وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 5 - سورة الحجرات - تفسيرالآيات 12-13الغيبة و أضرارها
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

الغيبة والنميمة وسوء الظن من الآفات الكبرى التي تفتت المجتمع:


أيها الأخوة المؤمنون؛ مع الدرس الخامس من سورة الحجرات، مع الآية الثانية عشرة وهي قوله تعالى: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)﴾

[ سورة الحجرات ] 

أيها الأخوة؛ ربنا سبحانه وتعالى في هذه السورة يعلِّمنا الآداب الاجتماعية، فالشيء الذي يفكِّك المجتمع، ويمزِّقه، ويضعفه هي الغيبة، والنميمة، وسوء الظَّن، وهي من الآفات الكبرى التي تفُتُّ في عضد المجتمع.  

 

المؤمن الصادق لا يبني مواقفه وتصرُّفاته إلا على حقيقة يقينية:


أولاً: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ﴾  أي أن تتخذ قراراً على ظنّ غير ثابت، الإنسان يعطي ويمنع، يصل ويقطع، يغضب ويرضى، فهذه المواقف إذا بُنِيَت على ظنّ أو على وهْمٍ والطرفُ الآخرُ كان بريئًا تفتَّت المجتمع، فالمؤمن الصادق لا يبني مواقفه وتصرُّفاته، وصلته ومنعه، وعطاءه، ورضاه وغضبه إلا على حقيقةٍ يقينية، وهذه الآية تؤكِّد الآية السابقة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾  ما أروع الإنسان حينما يتحرَّك وفق منهجٍ علمي! المقولات التي يستمع إليها لا تعدُّ ولا تُحصى، إشاعات، تخرُّصات، خرافات، افتراءات، أقاويل، أي الإنسان يُشحَن بآلاف المعلومات غير الصحيحة، فالمؤمن الكامل لا يبني على هذه الأفكار غير الصحيحة، على هذه الظنون الكاذبة، على هذه الإشاعات الواهمة، لا يبني قراراً، لا يبني موقفًا.  

 

من أكبر أسباب تفتت المجتمع وضعفه الظن الآثم:


﴿اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾  أي حينما تظنُّ بأخيك سوءاً وهو ليس كذلك وقعت في الإثم، ما العلم؟ العلم هو الوصف المُطابق للواقع مع الدليل، هذا هو العلم، فإذا كان وصفك لأخيك غير مطابق للواقع، ولا يوجد معك دليل، فهذا ظنٌّ آثم، هذا الظن الآثم يفتت المجتمع، يضعفه، يوهّنه، فلو أن الإنسان عاهد الله عزَّ وجل على ألا يقبل عن أخيه شيئاً إلا بدليلٍ قاطع، وألا يرفض شيئاً إلا بدليلٍ قاطع لكنَّا في حالٍ غير هذا الحال، آلاف الدعاوى في قصر العدل، آلاف الأسر الممزَّقة أساسها كلمة لم تُقَل، نُقِلَتْ ولم تُقَلْ، إشاعة، ظن سيِّئ، تصوّر خاطئ، تأمُّل كاذب.

 

المؤمن لا يتعامل بالظنون إنما بالبينة الصادقة:


﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ﴾  كما قلت لكم من قبل: قذف محصنةٍ يهدم عمل مئة سنة، امرأةٌ محصنةٌ في إشاعة كاذبة، والله سبحانه وتعالى لحكمةٍ بالغةٍ بالغة كان حديث الإفك الذي أصاب السيدة عائشة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم -أمَّ المؤمنين- لماذا سمح الله لهذا الحديث أن يكون؟ وهي أطهر من ماء السماء؟ وهي أنقى من الثلج؟ وهي زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم؟ الله سبحانه وتعالى سمح لهذا الحديث الكاذب أن ينتشر ثم جاءت تبرئة الله لها لتكون السيدة عائشة قدوةً وأسوةً لكل امرأةٍ جاءت من بعدها اتُهِمَتْ زوراً وبهتاناً، فلذلك: ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ﴾  ما الفرق الجوهري بين الإنسان العالم والإنسان الجاهل؟ العالِم لا يقبل إلا بالدليل، بينما الجاهل أيّة إشاعةٍ، وأيّة فكرةٍ موهومةٍ، وأيّ تصورٍ كاذبٍ يفشو بين الناس، هذا الخط العريض الخط غير المنضبط، الغوغاء، الدهماء، سوقة الناس، هؤلاء يتعاملون بالظنون، بالإشاعات، بالأخبار الكاذبة، بالتخرُّصات، أما المؤمن فلا يقبل إلا بالبيّنة الصادقة. 

 

المؤمن كلَّما ارتقى في سُلَّم الإيمان تصبح تصرُّفاته موضوعية:


﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ والمؤمن كلَّما ارتقى في سُلَّم الإيمان تصير تصرُّفاته موضوعية وعلمية، لو جاءته ابنته ضَجِرَةً من زوجها لا يستمع منها إلا بحضور زوجها، فلعلَّها هي الظالمة، هذا الموقف العلمي، كم من إنسانٍ استمع من طرف واحد فحمل عليه بنفسه حملةً شعواء، فلمَّا استمع من الطرف الآخر شعر بالندم الشديد، هذه آية قرآنية أصل في القرآن الكريم: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾  كذلك في قصَّة السيدة بلقيس، ماذا قال سيدنا سليمان عندما جاءه الهُدْهُد؟ 

﴿ قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27)﴾ 

[ سورة النمل  ] 

لو أن المؤمنين تعاملوا بهذه الطريقة، لا يقبلون شيئاً إلا بالدليل، ولا يرفضون شيئاً إلا بالدليل، تجربة متواضعة؛ لو أنك استمعت من طرفٍ واحد على حِدة لأمضى معك الساعات الطِوال يتحدَّث عن زيدٍ أو عبيد، اجمعه مع زيد هذا الحديث يُختَصَر إلى العُشر، فالظن أن تبني موقفًا، أن تعطي، أن تمنع، أن تصل،  أن تقطع، أن تغضب، أن ترضى، لا وفق حقيقة بل وفق وهم، الوهم فتَّت الأُسَر، والظن الكاذب مزَّق الأسر أيضاً وشرَّد الأولاد. 

 

من أساء الظن بأخيه كأنما أساء الظن بربه:


﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ﴾  لو فرضنا أن امرأة وقعت في جريمة الزنا هل تُرجَم إلا بأربعة شهود رأوها عياناً؟ هكذا الدين، أما هذا الذي يطلق التهم جزافاً، وينقل الرواياتٍ الكاذبة، والإشاعات المغرضة، والأقاويل السيئة دون تحقُّق، دون تبصُّر، دون دليل، دون علم، هذا يقع في إثمٍ كبير، ومن أساء الظن بأخيه فكأنَّما أساء الظن بربّه، كأن الله سبحانه وتعالى يريد مجتمع المؤمنين مجتمعاً متماسكاً، مجتمعاً متحاباً، مجتمعاً يحب بعضه بعضاً، مجتمعاً قوياً، مجتمعاً كالجسد الواحد، هذا لا يكون بسوء الظن، هذا لا يكون بالتهم الكاذبة، بالأوهام، بالأضاليل، بالتسرّع في إطلاق الحكم، بأن تبني على وهمٍ سمعته موقفاً عنيفاً أو قاسياً، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ﴾ .

 

تناقض السذاجة والغفلة مع الإيمان:


لماذا قال الله عزَّ وجل: ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ﴾ ؟ لأن بعض الظن ليس بإثم، بعضه إثم وبعضه ليس بإثم، ورد: "احترس من الناس بسوء الظن" ، سوء الظن عصمة، الحزم سوء الظن.

شخص لا تعرفه إطلاقاً قد يطلب منك شيئاً لا تقوى على تحمُّله، تحقَّق من دون أن تُشعِرَه، "لست بالخِب ولا الخبُّ يخدعُني" أي لست من الخبث بحيث أَخدع، ولا من السذاجة بحيث أُخدع، شخص لا تعرفه، إنسان يدخل لبيت لا يعرفه، يجب أن تتأكَّد من صاحب هذا البيت؟ لماذا دعاك؟ دعاك عن طريق ابنه الصغير، قد يكون هناك مطب بهذه الزيارة، الله عزَّ وجل قال: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71)﴾

[ سورة النساء ] 

لذلك السذاجة أحياناً والغفلة تتناقض مع الإيمان، كما ورد: "المؤمن كيّسٌ فطنٌ حذِر" 

 

المؤمن ليس ساذجاً ولا بسيطاً:


أحياناً إنسان له دعوة أراد أعداؤه الكيد به، دعوه إلى بيت لا يوجد فيه إلا طفلٌ صغير، طبعاً دخل إلى بيت هو وغلامٌ وحدهما، والأب هيَّأ الترتيبات لاتِّهامه بفعل شنيع، بعض أنواع الظن عصمة، بعض أنواع الظن حزم، بعض أنواع الظن احتراس، فالمؤمن ليس ساذجاً، وليس بسيطاً، ولا يُقاد لكل إنسان بلا تبصُّر، بلا توهُّم، بلا تحقُّق، بلا دليل، وبعض الظن إثم، أي بعضه من الحزم، بعضه من العصمة، بعضه من الاحتراس، وبعضه من الإثم، كيف نفرِّق بينهما؟ إذا كان هناك دليل على سوء النيَّة، إذا كان هناك دليل يُشعِر أن هناك مشكلة، هذا صار سوء ظن، لكن ليس إثماً، أما أن تتهم الناس بلا دليل فهذا سوء الظن الذي يُعَدُّ إثماً، أي لا يوجد أي دليل، هناك وسوسة، هناك شك، وهذا يحدث بين الأزواج أحياناً، متى يحقُّ للزوج أن يسيء الظن بزوجته؟ إذا بدر منها أشياء تُشْعِر بذلك، إذا بدر أشياء تُشْعِر أنها ليست مستقيمةً فهذا الظن في محلِّه، لابدَّ من التحقيق، لابدَّ من التدقيق، لابدَّ من المتابعة، أما إذا لم يبدُ أي شيء إطلاقاً، وسوسة فقط، أو نوع من أنواع الترف في سوء الظن فهذا لا يجوز، متى يكون سوء الظن عصمة؟ إذا كان هناك ما يُشْعِر بهذا السوء، أما إذا وُجد دليل فسوء الظن عصمة، وإذا لم يوجد دليل فإن هذا لا يجوز أن يكون.

 

الظالم من أنزل العقاب الأليم بالناس دون بينة أو دليل:


يروى أن سيدنا عمر رضي الله عنه جاءته رسالة من أحد الولاة، قال: "يا أمير المؤمنين إن أناساً اغتصبوا مالاً ليس لهم، لست أقدر على استخراجه منهم إلا أن أمسَّهم بالعذاب، فإن أذنت لي فعلت" ، قال: "يا سبحان الله! أتستأذنني في تعذيب بشر؟ وهل أنا حصنٌ لك من عذاب الله؟ وهل رضائي عنك ينجيك من سخط الله؟ أقم عليهم البيّنة، فإن قامت فخذهم بالبيّنة، فإن لم تقم فادعهم للاعتراف، فإن اعترفوا كان بها، وإلا فادعهم لحلف اليمين، فإن حلفوا فأطلق سراحهم"  إما أن تملك بيّنة، وإما أن يعترف، وإما أن تدعوه لحلف اليمين، أما أن تسيء الظنَّ به، وأما أن تُنزل به العقاب الأليم من دون بيّنةٍ، ومن دون دليلٍ، ومن دون  اعتراف فهذا ظلمٌ شديد.

إذاً التفرقة بين سوء الظن الذي يعدُّ عصمةً، وحزماً، واحتراساً، وبين سوء الظن الذي يعدُّ إثماً، التفرقة بينهما إذا كان هناك دليل يُشْعِر بخطأ جسيم عندئذٍ لك أن تسيء الظن، وإن لم يكن هناك أي دليل فعليك أن تُحْسِنَ الظن، ومن أساء الظن بأخيه فكأنَّما أساء الظن بربه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ﴾ .

 

الفرق بين علم اليقين وحق اليقين وعين اليقين:


لكن كلمة الظن وردت في القرآن الكريم في أماكن أخرى بمعنى اليقين الفكري: 

﴿ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46)﴾ 

[ سورة البقرة ] 

الظن هنا بمعنى اليقين الفكري، عندنا يقين، عندنا علم اليقين، وهناك حق اليقين، وهناك عين اليقين، علم اليقين الاستدلال المنطقي على حقيقةٍ غائبةٍ عنك بدليلٍ مادي بين يديك، هذا اسمه علم اليقين، سمَّاه القرآن ظنَّاً، أما حقُّ اليقين فحينما تشاهد هذا الشيء الغائب عنك، تعاينه معاينةً حسِّيّة فهذا حقُّ اليقين، أما حينما تمسّ هذا الشيء مسَّاً مباشراً بحواسِّك الخمس فهذا عين اليقين. 

 

الفرق بين التحسس والتجسس:


قال الله عزَّ وجل: ﴿إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا﴾  التجسُّس تتبع الأخبار السيِّئَة، والتحسُّس تتبع الأخبار الطيِّبة:  

﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)﴾

[ سورة يوسف ] 

التحسُّس تتبع الأخبار الطيِّبة، والتجسُّس تتبع الأخبار السيئة، هناك أناسٌ مغرمون بتتبّع الأخبار، هوايةٌ لهم، يستمتعون أشدَّ الاستمتاع بتتبع قصص الناس، فلانة طُلِّقَت لماذا؟ فلان لم يُنجب أولاداً، منه أم من زوجته؟ وماذا سيفعل بزوجته إن لم تُنْجِب أيطلقها يا ترى؟ وما شأنك أنت بهذا؟ طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، عن أبي هريرة رضي الله عنه:

من حسنِ إسلامِ المَرءِ تركُه ما لا يعنيه.  

[  صحيح الترمذي ] 

 

الله عز وجل يحب معالي الأمور ويكره دنيها:


الإنسان المؤمن لشدَّة تعلُقه بربه، وشدَّة قيامه بالأعمال الصالحة ليس عنده وقتٌ لهذه السخافات، وتلك المجالاَّت لأن الله عزَّ وجل، أو لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: عن الحسين بن علي بن أبي طالب: 

(( إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ مَعاليَ الأُمورِ، وأَشرافَها، ويَكرَهُ سَفْسافَها. )) 

[ صحيح الجامع : خلاصة حكم المحدث : صحيح ] 

أكثر من إنسان إذا التقى بإنسان يسأله: أين تعمل؟ في المكان الفلاني، كم يعطونك في الشهر؟ ما لك ولهذا السؤال؟ أيكفيك هذا المبلغ؟ أراض أنت به؟ يجب أن تعترض، هذا الذي يخبِّب امرأةً على زوجها، أو يخبِّب عبداً على مولاه، أو الذي يخبِّب موظَّفاً على سيده، هذا ليس من عمل المؤمنين، دع الناس يرزق بعضهم بعضاً، دع الناس في غفلاتهم، لا ينبغي لك أن تثير الفتن، ولا أن تلقي في القلب الشك، ولا أن تفرِّق بين إنسانٍ وإنسان لأن هذا ليس من شأن المسلم، "وليس منَّا من فرَّق" كما قال عليه الصلاة والسلام، أحياناً تدخل على أختك المتزوجة تسألها: كيف زوجك؟ كم يعطيكِ في الشهر؟ ماذا قدَّم لكِ هديَّةً عند الولادة؟ ما هذه الأسئلة؟ هي راضيةٌ عن زوجها، وبينهما وئام واتفاقٌ وسرور، لماذا تثير هذه الموضوعات؟ هذا الإنسان يسلك سلوكاً خاطئاً بعيداً عن سلوك الإيمان: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) 


العاقل من ينشغل بنفسه عن الآخرين لا من يتتبع أخبارهم:


مرَّةً سيدنا عمر سألته زوجته عن قضيَّةٍ حَكَمَ بها: "ما بال فلان؟ فقال لها: وأنتِ يا أمة السوء ما شأنكِ بهذا؟"  أخطر شيء أن تسمح لجانبٍ لا شأن له بهذا الموضوع بأن يتدخَّل، وأن يدلي برأي، وأن يدفعك إلى فعلٍ أو تركٍ، هذا يفسد العلاقات العامَّة، إذاً: ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ والأصح ألا يتتبَّع الإنسان لا الأخبار الطيّبة ولا الأخبار السيِّئة، عليه أن ينشغل بنفسه عن الآخرين.  

 

غيبة القلب غيبة يحاسب عليها الإنسان:


﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً﴾  طبعاً الإمام الغزالي كما قلت لكم في الإحياء عقد باباً من أدق أبواب الكتاب حول آفات اللسان، وخصَّ باب الغيبة باهتمامٍ بالغ، فذكر من الغيبة غيبة القلب، تُرْوَى في التاريخ قصَّة لا أدري مبلغها من الصحَّة لكن تعني شيئاً كثيراً، أن امرأةً كانت تُغَسِّل ميتةً، التصقت يدها بجثة الميتة، ومضى وقتٌ طويل، يدها وجسم الميتة أصبحتا قطعةً واحدة، فاحتار أهل الميَّتة أيقطعون يد المغسِّلة أم يقطعون من لحم الميتة؟ مضى الوقت الطويل، في عهد الإمام مالك والمقولة الشهيرة: لا يُفتى ومالكٌ في المدينة، فالإمام مالك عندما بلغه الخبر قال: اجلدوها ثمانين جلدة، وفي الجلدة الثمانين فُكَّت يدها، لأنها اتهمتها بقلبها بالزنا.

أحياناً أنت لا تقول شيئاً لكن تتهم أخاك البريء بقلبك، هذه التهمة تُحَاسَب عليها، لأنه لا يوجد معك دليل، بلا دليل تقول: فلان حرامي، هذه كلمة كبيرة جداً، فالمؤمن الصادق لا يأكل دِرَهَماً حراماً، والمقولة الشهيرة: "ترك دانقٍ من حرام خير من ثمانين حجَّةٍ بعد الإسلام" ، تقول لي: إشاعة، تهمة، إنسان فاسق فاجر قال كلمةً: من أين حصل على كل هذه النقود؟ قد يكون له دخل أنت لا تعرفه، قد تكون له تجارة، قد يكون قد ورث من أحدهم، على كل أنت لست وصيًّا عليه، أما أن تلقي هذه التهمة جزافاً فهذا إثم كبير. 

 

الغيبة والبهتان:


لذلك الغيبة أن تقول في أخيك كلاماً يتألَّم منه إذا بلغه ولو كان صحيحاً:  

(( أَتَدْرُونَ ما الغِيبَةُ؟ قالوا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: ذِكْرُكَ أخاكَ بما يَكْرَهُ، قيلَ: أفَرَأَيْتَ إنْ كانَ في أخِي ما أقُولُ؟ قالَ: إنْ كانَ فيه ما تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ فيه فقَدْ بَهَتَّهُ. )) 

[ صحيح مسلم ] 

البهتان أي الافتراء، تهمة ليس لها أساس من الصحة، هذا بهتان وإفك، أما الغيبة فأن تذكره بشيءٍ فيه، لكن هذا الذكر يؤلمه إذا وصل إليه، طبعاً: 

﴿ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148)﴾

[ سورة النساء ] 


العلماء أجازوا الغيبة في ستَّة مواطن منها:

 

1 ـ في شأن الزواج:

العلماء أجازوا الغيبة في ستَّة مواطن: في شأن الزواج؛ إنسان يشرب، إنسان زانٍ، إنسان دخله حرام، إنسان زير نساء، وتعلم أنت عنه العلم اليقين، سُئلت في شأن الزواج فأثنيت عليه، هنا الغيبة واجبة، قضية مصير فتاة، مصير أسرة، فتاةٌ طاهرةٌ مؤمنةٌ صادقةٌ تزجُّها مع زوجٍ فاسقٍ فاجر يقترف الحرام ولا يبالي!! ففي شأن الزواج لابدَّ من أن تذكر الحقيقة وإن كان ذكرها يؤلم الإنسان.  

2 ـ في شأن الشراكة:

في شأن الشراكة، الشراكة أموال سوف توضع بين أيدي الطرف الثاني، الطرف الثاني لص لا يتورَّع عن أخذ المال الحرام وتبقى أنت ساكتًا؟ ورع، هذا الورع ليس في محلِّه.   

3 ـ في شأن القضاء: 

 في شأن القضاء، لو أن القاضي سأل المُدَّعي ماذا فعل بك فلان؟ أنا لا أقدر أن أغتابه يا سيدي، أنت الآن تشتكي عليه لابدَّ من ذكر ما فعل بك، فعند القضاء، وعند الاستشارة.   

4 ـ من يقترف المعاصي دون أن يأبه:

هناك مواقف عدَّة أُجِيزَت فيها الغيبة، أما الذي يقترف المعاصي دون أن يأبه، يقترفها أمام الناس.   

5 ـ من يفطر في رمضان على مرأى الناس:

الذي يفطر في رمضان في الطريق على مرأى الناس، هذا لا غيبة له، هذا فاجر، من هو الفاجر؟ هو الذي يقترف المعصية جهاراً، أو هو الذي يقترفها سرّاً ويذكر أنه فعلها مُتباهياً، اذكروا الفاجر بما فيه يحذره الناس. 

6 ـ من يقترف المعاصي جهاراً أو سراً ويذكرها متباهياً:

الذي يقترف المعاصي جهاراً، أو يذكر معاصيه جهاراً ولا يبالي هذا لا غيبة له. 

 

الغيبة تكون بالقلب وبالحركات والإشارات:


الغيبة أيضاً كما أنها تكون بالقلب تكون بالحركات، والمحاكاة، وتكون بالإشارة كما ذكرت، حركة القميص، إن ذُكِرَت فلانة، يقول لك: الله أعلم، هذه غيبة يا سيدي، أشدُّ أنواع الغيبة، هذه إشارة إلى أنها ليست طاهرة، فهناك حركات، يوجد تقليد، يوجد محاكاة، يوجد غيبة القلب، وأحياناً يقول لك: أنا لم أذكر اسمه، ذكرت خمسين علامة تدلّ عليه، ذكرت أين يسكن، ونوع عمله، وحادثة مشهورة عنه، هذه كلها قرائن تشير إليه، طبعاً لك أن تروي قصَّةً من أجل أن تعظ الناس بها بشرط ألا يعلم الناس أبداً من صاحب هذه القصَّة، أما إذا ذكرت علامات وقرائن تشير إليه والناس عرفوه معرفةً يقينية فأنت تقول: أنا لم أذكر اسمه، لكنك ذكرت كل شيءٍ عنه، لم يبقَ إلا أن تذكر اسمه، واسمه صار معروفًا، هذه غيبة أيضاً.  

 

النار مصير كل إنسان يغتاب الناس: 


الذي يغتاب الناس الأحاديث الصحيحة تؤكِّد أنه يوم القيامة تؤخذ من حسناته، فإذا فَنِيَت حسناته طُرِحَت عليه سيّئاتهم، لهذا النبي الكريم سأل أصحابه: عن أبي هريرة رضي الله عنه: 

(( أتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا لَهُ دِرْهَمَ وَلَا دِينَارَ وَلَا مَتَاعَ، قَالَ: الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ يَأْتِي بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ. )) 

[ صحيح مسلم ] 

فيمكن إنسان يغتاب الناس ويكون مصيره إلى النار، وقد قيل: "الغيبة أشدُّ من الزنا" .

 

أضرار الغيبة:


الغيبة تمزِّق المجتمع، تفتِّت الأسر، تجعل المجتمع الإسلامي ممزَّقاً، ضعيفاً، تنتشر فيه العداوات والخصومات، والمناحرات والمنافسات بسبب الغيبة، والذي يغتاب الناس عليه أن يطلب السماح منهم قبل أن يموت، فإن لم يسامحوه فلابدَّ من أن يلقى العِقاب الأليم، فلذلك الإنسان عليه أن يضبط لسانه، والشيء الدقيق جداً في هذا الموضوع أنك إن اغتبته في ملأ عليك أن تبرِّئَهُ في الملأ نفسه، أما تغتابه في أوسع دائرة وتعتذر منه بينك وبينه فهذا ليس معقولاً، هناك مجلس فيه خمسون شخصاً، اغتبته أمام خمسين، ثم زرته وقلت له: سامحني أنا اغتبتك، هذه المسامحة غير مقبولة، يجب عليك أن تجمع الخمسين مرَّةً ثانية وأن تبين لهم الحقيقة وإلا فأنت آثم، أي المسامحة لا تكون إلا بالإصلاح. 

﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)﴾ 

[ سورة البقرة ] 

 

الله عز وجل جعل الغيبة بمثابة أن تأكل من لحم أخيك ميتاً:


﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً﴾  أي لا يوجد شيء تنفر منه النفس كأن تأكل لحم ميْتةٍ، أما أن يأكل الإنسان لحم بشر وهو ميت، أما أن يأكل لحم أخيه ميْتاً، فربنا عزَّ وجل يُكَرِّهنا بالغيبة والنميمة، هذا أسلوب تربوي حكيم: عن ابن عباس:

(( الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ. )) 

[ صحيح مسلم ] 

أي الإنسان لو قاء هل يوجد إمكان أن يستعيد هذا القيء ويأكله؟ شيء تتمزَّق منه أمعاؤه، هذه من الأساليب التربويَّة، والله سبحانه وتعالى جعل الغيبة بمثابة أن تأكل من لحم أخيك ميتاً، أليس هذا مستكرهاً؟ أليس هذا مستقبحاً؟ كذلك الغيبة، البديل أن تذهب إليه وأن تقول له: لقد بلغني عنك كذا وكذا وأنت أخي في الإسلام فما حقيقة ذلك؟ فإن كان وقع الذي وقع فانصحه، وإن لم يقع الذي تصوَّرته وقع فقد عافاك الله من سوء الظن به، وهكذا.

 

المبتدع والمظلوم والمستشير هذه حالات ليست من الغيبة:


هذا الدرس نُحب أن يترجم عملياً، حاول ألا تقبل شيئاً إلا بالدليل، وحاول ألا تغتاب أحداً إلا حينما يسمح لك الشرع في الحدود الضيقة جداً، إنسان مبتدع جاء بعقيدة غير صحيحة، سألك إنسان هذا ليس من الغيبة، هناك عقائد فاسدة، هناك عقائد زائغة، هناك انحرافات فكرية، هناك انحرافات في السلوك، وهذا الإنسان السائل يريد أن يلتزم مع إنسان ذي عقيدة سيِّئة، هذا ليس من الغيبة، المبتدع، والمظلوم، والمستشير، هناك حالاتٌ نصَّت عليها كتب الفقه أما فيما سوى ذلك فلا ينبغي لك أن تقول في الناس شيئاً.

 

كل المسلم على المسلم حرام ماله ودمه وعرضه:


أيها الأخوة الكرام؛ قال عليه الصلاة والسلام: 

(( عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره، التقوى هاهنا -ويشير إلى صدره ثلاث مرات- بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه. )) 

[  صحيح مسلم ] 

طبعاً المال واضح، الحكم فيه واضح. 

﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)﴾ 

[ سورة البقرة ] 

والقتل الحكم فيه واضح، أما العِرْضُ فهو موضع المدح والذمِّ من الإنسان، فأن تتهم إنساناً بالكفر دون أن تتأكَّد.

 

من كفَّر مسلماً فقد كفر:


أغلى شيء يملكه الإنسان إيمانه، أنت ببساطة وسهولة تطعن في إيمانه، تتهمه بالكفر، بالانقطاع عن الله عزَّ وجل، بمصيره إلى النار، بهذه البساطة؟ ومن أنت؟ هل أنت وصيٌّ عليه؟ أليس هذا تألّياً على الله عزَّ وجل؟ هذا معنى قول الله عزَّ وجل: ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ﴾  من كفَّر مسلماً فقد كفر: عن ابن عمر:

(( إِذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا. )) 

[  صحيح مسلم. ] 

 ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه))  "اخزن لسانك" ، قل: لا أعلم.

 

الله عز وجل يدعو الناس إلى عدم الكِبر فيما بينهم لأنه خلقهم بطريقة واحدة:


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾

[ سورة الحجرات ] 

الآن توجَّه الخطاب إلى عامَّة الناس، والله سبحانه وتعالى يبيّن للناس أن الله خلق الناس من ذكرٍ وأنثى خلقاً موحّداً، ما من إنسانٍ على وجه الأرض إلا خرج من عورة، ودخل في عورة، ثم خرج من عورة، وخُلِقَ من ماءٍ مهين، لو أن هذا الماء كان على ثياب أحدنا لاستحيا به، فالناس جميعاً أغنياؤهم وفقراؤهم، وأقوياؤهم وضعفاؤهم، أشرافهم وصعاليكهم، الناس جميعاً خُلِقوا بطريقةٍ واحدة، وبأسلوبٍ واحد، وهذا يدعو إلى عدم الكبر فيما بينهم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى﴾ .

 

العمل الصالح ثمن الجنة:


لكن أريد أن أقف قليلاً عند حكمة هذه الآية في قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾  أي الله عزَّ وجل خلقنا للجنَّة، دققوا المعادلة دقيقة، خلقنا للجنَّة، لجنَّةٍ عرضها السماوات والأرض، هذه الجنَّة لابدَّ لها من ثمن تدفعه في الدنيا، الثمن هو العمل الصالح، العمل الصالح لا يكون إلا وأنت في مجتمع، هل هناك حلمٌ بلا مجتمع؟ هل هناك أمانةٌ وأنت وحدك في صومعة؟ كل الفضائل تحتاج إلى مجتمع، فمن أجل أن تكون مع المجتمع قهرك الله عزَّ وجل بطريقةٍ رائعة، سمح لك أن تتقن حاجة، وجعلك في أمسِّ الحاجة إلى ملايين الحاجات، لن تستقيم حياتك إلا أن تكون في مجتمع، تحتاج إلى رغيف خبز، وهناك عشرات الألوف من الأشخاص يسهمون جميعاً في صنع هذا الرغيف، تحتاج إلى ثياب، هناك من يزرع القطن، هناك من يجني القطن، هناك من يحلُج القطن، هناك من يغزل القطن، هناك من يصبغ الخيوط، هناك من ينسجها، هناك من يخيطها، هناك من يبيعها لك في محل تجاري، آلاف الأشخاص ساهموا في صنع هذا الرداء، آلاف الأشخاص ساهموا في صنع رغيف الخبز، فأنت مدرِّس، مهندس، طبيب، تاجر، موظَّف، صانع ممتهن تتقن حاجة وأنت بحاجة إلى ملايين الحاجات. 

 

الفضائل لا تكون إلا في المجتمع:


الله سبحانه وتعالى قهرنا بأسلوبٍ لطيفٍ جداً أن نعيش في مجتمع، لأن الفضائل لا تكون إلا في المجتمع، والجنَّة ثمنها العمل الصالح، هذا على مستوى الأفراد، أما على مستوى الشعوب فالله عزَّ وجل لحكمةٍ أرادها جعل كل شعبٍ له لغة، وله طِباعاً، وله عادات، وله إمكانات، شعب قوي، شعب دؤوب على الصناعة، شعب يحب التجارة، شعب في بنيته العامة تاجر، شعب بلاده جميلة جداً، شعب فيه ثروات نفطيَّة، شعب بلاده حارَّة، شعب بلاده معتدلة، فتنوُّع الأقاليم، تنوع الثروات، تنوع الطباع، تنوع الخصائص، هذا الشعب بحاجة إلى طاقة لأنه لا توجد طاقة عنده، عنده تكنولوجيا عالية جداً، هذا شعب عنده طاقة وهو مرتاح من النواحي الإبداعية يبيع نفطه، ويستقدم بهذا الثمن كل ما يحتاج، فالله عزَّ وجل وزَّع الثروات في مكان، والطاقات الفكرية في مكان، وبلاد جميلة، وبلاد حارَّة، وبلاد معتدلة، وبلاد جبلية باردة في الصيف، وبلاد صحراوية، الأقاليم والبيئات متنوِّعة، الثروات؛ هنا يوجد نفط، هنا يوجد حديد، هنا يوجد زنك، هنا يوجد يورانيوم، كل بلد فيها معدن معيَّن، هذا البلد يزرع الشاي، هذا يزرع الموز، الموز ينتقل من بلد إلى بلد، الله عزَّ وجل جعل بعض الأقاليم تناسب إنتاجاً زراعياً معيَّناً، فنحن في حاجة بعضنا بعضاً.  

 

ليس لأي إنسان حق أن يفتخر بشيء منحه الله إياه من دون جهدٍ:


الفقرة السابقة نحن في حاجة بعضنا البعض على مستوى الأفراد، أما هذه الآية فعلى مستوى شعوب: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ﴾  تفتخر بلغتك شيءٌ لا يقدِّم ولا يؤخِّر، تفتخر ببلادك الجميلة شيءٌ لا يقدِّم ولا يؤخِّر، تفتخر بالثروات الباطنية التي عندك شيءٌ لا يقدِّم ولا يؤخِّر، الله جلَّ جلاله وزَّع القدرات، ووزع الطاقات، ووزع الثروات، ووزع الأقاليم، ووزع المناخ، ووزع الإمكانات، جعل لكل شعب شخصية خاصَّة، لكل شعب قدرات خاصَّة، إمكانات خاصة، شعب عنده جَلَدٌ على الصناعة، شعب على الزراعة، هذا التنوع في الشعوب تنوع غنى لا تنوع تضاد، فكل شعب بحاجة إلى شعب آخر.  

 

الله جلَّ جلاله وزَّع القدرات والطاقات والثروات ليتكامل المجتمع ويتعارف:


لذلك: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾  تتعرَّف على ما عند الآخرين، من أجل أن تعرف ما عند الآخرين، وأن تعرِّفهم بما عندك من أجل التكامل، أحياناً تجد صوراً مجزَّأة مربَّعات مربَّعات، والطالب مكلَّف أن يجمع هذه المربَّعات كي تكتمل الصورة، لعبة من لعب الصغار، مربَّعات تشكل في مجموعها صورة جميلة، هي مبعثرة الآن، فهذا الطفل الصغير يضع هذا المكعَّب هنا وهذا المكعب هناك، فإذا وصل إلى الصورة الكاملة شعر بنشوة، فربنا عزَّ وجل نوَّع ووزَّع القدرات، والطاقات، والأقاليم، والثروات، واللغات، والشعوب، والتقاليد، والعادات كلها بشكل متكامل. 

 

لا يحقُّ لفردٍ ولا لشعبٍ أن يتيه على الشعوب الأخرى:


قال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾  معنى ذلك أنه ليس لإنسان حق أن يفتخر بشيء منحه الله إياه من دون جهدٍ، من دون ذكاء، من دون طلبٍ، من دون سعي، إنسان خلقه الله طويلاً، هذا قصير، هذا أبيض اللون، هذا أسمر اللون، هذه أشياء من خلق الله عزَّ وجل لا تُتَّخذ عند الله مقياساً للرفعة إطلاقاً، عن أبي هريرة:

(( رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بالأبواب لو أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ'. )) 

[  صحيح مسلم ] 

فلذلك لا يحقُّ لفردٍ ولا لشعبٍ أن يتيه على الشعوب الأخرى، الآن توجد بعض الشعوب صنَّفت نفسها في الدرجة الأولى وصنَّفوا الآخرين في الدرجة السفلى، هذا تعصُّب،  لَيسَ مِنَّا مَنْ دَعا إِلى عَصبيَّة، وليس منا من قاتل عصبيَّة، وليس منا من مات على عصبيَّة، هذا ليس منَّا إطلاقاً. 

 

ليس بين الله وبين عباده قرابة إلا الطاعة:


الآن تأتي الآية: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾  عند الله مقياس واحد هو طاعته، ليس بين الله وبين عباده قرابة إلا الطاعة، ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾  المؤمن الصادق ينطلق من هذا المقياس وحده، لا يأبه لا بالغنى ولا بالفقر، ولا بالقوة ولا بالضعف، ولا بالوسامة ولا بالدمامة، ولا بالصحة ولا بالمرض، هذه مقاييس ما أقرَّها الشرع إطلاقاً في تقيّيم الأشخاص، لكن الشرع والقرآن يتخذ مقياس الطاعة وحدها مقياساً للترجيح بين الناس، الطاعة وحدها.

 

الإيمان والطاعة مقاييس للترجيح بين الناس:


﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾  طبعاً المعنى واضح والآية موجزة لكن شتَّان بين أن نستمع إليها وبين أن نطبِّقها، تجد أن هناك سلوكاً جاهلياً، هناك من يأبى أن يسكن في هذا الحي، هناك من يأبى أن يتزوَّج من هذه المرأة، هناك امرأة تأبى أن يكون زوجها إلا من صنف التجَّار، هناك امرأةٌ تأبى أن يكون زوجها من هذا الصنف، عنعنات جاهلية، وعصبيَّات إقليميّة، أو عصبيات ليست مقبولة عند الله عزَّ وجل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾  بعض العلماء استنبط من هذه الآية أن كل شابٍ مؤمنٍ كفء لأية شابَّةٍ مؤمنةٍ، لأنّ الإيمان وحده هو المرجِّح، على كلِّ قيمة هذه الآية لا في فهمها ولكن في تطبيقها، فالإنسان أحد شخصين إما أن يكون مؤمناً يطبِّق هذه الآية في تقييمه للناس، وإما أن يكون عنصرياً يعتمد على مقياس ما أراده الله عزَّ وجل؛ مقياس إقليمي، أو عشائري، أو قَبَلي، أو قومي، أي نحن من صنف متميّز، أي إنسانٍ خلقه الله عزَّ وجل، والله مع كل الناس ولجميع الناس، ويعلم أحوال الناس، ويقبل عمل الناس، ويقرِّب الطائعين، يبعد العُصاة المذنبين، يتجلَّى على المؤمنين، وكما قال عليه الصلاة والسلام: عن عبد الله بن عمر:

(( أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ خطب الناسَ يومَ فتحِ مكةَ فقال: يا أيها الناسُ إنَّ اللهَ قد أذهبَ عنكم عبيةَ الجاهليةِ وتعاظُمَها بآبائها فالناسُ رجلانِ؛ رجلٌ بَرٌّ تقيٌّ كريمٌ على اللهِ وفاجرٌ شقيٌّ هيِّنٌ على اللهِ ، والناسُ بنو آدمَ وخلقَ اللهُ آدمَ من الترابِ، قال اللهُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوْا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. )) 

[ صحيح الترمذي : ابن العربي : عارضة الأحوذي : خلاصة حكم المحدث : صحيح ] 

 

الناس رجلان بر تقي أو فاجر شقي:


أقول لكم هذه الحقيقة: الناس على اختلاف مشاربهم، واختلاف أعراقهم، واختلاف أنسابهم، واختلاف مللهم، واختلاف نِحلهم، واختلاف مستوياتهم الاقتصادية، والثقافية، والفكرية، والاجتماعية، والعرقية، الناس في النهاية رجلان؛ مؤمن والثاني كافر، مستقيم منحرف، محسن مسيء، منضبط متفلِّت، موصول مقطوع، رحيم قاس، منصف ظالم، أبداً، الناس رجلان، فالمستقيم، المحسن، المقبل، المنضبط، الرحيم، هذا عند الله له شأنٌ كبير بصرف النظر عن عرقه، وعن جنسه، وعن أسرته، وعن عشيرته، وعن قبيلته، وعن إقليمه، هذه عنعناتٌ جاهلية، الذي قال لسيدنا بلال: "يا بن السوداء"، قال له النبي عليه الصلاة والسلام: 

(( لَقِيتُ أبَا ذَرٍّ بالرَّبَذَةِ، وعليه حُلَّةٌ، وعلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عن ذلكَ، فَقال: إنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بأُمِّهِ، فَقالَ لي النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : يا أبَا ذَرٍّ أعَيَّرْتَهُ بأُمِّهِ؟ إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ، إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أيْدِيكُمْ، فمَن كانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ ممَّا يَأْكُلُ، ولْيُلْبِسْهُ ممَّا يَلْبَسُ، ولَا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ، فإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فأعِينُوهُمْ. )) 

[ صحيح البخاري ] 

 

العنصري هو الإنسان الذي يقيم مقاييس غير مقاييس القرآن الكريم:


الآن إذا كان عندك شعور أن ابنك من أسرة راقية يجب أن يكون مكتفياً، متنعِّماً، وهذا الموظَّف الذي يعمل عندك في المحل هذا أبوه ميت، يتيم، فقير، يجب أن يعمل عملاً شاقاً دون أن ينال نصيبه منك، أنت إنسان عنصري، هذا العنصري الذي يقيم مقاييس غير مقاييس القرآن الكريم، مقاييس الأنساب والأعراق، مقاييس الغنى والفقر، مقاييس أسرية عشائرية قبلية إقليمية، هذه كلها مقاييس ما أنزل الله بها من سلطان، سيدنا الصديق رضي الله عنه عندما رأى صفوان يعذِّب بلالاً اشتراه منه، قال له: "خذه فو الله لو دفعت به درهماً لبعتكه" ، سيدنا الصديق رأى في هذا الكلام إهانة لسيدنا بلال فقال له: "والله لو طلبت به مئة ألفٍ لأعطيتكها" ، فلمَّا اشتراه من سيِّده وضع يده تحت إبطه وقال: "هذا أخي حقَّاً" ، فكان أصحاب النبي إذا ذكروا الصديق يقولون: "هو سيدنا وأعتق سيدَنا" أي بلالاً.

 وكان سيدنا عمر رضي الله عنه يخرج إلى ظاهر المدينة لاستقبال بلال الحبشي، مرَّة وقف أبو سفيان في باب عمر ساعاتٍ طويلة لم يؤذَن له، فلمَّا دخل عليه عاتبه وقال: سيد قريش يقف ببابك ساعاتٍ طويلة وصهيبٌ وبلال يدخلان بلا استئذان ، فقال عمر: أنت مثلهما؟ هذا الإسلام.

 

أكرم الناس عند الله عز وجل أتقاهم له:


﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾  إن لم نتعامل مع بعضنا بهذا المقياس فلسنا مسلمين، الغنى تحت قدمك، والفقر تحت قدمك، الغنى والفقر، الوسامة والدمامة، الذكاء وقلَّة الذكاء، هذه المقاييس اختصّ الله عزَّ وجل بها خلقه لحكمةٍ أرادها، لكنها لا ترفع ولا تخفض، الذي يرفع ويخفض الطاعة.

مرَّة ثانية: ((رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بالأبواب لو أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ)) الله عزَّ وجل شاءت حكمته أن يكون الأنبياء فقراء في معظمهم، ماذا كان يعمل الأنبياء الفقراء؟ رعاة غنم، هل هناك حرفة أهون على الناس من أن يرعى الغنم؟ تجد شخصاً في الجبال مع مئة غنمة، أنبياء عِظام رعوا الغنم لتحطيم هذه المقاييس التي ابتدعها الناس، أنا لا أدخل في التفاصيل، هناك أوهام، وهناك مظاهر فارغة، وهناك مقاييس مضحكة يقيس بها الناس، وهي ما أنزل الله بها من سلطان. 

 

الدين والخلق مقاييس مهمة في الزواج وليس الناحية المادية:


على كل: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ هذا المقياس، وإذا كانت الآية واضحة عندك وأنت مؤمن إيماناً صحيحاً ينبغي أن تمارسها يومياً، يأتيك خاطب مثقَّف يحمل شهادة عُليا، ديِّن، أخلاقه عالية، يقيس بعض الآباء خاطبي بناتهم بالمقياس المادي فقط، يرفض أو يقبل لعلَّة المال فقط، يرفض أو يقبل لعلَّة الحرفة فقط، يرفض أو يقبل لعلَّةٍ أخرى فقط، أما هذه الآية فينبغي أن نمارسها عملياً؛ في علاقاتنا، في مهننا، في حرفنا، في أسواقنا، في زواج فتياتنا، في تزويج شبابنا: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾  عن أبي حاتم المزني:

(( إذا جاءكم مَن ترضَوْنَ دِينَهُ وخُلُقَهُ فأنكِحوه، إلَّا تَفعَلوا تكُنْ فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ، قالوا: يا رسولَ اللهِ، وإن كان فيه؟! قال: إذا جاءكم مَن ترضَوْنَ دِينَهُ وخُلُقَهُ فأنكِحوه، ثلاثَ مرَّاتٍ. ))  

[ شعيب الأرناووط : تخريج شرح السنة: خلاصة حكم المحدث : حسن غريب ] 

  

على الإنسان أن يتقي الله ويحسن إلى خلقه إخلاصاً وليس نفاقاً لأن الله عليم بحاله:


ثم يقول الله عزَّ وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير﴾ هذا الذي يتقي، هذا المتقي، ألم يقل الله عز وجل قبل قليل: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾  إنسان مستقيم على أمر الله يا ترى يفعل هذا نِفاقاً أم إخلاصاً؟ يفعل هذا رياءً أم طاعةً؟ هو ينضمُّ إلى المؤمنين لمكاسب مادية أم لإخلاصٍ شديد؟ قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير﴾ 

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور