، وإذا باعوا لم يطروا، وإذا كان لهم لم يعسروا، وإذا كان عليهم لم يمطلوا".
المذيع:
 أين هذا التاجر رحمة الله عليه؟
الدكتور راتب :
 التاجر الصدوق مع النبيين، كنت في أندونيسيا أكبر بلد إسلامي في العالم، مئتان وخمسين مليوناً، كل هذا الخير الإسلامي جاءها من تسعة تجار، من صدقهم، فالتاجر الصدوق داعية.
المذيع:
 لماذا منزلة التاجر الصدوق مع النبيين؟

منهجنا و منهج السلف الصالح في التعامل مع التطفيف :

الدكتور عمر :
 هو ذابح لشهوته وغريزته في اقتناص السعر بوسيلة شرعية أو غير شرعية، ضحى سبحان الله بالربح الكثير لأنه يرى أن هناك ربحاً أكثر، وهو رضا الله عنه، وثقة الناس فيه.
 ثم الكارثة الأكبر أن التطفيف - دع الجانب التجاري والمالي الذي يجيده أستاذنا وأنا اتركني بالجانب المعنوي- سبحان الله العظيم أنا أضرب لك مثلاً؛ لو أن زوجين جلس كل واحد مع الآخر قال لها: يا أم فلان، متى تتوبين؟ وإذا سألته نفس السؤال: متى تتوب يا أبا فلان؟ لماذا؟ لأن الإنسان عندما تواجهه حقائق الأمور للأسف الشديد، كلاماً وقولاً وفعلاً، سبحان الله هي لم تحتمل، لو قلتها لعمر بن الخطاب لبكى، قال: أحاول أن أعمل جهدي، إن شاء الله رب العالمين يتوب عليّ، أنا مطفف في كلامي، مطفف في تعاملي، أصف آل زوجتي بالنقائص وأصف أهلي أنهم من أحفاد عثمان بن عفان.
المذيع:
 هذا تطفيف شيخنا؟
الدكتور عمر :
 هذا تطفيف.
المذيع:
 زيادة المدح؟
الدكتور عمر :
 أحياناً بعض الإعلاميين وبعض الشعراء والأدباء يصفون إنساناً بما ليس به، أنت لولا أنت ما كنا نحن، ولولا وجودك ما كانت.. سوف يلقى الله يوم القيامة، قيل لرجل لما اختفيت عن جلوسنا؟ قال: قلت لأمير المؤمنين يا مهدي وهو صنع كذا وكذا، هو اسمه كذلك المهدي، فقال: والله ما قصدت إلا كل مولود ولد في المهد.
المذيع:
 لم يقصد الإطراء ولا المدح.
الدكتور عمر :
 ولد في المهد، المهدي هذا من باب النسب.
المذيع:
 رسالة أخيرة أوجهها للتجار ورجال الأعمال بعدم التطفيف في المعاملات أو في الوزن أو المكيال ماذا تقول لهم فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي؟

 

كلمة الدكتور راتب النابلسي للمطففين :

الدكتور راتب :
 أنا أقول: زوال الكون عند الله أهون من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، فالمؤمن موعود بالرزق الوفير، وبالتوفيق، وبالكسب الشرعي، فالإنسان حينما يؤمن بالله عز وجل، ويصدق وعده ووعيده، يستقيم، استقامته دليل إيمانه الحقيقي، أما إنسان يرى الشهوات سريعة أمامه، والشهوة مغرية ومتألقة، و أحياناً يكون الحكم الشرعي مؤلماً لك قليلاً لأن هناك دفعاً، أو منعاً، إلى آخره، فالإنسان حينما يستقيم على أمر الله يفتح له باب السماء، يسعد به ولو فقد كل شيء، ويشقى بفقده ولو ملك كل شيء.
المذيع:
 كلمة أخيرة دكتور عمر تقولها للمطففين تذكرهم بها بما جاء به وعيد القرآن الكريم.

 

كلمة الدكتور عمر للمطففين :

الدكتور عمر :
 أنا أقول: يكفي أن هذا الإنسان سوف يوضع في واد اسمه ويل، تستعيذ منه النار كذا مرة كل يوم كما قيل في بعض التفاسير، هؤلاء المطففين أقول لهم: لو صبرتم لجاء هذا الرزق إليك، وسعى إليك، أما أن تأخذ ما عند الله بمعصية الله فهذا لا يجوز، رزقك مكفول عند الله عز وجل:

(( ... لن تموت حتى تستوفي رزقها، فاتقوا الله عباد الله وأجملوا في الطلب))

[حديث صحيح بشواهده، ابن ماجه وأبو نعيم في الحلية والحاكم وابن حبان عن جابر]

الدكتور راتب :
 كلمة: مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح، و مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر.
المذيع:
 الكفار عصوه وكفروا به وربحوا؟

 

الدنيا لا شيء أمام الآخرة :

الدكتور راتب :
 أخذوا الدنيا، العطاء كلي.
المذيع:
 ربنا غفور رحيم في الآخرة.
الدكتور راتب :
 الدنيا لا شيء أمام الآخرة، لو واحد في الأرض والأصفار للشمس، وكل مليمتر صفر إلى الشمس، مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر أصفار، كل ميلي صفر، هذا الرقم إذا وضع صورة لكسر عشري والمخرج لا نهاية فقيمته صفر.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 شكراً لكم على هذا اللقاء، ونلتقيكم في الحلقة القادمة إن شاء الله.
 مشاهدينا الكرام وصلنا وإياكم إلى نهاية هذه الحلقة على وعد بلقاء في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى حتى ذلك الحين شكراً لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

إخفاء الصور