وضع داكن
24-04-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 098 - عبادة الله بين الحكمة والكيفية
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
 بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلّ وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم مستمعينا الأكارم على الهواء مباشرة عبر أثير إذاعتكم حياة fm، مع فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، مرحباً بكم شيخنا.
الدكتور راتب :
  بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
المذيع :
 اللهم آمين، نحن وإياكم، دكتورنا الكريم انطلاقاً من قوله تعالى:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات: 56]

 حلقتنا عن الحكمة من العبادة، الله سبحانه وتعالى خالق الكون ومالكه، وهو الذي فرض العبادة على الإنسان في هذه الدنيا، والله لا يحتاج عبادتنا، فلماذا كانت العبادة؟

 

أنواع العوالم :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 الحقيقة الأولى الدقيقة التي تفضلت بها قوله تعالى:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات: 56]

 لا بد من عودة إلى عالم الأزل، ذاك العالم عالم النفوس لا عالم الصور، نحن الآن في عالم الصور، الحصان صورة، أما في عالم الأزل فكل المخلوقات على اختلاف أنواعها المستقبلية نفوس، فالله عز وجل عرض الأمانة، قال تعالى:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ ﴾

[ سورة الأحزاب: 72 ]

 والسموات والأرض مصطلحٌ قرآني، أي الكون، أي عرض الأمانة على كل مخلوقاته، الحقيقة أن المخلوقات في عالم الأزل أشفقن منها، أبين أن يحملنها، بنص القرآن الكريم.
 بالمناسبة نحن عندنا عالم الغيب والشهادة، عالم الشهادة نراه بأعيننا، نستمع إلى أصواته بآذاننا، ندرك ما وراء الظاهر بعقولنا، أما عالم الغيب فلا نملك منه شيئاً إلا ما أخبرنا الله به، لا يوجد طريقة أخرى لاكتشاف عالم الغيب إلا إخبار الله لنا، أنت ممكن أن تدخل لبيت تجد فيه أثاثاً جميلاً جداً، ثريات متألقة، بلاطاً رخامياً، ممكن أن تكتشف كل خصائصه بعينيك وأذنيك، إلا أن خزانة مقفلة مهما كنت ذكياً لا تستطيع أن تعرف ما فيها إلا بإخبار صاحب البيت لك، نحن عندنا عالم الشهود، وعالم الغيب، عالم الغيب لا نملك منه إلا إخبار الله لنا فقط، الله أخبرنا أننا خلقنا للجنة، لجنة عرضها السموات والأرض، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
المذيع :
 دكتور ربنا خلق البشر ليكونوا من أهل الجنة؟

 

الحكمة من خلق البشر :

الدكتور راتب :
 خلق الخلائق كلها لتكون من أهل الجنة، لذلك عرض الأمانة على الخلائق كلها في عالم الأزل، قال تعالى:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾

[ سورة الأحزاب : 72 ]

 الأمانة أن تكون نفسك تحت رعايتك، أن تدير أنت نفسك، بالمصطلح الحديث إدارة الذات، أنت في معمل، في مستشفى، في مؤسسة، في دائرة، يوجد مدير عام، ومدير محاسبة، ومدير تنفيذي، ومدير تخطيطي، أنت في الدنيا لا تملك إلا أن تنفذ منهج الله، هذا المنهج من عند الخالق، من عند الخبير، قال تعالى:

﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾

[ سورة فاطر : 14 ]

 وجهة واحدة في الكون هي الله عز وجل، تعرف ما يسعدك وما يشقيك، لذلك بأعلى درجة من الذكاء والنجاح والتفوق والفهم الحقيقي أن تتبع تعليمات الصانع، تعليمات الصانع في الكتاب والسنة، يوجد أمر ونهي.

 

قبول الإنسان حمل الأمانة في عالم الأزل :

 إذاً نريد أن نقول إن الإنسان لأنه من بني البشر قبل في عالم الأزل حمل الأمانة، فلما قبلها - الآن دخلنا في دقة بالغة- كان عند الله المخلوق الأول رتبة، وكان عند الله المخلوق المكرم، قال تعالى:

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾

[ سورة الإسراء : 70 ]

 وكان المخلوق المكلف، كلفه الله بعبادته، قال تعالى:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات: 56]

 و العبادة ...
المذيع :
 دكتور اسمح لي أن أرجع إلى الوراء قليلاً لوضوح كامل المعلومات والمفاهيم، الآن نحن نتحدث عن عالم الأزل، عالم الأزل دكتور هل كان في الماضي أم هو شيء غيبي؟
الدكتور راتب :
 في الماضي.
المذيع :
 لم نشهده نحن؟
الدكتور راتب :
 نحن كنا فيه، عالم النفوس، عندنا عالم الصور عالمنا الحالي، وعالم النفوس، أي الخشب كالحصان نفس، نفوس في عالم الأزل، عالم النفوس الله عز وجل عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال تعبير قرآني يعني الكون، والكون ما سوى الله، فأبين أن يحملنها.
المذيع :
 دكتور كما تفضلت إدارة الإنسان لذاته.
الدكتور راتب :
 فأبين أن يحملنها.
المذيع :
 لماذا دكتور؟

 

إلغاء اختيار الإنسان يلغي الدين :

الدكتور راتب :
 هذا هو الاختيار، أنت لك صفة أولى في الحياة أنك مختار، ولولا اختيارك لما كان للجنة والنار من معنى، إذا الإنسان لم يكن مختاراً دخل النار بقضاء الله، ما ذنبه؟ لا ذنب له، إذا ألغيت الاختيار من هذا الدين ألغيت الجنة والنار، والثواب والعقاب، والصلاح وعدم الصلاح، أصبحت الحياة الدنيا تمثيلية سمجة، قال تعالى:

﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾

[ سورة الكهف : 29 ]

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾

[سورة الإنسان: 3]

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾

[سورة الأنعام: 148]

 حينما تلغي الاختيار، حينما تلغي حرية الاختيار ألغيت الدين، ألغيت الثواب، ألغيت العقاب، ألغيت الجنة، ألغيت النار.
المذيع :
 هذه ما تعرف بعقيدة الجبر دكتور ؟

 

عقيدة الجبر أفسد عقيدة على الإطلاق :

الدكتور راتب :
 أفسد عقيدة على الإطلاق أن يعتقد الإنسان بعقيدة الجبر، لو أن مدرسة راقية جداً في أول يوم من العالم الدراسي وقف المدير وأمسك قائمتين، قال: سأتلو عليكم أسماء الناجحين في آخر العام، اذهبوا وادرسوا، كلام مضحك، إن ألغيت الاختيار ألغيت الدين، ألغيت الثواب، ألغيت العقاب، ألغيت الجنة، ألغيت النار، ألغيت كل شيء، قال تعالى:

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ ﴾

[سورة الإنسان: 3]

 ماذا يقول المشركون؟ قال تعالى:

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا ﴾

[سورة الأنعام: 148]

 هذه للجبر، لا يعتقد بعقيدة الجبر إلا المشرك، قال تعالى:

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ ﴾

[سورة الأنعام: 148]

 عقيدة كاذبة، قال تعالى:

﴿ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾

[سورة الأنعام: 148]

 أنا أقول كلمة دقيقة جداً وواضحة وخطيرة: إذا توهم الإنسان أنه مجبر على أفعاله ألغي الدين كلياً، ألغيت الجنة والنار، والثواب والعقاب، والخير والشر، والحق والباطل، لم يعد هناك شيء، أنت مخير ولأنك مخير يثمن عملك، ولا يثمن عملك إلا إذا كنت مخيراً.
المذيع :
 هنا يأتي سؤال تفضلت وقلت إن هذه الأمانة عرضت على الكون كاملاً على الإنس والجن وما في السموات والأرض، لماذا الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي قبل حمل هذه الأمانة الثقيلة؟

 

الحكمة من أن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي قبِل حمل الأمانة :

الدكتور راتب :
 لأن الإنسان مخير في الأصل، النفوس في الأصل مخيرة، عفواً هذه الطاولة ما أخص خصوصياتها؟ أن لها وزناً، ولها حجماً، ولها أبعاد ثلاثة، أصل الخلق أن النفوس التي خلقت في عالم الأزل مخيرة، فالله عرض عليها الأمانة، هي لها موقف، قال تعالى:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ ﴾

[ سورة الأحزاب: 72 ]

 الموقف التي اختارته:

﴿ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾

[ سورة الأحزاب : 72 ]

 فالمخلوقات التي اختارت العقل هي الملائكة، والمخلوقات التي اختارت الشهوة هي الحيوانات، أما الإنسان فركب من عقل و شهوة، فإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان، وإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، فالخيار إما أن نتبع الشهوات، أو أن نتبع القيم و الأخلاق، أنت مخير، العقل ملك فقط، رُكِّب الملَك من عقل بلا شهوة، وركِّب الحيوان من شهوة بلا عقل، وركِّب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان، فنحن لأننا من بني البشر، في عالم الأزل اخترنا أن نحمل الأمانة، والأمانة إدارة الذات، يقابلها قوله تعالى:

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾

[ سورة الأعلى : 15-16 ]

المذيع :
 ما المقصود بالتزكية هنا؟

 

تعريف التزكية :

الدكتور راتب :
 أن تستمد كمالاً من كمال الله، فتقبل على الله وهو الذات الكاملة، أن نستمد من كمال الله كمالاً، أو أن نشتق من كمال الله كمالاً نقبل عليه بهذا الكمال.
المذيع :
 وكيف يكون هذا الاشتقاق؟

الاتصال بالله يكون بالاستقامة على أمره وبالعمل الصالح :

الدكتور راتب :
 بالاتصال به، وكيف يكون الاتصال به؟ بالاستقامة على أمره، والعمل الصالح، الاستقامة سلبية، يقول لك: أنا ما أكلت مالاً حراماً، أنا ما اغتبت، والعمل الصالح عطاء، أعطى من وقته، من ماله، من علمه، الاستقامة سلبية لكن بالمصطلح إن قلت استقامة تغطي الامتناع والعطاء، إن قلت عملاً صالحاً يغطي الاستقامة والعطاء، إذا اجتمعتا تفردتا وإن تفردتا اجتمعتا، العمل الصالح إيجابي، أعطيت من مالي، من وقتي، من علمي، أنا أعطي من مالي للفقير، من خبرتي.
 أنا أذكر قصة في بلدي أكبرها كثيراً، يوجد عشرة أطباء معهم بورد، أعلى شهادة في العالم، أسسوا مجلة يكتبون فيها أحدث البحوث التي قرؤوها في اختصاصهم لبقية الأطباء، فنقلوا علمهم النادر إلى كل الأطباء، حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، وقال تعالى:

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾

[ سورة الأنعام: 132]

 بل إن العمل الصالح علة وجودك في الدنيا، والدليل:

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾

[ سورة المؤمنون : 99-100]

المذيع :
 دكتور لو عدنا إلى الآية الكريمة:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات: 56]

 ما هو مفهوم العبادة في هذه الآية الكريمة؟

 

تعريف العبادة :

الدكتور راتب :
 العبادة هي طاعة طوعية، ليست قسرية، فالذي خلقنا حياتنا بيده، وموتنا بيده، ورزقنا بيده، والسعادة بيده، والشقاء بيده، وكل شيء بيده، ومع كل ذلك ما قبل أن نعبده إكراهاً، قال تعالى:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

[ سورة البقرة : 256 ]

 بل أراد أن تكون المحبة أصل العلاقة به، قال تعالى:

﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾

[ سورة المائدة : 54 ]

﴿ وَالَّذينَ آمَنوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾

[سورة البقرة: ١٦٥]

 الله ما أراد أن نعبده إكراهاً، والدليل قوله تعالى:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

[ سورة البقرة : 256 ]

 بل أراد أن نعبده منطلقين من محبته، لذلك من أعجب العجب أن تعرفه ولا تحبه، ومن أعجب العجب أن تحبه ثم لا تطيعه، تعرفه تحبه تطيعه.
المذيع :
 فتح الله عليك دكتور، عدنا مرة أخرى إلى الآية الكريمة:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات: 56]

 يأتي أحد الناس يسأل: الله عز وجل ليس بحاجة إلى عبادة من أي خلق، بل كلهم خلقه، فلو أطاعوه أو عصوه فهو الله كامل بطاعتنا أو....

 

من كمال الخالق سبحانه أنه خلق الإنسان ليسعده :

الدكتور راتب :
 قال تعالى:

﴿ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ﴾

[سورة الزمر:7]

 لكن :

﴿ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْر ﴾

[سورة الزمر:7]

 للتقريب أب عادي ملياردير، ومعه ثلاث شهادات دكتوراه، ليس بحاجة إلى أولاده كلياً واضح؟ هذا الأب الغني القوي الذي يملك أموالاً طائلة، ويملك شهادات عالية جداً، ألا يحزنه كأب أن يرى ابنه شقياً؟ لذلك: الإله هو غني عنا لكن يفرح بتوبة عبده المؤمن:

(( لله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد، والعقيم الوالد، والظمآن الوارد))

[ذكره السيوطي في الجامع الصغير عن أنس]

المذيع :
 لماذا يفرح بتوبتنا؟ الله لا يحتاج إلى عبادتنا؟
الدكتور راتب :
 خلقنا ليسعدنا، أنت أحياناً تكون ليس بحاجة لأحد، كلما النفس ارتقت عندها حاجة تسعى لإسعاد من حولها.
المذيع :
 هذا كمال من الخالق سبحانه وتعالى.
الدكتور راتب :
 هو غني عنا، قال تعالى:

﴿ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ﴾

[سورة الزمر:7]

 لكن :

﴿ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْر ﴾

[سورة الزمر:7]

﴿ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ﴾

[سورة الزمر:7]

 كأب غني جداً، وقوي جداً، والابن لم ينتفع من أبيه إطلاقاً الأب يتألم، اطلب مني أن تتفرغ خمس سنوات لتأخذ الدكتوراه لم يطلب، اطلب مني أن أزوجك ما قبل، فالأب الغني والقوي يسعده أن ينتفع أولاده منه، هذا كمال عال جداً، هذا معنى أن الله خلق آدم على صورته، كي تعرف الله معرفة عميقة خصائص الإنسان تعد نموذجاً بسيطاً جداً لمعرفة الله.
المذيع :
 إذاً العبادة في نيتها أن يبتغي الإنسان بها وجه الله، لكن الحقيقة أن العبادة تحتاجها ذات الإنسان الذي يتعبد.

 

الإنسان أعقد آلة في الكون وهذا التعقيد تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز :

الدكتور راتب :
 الإنسان أعقد آلة في الكون، هذا التعقيد تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، ولهذه الآلة البالغة التعقيد صانع عظيم، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة، انطلاقاً من حرصنا اللا متناهي على سلامتنا، وعلى سعادتنا، ينبغي أن نتبع تعليمات الصانع، مثل بسيط، الآن كومبيوتر ثمنه يقدر بخميسن مليوناً، تضع فيه نقطة دم واحدة، يقدم لك قائمة مطبوعة باثني عشر تحليلاً، هذا الجهاز مرتفع الثمن لدرجة عشرات الملايين، الشركة أرسلته وارتكبت خطأ واحداً، نسيت أن ترسل تعليمات التشغيل، فالذي اقتنى هذا الجهاز مستشفى كبيرة، إن شغلته بلا تعليمات أتلفته وعطبته، وإن لم يشغله خوفاً عليه من الإتلاف جمدت ثمنه، أليست التعليمات أهم من الجهاز؟ هذا معنى قوله تعالى:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ*الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَم ﴾

[ سورة العل : 1-4 ]

 عندنا قراءة بحث وإيمان، وقراءة طاعة وإذعان، وقراءة طغيان وعدوان، فأنت أول كلمة بأول آية بأول سورة اقرأ، تعرف إلى ذاتك، إلى ربك، إلى علة وجودك، إلى غاية وجودك، إلى منهج ربك، هذا الذي يسعد الإنسان.
المذيع :
 فاصل ونعود، مع فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي نتحدث فيها عن المشروعية وعن الكيفية... مرحباً بكم شيخنا.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع :
 نتحدث عن الحكمة وعن الكيفية لماذا الله افترض علينا العبادة وهو الذي لا يحتاج منا عبادة؟ دكتور لو تأملنا في الحديث القدسي:

(( لو أنَّ أوَّلَكم، وآخرَكم وإنْسَكم وجِنَّكم، كانوا على أتْقَى قلب رجل واحدِ منكم، ما زاد ذلك في مُلْكي شيئاً، يا عبادي، لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم، وإنسَكم وجِنَّكم كانوا على أفجرِ قلب رجل واحد منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً.....))

[مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري]

 في حديثنا عن العبادة أنها لله، والإنسان هو الذي يحتاجها، لو كل الناس عبدوا الله، وكانوا على أفجر قلب إنسان ما غير من حال الله العظيم.

 

الله عز وجل غني عن عباده :

الدكتور راتب :
 هو غني عن عباده، هذا مقام الألوهية، عندما يكون الكيان متعلقاً بغيره لم يعد إلهاً، ألغيت ألوهيته، الإله يستمد قوته من ذاته، الله عز وجل الصمد لا يحتاج في وجوده إلى جهة ثانية:

﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾

[سورة الإخلاص: 1-2]

 لا يحتاج في بقاء وجوده إلى جهة أخرى.
المذيع :
 الناس قد تتداول عبارات مثلاً: أعط الله حقه، أدّ الصلاة خاصة في الفرائض، هي حق لله لكن لا يحتاجها، أحياناً يُشكل على الإنسان فهم هذه المصطلحات دكتور.

 

نعمة الإيجاد أعظم نعمة منحها الله للإنسان :

الدكتور راتب :
 عفواً إنسان تزوج وأنجب ابناً اعتنى به عناية تفوق حدّ الخيال، أرقى المدرسين، أرقى المدارس، أرقى الثياب، أرقى الحاجات، ألا ينبغي أخلاقياً أن هذا الابن حينما يكبر أن يرد الجميل لوالده شكراً أو مواصلة أو زيارة؟ هذا شيء من بديهيات الحياة، فالله منحنا نعمة الإيجاد، قال تعالى:

﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾

[ سورة الإنسان:1 ]

 أنا من عادتي إذا تصفحت كتاباً أنظر إلى سنة طبعه، فإن كان قد طبع قبل سنة ولادتي أقول: أنا أثناء طبع هذا الكتاب من أنا؟ أنا لا شيء، قال تعالى:

﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾

[ سورة الإنسان:1 ]

 فلما ولدت أصبحت شيئاً مذكوراً، من منحني نعمة الإيجاد؟ إنه الله، من منحني الأب والأم والصحة والعقل والشهوة والإدراك والأجهزة الدقيقة جداً؟ لا يزال الإنسان أعقد جهاز في الكون، تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، في الدماغ مئة و أربعون مليار خلية سمراء استنادية لم تعرف وظيفتها بعد حتى الآن، في القشرة أربعة عشر مليار خلية، الذاكرة بحجم حبة العدس، تتسع لسبعين مليار صورة، شيء لا يصدق بين دماغ الإنسان، بين قلب الإنسان، بين الكبد خمسة آلاف وظيفة، وكل خلية في الكبد تقوم بكل هذه الوظائف، لو استأصلنا بورم خبيث أربعة أخماس الكبد، الكبد يعيد بناء ذاته بعد ستة عشر أسبوعاً، الكلية الطريق فيها مئة كيلو متر، شيء لا يصدق، فالإنسان أعقد جهاز في الكون تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز.
المذيع :
 سؤال موسى تفضل...
 سيدي كلام الشيخ فتح عندنا أشياء كثيرة، من ضمنها أنا شخص بصراحة غير متعلم، جاهل، وكنت أخطئ وأتوب، ومازلت في هذا الطريق، ما سمعت مثل هذا الدرس عن غاية وجود الإنسان، هل أنا أعتبر مستهيناً أم عندي مشكلة أحب أن أعرفها، الذي أريد أن أسأل عنه هل أنا مؤاخذ عن خطئي وتوبتي؟ مرة ثانية لأني كنت جاهلاً ولا أسمع دروس علم ولا أعرف عن غاية الإنسان.

 

التوبة تجبّ ما قبلها :

الدكتور راتب :
 إذا تاب العبد إلـــى الله توبة نصوحاً أنسى الله حافظيه وجوارحه وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه، التوبة تجب ما قبلها، اعتقد يقيناً أنك إذا تبت إلـــى الله توبة نصوحاً أنسى الله حافظيك والملائكة وبقاع الأرض كلها خطاياك وذنوبك، الله ينتظرنا:

(( لو يعلم المعرضون انتظاري لهم، وشوقي إلى ترك معاصيهم، لتقطعت أوصالهم من حبي، ولماتوا شوقاً إليّ، هذه إرادتي بالمعرضين فكيف بالمقبلين؟ ))

[ورد في الأثر]

 اعتقد يقيناً أخي الكريم أنك إذا تبت إلى الله توبة نصوحة غفر لك كل ذنب ما كان كبيراً أم صغيراً إلا في حقوق للبشر، عندئذ المغفرة تحتاج إلى أداء ومسامحة.
المذيع :
 أما ما طرحه وهو ذنب في حق الله أن الإنسان لم يكن يعرف لماذا خلق ولم يتابع دروس العلم.
الدكتور راتب :
 الآن عرفت انتهى الأمر، أنت قصرت ولكن ما كنت تقصد التقصير، مادام القلب ينبض الأمل كبير حتى الموت.
المذيع :
 أم وليد معنا في اتصال جديد تفضلي:
 سؤال: أحبّ أن أشكر فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، أستغفر الله العظيم جمع الله لنا في عالم الغيب، هذا الإخبار يشابه عندما أنت تقول لابنك الصغير ما حصل معك وأنت صغير وهو لا يعرف هذا الكلام، عملية إشهادنا على حمل الأمانة وإخبارنا من الله عز وجل على هذا الكلام كيف نخبر الآخرين به وطبعاً نحن نصدق به قولاً واحداً؟ كيف نخبر الآخرين أن الله أشهدنا على أنفسنا وحملنا الأمانة ألست بربكم إلى آخره هذا الكلام نؤمن به ولكن كيف نخبر به الآخرين أو أبناءنا الصغار؟

 

من يعجز عقله عن إدراك الشيء فالله يتولى إخباره به :

الدكتور راتب :
 إذا عجز العقل عن إدراك الشيء الله يتولى إخبارنا به، قد تستنبط، أنت ترى جداراً وراءه دخان بعقلك الفطري لا سبب من دون مسبب، تقول: وراء الجدار دخان، ولا دخان بلا نار، هذا استنباط، أما حينما ترى النار بعينك فهذا شهود، إما أن تتفكر في خلق السموات والأرض أو أن تشهد، أما إذا الإنسان عجز عن إدراك الشيء فالله يخبره به، العقل له قدرات محدودة، العقل يريد شيئاً أمامه، يبحث بحجمه، بلونه، بحركته، بسرعته، أما الشيء الغير موجود إطلاقاً فالغيب أخبرنا الله به، قال تعالى:

﴿ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ﴾

[ سورة القصص : 105 ]

 الشهادة لك عين ترى بيتاً في الطابق الرابع، البناء حجر، الوصول إلى الطوابق العليا بمصعد.
المذيع :
 هذا لمن يؤمن بالله ويكفيه أن يستمع لهذه الأشياء فيستقر الإيمان في قلبه، ماذا عن الأشخاص الذين لا يؤمنون بشكل كامل ما الدليل على ما نقول؟

 

من يؤمن بالصدفة كمن يلغي عقله :

الدكتور راتب :
 أنت ممكن تضع علفاً فيصير حليباً أم يحتاج إلى بقرة؟ مستحيل يوجد بديهيات في الحياة، البقرة تعطيك ستين كيلو من الحليب في اليوم تقريباً، وحاجة وليدها أربعة كيلو، نحن عندنا عالم الغيب، وعالم الشهادة، البقرة دليل قوي على أن هناك إلهاً عظيماً صمم البقرة لنا، ما الدليل؟ قال تعالى:

﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ ﴾

[ سورة النحل: 5 ]

 أنت دعوت ضيفاً مهماً جداً، فالعزيمة والوليمة على شرفه، و دعوت أقرباءه، طرق الباب جاء ضيف من دون موعد تقول له: تفضل كُلْ معنا، هذه المائدة الكبيرة الرائعة لهذا الطارق الطارئ؟ لا، لضيف الشرف، لكن هذا الضيف الطارق أكل، عندما يقول الله عز وجل:

﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ ﴾

[ سورة النحل: 5 ]

 خصيصاً لكم، هناك شيء لا يصدق، الدجاجة، البيضة، كيف أن الصوص يخرج من البيضة لا يوجد قوة تخرجه منها، ينمو له نتوء مؤنف على منقاره كالإبرة يكسر بها البيضة، فإذا خرج منها انتهت مهمة هذا النتوء فيضمر، يد من هذه؟ شيء لا يصدق، كيس ضع به عشر أوراق، ومدّ يدك واسحبهم واحدة تلو الأخرى حتى يخرجوا بالتسلسل، ما الاحتمال؟ واحد من ألف مليون، لأن المليون ستة أصفار، واحد من عشرة آلاف مليون مليون حتى تسحب عشر ورقات مسلسلة، أن تسحبها تباعاً وفق الترتيب، فالكون فيه مجرات وكواكب من دون خالق صدفة؟ هذا مستحيل، الذي يؤمن بالصدفة كمن ألغى عقله.
المذيع :
 سؤال عبد الكريم تفضل، بالنسبة لي عندي بخل بالدعاء عندما أدعو لي أو لغيري لا أدعو إلا للشيء الضروري جداً.

الدعاء مخ العبادة :

الدكتور راتب :
 لكن الله عز وجل قال:

﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾

[ سورة غافر: 60 ]

 معنى ذلك أن الإنسان إذا لم يدع حرم نفسه أشياء كثيرة، بل إن الدعاء هو العبادة، هو مخ العبادة.
المذيع :
 كيف يشجع نفسه على دوام الدعاء؟
الدكتور راتب :
 إنسان كتب أدعية مختارة، حسب السنة خرج من بيته:" اللهم إني أعوذ بك أن أَضل أو أُضل، أو أَزل أو أُزل، أو أَظلم أو أُظلم، أو أَجهل أو يُجهل عليّ" أكل طعاماً:" الحمد لله الذي أطعمنا فأشبعنا وأسقانا فروانا" دخل إلى بيته، خرج من بيته، لبس ثيابه، نظر في المرآة:" يا ربي كما حسنت خلقي فحسن خُلقي" افتح على الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم واحفظ معظمها..
المذيع :
 الدعاء عبادة؟
الدكتور راتب :
 بل هو قمة العبادة، بل العبادة هي الدعاء، من لا يدعني أغضب عليه، قال تعالى:

﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ﴾

[سورة الفرقان: 77]

المذيع :
 دكتور أعود مع فضيلتكم لقضيتنا البارزة في حلقتنا عن عبادة الله بين الحكمة والكيفية، وتفضلتم أن عالم الأزل كان قبل خلق الإنسان في شكله الحالي، وهو عالم الصور، وقد عرضت علينا الأمانة فيه، إذا قال إنسان: أنا لا أذكر.

الأدلة في الكون نوعان عقلية و نقلية :

الدكتور راتب :
 لا، قبل كان الله ولم يكن معه شيء، كان هنا ليست فعلاً ناقصاً إنها فعل تام، كان وجد، كان الله ولم يكن معه شيء، ثم أراد الله خلق الكائنات فخلقها ليسعدها، قال تعالى:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾

[ سورة الأحزاب : 72 ]

 والسموات والأرض مصطلحٌ قرآني.
المذيع :
 هذه الآية دليل هذه المسألة، الدليل كما تفضلت.
الدكتور راتب :
 إما أن يكون عقلياً أو نقلياً.
المذيع :
 دكتور هنا الدليل نقلي أخبرنا الله به لأنه في عالم الغيب.
الدكتور راتب :
 رأيت دخاناً وراء جدار، أنت بعقلك مؤمن أنه لا دخان بلا نار، فأنت استنبطت بعقلك أن وراء هذا الجدار نار، لكن دخلت إلى بيت صديقك كل شيء تراه بعينك، إلا أن هناك خزانة مهما كنت ذكياً هذه ثريا، وهذا مكيف، أما هذه الخزانة المغلقة فلا يمكن أن تعرف ما بداخلها إلا بإخبار صاحب البيت، فهناك شيء العقول تصل إليه، و شيء الله عز وجل يخبرنا به.
المذيع :
 دكتور الآية التالية وهي قوله تعالى:

﴿ خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ﴾

[ سورة الذاريات:56-57]

 لماذا جاءت هذه الآية؟

الإله العظيم وجوده ذاتي :

الدكتور راتب :
 الله ليس له حاجة بأحد، هو واحد أحد، فرد صمد، وجوده ذاتي، أما أنا وأنت إذا لم نتنفس نموت، إذا لم نأكل نضعف، إذا لم نشرب ثلاثة أيام نموت، نحن وجودنا مبني على شيء خارج عنا، إلا الإله العظيم وجوده ذاتي صمد، قل هو الله أحد الله الصمد.
المذيع :
 قال تعالى:

﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ﴾

[ سورة الحج:37]

 ما المقصود بالتقوى؟

 

تعريف التقوى :

الدكتور راتب :
 التقوى أن تنظر بنور الله، الحقيقة الإنسان يرى بعقله، لكن أحياناً جلسة ممتعة مطلة على ساحل البحر، طعام لذيذ، نساء كاسيات عاريات، هذا المجلس يروق لمعظم الناس، أما المؤمن فالله أمره بغض البصر، أمره بمجلس ليس فيه خمر، فالمؤمن لأن معه منهجاً يقيس هذه الجلسة بمنهج الله فيرفضها، سبب استقامة المؤمن أن معه منهجاً، هذا العمل لا يرضي الذي خلقه، وله مضاعفات في الدنيا قبل الآخرة، القضية إما رؤية أو إخبار الله، أخبرنا أن هذا محرم.
المذيع :
 أبو شهد معنا تفضل، الإيمان بالله أنا أعمل في العمليات الجراحية، أحد الحالات غيرت مفصلاً لمريضة، فقلت لزميلي: علينا أن نشكر الذي وهب هذا المفصل للإنسان من دون مقابل ستين سنة يعبدون الله على حرف، والله أعطانا نعماً كثيرة جداً، فكيف يعطينا الله أشياء بالمجان؟

 

شكر الله على نعمه التي لا تقدر بثمن :

الدكتور راتب :
 أحبوا الله لما يغدوكم به من نعمه، وأحبوني بحب الله، وأحبوا آل بيتي بحبي، الكلية حجمها بحجم قبضة اليد؟ عندما تتعطل يضطر الواحد بكل أسبوع ثلاث مرات أن يجلس على جهاز تنقية الدم ثماني ساعات، هي موجودة لا صوت ولا ألم ولا حجم، يمر بها الدم في اليوم خمس مرات، فيها طريق طوله مئة كيلو متر، أعطاك كليتين، الواحدة قوة تنقية الدم عشرة أضعاف حاجة الإنسان، الاثنتان عشرون ضعفاً، يعيش ثلاثين سنة بكلية واحدة، هذا التصميم للجسم شيء لا يصدق، أحبوا الله لما يغدوكم به من نعمه، وأحبوني بحب الله، وأحبوا آل بيتي بحبي.
المذيع :
 سؤال: أريد أن أسأل عن موضوع العبادة إن كان للإنسان أم و أب متعبان هل يهتم بهم أكثر من العبادة؟

 

العناية بالوالدين مع الحفاظ على العبادة :

الدكتور راتب :
 يؤدي الحد الأدنى من العبادة ويهتم بهم.
المذيع :
 ما المقصود بالحد الأدنى؟
الدكتور راتب :
 صحابي طلب أن يجاهد مع رسول الله، الجهاد ذروة سنام الإسلام، قال له: ألك أب وأم؟ قال: نعم، قال: فيهما فجاهد، النبي صلى الله عليه وسلم آثر رعاية الأم والأب على الجهاد في سبيل الله، والجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام.
المذيع :
 هل خدمة الأب والأم تغني عن العبادة إذا اضطر الإنسان؟
الدكتور راتب :
 لا تغني أبداً، إن لله عملاً في الليل لا يقبله في النهار، وإن لله عملاً في النهار لا يقبله في الليل، لا تغني، أنت مكلف أن تعبد الله، قال تعالى:

﴿ وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا ﴾

[سورة الإسراء: ٢٣]

 الله رفع مستوى رعاية الأب والأم إلى مستوى عبادته، الواو تقتضي التماثل، أنت تقول: إنك اشتريت بيتاً وملعقة؟ لا يمكن، بيتاً ومزرعة، بيتاً وسيارة، فالعطف يقتضي التماثل، قال تعالى:

﴿ وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا ﴾

[سورة الإسراء: ٢٣]

 فإذا كان الله هو الخالق فالأم والأب سبب وجودك.
المذيع :
 يبدأ بفرائض الله، وإن خيّر بين النوافل وبر الوالدين؟
الدكتور راتب :
 البر أولى.
المذيع :
 لكن الذي أهله لا يحتاجونه فعليه بالعبادة. نختم دكتور بالدعاء.

 

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، احقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، و الحمد لله رب العالمين.

خاتمة و توديع :

المذيع :
 بارك الله بكم فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، ونصل إلى نهاية حلقتنا عن عبادة الله بين الحكمة والكيفية.
 سبحانك اللهم، وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك، والسلام عليكم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور