وضع داكن
29-03-2024
Logo
الشمائل المحمدية إصدار 2010 - الدرس : 05 - تجمله صلى الله عليه وسلم، أجراس الإنذار المبكر في الجسم البشري
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

تجمل النبي عليه الصلاة والسلام:

 أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الخامس من دروس الشمائل النبوية، و لا يغيب عن أذهانكم أن الشمائل نوع من السيرة، ولكنها على أساس موضوعات لا على أساس تسلسل زمني، فخصائص النبي عليه الصلاة والسلام، شمائل النبي، أخلاق النبي، كمالات النبي نأخذها واحداً واحداً، بعد الحديث عن مقدمات عديدة لهذه السلسلة من الدروس وصلنا إلى تجمل النبي عليه الصلاة والسلام،أن الله جميل يحب الجمال، والمؤمن يتخلق بأخلاق النبي عليه الصلاة والسلام، فكان عليه الصلاة والسلم يتجمل ويأمر أصحابه بالتجمل، ويأمرهم بأن يكونوا بمظهر حسن:

(( أصلحوا رحالكم، وحسنوا لباسكم، حتى تكونوا شامة بين الناس ))

[ أحمد عن قيس بن بشر ]

 لذلك فهموا هذا النص على أنه نظافة البدن، ونظافة الثوب، وترجيل الشعر، وقص الأظافر، وأناقة الثياب، أي تناسب الألوان، هذا هو التجمُّل، وكل إنسان يتجمَّل بقدر إيمانه، و أي إنسان أشعث، أغبر، مهمل لثيابه، ثيابه غير نظيفة، والله هذا لا يتناسب مع الإيمان، لأنك إن شئت أم لم تشأ أنت تمثل هذا الدين، أنت داعية وقد تكون الدعوة صامتة، قد يكون مظهرك الأنيق، وكلامك الدقيق، وحركتك اللطيفة، شيء يمهد للإصغاء إليك، في الحياة قوانين، الإنسان إذا اعتنى بثيابه، اعتنى بنظافتها، دقق في ألوانها، يستميل قلوب الناس بهذا المظهر الأنيق.
 هذا من أولى شمائله صلى الله عليه وسلم أنه كان يتجمَّل، ويأمر أصحابه بالتجمُّل، روى البيهقي أنه كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حُلَّةٌ يلبسها للعيدين والجمعة.
 أي الأكمل والأولى أن تكون لك ثياب ترتديها في المناسبات، في حفل، في دعوة، في لقاء، في مناسبة، في عيد، هذه الثياب ينبغي أن تكون خاصة للمناسبات، كانت له حُلَّةٌ يلبسها للعيدين والجمعة.

 

المعاملة الطيبة تطغى على المظهر و الكلام:

 بالمناسبة أنت حينما تلتقي بإنسان يأخذ عنك فكرة من ثيابك، فإذا تكلمت ينسى ثيابك، فإذا عاملته ينسى كلامك، المظهر، الكلام، المعاملة، وقد يكون لإنسان لسان أحلى من العسل، فإذا سافرت معه ظهرت أثرته، أكل قبلك، أكل ما يشتهي، ولم يعبأ بمن حوله، أخذ المحل الجميل، وقد لا يدفع شيئاً.
 إن التقيت إنساناً أول فكرة تأخذها من هندامه، فإذا تكلم قد تنسى هندامه، فإذا عاملك قد تنسى كلامه.
 مرة أحد وجهاء دمشق رأى شاباً أنيقاً أناقة تفوق حدّ الخيال، يتكلم كلاماً بذيئاً جداً، قال له: إما أن تلبس ككلامك أو تتكلم كثيابك:

جمال الوجه مع قبح النفوس   كقنديل على قبر المجوس
***

 أحياناً أناقة زائدة لكن في المعاملة يوجد سوء، يوجد خبث، أي أنت بشكل أو بآخر تمثل هذا الدين، لذلك كل رجل من المسلمين ـ في بعض أقوال النبي عليه الصلاة والسلام ـ على ثغرة من ثغر الإسلام، فينبغي ألا يؤتى الإسلام من قبلك.

 

الطرف الآخر يحتاج إلى معاملة طيبة ليدخل في الإسلام:

 بالمناسبة أخوتنا الكرام، عندما تسيء إلى مسلم يقول هذا المسلم: فلان أساء إليّ، لكن حينما تسيء لغير المسلم يقول: المسلمون أساؤوا إليّ، ينسى شخصك، وينسى اسمك، ويتهم كل المسلمين، فلذلك من أدق أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام:

(( المسلمُ من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده ))

[ أخرجه البخاري عن عبد الله بن عمر]

 قد يتوهم متوهم أن هذا المسلم لا يضرب أحداً، ليس هذا هو المعنى، أي سلمت سمعة المسلمين من لسانه ويده، أي عامل الآخر، عامل الطرف الآخر معاملة أبعدت أن يتهموا الإسلام، لذلك من أدق آيات القرآن الكريم ونحن في أمس الحاجة إليها:

 

﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ﴾

 

[ سورة الممتحنة الآية: 5 ]

 وعدت إنساناً ليس مسلماً ولم تفِ بوعدك، احتلت عليه، أخذت ما ليس لك، بهذه المعاملة يتشبث بكفره، ويعتقد أنه وحده على حق، أنا أقول لكم: المؤمن الصادق يحدث لكل من يعامله صدمة أخلاقية، ما هذه الأخلاق؟ أنا أرى أن الطرف الآخر لا يحتاج إلى فلسفة، ولا إيديولوجيا ـ إن صحّ التعبير ـ يحتاج إلى معاملة طيبة، كل رجل من المسلمين على ثغرة من ثغر الإسلام فلا يؤتين من قبلك، وقد ورد في الحديث القدسي:

 

((إن هذا الدين ارتضيته لنفسي ولا يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق فأكرموه بهما ما صحبتموه))

 

[ شعب الإيمان عن جابر بن عبد الله ]

 مرة كنت أصلي في المصلى، وأنا مضطر أن أذهب لآخذ مركبتي من مصلح بطرف المدينة، وجدت أحد من يصلي خلفي سائق تكسي، فلما طلبت منه أن يوصلني إلى المكان الفلاني كأنه اضطرب، وارتبك، وكان يتمنى ألا يفعل، لكنه أحرج، فلما أوصلني كان العداد يشير إلى العشرين فأعطيته ثلاثين، قلت له: اترك الباقي معك، هو في الحقيقة كان يظن أنني لن أعطيه أجرته.

 

((إن هذا الدين ارتضيته لنفسي ولا يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق فأكرموه بهما ما صحبتموه))

 

[ شعب الإيمان عن جابر بن عبد الله ]

القدوة قبل الدعوة والإحسان قبل البيان:

 قبل أن تنطق بالكلام الطيب، قبل أن تتكلم بالآيات والأحاديث، قبل أن تتفاصح، هل لك معاملة طيبة؟ هل فتحت قلوب الآخرين بإحسانك ليفتحوا عقلهم لبيانك؟ الكلام لا يقدم ولا يؤخر، أما الإحسان يقدم ويؤخر، لذلك القدوة قبل الدعوة والإحسان قبل البيان.
 حدثني أخ قال لي: عندي جار يبالغ بالإساءة إليّ، قلت له: قص لسانه، قال: كيف؟ قلت: بالإحسان إليه، والله أسلوب ناجح جداً لك جار سيئ قدم له هدية، تجده انكمش، ضبط لسانه، قص لسانه بالإحسان إليه:

(( يا داود ذكر عبادي بإحساني، فإن القلوب جبلت على حبِّ من أحسن إليها وبغض من أساء إليها ))

[ ورد في الأثر ]

 وأنا أقول لكم: افتح قلب من تخاطبه بإحسانك ليفتح لك عقله لبيانك، الإحسان قبل البيان، والقدوة قبل الدعوة، أنت أيها المؤمن شئت أم أبيت تمثل هذا الدين، كن سخياً، كن كريماً، كن صادقاً، سبحان الله لحكمة بالغة في كل مكان الله عز وجل يجعل إنساناً مستقيماً في هذا المكان ليكون هذا الإنسان المستقيم حجة على من حوله، هناك أشخاص سيئون جداً، لكن أنا كأنني تتبعت هذا فوجدته، من سنن الله عز وجل بكل مكان يوجد إنسان يقيم الحجة على من حوله.
 تروي السيدة عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلَّم كان هناك نفر من أصحابه ينتظرونه على الباب، فخرج يريدهم وفي الدار رَكْوَةٌ فيها مَاء فَجَعَلَ ينظُرُ في الْمَاءِ وَيُسَوِّي شَعْرَه وَلِحْيتَهُ، فهناك استنباط لطيف، قبل أن تخرج إلى أخوانك، ما الذي يمنع أن تنظر إلى هيئتك؟ الشعر مرجل، الرائحة طيبة، الثياب أنيقة، نظيفة، كان النبي عليه الصلاة والسلام يحب التجمل، والحديث المشهور:

 

((إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ))

 

[أحمد عن عبد الله بن مسعود ]

 و في حديث آخر:

 

((إذا خرج أحدكم إلى أخوانه فليهيئ من نفسه))

 

[رواه أبو سعد السمعاني عن عائشة]

أحاديث نبوية عن تجمل النبي عليه الصلاة والسلام:

 بالمناسبة الجمال في البساطة، والبساطة أربعة أخماس الجمال، أحياناً هناك بيت بسيط، لكن فيه أناقة، فيه نظافة، فيه تناسب ألوان، وهناك بيت أحياناً فيه تحف بمبالغ فلكية، لكن لا يوجد به ذوق، فالذوق ينمو، والذوق شيء أساسي بحياتنا، هناك حاجة جمالية عند كل إنسان، ويمكن أن تلبى هذه الحاجة بأقل التكاليف، والدرس عن تجمل النبي عليه الصلاة والسلام.
 كان إذا قدِم عليه وفدٌ لبس أحسن ثيابه، وأمر أصحابه بذلك، فرأيته وفَدَ عليه وفد كِنْدَة وعليه حُلَّةٌ يمانيَّة، وعلى أبي بكرٍ وعمر مثل ذلك.
 هذه أحاديث نبوية عن تجمله:

 

((إِنَّ الْهَدْيَ الصَّالِحَ وَالسَّمْتَ الصَّالِحَ وَالِاقْتِصَادَ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ))

 

[أبو داود عن عبد الله بن عباس ]

 كلام طيب وشكل فيه نظافة، فيه أناقة، فيه عناية بالثياب.
 وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ:

 

((خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَنِي أَنْمَارٍ قَالَ جَابِرٌ فَبَيْنَا أَنَا نَازِلٌ تَحْتَ شَجَرَةٍ إِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلُمَّ إِلَى الظِّلِّ - أي شجرة ظلُّها وارف - قَالَ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُمْتُ إِلَى غِرَارَةٍ لَنَا - غرارةٍ ظرفٍ شديد العِدْلِ أي محفظة - فَالْتَمَسْتُ فِيهَا شَيْئًا فَوَجَدْتُ فِيهَا جِرْوَ قِثَّاءٍ فَكَسَرْتُهُ ثُمَّ قَرَّبْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا قَالَ فَقُلْتُ خَرَجْنَا بِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ الْمَدِينَةِ قَالَ جَابِرٌ وَعِنْدَنَا صَاحِبٌ لَنَا نُجَهِّزُهُ يَذْهَبُ يَرْعَى ظَهْرَنَا قَالَ فَجَهَّزْتُهُ ثُمَّ أَدْبَرَ يَذْهَبُ فِي الظَّهْرِ وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ لَهُ،هنا الشاهد، قَدْ خَلَقَا، أي اهترأ، قَالَ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ فَقَالَ أَمَا لَهُ ثَوْبَانِ غَيْرُ هَذَيْنِ فَقُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ لَهُ ثَوْبَانِ فِي الْعَيْبَةِ كَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا قَالَ فَادْعُهُ فَمُرْهُ فَلْيَلْبَسْهُمَا قَالَ فَدَعَوْتُهُ فَلَبِسَهُمَا ثُمَّ وَلَّى يَذْهَبُ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَهُ ضَرَبَ اللَّهُ عُنُقَهُ أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا لَهُ قَالَ فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ فَقُتِلَ الرَّجُلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ))

 

[مالك عن عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ]

 راع يرعى في الجبل، ولم يرض النبي عليه الصلاة والسلام أن تكون ثيابه رثة، هل هناك أبلغ من ذلك؟ فالشاهد من هذا النص الطويل أنك في أي مكان كنت ينبغي أن تكون ثيابك نظيفة، يذهب إلى الجبال ليرعى الغنم، ومع ذلك ما رضي النبي له هذين الثوبين.

 

النبي عليه الصلاة والسلام كان يتجمل ويأمر أصحابه بالتجمل:

 أيها الأخوة، ما زلنا في موضوع التجمل، كان النبي عليه الصلاة والسلام يتجمل ويأمر أصحابه بالتجمل، فعَنْ مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ:

 

((إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَنْظُرَ إِلَى الْقَارِئِ أَبْيَضَ الثِّيَابِ))

 

[ موطأ مالك عَنْ مَالِك]

 الثياب البيضاء تعلم النظافة البالغة، سيدنا عمر يقول: "إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا على أنفسكم".
 وفي الحديث الشريف:

 

((ليس منا من وسع الله عليه ثم قتر على عياله))

 

[مسند الشهاب للقضاعي عن عائشة]

 قتر حتى بالثياب.
 حديث آخر:

 

((إن العبد آخذ عن الله تعالى أدباً حسناً، إذا وسع عليه وسع، وإذا أمسك عليه أمسك))

 

[السيوطي عن ابن عمر]

 والحديث الذي روى الحاكم بإسناده:

 

((أحسنوا لباسكم، وأصلحوا رحالكم، حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس))

 

[الحاكم بإسناده عن سهل بن الحنظلية ]

 وفي حديث آخر وتوجيه آخر من النبي عليه الصلاة والسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

 

((إن الله تعالى إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن يرى أثر النعمة عليه، ويكره البؤس والتباؤس))

 

[ من الجامع الصغير عن أبي هريرة ]

 هذا البؤس والتباؤس ليس من صفات المؤمن.

 

(( من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه ))

 

[ البيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود]

الابتعاد عن البؤس و التباؤس:

 أيها الأخوة، مرة ثانية:

((إن الله تعالى إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن يرى أثر النعمة عليه، ويكره البؤس والتباؤس))

[ من الجامع الصغير عن أبي هريرة ]

 طبعاً هذا الحديث في موضوع التجمل إذاً قد يوجه هذا الحديث إلى الثياب:

 

((إن الله تعالى إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن يرى أثر النعمة عليه، ويكره البؤس والتباؤس))

 

[ من الجامع الصغير عن أبي هريرة ]

 الهيئة القذرة، الهيئة المبتذلة، الخنوع، التذلل، المسكنة، اليأس، هذا كله بؤس وتباؤس:

 

((ويبغض السائل الملحف، ويحب الحيي العفيف المتعفف))

 

[الطبراني والبيهقي، عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما ]

على الإنسان أن يبتغي الحوائج بعزة الأنفس:

 وهناك توجيه آخر للنبي عليه الصلاة والسلام:

((ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير))

[ورد في الأثر ]

 ما هو لك هو لك لن يأخذه أحد غيرك، سمعت مرة قصة لطيفة؛ إنسان دخل إلى بستان في أثناء جولته في البستان رأى تفاحة حجمها ولونها شيء رائع جداً، اشتهاها لكن ما كان له أن يقطفها من دون إذن صاحبها، يبدو أنه بعد الطعام وضع له صاحب البستان طبقاً وهذه التفاحة في الطبق نفسه، وما كان له أن يأخذها فإذا بصاحب البستان يمسكها ويقدمها له.

 

((ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير))

 

[ورد في الأثر ]

 أنا أقول لكم شيئاً دقيقاً، لو ذهبنا إلى مكان فيه تفاح، فرضاً دخلنا إلى بستان وجدنا شجرة تحمل التفاح، الآن الفرع الثالث الغصن الرابع التفاحة الخامسة لفلان عند الله، هذه له، هو مخير في طريقة وصولها إليه، قد يأخذها ضيافة، وقد يأخذها هدية، وقد يأخذها شراءً، وقد يتسولها، وقد يسرقها، وهي له، الفرع الثالث الغصن الرابع التفاحة الخامسة هي لك.
 لذلك:

 

(( إن روح القدس نفثت في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها، فاتقوا الله عباد الله وأجملوا في الطلب ـ وهناك زيادة ببعض الروايات ـ واستجملوا مهنكم ))

 

[حديث صحيح بشواهده، ابن ماجه وأبو نعيم في الحلية والحاكم وابن حبان عن جابر]

 هذا الذي اشتهاها على الشجرة، استحيا أن يقطفها، فلما وضعت في طبق استحيا أن يأخذها، فما كان من صاحب البيت إلا أنه أمسكها وقدمها له.
 أيها الأخوة، التجمل في أدق الأحاديث:

 

((أحسنوا لباسكم، وأصلحوا رحالكم، حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس))

 

[الحاكم بإسناده عن سهل بن الحنظلية ]

 هذا من شمائل النبي عليه الصلاة والسلام.

 

الموضوع العلمي:

أجراس الإنذار المبكر في الجسم البشري:

 والآن ننتقل أيها الأخوة في الموضوع العلمي، إلى موضوع لطيف ودقيق عنوانه: أجراس الإنذار المبكر في الجسم البشري.
 هناك إنذار مبكر أي الله عز وجل وضع عصباً حسياً بالأسنان، في لب السن، فإذا وصل النخر إلى لب السن تتألم ألماً لا يحتمل، فتذهب إلى الطبيب، يسحب العصب، ويحشي هذا السن فتكسبه، فكأن هذا الألم إنذار مبكر، ولو تتبعنا أجهزة الإنذار المبكر في الجسم، لرأينا العجب العجاب.
 الجلد هو سطح يغطي شبكة هائلة من الأعصاب، وانتشار الأعصاب تحت سطح الجلد شيء رائع، هذه الأعصاب تنتهي بجسيمات خاصة، يختص كل منها بنقل حسٍّ معين، هناك جسيمات تنقل الحر والبرد، فإذا غسلت يديك، تضع الماء على وجهك، اليدين والوجه شيء مقبول أن تضع الماء البارد عليهما في الشتاء، أما أن تضع الماء على ظهرك فهذا لا يحتمله، معنى هذا أن أعصاب الحس بين الظهر والوجه توزعت في حكمة بالغة، أنت مضطر أن تغسل يديك كل فترة، فأعصاب الحس في الحر والبرد قليلة جداً باليدين والوجه، أما في الظهر إذا صبّ الماء البارد على ظهرك قد لا تحتمل، معنى هذا أن هناك أعصاب حس عالية جداً.
 أي توزع الأعصاب في الجسم وفق حكمة بالغة جداً، الآن هناك جسيمات تتحسس بالضغط، فالإنسان إذا نام على جنبه هيكله العظمي مع ما فوقه من عضلات يضغط على ما تحته من عضلات، الضغط على العضلات أي تضيق لمعة الأوعية الدموية، وإذا ضاقت لمعتها شعر الإنسان بالخدر، ضعفت التروية، هذه المجسات مراكز الإحساس بالضغط تبلغ الدماغ، والدماغ يأمر الإنسان وهو نائم وغارق في النوم فيقلب على طرفه الآخر:

 

﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾

 

[ سورة الكهف الآية: 18 ]

 فأن تتقلب في الليل هناك أجهزة معقدة جداً، النوم على جهة واحدة صار هناك ضغط، هناك مجسات في مراكز إحساس بالضغط بلغت الدماغ، الدماغ أعطى أمراً اقلب على اليمين، ثاني أمر اقلب على اليسار لئلا تقع من على السرير، أما اقلب على اليمين دائماً أو اليسار دائماً فهناك مشكلة:

 

﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾

 

[ سورة الكهف الآية: 18 ]

جسم الإنسان وحده أكبر دليل على عظمة الله:

 أيها الأخوة، والله الذي لا إله إلا هو جسمك وحده أكبر دليل على عظمة الله، قال: إن هناك من ثلاثة إلى خمسة ملايين نهاية عصبية تختص بالألم، أما الحر والبرد فهناك نهايات عصبية تزيد على مئتي ألف، وأما للإحساس بالضغط فهناك ما يزيد على خمسمئة ألف، أي نصف مليون، أنت عالم قائم بذاته.

أتحسب أنك جرم صغير   وفيك انطوى العالم الأكبر
***

 هذه المعلومات الدقيقة من حر وبرد، من ألم، وضغط، ولمس، ينقلها ستاً وسبعين عصباً مركزياً إلى المخ، لكن هناك حالة غريبة المرض نفسه والآلام نفسها، مريض لا يحتمل هذا الألم، ومريض آخر المرض نفسه يحتمله، اكتشف العلماء أن هناك بوابات للألم، طريق الآلام عبر النخاع الشوكي هناك بوابات، فإذا أغلقت هذه البوابات وصل عشر الألم إلى النخاع الشوكي، وإذا بقيت مفتوحة وصل الألم بأكمله، حدثني طبيب قال لي: جاءنا مريض معه ورم خبيث منتشر بالأمعاء لكنه مؤمن، أقسم لي بالله كلما دخل عليه طبيب أو ممرض يقول له: اشهد أنني راض عن الله، يا ربي لك الحمد، يتهافت الممرضون على الدخول لعنده، غرفة منورة فيها روحانية، وكلما دخل إنسان لعنده يقول له: اشهد أنني راض عن الله، يا رب لك الحمد، فكأن هذا المريض استقطب المستشفى كلها، هذه الغرفة فيها روحانية، فيها رضا عن الله، فيها صبر، ليس فيها صياح ولا ضجيج، ولا كلام غير معقول، قال لي: بعد أيام توفاه الله، ولحكمة بالغة بالغة جاء بعده مريض في المرض نفسه لم يترك نبياً إلا وسبه، كلام بذيء، صياح، ضجيج، فكأن المستشفى رأت مرضاً واحداً، وآلاماً واحدة، ورد الفعل عند المؤمن شيء، وعند غير المؤمن شيء آخر.
 لذلك اكتشف العلماء أن للألم بوابات، هذه البوابات ـ هكذا قرأت في مقالة علمية ـ من يتحكم بها؟ قال: تتحكم بهذه البوابات الحالة النفسية للمريض، إذا كان مؤمناً هذه البوابات تغلق، إذا أغلقت وصل من الألم عشره وإن لم تغلق فالآلام لا تحتمل.
 لذلك أعصاب الإحساس بالألم، أعصاب الإحساس بالحر والبرد، أعصاب الإحساس بالضغط، هذه النهايات بالملايين، كلها من أجل أن تنقل للدماغ رسائل، والدماغ يأمر وينهى، هذا الإنسان أليس له خالق عظيم؟ هذا الخالق يعصى؟ هذا الخالق العظيم ألا يخطب وده؟ ألا ترجى جنته؟ ألا تخشى ناره؟

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور