وضع داكن
28-03-2024
Logo
الملتقى الثاني : 1 - تدبر القرآن .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
 أرحب بالمهندس فاضل سليمان فليتفضل مشكوراً وتحية كبيرة له.

 

المهندس فاضل سليمان:
 الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، جزاكم الله خيراً، أنا أشكر الأخوة المنظمين، وأشكر الندوة العالمية للشباب الإسلامي على دعوتي لهذا الملتقى، أولاً: لألتقي بشيخي وأستاذي وأحد أصحاب الفضل عليّ وهو فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، هذه أول مرة أقابله وجهاً لوجه في حياتي، وحقيقة أنا من أسباب قبولي أصلاً للدعوة هنا قبول الشيخ راتب، وقبول حضراتكم أيضاً، لكن أنا ملتزم في برنامج في لندن كل يوم سبت، فكان هذا صعب قليلاً لكن علمي أن الدكتور راتب في هذا الملتقى فحرصت أن أقول كلمتي في أول يوم، وأغادر مباشرة حتى أستطيع اللحاق بالدرس الخاص بي غداً في لندن.
 الشيء الثاني: أنا سعيد أن أكون بين حضراتكم، واسمحوا لي أن أتكلم باللغة العامية المصرية، أنا إذا تكلمت في اللغة العربية الفصحى لا تعجبكم، لأن اللغة الفصحى الخاصة بي مصرية، لكن العامية المصرية أنتم أخذتم عليها.
 أحب أن أعرفكم بنفسي، هم عرفوكم بالجزء المشرق مني، والجزء غير المشرق أنني أنا من منطقة الصعيد في مصر، أنا صعيدي، وأنا أفخر بذلك.

كيفية تعامل المسلمين مع القرآن الكريم :

 أحد أقاربي - وهذه ليست نكتة- طبيب أنف وأذن وحنجرة، جاءه مريض فلاح يشكو من أذنه، كشف عليه فوجد عنده التهاباً في الأذن الوسطى، فكان العلاج له أن يأخذ مضاداً حيوياً خمسمئة ميلغرام كل ست ساعات، المريض عاد بعد يومين إلى الطبيب وقال له: الألم مازال كما هو، فقال له الطبيب: ليس مشكلة ولكن استمر على الدواء مدة أسبوع كامل وإن شاء الله الألم سوف يزول، قال له: لا أستطيع أن آخذ أكثر من هذا الدواء، قال له الطبيب: نكشف عليك مرة ثانية، وجد أنه يحشر كبسولة في أذنه كل ست ساعات.
 هذه ليست نكتة أنا أقصدها، لأن من يفهم المشكلة فيها سيفهم مشكلة الأمة، الرجل يأخذ الدواء ولكن هذا الدواء لا يشفيه، لأنه يأخذه بطريقة خاطئة، هذه مشكلتنا مع القرآن، القرآن شفاء، الله عز وجل قال:

﴿ وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الإسراء: 82 ]

 قال تعالى:

﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ﴾

[ سورة فصلت: 44]

 لماذا لا يشفينا القرآن الكريم؟ أمراض صدورنا مازالت موجودة، نأخذه بشكل خاطئ، هذا يكفي، تعالوا ننظر كيف نتعامل نحن مع القرآن الكريم؟ القرآن طبعاً تعلموا أنه شفاء لما في الصدور، أي يشفي الصدور من أمراض القلوب، الغل، والحسد، والحقد، والكسل، والجبن، والخنوع، والتذلل لغير الله، والكبر، والغرور، و بعضنا مصاب بها طبعاً، لا يوجد أحد منا مصاب بكل هذه الأمراض و إلا سيكون في المرتبة الدنيا، لكن معظمنا مصابون ببعض هذه الأمراض، ومع ذلك نقرأ القرآن، وبعضنا يحفظ القرآن الكريم، يوجد في بلدنا أناس تحفظ القرآن الكريم كاملاً، ولحى طويلة، وقبلوا الخيانة، وقبلوا المذلة، وقبلوا قتل الناس، والقرآن لا يغيرهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:

(( .. لا يجاوز تراقيهم ..))

[ ابن ماجه عن ابن مسعود ]

 أتحدى أي إنسان أن يأتي باسم كتاب واحد في العالم يقرأ بدون فهم غير القرآن، لا يمكن، هل تعرفون برنامج من سيربح المليون؟ لو أن إنساناً كان في هذا البرنامج وجاءه هذا السؤال: ما هو الكتاب الذي يقرأ بدون فهم؟ إياك أن تختار أن يقصوا خمسين بالمئة من الأجوبة، أو الاتصال بصديق، ادخر هذه وسائل المساعدة للأسئلة الصعبة، الإجابة الصحيحة هي القرآن الكريم، هذا هو ما فعلناه في القرآن الكريم، جعلناه الكتاب الوحيد الذي يقرأ من دون فهم، نأتي يوم القيامة نقول لله سبحانه وتعالى: كنا نقرأ كتابك من دون فهم، لماذا؟ هذا احترام، قال تعالى:

﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾

[ سورة الزمر : 67 ]

القرآن الكريم جعل إيمان الأنصار أقوى من إيماننا :

 أنا أريد من كل واحد من حضراتكم أن يتخيل أنه عندما يذهب إلى مكان إقامته في الليل سيجد أسرة تنتظر عند الباب، ثم يسألهم يجدهم أسرة من الأسر التي قصف بيتها، ممكن في سوريا، الآن عندنا بلاد كثيرة الرجل وزوجته وأطفاله الأربعة يقولون: ليس لدينا مكان يؤوينا، ماذا ستفعل؟ هل ستضع في يدهم عشرين ليرة تركية أو عشرين دولاراً وتقول لهم: نسأل الله أن يكون معكم، أنا أعتقد أن الشباب الإسلامي لن يتركوهم، على الأقل سيقولون لهم: تفضلوا باتوا معنا الليلة، لا يمكن أن نترككم في العراء، حتى نحل مشكلتكم في الصباح، ونجد لكم مكاناً، كلما زاد إيمان الإنسان كلما قل تمسكه بالدنيا، هل منا من إيمانه أقوى من ذلك يستطيع أن يقول لهم: تفضلوا ستعيشون معنا إلى أن تحل مشكلة بلدكم، إن كان من سوريا، أو اليمن، أو ليبيا، هل منا من يستطيع أن يفعل هذا؟ هل منا من هو أكثر إيماناً من ذلك الذي سيقول لهم: تفضلوا ستعيشون معنا إلى الأبد؟ لا يوجد أية مشكلة حياكم الله، أنا متأكد أن بعضكم سيقول: ما هذا الكلام؟ أصلاً هناك حد لذلك، الحقيقة هناك شعب بالكامل كان هكذا، شعب اسمه: شعب المهاجرين خرج من بلده، وشعب آخر استقبله اسمه: شعب الأنصار، واستقبلوهم في بيوتهم بنية أن يعيشوا معهم إلى الأبد، والدليل أن بعد خمس سنوات، بعد بني النضير وظهور المال لأول مرة في المجتمع المسلم، المهاجرون أرادوا أن يخرجوا وكل واحد يأخذ بيتاً، ويتركوا الأنصار الطيبين الضيوف الكرماء يعيشوا أخيراً في بيوتهم ويرتاحوا، ماذا كان ردّ فعل الأنصار؟ قالوا: لماذا تريدوا أن تتركونا هل قصرنا معكم في شيء؟ المهاجرون يقولون: والله ما قصرتم، ولكن نحن جلسنا عندكم خمس سنوات، الأنصار حتى هذه اللحظة ما كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم أصلاً، عندما أتت الهجرة مع أبي بكر كانوا يقولون لبعض من منهم محمد؟ لا يعرفون، لماذا إيمانهم أعلى منا هكذا؟ ربما الجو الروحاني للمدينة المنورة، الذي ذهب منكم إلى المدنية المنورة، والمسجد النبوي، والتراويح، والتهجد، والعمرة في رمضان، والأشياء الحلوة، ما كانت موجودة أصلاً كان اسمها: يثرب.
 هل يقبل أحد أن يقال إن الصحابي الجليل يستيقظ في الصباح مع زوجته الصحابية الجليلة في نهار رمضان فيشربا الخمر، هل يقبل هذا أحد؟ هذا كان يحدث حتى هذا الوقت، الصوم فرض في السنة الثانية بعد الهجرة، وتحريم الخمر في السنة السادسة، ويقال في السنة الرابعة بعد الهجرة، إذاً حتى هذا الوقت لم يكن هناك محرمات، ولم يكن هناك عبادات، ولا كان اسمها المدينة، ولا شاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم، ولا كانت السنة النبوية، أنا أتكلم عن الأنصار، وإيمانهم كان أقوى من إيماننا آلاف المرات، سبحان اللهّ الأمر يستحق أن نتدبر الأمر هذا، ما الذي كان لدى الأنصار وليس لدينا وجعل إيمانهم أقوى من إيماننا؟ شيء واحد القرآن الكريم.

اختلاف طريقة الصحابة الكرام في التعامل مع القرآن عن طريقتنا :

 نحن عندنا القرآن الكريم، نحن عندنا كلمات القرآن الكريم، هم كان لديهم في قلوبهم حقيقة القرآن الكريم، لماذا؟ لأن الطريقة التي كانوا يتعاملون بها مع القرآن الكريم تختلف عن طريقتنا في التعامل مع القرآن الكريم، آخر مرة قلت هذه الكلمة في مصر قبل الانقلاب، كان هذا الكلام في جامعة الأزهر، فسألت الشباب طلبة الأزهر من منكم يحفظ سورة البقرة؟ طبعاً الكل، أسألكم الآن من منكم يحفظ سورة البقرة؟ الحمد لله كثير منكم يحفظها، كم استغرق حفظها معكم؟ شهر ونصف؟ شهر؟ أربعة أسابيع؟ ثلاثة أسابيع؟ أسبوعان؟ أسبوع؟ هل هناك أحد حفظها في أقل من أسبوع؟ في ثلاثة أيام؟ أقول لكم شيئاً: ليت عبد الله بن عمر كان حياً، حتى يقابلكم، فيعرفكم كيف حفظ القرآن، لقد حفظ القرآن في ثماني سنوات، أنا لا أتكلم عن أي صحابي، أنا أتكلم عن أحد العبادلة الأربعة، من أعظم الصحابة في علوم القرآن، ثماني سنوات لماذا؟ تعالوا نفهم لماذا؟ عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: " كنا نتعلم مع رسول الله العشر آيات من القرآن لا نتجاوزها" ممنوع أن تكمل أكثر من ذلك، أنا أريد أن أكمل، لا حتى تتعلم ما فيها من علم وعمل، فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً.
 أي التلاوة والفهم والتفسير والتطبيق، فالصحابة هم تلامذة النبي صلى الله عليه وسلم كان نظامهم هكذا، اقرأ، افهم، تدبر، طبق، احفظ، نحن نظامنا احفظ احفظ احفظ احفظ، نظامنا في تعاملنا مع القرآن الكريم أفضل من الصحابة في شيء واحد فقط نحفظ بسرعة، لكن لا نتغير، نظام الصحابة يغيرهم، الصحابة قبل أن يكونوا صحابة ما كانوا مسلمين، كانوا كفاراً وليس أي كفار، مثلاً عندما تشاهد أبا ذر الغفاري كان قاطع طريق، هذا الرجل صار فيما بعد إنساناً يقول عنه النبي صلى الله عليه وسلم: " لو أظلت الغبراء التي هي السماء، وأقلت الخضراء التي هي الأرض، ما أقلت الخضراء ولا أظلت الغبراء من هو أصدق لهجة من أبي ذر".
 هذا قاطع طريق ما الذي غيره هكذا؟ القرآن الكريم، سيدنا عمر بن الخطاب كان قبل الإسلام كافراً عادياً، هذا صاحب فكرة أن كل عائلة وأسرة من أسر قريش تعذب أولادها المسلمين بنفسها حتى لا تتقاتل العائلات، وهو الذي بادر بقتل النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ السيف ليقتله، ثم حدث ما حدث، وذهب إلى أخته وضربها وضرب زوجها، وسمع آيات القرآن:

﴿ طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾

[ سورة طه :1-5]

 خذوني إلى رسول الله، ما كان يقرأ مثلنا، نحن نقرأ من أجل أن نحفظ، وأهلينا عندما ولدنا، هذا الولد أنا أريده أن يكون حافظاً لكتاب الله، منتهى أملهم أن نحفظ القرآن، لم يقل أحد: أريد أن يكون ابني فاهماً للقرآن الكريم، مطبقاً له، وهذه هي الكارثة، هناك أسرة اسمها أسرة الطموح، الطموح الحقيقي أرجوك لا تطمح بالقليل، لا تطمح أن يكون ابنك حافظاً للقرآن، هذا قليل جداً، اطمح بأن يكون متدبراً للقرآن، مطبقاً للقرآن، يعيش بالقرآن.

 

ضرورة تدبر آيات القرآن الكريم :

 أنا أريد أن أقول لكم الطريقة التي نتعامل بها مع القرآن و التي دفعت النبي صلى الله عليه وسلم أن يشكو إلى الله، والقرآن يقول لنا قال تعالى:

﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً ﴾

[ سورة الفرقان: 30]

 ما قال: هجروا القرآن، أستغفر الله نحن هجرناه، نقرؤه ونحفظه ونعمل مسابقات بالحفظ، ونحن فخورون جداً أن فلاناً عندما تقول له الكلمة الفلانية يقول لك في الصفحة الثالثة و الثمانين من الناحية اليمنى، وفخورون جداً والمزمار الذهبي لأجمل صوت، حتى وصل الأمر أن القرآن الكريم عند بعضنا لا يسمى القرآن، ما اسمه إذاً؟ مشاري، تركب السيارة معه تسمع ماذا؟ أسمع مشاري، أسمع العجمي، أنا أتكلم كلاماً واقعياً وهذه هي الحقيقة، نحن في كارثة، أهم كتاب في العالم هو كتابنا، جعلناه يقرأ من دون فهم، وعندما اهتممنا به اهتممنا بالحفظ، الحفظ شيء مهم، الله عز وجل قال:

﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾

[ سورة الحجر : 9]

 وطلب منا ماذا؟

﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾

[سورة ص : 29]

 لام السببية ليدبروا آياته، الدكتور عبد الكريم بكار يقول: طلب الله منا التدبر وتعهد لنا بالحفظ، فأخذنا على عاتقنا أن نحفظ وتركنا التدبر.
 أنا لا أقلل أبداً أبداً من الحفظ، بالعكس الحفظ مهم جداً، لكن الإنسان يحفظ أي شيء لماذا؟ ليطبقه، إنسان يسألني كيف أذهب من هنا إلى اسطنبول؟ أقول له: اذهب من هنا إلى الشمال، ثم إلى اليمين تصل إلى السفينة تركبها إلى اسطنبول، حفظت؟ يقول: نعم حفظت، سمعني، جيد، طبق الآن، الإنسان يحفظ من أجل أن يطبق، نحن إذا نوينا ألا نطبق لماذا نحفظ؟ من أجل أن يكون القرآن الكريم شاهداً علينا؟ أنا لا أقول لا تحفظ، أنا أقول: نحن نمشي مثل الصحابة، يبقى الحفظ نتيجة طبيعية للتدبر، هذا أفضل بكثير، الله عز وجل أنزل القرآن من أجل أن نتدبره، قال تعالى:

﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ﴾

[سورة ص : 29]

 كلمة التدبر، أنا طبعاً أشعر بالخجل أن أتكلم أصلاً بين يدي أستاذي، أنا طلبت منه أن يحضر مع أنه متعب وجاء من السفر الآن حتى يقويني ويصحح لي، وسأترك آخر المحاضرة له حتى يعلق ويصحح لكم أخطاءنا.

 

على الإنسان أن يبحث عن الرسائل المحملة داخل كل آية :

 التدبر تأتي من كلمة الدبر، دبر الشيء ما يأتي بعد الشيء، بعدما يذهب يأتي الدبر، فالتدبر ما يأتي بعد القراءة والفهم، قرأت؟ فهمت؟ تدبر الآن، من تجربتي وما تعلمت من مشايخي وعلى رأسهم مجدي الهلالي، وهو أفضل إنسان شاهدته في مجال التربية الإيمانية، قال لي: التدبر أن تضع نفسك داخل الآية، كل آية تبحث فيها عن الرسائل المحملة، كل آية محملة بكم هائل من الرسائل لقلبك ابحث عنها، قرأت؟ افهم، تدبر، مثلاً قال تعالى:

﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾

[ سورة الحشر: 21]

 ربنا يقول لك: لو أنزلنا هذا القرآن على جبل سوف يهده، تدبر الآن، ضع نفسك في الآية أنت لا تتأثر لماذا؟ هذا يهد الجبل، أنت طريق تعاملك مع القرآن الكريم طريق خاطئ، لو أنزلنا هذا اسم إشارة للقريب، هذا القرآن الذي في حقيبتك، في سيارتك، في جيبك، على مكتبك، جانب السرير يهد جبالاً، وأنت لا تتأثر، ضع نفسك داخل كل آية وابحث عن الرسائل المختبئة، التدبر يختلف عن التفسير، التفسير مقيد بأصول التفسير، وهذا واجب ولازم، لأنه يترتب عليه أفعال وأحكام، وحلال وحرام، التدبر لا يخرج منه حلال ولا حرام ولا أحكام، أنت تقرأ وتدع القرآن يتعامل مع مشاعرك.
 في يوم من الأيام كنت أصلي الفجر في لندن، الإمام غاب فالناس دفعوني أن أصلي بهم، أنا أقرأ آية تعودت أن أقرأها دائماً هي قوله تعالى:

﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ﴾

[سورة آل عمران: 26]

 قل اللهم مالك الملك، يومها القرآن تعامل مع مشاعري وجاءني تدبر لم يأتني من قبل، أحب أن أقول ذلك أمام الشيخ لأسمع رأيه، قال تعالى:

﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

[سورة آل عمران: 26]

 أربعة من تشاء، القرآن الكريم من صفاته الإيجاز بأقل عدد من الكلمات يعطيك أكبر عدد من المعاني، فتعجبت لماذا لم يكن هناك صياغة أخرى تختصر اللغة بنفس المعنى؟ لماذا الآية أتت بهذه الطريقة و لم تأت بهذه الطريقة؟ قل اللهم مالك الملك، تؤتي الملك وتعز من تشاء، وتنزع الملك وتذل من تشاء، كنا اختصرنا اثنين من تشاء، لكن الله عز وجل لم ينزلها هكذا، الله عز وجل فصل عن قصد، إتيان الملك ونزعه عن العز والذل قال تعالى:

﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ ﴾

[سورة آل عمران: 26]

 اقفل هذا الموضوع وافتح موضوعاً جديداً، قال تعالى:

﴿ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

[سورة آل عمران: 26]

 ممكن إنسان يؤتى الملك ويذل، وممكن إنسان ينزع منه الملك ويعز، صح؟ التدبر يتعامل مع مشاعر الإنسان، كل آية تتفجر بالمعاني.

 

الابتعاد عن التقوى المصطنعة :

 عملنا عشرة أسابيع في سورة النور في مسجد شرق لندن، والله كنا نتدبر باللغة الإنكليزية، الذي معه مصحف بالموبايل يفتح المصحف، سأقول لكم بعض الآيات لنتدبرها، كيف يتم التدبر؟ تعالوا الآية الكريمة بسورة النور تسمح بدخول الأماكن العامة بدون استئذان:

﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ﴾

[سورة النور: 29]

 من وسائل التدبر أن تنظر في كل آية عن آخر الآية، بعض الناس يسمونه: ذيل الآية، علاقة بجسم الآية، لماذا اختار الله عز وجل هذه الطريقة لإنهاء الآية؟ الآية في كل التفاسير تقول لك: مسموح لك أن تدخل الأماكن العامة بدون استئذان، داخل صيدلية، سوبر ماركت، مطعم، تستأذن كيف أدخل؟ لكن التدبر لماذا اختار الله عز وجل:

﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ﴾

[سورة النور: 29]

 لإنهاء هذه الآية بالذات؟ من أجل أن تفهم هذه عليك أن تكون قادراً على التخيل، الذي يسميه صاحب الظلال التصور، التصوير الفني في القرآن، من أجمل الكتب التي تساعد الإنسان على التدبر، تتخيل، تخيل معي أخي الحبيب رجلاً يقف على باب سوبر ماركت ويأبى أن يدخل إلا عندما يأتي مدير السوبر ماركت ويأذن له بالدخول، ثم يذهب إلى باب الصيدلية ويرفض أن يدخل إلا إذا أتى مدير الصيدلية وأذن له بالدخول، هذا الرجل ماذا يفعل؟ يتصنع التقوى، فتأتي الآية التي تبيح لك أن تدخل الأماكن العامة من دون استئذان، قال تعالى:

﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ ﴾

[سورة النور: 29]

 تحذرك من تصنع التقوى، قال تعالى:

﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ﴾

[سورة النور: 29]

 هذا اسمه التدبر، وهو غير متقيد بأصول التفسير لكنه غير مبني عليه حلال وحرام، تتعامل مع القلب، فالآية تبيح لك من الناحية الفقهية كل الأماكن العامة من دون استئذان، ومن الناحية القلبية تحذرك من تصنع التقوى، نحن محاطون بكثير من تصنع التقوى، كثير من التقوى المصطنعة، أكبر أنواع العجب هو التقوى المصطنعة، هذا عجب، الآية التي قبلها يقول الله عز وجل:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾

[سورة النور:27-28]

 لماذا أنهاها الله بقوله تعالى:

﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾

[سورة النور:28]

 يجب أن تتصور، تصور نفسك ذهبت تزور إنساناً وسيماً موجوداً، لا، الحقيقة هو لا يستطيع أن يقابلك الآن، نحن آسفون ويقفلون الباب بوجهك، هل من الممكن أن ترجع؟

﴿ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ ﴾

[سورة النور:28]

 أنت لو كنت إنساناً تفهم بشكل جيد وتعرف هذه الآية تعرف أن هذا أفضل لك وتمشي، أما لو أنك لا تعرف هذه الآية فستحزن و قد لا تعود، أما إن عرفتها فستنزل وتجلس في السيارة وتأكل سندويشات وكوكاكولا، وتنتظر حتى الليل، قال تعالى:

﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾

[سورة النور:28]

 أو على الأقل ممكن أن تسبهم، ربنا يحذرك، قال تعالى:

﴿ هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾

[سورة النور:28]

 هذا النوع من أنواع التدبر أن تنظر في الآية إلى آخر الآية، وأن تتدبر لماذا الله عز وجل جاء بهذه الآيات؟

 

فهم الآيات و تدبرها لا يكون إلا بربطها :

 عندك نظام آخر، أحب أن نتدبر معاً، آية في سورة النور عجيبة جداً، هذه الآية كثير من المسلمين الجدد يسألونني: لماذا ربنا يقول لنا هذا الكلام؟ هذا الكلام طبيعي جداً وتلقائي، ولا نحتاج أن ينزله ربنا لنا من فوق سبع سموات، قال تعالى:

﴿ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾

[سورة النور:61]

 هل أنا أحتاج آية تقول لي: أن آكل في بيت خالتي، هذه الآية يستخدمها الملحد المصري سيد القمني في الاستهزاء بالقرآن، الآية ما معناها؟ لماذا جاءت؟ من أجل أن نتدبر نحاول أن نربط الآية بالمقطع الذي جاءت به، ارجع ثلاث آيات إلى الوراء انظر ماذا تقول الآيات؟ قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾

[سورة النور:58]

 آية تقول لنا إن الناس الذين يشتغلون في البيت والأطفال الصغار إذا بلغوا الحلم يجب أن يستأذنوا في أوقات معينة، الناس عندما تضع ملابسها وتنام في غرفها تستريح، الآية التي بعدها، قال تعالى:

﴿ وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾

[سورة النور:59]

 والكبار يجب أن يستأذنوا دائماً، الآية التي بعدها، قال تعالى:

﴿ وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾

[سورة النور:60]

 آيات ثلاث تتكلم عن الحياء، لكن الخوف أن الناس تتطرف مع كل هذا الكلام عن الحياء فتبدأ تنعزل عن المجتمع، فلا تقبل أن تذهب حتى إلى الدعوات ولا العزائم، فتأتي الآية:

﴿ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ ﴾

[سورة النور:61]

 وتقول لك: لا تنعزل، تأتي آية تضعك على الوسطية، تقول لك: الحياء لن يؤدي بك إلى الانعزال، ويقول لك: أن تأكلوا جميعاً أو أشتاتاً، إذاً:

﴿ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ﴾

[سورة النور:61]

 الحياء ليس معناه أن تنعزل، آية بالمقطع تفهمك، هذه أحد الوسائل.

 

ضرورة ربط أول آية في السورة بآخر آية فيها :

 هناك وسيلة أخرى وهي ربط أول آية في السورة بآخر آية فيها، أول آية في سورة النور قال تعالى:

﴿ سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾

[سورة النور:1]

 يقول الله عز وجل: هذه السورة أنزل بها آيات بينات، وفيها أحكام، من أجل أن نتفكر، هل هذه الآيات نزلت قبل ذلك حتى نتفكر؟ أنا أركز لا أعرف كيف أتذكر، انظر إلى آخر آية في السورة كلها، قال تعالى:

﴿ أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾

[سورة النور:64]

 لعلك تتذكر يوم القيامة، أو تتنبأ بهذا الكلام، أنا أقول: التدبر هنا يتعامل مع قلبك، ومع مشاعرك، آية قد تحركك، قد تبكيك، قد تضحكك، قد تنزل عليك السكينة، إذا حصل هذا أي أن القرآن الكريم بدأ يتعامل مع مشاعرك، ويشحن قلبك بالإيمان، لا تترك الآيات اقرأها واقرأها مع قبلها ومع بعدها، ومن ضمن المشاكل التي تمنعنا عن التدبر الرغبة في إنجاز أكبر عدد من الآيات، الحرف بعشرة، ونريد أن نقرأ أكبر عدد من الحروف، ونضرب بعشرة، ونحسب، كأننا نتعامل مع بنك سيرسل لنا الحسنات كل شهر، أنا أقرأ الآية هي هي وأثاب عليها، النبي صلى الله عليه وسلم بقي ليلة كاملة في آية واحدة كانت تحركه، كان يقرؤها ويبكي، وكانت المشاعر تتحرك، إذاً الإيمان يزيد، القلب هو وعاء المشاعر، عندما تبدأ المشاعر تتحرك هناك زيادة في الإيمان، لا تترك الآية، الآية هي هي تأتي تقرؤها غداً لا تحركك، فإذا قرأت آية وبدأت تحركك وتشحنك إيمانياً لا تتركها، نحن لسنا مستعجلين، شخص يقول لي: نريد أن نختم في شهر، لماذا في شهر؟ النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك لسيدنا عبد الله بن عمرو عندما قال له: فيم أختم يا رسول الله؟ قال: في أربعين، وبقي سيدنا عبد الله بن عمرو يجادل النبي صلى الله عليه وسلم حتى وصل لثلاثة أيام، ولم يرض بأقل من ثلاثة أيام، لكن هذا من؟ هذا سيدنا عبد الله بن عمرو، أحد العبادلة الأربعة، التي اشتكت زوجته منه أنه طوال النهار منشغل بالعبادة و القرآن وأهمل أهله وزواره، نتكلم على شخص يجلس خمس عشرة ساعة على الأقل في اليوم على القرآن الكريم، النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يقرأ جزءاً إلا ربع في كل هذا الوقت، تبقى الآية تأخذ حقها، كيف؟ أنا عندما أقرأ نصف ساعة في اليوم، لا ينفع أن أقرأ جزءاً بساعة، أرجع أقرأ مرة ثانية بالطريقة التي لا تشحنني ولا تشحن قلبي؟ الآية يجب أن تأخذ حقها في التأمل والتدبر ومحاولة فك الشيفرة، وفك الشيفرة الرسائل المرسلة إلى قلبي في كل آية.

 

السعادة تكون بتدبر القرآن الكريم و فهم آياته :

 يوجد مغن أجنبي اسمه دريك، هذا دريك من حوالي أربع سنوات عمل على تويتر، هل أحد يعرف اسمه؟ ليس عيباً قل لا أحد سيشنقك، يولو، YOLO، أي ستعيش مرة واحدة، فيجب أن نشرب، نرقص، و نأخذ المخدرات، هم يريدون أن يعيشوا حياة سعيدة، لا أحد يريد الاكتئاب، المشكلة أن هذه الأشياء لا تأتي بالسعادة، السعادة مؤقتة، تفعل المعصية ثم فوراً بعد توقف الفعل يعود الاكتئاب مضروباً بمئة، يولو يشربون، يولو يرقصون، يولو يأخذون مخدرات، يولو التي بعدها يلقي بنفسه من النافذة، أنت لست مسروراً؟ لا، لست مسروراً، الاكتئاب يزيد، نحن عندنا يولو إسلامية، ستعيش مرة واحدة، نعيش حياة طيبة، الله عز وجل يرزقك حياة طيبة السعادة، أنا أريد أن أعيش سعيداً، أعيش سعيداً كيف؟ ما رأيك أن تدخل الجنة وأنت على الأرض؟ كيف؟ بتدبر القرآن، أقسم بالله إن من يتدبر القرآن ويعيش مع القرآن سيشعر أنه في الجنة، كلما تجد رسالة ترسل إلى قلبك تشعر أنك طائر، والدنيا لا تسعك، أنت متصل بالآخرة، المشكلة أن القرآن الكريم على الموبايلات لكننا نقرؤه بطريقة سريعة، لماذا؟ من أجل مراجعة الحفظ، الأول نقرأ سريعاً من أجل أن نحفظ، الثانية سريعاً من أجل مراجعة الحفظ، سريعاً طوال عمرنا إلى أن نموت، ليس من المعقول أن نقرأ هذا الكتاب بهذه الطريقة.
 جزاكم الله خيراً نتوقف عند هذه المرحلة من أجل أن ندع الفرصة لفضيلة الدكتور راتب ليعلق على كلامي، وأرجوك أن تقسو عليّ، أنا أبحث عن حضرتك وأبحث عن العلماء ليعلموني، تقسو عليّ أمام الناس ولا تقل لي أية ملحوظة على جنب، الآن من أجل أن نستفيد من حضرتك، ومن أجل أن تسأل الناس الأسئلة.

ألفاظ القرآن تؤخذ من حفاظه ومعانيه ممن يعانيه :

الدكتور راتب :
 أنا لا أصدق أن واحداً منكم يتوقع أن أوجه شيئاً سلبياً للدكتور، ولا واحد، تؤخذ ألفاظ القرآن من حفاظه، وتؤخذ معانيه ممن يعانيه، هناك تجويد و قلقلة و مدود و إدغام و إقلاب، تؤخذ ألفاظ القرآن من حفاظه، وتؤخذ معانيه ممن يعانيه، بالتعبير المعاصر لك مع الله تجربة، شخص أحياناً يقرأ آية يبكي ساعة، هذه الآية لمست موضوعاً ساخناً عنده، في زمانه دفع مبلغاً ضخماً للأيتام، وحرم نفسه أشياء كثيرة، عندما يأتي إطعام الأيتام يبكي، الإنسان متى يتأثر؟ أنا أذكر مرة كاتب لبناني عمل قصة العاقر، أنا أتوقع لو قرأت هذه القصة امرأة عاقر لبكت مئة مرة، لأنه وضع يده على آلامها، والتي عندها عشرة أولاد لا ينزل من عينها دمعة واحدة، القرآن يحتاج إلى معاناة، تؤخذ ألفاظ القرآن من حفاظه، وتؤخذ معانيه ممن يعانيه، هذا كتابنا، فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه.

العبادة الشعائرية لا تقطف ثمارها إن لم تصح العبادة التعاملية :

 أخوتنا الشباب الكرام؛ يوجد حقيقة دقيقة أولاً قال تعالى:

﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾

[ سورة الإسراء: 9 ]

 والمطلق في القرآن على إطلاقه، التي هي أقوم نفسياً، وروحياً، وفكرياً، وعلمياً، واجتماعياً، ونفسياً، فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه، الآن الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي، وما لم ير الناس في أي بلد إسلاماً يمشي أمامهم - أي إنسان – لن يدخلوا في هذا الدين، سيدنا جعفر رضي الله عنه حينما سأله النجاشي عن الإسلام، فقال:

(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله لتوحيده، ولنعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء))

[ ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

 هذا الإسلام، هذه اسمها عبادة تعاملية، وما لم تصح العبادة التعاملية العبادات الشعائرية كالصلاة والصوم والحج والزكاة لا تقطف ثمارها إطلاقاً، ولا جدوى منها إطلاقاً.

 

آيات تؤكد أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل القرآن :

 لذلك أيها الأخوة الكرام؛ النبي صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، و كتابه خاتم الكتب، وبعثته خاتمة البعثات، والأنبياء السابقون شهد الله لهم أنهم أنبياءه، بخرق لنواميس الكون، سيدنا موسى ضرب البحر فإذا هو طريق يبس، سيدنا عيسى أحيا الميت، هذا النبي خاتم الأنبياء، بعثته خاتمة البعثات، كتابه خاتم الكتب، المعجزة الحسية كتألق عود الثقاب تتألق وتنطفئ، تصبح خبراً يصدقه من يصدقه، ويكذبه من يكذبه، لا تصلح معجزة حسية لنبينا، لأنه خاتم الأنبياء، فجعل الله المعجزة له كتاب الله، مثلاً أول رحلة للقمر أبولو ثمانية، منذ عشرين سنة عندما وصلت إلى القمر هذه الرحلة بعد انطلاقها بساعات صاح رائد الفضاء: لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً، ما الذي حدث؟ عند تجاوز طبقة الهواء ألغي انتثار الضوء، نحن هنا يوجد نوافذ ولا يوجد أشعة شمس، يوجد ضوء الشمس يأتي من انتثار الضوء، الانتثار: الشمس تسلط على ذرات الهواء، هذه الذرات تعكسها على ذرات أخرى، فلما تجاوز الرواد طبقة الهواء انعدم انتثار الضوء، قال: لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً، افتح القرآن الكريم:

﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴾

[ سورة الحجر: 14-15]

 هذا يؤكد بالمئة مليار أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن.
 بعد اكتشاف أشعة الليزر التي يقاس بها المسافات بدقة بالغة، يكون مع المهندس جهاز ليزر يضغط زراً يقول لك: ثلاثة عشر متراً وثلاثة وثمانون سنتمتراً، تنطلق أشعة وتعود، قيس أعمق مكان على سطح الأرض فكان غور فلسطين، البحر الميت، أعمق مكان في الأرض، ومعركة الفرس والروم تمت في غور فلسطين، قال تعالى:

﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ﴾

[ سورة الروم: 2-3]

 يوجد من هذا النوع ألف وثلاثمئة آية، هذه الآيات تؤكد قطعاً أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن.
 شيء دقيق جداً بعدما مضى مئة سنة على تطور علم الأجنة تبين أن الذي يحدد نوع الجنين ذكر أم أنثى ليست البويضة بل الحوين فقط، قال تعالى:

﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى*مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴾

[ سورة النجم : 45-46]

 كلما تقرأ آية تجد نهاية ما توصل العلم إليه، بآية واحدة.
 آيات تؤكد أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل القرآن :

 

من يتبع هدى الله لا يضل عقله ولا تشقى نفسه :

 أيها الأخوة الكرام؛ هذا القرآن الكريم كلام الله عز وجل، والله الذي لا إله إلا هو لو أمضينا كل حياتنا في فهم آياته الدكتور الكريم بارك الله به أنا تأثرت تأثراً بالغاً بمحاضرته، لأن هذه كلها معاناة لخصتها بكلمتين، تؤخذ ألفاظ القرآن من حفاظه، وتؤخذ معانيه ممن يعانيه، وعندما لا يكون الكتاب مسعداً لنا جميعاً هناك سؤال كبير جداً، هذا كلام خالق الأكوان، فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه، لقطات سريعة، قال تعالى:

﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾

[ سورة الإسراء: 9 ]

 اجتماعياً، نفسياً، سياسياً، ثقافياً، فكرياً، عقلياً إلى آخره، الآن قال تعالى:

﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

[ سورة البقرة: 38 ]

 هذه العبارة مشهورة جداً، تعاد كثيراً: لا خوف عليهم في المستقبل من مفاجآت المستقبل، ولا هم يحزنون على الماضي، الآية الثانية:

﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾

[ سورة طه : 123]

 لا يضل عقله ولا تشقى نفسه، اجمع الآيتين، الذي يتبع هدى الله عز وجل لا يضل عقله ولا تشقى نفسه، ولا يندم على ما فات، ولا يخشى مما هو آت، ماذا بقي من السعادة؟ صدقوا ولا أبالغ إن الله عز وجل ليباهي الملائكة بالشاب الؤمن يقول :

(( انظروا إلى عبدي ترك شهوته من أجلي ))

[ ابن السني الديلمي في مسند الفردوس عن طلحة ]

 ما من شيء أحب إلى الله من شاب تائب.

 

قصة تدل على عظمة الإسلام :

 لذلك الشاب وقت المبادئ والقيم، سيدنا عمراً جاءه ملك الغساسنة مسلماً، ورحب به فانتقل إلى مكة ليطوف بالبيت، أثناء طوافه حول الكعبة داس بدويٌّ من عامة الناس دون قصد طرف ردائه، فانخلع رداؤه عن كتفه، فالتفت إلى هذا الأعرابي ضربه ضربة هشمت أنفه، تصور سيدنا عمر أمامه ملك الغساسنة، والثاني بالتعبير المعاصر من دهماء الناس، من سوقتهم، من عامتهم، فشاعر صاغ الحوار شعراً.
 سأل سيدنا عمر جبلة: أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح؟ قال جبلة: لست ممن ينكر شياً، أنا أدبت الفتى، أدركت حقي بيدي. فقال عمر: أرضِ الفتى، لابد من إرضائه، مازال ظفرك عالقاً بدمائه، أو يهشمن الآن أنفك و تنال ما فعلته كفك، صعق جبلة. قال: كيف ذلك يا أمير هو سوقة وأنا عرش وتاج؟ كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً؟ قال عمر: نزوات الجاهلية، ورياح العنجهية قد دفناها، أقمنا فوقها صرحاً جديداً، وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً. فقال جبلة: كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى و أعز، أنا مرتد إذا أكرهتني. فقال عمر: عنق المرتد بالسيف تحز، عالم نبنيه كل صدع فيه يداوى، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى.
 أيها الأخوة الكرام؛ الإسلام شيء عظيم، والله الذي لا إله إلا هو لو أمضيتم شبابكم في فهمه، وفي الدعوة إليه:

(( خيرُكمْ من تعلّمَ القُرآنَ وعَلَّمَهُ ))

[ البخاري وأبو داود والترمذي عن عثمان بن عفان ]

أنواع الجهاد :

 دقق كلمة جهاد لها بريق، هل تصدق أن الجهاد أربعة أنواع، أحدها القتالي، أول جهاد جهاد النفس والهوى، هذا أصعب جهاد، رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر؛ جهاد النفس والهوى، الجهاد الثاني الجهاد البنائي، تأخذ شهادة عليا تنفع بها وطنك، أمتك، جهاد بنائي، والثالث جهاد دعوي، قال تعالى:

﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾

[ سورة الفرقان : 52]

  بالقرآن، فإذا صح الجهاد النفسي والجهاد البنائي والجهاد الدعوي ممكن أن ننجح بالجهاد القتالي، بارك الله بكم ونفع بكم.
  شكراً لهذه المحاضرة والله قيمة جداً والله أنا انتفعت منها كثيراً.
المذيع :
 نفتح الفرصة لبعض الأسئلة.

 

الأسئلة :

تعلق نوع الجهاد بحالة الإنسان :

 س: الموقف يتطلب الجهاد العلمي أم الجهاد بالقرآن قبل الجهاد النفسي.
الدكتور راتب :
 ممكن بكل ظرف معين أن نطبق أحد هذه الأنواع من الجهاد، أنت أمام شخص عنده شبهات، جهاد دعوي، مأساة معينة، جهاد إحساني، كله جهاد فيه جهد، فيه بذل جهد، هناك أناس يتصورون بيتاً فخماً، ودخلاً كبيراً، ونزهات، وسيارات، وولائم، ومنتديات، ولقاءات، وجنة بعد هذا، لا نشم رائحتها بهذه الطريقة.

نصيحة لكلّ مسلم :

 س: سيدي أحبكم بالله. أريد نصيحة تكون معلقة في قلوبنا.
الدكتور راتب :
 الإنسان إذا كان الوقت صباحاً:

(( لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ))

[ النسائي عن عائشة]

 الفجر ركعتان بإتقان، وقراءة قرآن، وقليل من الأذكار، وقليل من التفكر بالله عز وجل، ساعة زمان، صلاة ربع ساعة وتفكر وذكر وقرآن، ترى أن النهار كله جنة، ابن آدم لا تعجز عن ركعتين قبل الشمس، أكفك ما بينهما، أنت في حفظ الله، في رعاية الله، في صلة مع الله، دائماً أنا أتمنى أن تصلوا الفجر:

(( لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ))

[ النسائي عن عائشة]

 وجرب، الله لا يجرب، كل يوم صلّ صلاة متقنة، وكن على صلة مع القرآن الكريم ترى كيف يومك في توفيق، في ثبات، قوة منطق، شخصية قوية، عندك جواب جاهز، عندك إدراك عميق لأن الله معك، إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ويا رب ماذا وجد من فقدك؟ وماذا فقد من وجدك؟ هذا الذي أريد أن أقوله.

معرفة كلّ إنسان مكنوناته و الاهتمام بها :

المهندس فاضل سليمان:
 نصيحتي لحضراتكم كل شاب يعلم هو من يكون، كل واحد منا عبارة عن نفس، كل نفس تتكون من جزء مرئي، وجزء غير مرئي، المرئي هو هذا الجسد، الغير المرئي هي المشاعر التي اسمها القلب والروح التي نسميها الأنا، الذات، المشكلة أننا نهتم بالأقل أهمية، أي أنا مثلاً لو خرجت روحي الآن ستبقون تتفرجون عليّ؟ أنا أمامكم فاضل سليمان، الموجود آلة، إنما المهم أن الجزء الروحاني أهم بكثير، بالجزء الجسدي، الخلل بحياتنا يحصل عندما نهتم بالأقل أهمية، نحن طوال النهار نأكل ونشرب ونأخذ ونصعد على الميزان وننزل، كل هذا اهتمام بالجسد، الجسد فيه أجهزة كثيرة؛ جهاز تناسلي، وجهاز هضمي، لهم طلبات، وهذه الطلبات اسمها شهوات، كلما قوي الجسد كلما بقيت الشهوات قوية، يقابلها الجزء الروحاني عندك، لو أنك أنت لا تأخذ غذاء ودواء روحياً أنت شهواتك تسيطر على النفس، هذه اسمها النفس الأمارة بالسوء، الحل أن تغذي القلب والروح من أجل أن تسيطر هي على الشهوات، اسمها نفس لوامة، يأتي الجسد يطلب حاجة، ليس الآن عندما تتزوج، لا، ليس الآن عندما تشتغل، لا تسرق، نفس لوامة إلى أن تسيطر تماماً على الشهوات تصبح نفس مطمئنة، الجسد مثل الطفل الصغير يمشي بيد الأب أو الأم.
 اهتم جداً بالجزء الروحاني، ومشكلتنا بعضهم يقول: لماذا الله لم ينصرنا إلى الآن؟ والذي ارتد، والذي ذهب، هم يظنون أنهم جاؤوا الدنيا ليختبروا ربنا، وهم لا يعلمون أن الدنيا من أجل أن يختبروا فيها.
 المسألة على الشكل التالي: تنمي نفسك بالذكر، الذكر أوله القرآن الكريم ورأينا كيف أن الناس تتعامل معه بشكل خاطئ.
 ثاني شيء الصلاة، صلاة بدون خشوع، وآخر الآية قال تعالى:

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء َالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾

[ سورة العنكبوت : 45 ]

 الصلاة هنا ذكر، لو أن الصلاة بدون خشوع أيضاً، نحن كنا غير متدينين، ونحفظ القرآن، ونصلي خمس مرات في المسجد، وربنا لم ينصرنا، أنت إذا كنت تفهم القرآن، أو كنت تصلي في المسجد، أنت تذهب للمسجد ليس من أجل الصلاة من أجل أن تخطط، الإمام يقول الله أكبر ونحن الله أكبر، بعد الصلاة أريد أن أذهب للسوبر ماركت، وأشتري الحاجات التي كتبت لي بالورقة، وأشتري الخبز، لا يوجد عندي خبز الإفطار، أخطط كل هذا في الصلاة، أريد أن أغير السيارة، البيت، أريد أن أعمل دكتوراه، وفجأة الإمام السلام عليكم ورحمة الله، و أخرج وألبس الحذاء خارج المسجد، والجيران يقولون: ما شاء الله! الولد يصلي في المسجد خمس مرات في اليوم، الولد يخطط في المسجد خمس مرات في اليوم.

الدكتور راتب :

 تشاهده وهو واقف.

المهندس فاضل سليمان:

 فعلاً تشاهده هو واقف و لا يدري أين هو في الصلاة، هذه هي المشكلة، الأذكار نفس المشكلة، أنا لو أسقطت الكوب على رجل وسيم، المفروض أن أعتذر له، أعتذر ماذا أقول له؟ ما رأيكم أقول له: آسف مئة مرة، آسف آسف آسف.. هل يشعر بأنني آسف هذا يستفزه أكثر، نحن نعمل هكذا مع ربنا، أستغفر الله أستغفر الله..

 السيدة رابعة العدوية تقول عن استغفارها إنه يحتاج إلى استغفار، هل هذه طريقة استغفار؟ نحن يجب أن نستغفر ربنا من طريقتنا أصلاً من الاستغفار، انظر إلى سيد الاستغفار، اللهم أنت ربي- اعتراف بالربوبية- خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، وأبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي فاغفر لي.

 إنسان يقول لك كل هذه المقدمة من أجل أن تقول: فاغفر لي، أنا قلتها خمساً وعشرين مرة، الاهتمام بالكمية إلى الآن، نصلي الفجر بوضوء العشاء، هذا الكلام ليس في عهد الصحابة، كانوا ينامون ويستيقظون لكن كان عندهم عبادة، يصلي العبادة بكفاءة، كانت الصلاة بخشوع، قراءة القرآن بتدبر، كان الاستغفار استغفاراً، كانوا يفتحون مدناً بالاستغفار، كان فعالاً يشعر بالندم ويحرك مشاعره، هذه نصيحتي لحضراتكم، اعرف مكوناتك ما هي، واهتم بكل جزء فيها، الغذاء والدواء للروح والقلب اهتموا به جداً جداً من أجل ربنا يحفظكم من الاكتئاب، أنا سأقول للشيخ جزاكم الله خيراً من أجل أن يستريح، وأنا معكم ثلث ساعة.


الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور

   

موضوعات متعلقة