وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 220 - كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

كل أمر بالقرآن الكريم يقتضي الوجوب ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك :

 أيها الأخوة الكرام، هناك مقولة دقيقة وهي أن كل أمر بالقرآن الكريم يقتضي الوجوب، إلا أن تقوم قرينة على خلاف ذلك، مثلاً قوله تعالى:

﴿ فَمَن شاءَ فَليُؤمِن وَمَن شاءَ فَليَكفُر ﴾

[سورة الكهف: ٢٩]

 هذا الأمر الثاني ليس أمر تنفيذ بل أمر تهديد. وقوله تعالى:

﴿وَأَنكِحُوا الأَيامى مِنكُم وَالصّالِحينَ مِن عِبادِكُم ﴾

[سورة النور: ٣٢]

 هذا أمر ندب، وقوله تعالى:

﴿ وَكُلوا وَاشرَبوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ﴾

[ سورة البقرة : 187]

 إذا شخص لم يأكل هل يوجد عليه شيء؟ هذا أمر إباحة.
 يوجد أمر إباحة، وأمر تهديد، وأمر ندب، إلا أنه بشكل عام كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، حسناً، الأمر قوله تعالى:

﴿ادعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ ﴾

[سورة النحل: ١٢٥]

 هذا أمر، وكل أمر يقتضي الوجوب هنا يوجد إشكال، وهو أن الدعوة إلى الله دعوتان، دعوة كفرض عين على كل مسلم شئت أم أبيت، قبلت أم لم تقبل

﴿ادعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ ﴾

  وقوله تعالى:

﴿ وَجادِلهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ ﴾

 ما الفرق بين الموعظة الحسنة و بين وجادلهم بالتي هي أحسن؟ الحسنة صفة أما الأحسن فاسم تفضيل، بالدعوة استخدم الموعطة الحسنة، لا يوجد فيها تشديد غير معقول، لا يوجد فيها تطرف، دائماً وأبداً الفضيلة وسط بين طرفين، فالتهور ليس فضيلة، والجبن ليس فضيلة، أما الشجاعة فهي بين التهور والجبن:

﴿وَلا تَجعَل يَدَكَ مَغلولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبسُطها كُلَّ البَسطِ فَتَقعُدَ مَلومًا مَحسورًا﴾

[سورة الإسراء: ٢٩]

 بالإنفاق يوجد إنفاق تبذير إذا كان بمعاص، ويوجد إنفاق إسراف، ويوجد بخل، والفضيلة بين طرفين، دائماً الفضيلة وسط بين طرفين.

 

الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم :

 الآن مادام الآمر يدعو والأمر عام ويقتضي الوجوب نستنبط أن الدعوة إلى الله فرض عين، لو سألت أخاً كريماً منكم لماذا تصلي؟ الجواب البديهي السريع لأن الصلاة فرض، فإذا ثبت لك يقيناً أن الدعوة إلى الله فرض عين إذاً يجب أن تقترب وأن تنطلق من أن الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، لكن يقول لك: أنا تاجر لست متبحراً بالعلم، أصبح الموضوع موضوعاً آخر، الدعوة إلى الله فرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف، أي حضرت خطبة جمعة- أنا أبارك لكم خطيبكم وعالمكم والله من أعلى مستوى- حضرت خطبة للأستاذ الكبير يوجد حديثين تأثرت بهما كثيراً ما الذي يمنعك أن تحدث بهذين الحديثين زوجتك بالبيت؟ أولادك؟ أنت تاجر لك شركاء لماذا لا تحدث شركاءك؟ أنت تحضر وليمة حدث المدعوين، هذه الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم في حدود ما تعلم ومع من تعرف، حضرت درس علم فيه قصة عن صحابي تأثرت بها اكتبها عندك، يوجد جلسة، دعوة إلى طعام إفطار، سهرة بعد التراويح ماذا تتكلم؟ معك دفتر صغير سمعت من خطيب هذا المسجد هذه الآية وشرحت شرحاً رائعاً جداً، سمعت ندوة دينية شاهدتها على الشاشة تأثرت بقول أحد الأطراف، فكل شيء تأثرت به أشر إليه بدفتر صغير، فإن جلسنا في جلسة سهرة، وليمة، زيارة، معك شيء تتكلم به، تجلس بجلسة أسعار ثمن البيوت، السفر، القوانين الجديدة، وأحياناً أكثر الأخبار سلبية والله تنتهي الجلسة لا تستطيع الوقوف من الإحباط، أي بذكر الصالحين تتعطر المجالس، وبذكر الطغاة والظلام يتعكر صفو المجالس، لذلك

﴿ادعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ ﴾

 أي من دون تشديد، من دون وعيد، لا يكتفي بالسلبيات، يوجد بعض الدعاة لا يوجد عنده إلا عذاب القبر، أخي يوجد جنة ويوجد رحمة، إله عظيم، وازن بين التهديد والتبشير، بين الإيجابيات والسلبيات، هذه الموزانة تعمل راحة عند المستمع.

 

التوازن في القرآن الكريم :

 الشيء الذي لا يصدق أن عدد آيات الجنة في القرآن تكافئ آيات النار بالضبط، وأنا الأوامر تكافئ النواهي، يوجد توزان بالقرآن الكريم، فأنت دعوتك اجعلها متوازنة، يوجد إيجابيات وسلبيات، ويوجد وعود ووعيد،

﴿ادعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ ﴾

 الموعظة حسنة أما الدعوة

﴿ وَجادِلهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ ﴾

 لماذا؟ بالدعوة استخدم الموعظة الحسنة، أي وازن بين التهديد والتبشير، بين الأمر والنهي، بين الوجه الإيجابي والسلبي

﴿ادعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ ﴾

  لكنك إذا جادلتهم

﴿ وَجادِلهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ﴾

  أحسن اسم تفضيل، أحياناً إنسان أثناء المجادلة يربط نفسه مع أفكاره، فإن نقدته كـأنك طعنته، ينحاز إلى أفكاره انحيازاً أعمى، لذلك الإمام الشافعي قال: "أنا على حق وقد أكون مخطئاً وخصمي على باطل وقد يكون مصيباً: انظر إلى هذا الأدب.

﴿ادعُ ﴾

 أمر، وكل أمر يقتضي الوجوب، ادع إلى الطريق الإيجابي،

﴿ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ ﴾

الحكمة أعظم عطاء إلهي للإنسان :

 بالمناسبة أخواننا الكرام؛ أنا لا أجد عطاء من الله للمؤمن يفوق عطاء الحكمة، تقريباً أنت بالحكمة تسعد بزوجة من الدرجة الخامسة، ومن دون حكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى، أنت بالحكمة تتدبر أمرك بالمال المحدود، بالدخل المحدود، ومن دون حكمة تسرف المال الكثير، أنت بالحكمة تجعل العدو صديقاً، ومن دون حكمة تجعل الصديق عدواً، أنا أكاد أقول: لا يوجد عطاء إلهي للمؤمن يفوق عطاء الحكمة، قال تعالى:

﴿ وَمَن يُؤتَ الحِكمَةَ فَقَد أوتِيَ خَيرًا كَثيرًا ﴾

[سورة البقرة: ٢٦٩]

تلاوة القرآن حق تلاوته مع فهمه و تطبيقه :

 الإنسان إذا تصفح القرآن الكريم في رمضان الأمر يقتضي الوجوب، فإذا طبق الأوامر وانتهى عن النواهي يكون قد تلا القرآن تلاوة كما أراد الله، قال تعالى:

﴿ يَتلونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ ﴾

[سورة البقرة: ١٢١]

 ما معنى حق تلاوته؟ أي يقرؤون القرآن وفق قواعد اللغة العربية، لا يكون هناك أخطاء:

﴿ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾

[ سورة فاطر : 28 ]

 إذا ضممنا الهاء في الله أعوذ بالله المعنى فسد، يجب علينا فتحها لكونه مفعولاً به مقدماً و عباده العلماء فاعل مؤخر.
 فلابد من تلاوة القرآن تلاوة صحيحة، وهناك قول لسيدنا عمر: "تعلموا العربية فإنها من الدين". تعلّم هذه اللغة لغة القرآن، من الدين فما الذي يمنع أن يكون في بيت أحدكم كتاب لغة؟ يوجد كتب واضحة لا تحتاج إلى معلم، فأنت من حين لآخر تأنس بهذه اللغة التي هي لغة القرآن الكريم، إذاً

﴿ يَتلونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ ﴾

 وفق قواعد اللغة لا يوجد خطأ،

﴿ حَقَّ تِلاوَتِهِ ﴾

 أي إن أمكن أن تقرأه وفق قواعد علم التجويد، يوجد إدغام بغنة، بلا غنة، إظهار، إقلاب، الثالثة أن تفهمه، والرابعة أن تطبقه، التطبيق أهم شيء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ))

[ الترمذي عن صهيب ]

 مثلاً نحن لا يوجد بالعالم الإسلامي من ينكر هذا الدين إنكاراً كلياً، أو لا يوجد بالعالم الإسلامي من يكذب هذا الدين، ولكن يوجد تكذيب عملي، وأنا أرى أن هذا التكذيب العملي أخطر من التكذيب اللفظي، لو كان هناك تكذيب لفظي هناك من يقنعك، هناك من يقدم لك الحجة القوية، البينة المستنيرة، أما التكذيب العملي فمثلاً زرت طبيباً وشكوت له مرضاً تعانيه، كتب لك وصفة، فأنت صافحت الطبيب، وأثنيت على علمه، وعلى معالجته، لكنك في أعماق نفسك لست قانعاً بعمله، عدم القناعة بعلم هذا الطبيب ترجمت إلى عدم شراء الوصفة، ماذا نسمي عدم شراء الوصفة؟ نسميه تكذيباً عملياً.

 

الدين المعاملة :

 أيها الأخوة الكرام؛ يوجد آخرة، ويوجد مال حرام يؤكل، ويوجد مواد غذائية مسرطنة، أخواننا الكرام؛ هذا سرّ المهنة إضافة مواد مسرطنة لها ليبيض لونها، فيزداد سعرها، لو صليت أول صف بالجامع وعندك معمل غذائي بهذه المادة من أجل أن يروج سعرها ويزداد بيعها أضفت لها مواد مسرطنة فيبيض لونها، فأنت ألغيت صلاتك، ألغيت العبادة، ألغيت كل مكانتك عند الله عز وجل.
 فأصل الدين المعاملة، أكبر وأخطر خطأ أن نفصل هذا الدين عن المعاملة، هذه المادة تؤذي الناس، مادة حافظة مسموح لك بثلاثة بالمئة تضع ثمانية بالمئة لكي تضمن هذه العلبة أنها صالحة لمدة طويلة جداً لئلا تخسر قيمتها.
 أخواننا الكرام؛ الدين المعاملة، الدين بمكتبك التجاري، الدين بدكانك، الدين ببيتك، الدين وأنت بالسوق، أما ما دور هذا المسجد؟ هذا المسجد من أجل تلقي تعليمات الصانع كدرس، وهذا الدرس من أجل أن تقبض ثمن طاعتك بالاتصال بالله، تتلقى التعليمات وتنفذها ببيتك، بعملك، بحياتك اليومية، تأتي باليوم الثاني تصلي تقول بالفاتحة:

﴿اهدِنَا الصِّراطَ المُستَقيمَ*صِراطَ الَّذينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم غَيرِ المَغضوبِ عَلَيهِم وَلَا الضّالّينَ﴾

[سورة الفاتحة: ٦-٧]

 يا رب لك الحمد، فأنت بالمسجد من أجل تلقي تعليمات الصانع كدرس، وأنت بالمسجد من أجل تلقي ثمن طاعتك لله كتجلٍّ من الله عز وجل، وسكنية، والسكينة أصح كلمة قرآنية، الله عز وجل ينزل السكينة على قلوب المؤمنين، هذه السكينة يسعد بها المؤمن ولو فقد كل شيء، ويشقى بفقدها ولو ملك كل شيء، ما السكينة؟ تقول: رحمة، سعادة، نظر ثاقب، قوة شخصية، حكمة بالغة بالتصرف، بيت سعيد، عمل سعيد، السكينة أعظم عطاء إلهي، وهذه هدية الله للمؤمنين، هذه السكينة تتنزل على قلب المؤمن، الأمن، قال تعالى:

﴿ فَأَيُّ الفَريقَينِ أَحَقُّ بِالأَمنِ إِن كُنتُم تَعلَمونَ*الَّذينَ آمَنوا وَلَم يَلبِسوا إيمانَهُم بِظُلمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الأَمنُ وَهُم مُهتَدونَ﴾

[سورة الأنعام: 81 -٨٢]

معية الله عامة و خاصة :

 أيها الأخوة الكرام؛ أنت حينما تتعامل مع الله بصدق وإخلاص تأتيك الرحمة، والسكينة، والتوفيق، وما توفيقي إلا بالله، يأتيك أن الله يدافع عنك، تأتيك معية الله، معية الله معيتان:

﴿ وَهُوَ مَعَكُم أَينَ ما كُنتُم ﴾

[سورة الحديد: ٤]

 معية بعلمه، الله مع الملحد، مع الكافر، مع المجرم، معه بعلمه، لكن الله عز وجل قال:

﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ المُؤمِنينَ﴾

[سورة الأنفال: ١٩]

 هذه معية خاصة، إن الله مع المؤمنين بالحفظ والتوفيق والنصر والتأييد، وقال تعالى:

﴿ إِنّي مَعَكُم لَئِن أَقَمتُمُ الصَّلاةَ ﴾

[سورة المائدة: ١٢]

 المعية الخاصة مشروطة، المعية العامة مطلقة، فأنت حينما تدخل في حيز المؤمنين أكبر عطاء إلهي معية الله لك

﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ المُؤمِنينَ﴾

رمضان شهر المغفرة و الثواب :

 أخواننا الكرام؛ أرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون صيامنا مقبولاً، وذنبنا معفوراً إن شاء الله، آخر ملاحظة الإنسان في رمضان صلى الفجر في جماعة والعشاء في جماعة الأثر يقول:

(( من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح ))

[ أحمد]

 فأنت معك ضمانتان من الفجر لليل، ومن الليل إلى الفجر، ضمانتان كافيتان يغطيان ساعات اليوم كلها، أنت مع الله عز وجل.
 أخواننا الكرام؛ الذي ألفناه في رمضان في صلاة الفجر في المسجد، والعشاء في المسجد، غض البصر، وضبط اللسان، هذه الأشياء يجب أن تستمر بعد رمضان، أي نأكل ونشرب ونحافظ على كل ضوابط الصيام. أما إذا عاد بعد رمضان لما كان عليه قبل رمضان لم يستفد شيئاً، كالتي تغزل ثم تنقض غزلها، فرمضان درج، كل سنة يوجد نقلة نوعية. معظم الناس سهرات مختلطة، عادات إطلاق بصر، هذا كله إن عاد إليه بعد رمضان فلن يستفيد منه.
 لذلك عجبت لمن أدرك رمضان ولم يغفر له إن لم يغفر له فمتى؟ أرجو الله أن يحفظ لكم إيمانكم وأهلكم وأولادكم وصحتكم ومالكم، ويعيننا على إتمام هذا الشهر الكريم بالمغفرة والثواب.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور