وضع داكن
25-04-2024
Logo
الدرس : 156 - حلاوة الإيمان – العالم ثلاثة أثلاث ، الثلث الأول معلوماته، الثلث الثاني مواقفه، الثلث الثالث تقييمه لمن حوله .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

ضرورة العودة إلى المبادئ والقيم التي سادت في عهد رسول الله :

 أيها الأخوة الكرام، يوجد عندنا في الإسلام مصطلح اسمه حلاوة الإيمان، يقابله حقائق الإيمان.
 الحقائق معلومات، أفكار، نصوص، شروح، تحليلات، تفسيرات، مناقشات، مناظرات، هذا الجانب كله أيديولوجي فكري، معلومات.
 وبالمناسبة مادام دخلنا في الموضوع العالم ثلاثة أثلاث: أول ثلث معلوماته، أفكاره، نصوصه، تحليلاته، تفسيراته، الجانب الأيديولوجي الآن الثلث الثاني مواقفه، وقف مع الحق أم الباطل، مع الظالم أم المظلوم، مع مصالحه أم مع مبادئه، مع أمور الدنيا أم الآخرة، الثلث الثاني مواقفه، والثلث الثالث تقييمه لمن حوله، قد يكون من حوله حثالة، قومهم تقييماً جيداً مثلاً، قد يكون من حوله أولياء قيمهم أنهم جهلة، فالتقييم لمن حولك ومواقفك ومعلوماتك، فالعالم ثلاثة أثلاث؛ ثلث معلوماته، وثلث مواقفه، وثلث تقييماته، وأي مؤمن يوجد عنده تصور، منطلقات، نظرية، فهم، ويوجد عنده سلوك، وعنده مواقف.
 فنحن عندما نفهم الدين على أنه كلّ متكامل نكون على بينة من الأمر، وعلى صواب. لكن نفهمه فهماً جزئياً، وعندنا مرض اسمه: الغرق في الجزئيات، أحياناً ندرس شريعة نغوص في تفاصيل الفقه لدرجة لم نعد نفهم شيئاً من الدين إلا الفقه، النبي الكريم جاء برسالة عظيمة، لكن رسالته كاملة ومتوازنة تجمع بين المادة والروح، والدنيا والآخرة، والحاجات والقيم مع بعضها، بعدها أصبح هناك تركيز على الفقه، أهملنا الاتصال بالله، أهملنا التزكية، أهملنا الإخلاص، أهملنا أشياء كثيرة، فلما أصبح تركيزنا على الفقه أتت فرقة كرد فعل على هذا التركيز اهتموا بالصلة بالله، واهتموا بتزكية القلب، واهتموا بالإخلاص، هؤلاء الصوفيون عندما شطحوا أتى السلفيون أرجعونا للكتاب والسنة، وكل فرقة بوقتها هي الكمال.
 بحياة النبي الكريم إسلام متوازن، جمع بين المادة والروح، والدنيا والآخرة، والمبادئ والقيم معاً، هذا منهج النبي الكامل بعده أتى من ركز على الفقه، فأصبح الاهتمام بجانب من الدين، ويوجد إهمال لجوانب أخرى، فأتى الصوفيون وأكدوا على الاتصال بالله، والتزكية إلخ، فلما شطحوا أتى السلفيون وأرجعونا إلى الكتاب والسنة تماماً، هم عندهم داعية ينطح ولا داعية يشطح، كن داعية ينصح لا ينطح ولا يشطح.
 عندما أهملنا دنيانا أصبح هناك اتجاهات مادية علمية من أجل التصنيع، واستخراج الثروات وتصنيعها، والاكتفاء الذاتي، والتطور الصناعي، فالدين كامل، كماله كان بعهد رسول الله.
 فلذلك البطولة أن نرجع إلى المبادئ والقيم التي سادت في عهد رسول الله، حتى يكون هناك إصلاح.

عظمة هذا الدين أنه فردي و جماعي بآن واحد :

 لكن هناك شيئاً أقول إنه ضروري وهو أن هذه الدين عظمته أنه جماعي وفردي بآن واحد، يطبقه الفرد وحده يقطف كل ثماره الفردية، الدين له ثمار فردية وثمار جماعية؛ الثمار الفردية الراحة النفسية، والتوفيق، والسعادة، الهدف واضح عند المؤمن، فإذا طبقه الفرد وحده طبق ثماره الفردية، وإذا طبقته الأمة تنتصر، الأدلة:

﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فيهِم ﴾

[ سورة الأنفال: ٣٣]

 أي يا محمد ما دامت سنتك قائمة في حياتهم هم في مأمن من عذاب الله، هذا الدين الجماعي، أي مادام منهج النبي قائماً في حياتهم هم في مأمن من عذاب الله، هذا الجماعي.
 الفردي قال تعالى:

﴿ما يَفعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُم إِن شَكَرتُم وَآمَنتُم ﴾

[ سورة النساء: ١٤٧]

 إذا الإنسان آمن أن هذا الكون مسخر له تسخير تعريف، الموقف الكامل من هذا التسخير الإيمان، والكون مسخر تسخير تكريم، الموقف الكامل من تسخير التكريم الشكر، فإذا آمنت وشركت حققت الهدف من وجودك:

﴿ما يَفعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُم إِن شَكَرتُم وَآمَنتُم ﴾

[ سورة النساء: ١٤٧]

 أما كأمة عندما تطبق هذا المنهج فهم في مأمن من عذاب الله:

﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فيهِم ﴾

[ سورة الأنفال: ٣٣]

 أي إن طبقوا سنتك هم في مأمن من عذاب الله، يطبق الفرد يقطف كل ثماره الفردية، مهما كان هناك فساد، ولو الناس كلهم خرجوا من الدين، وأنت طبقته وحدك، تقتضي عدالة الله أن تأخذ فوائده الفردية وحدك، وإن طبقته الأمة تنجو، فهناك نتائج فردية للفرد، وجماعية.

 

في زمن الفساد من يتمسك بالدين وحده ينجو :

 نحن في زمن صعب، الفساد عمّ، والشهوات مستعرة، والأقوياء دائماً هم أعداء الدين، وترون ماذا يجري في العالم الإسلامي، نحن نتمسك بالجانب الفردي من الدين ننجو وحدنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( إذا رأيت شحاً مطاعاً ))

[ابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه ]

 مادية مقيتة.

(( وهوى متبع ))

 الجنس.

(( وإعجاب كل ذي رأي برأيه ))

 الكبر شهوة جامحة، نظرة فردية، موجة عامة.

(( فالزم بيتك، وعليك بخاصة نفسك، وخذ ما تعرف ودع ما تنكر، ودع عنك أمر العامة))

 هذا توجيه نبوي، فبكل عصر يوجد توجيه نبوي، هذا الحديث:

(( إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فالزم بيتك، وخذ ما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بخاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة))

 هذا النص بآخر الزمان، وأنا والله يغلب على ظني أننا في آخر الزمان، لأن آخر الزمان تستعر الشهوات والفتن، ويضام الآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر، أي لكع بن لكع يكون له مكانة، وهو لا دين له، فنحن في زمن صعب، في هذا الزمن القابض على دينه كالقابض على الجمر، قال: أجره كسبعين، لأنكم تجدون عن الخير معواناً ولا يجده، فإذا أنت من الأقلية المؤمنة فهذه نعمة كبيرة، الآن لا يوجد أكثرية بل أقلية، فبوقت معين مهمتك أن تكون مع الأكثرية المؤمنة، ولكن بعصر صعب جداً أنت مع الأقلية المؤمنة، فلذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( بدأ الدين غريباً وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء))

[ مسلم]

 بآخر الزمان الإحساس بالغربة إحساس إيماني، وإحساس صحيح، أحياناً المؤمن غريب مع من حوله.

 

الإنسان أمام طريقين لا ثالث لهما؛ الحق أو الباطل :

 لذلك الإنسان يعيش عمراً واحداً، فالعمر الواحد فيه فرصة ذهبية لا تتكرر، لا يوجد حياة آخرة، فإما أن تعرف الله، وتستقيم على أمره، وتسعد بقربه، أو الحالة الأخرى، فلذلك قال الله تعالى:

﴿فَإِن لَم يَستَجيبوا لَكَ فَاعلَم أَنَّما يَتَّبِعونَ أَهواءَهُم ﴾

[ سورة القصص: ٥٠]

 يوجد طريقان لا ثالث لهما، فإن لم تكن على الطريق الأول

﴿فَإِن لَم يَستَجيبوا لَكَ﴾

 فأنت على الطريق الثاني قطعاً، أي لا يوجد حلّ ثالث، أنت تمشي مع الحق، مع الدين، مع القرآن، مع المبادئ، مع القيم، مع الآخرة، أو الحالة الأخرى مع الشهوات والمصالح والأقوياء، فمن علامة إيمان المؤمن في آخر الزمان شعوره بالغربة، أي لا يندمج مع المجموع العام، المجموع العام فيه اختلاط، أي للمسلمين سهرات مختلطة، زوجات الأخوة مع بعضهم، يبدين كل زينتهن أمام أسلافهن، هذه مشكلة كبيرة جداً، الإنسان يميل للأكمل، للأجمل، وأنا بحكم عملي في الدعوة من حوالي خمس و ثلاثين سنة يوجد عندي مئة قصة من فساد عريض تمّ بين الأزواج، أن هذه امرأة أخيك يمكنك أن تمزح معها، يمكنك أن تلقي طرفة أمامها فتضحك، الآن بالمجتمع الإسلامي هذا وضع طبيعي، نحن أهملنا موضوع المحارم، أنت مسموح أن تجلس مع المحارم فقط، وليس مع الأجنبية، معنى الأجنبية امرأة لا تحل لك، فالأجنبية لا ينبغي أن يكون هناك اختلاط، عندما نطبق الدين بتفاصيله نقطف ثماره، أما إذا كان هناك بيت فيه كل الأجهزة الكهربائية، البراد، المكيفات، الغسالة، المروحة، لكن لا يوجد فيه كهرباء، كل الأجهزة معطلة، أحياناً ينقطع كبل التيار سنتمتراً أو ربع سنتمتر، مادام التيار قد انقطع الأجهزة كلها معطلة، لا تعمل، عندما نوصل التيار، الزواج له معنى العمل، له معنى التفكر بالكون، له معنى الصلة، له معنى أن كل أوامر الدين تتألق بالاستقامة، مادام ليس هناك كهرباء التيار لن يصل فالأجهزة كلها معطلة.
 لا تقل: أنا أبالغ، هذا الواقع، مادامت صغيرة تستمر عليها فتغدو كبيرة، كنت أشرحها شرحاً دقيقاً؛ طريق عرضه ستون متراً، وأنت راكب سيارة تمشي في المنتصف، المقود حرفته سنتمتراً واحداً، إن ثبت هذا الانحراف بالنهاية ستصل إلى الوادي، لا صغيرة مع الإصرار، انحرفت تسعين درجة والطريق عريض جداً تستطيع أن ترجع المقود إلى وضعه الطبيعي، لا كبيرة مع الاستغفار، "لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار"، هذا منهج، فأي مخالفة صغيرة قبلتها دائماً لا تنوي أن تتوب منها أصبحت حجاباً بينك وبين الله، وأكبر مخالفة ندمت وتبت واسترجعت الله يكفر لك هذا الذنب، فلا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار، هذا منهج.

 

حرص الإنسان على سلامة و كمال و استمرار وجوده :

 الإنسان مهما فعل بالنهاية يحب ذاته، يحب وجوده، ويحب سلامة وجوده، ويحب كمال وجوده، ويحب استمرار وجوده، سبعة مليارات ومئتا مليون بالأرض لا يوجد منهم أحد إلا ويحب وجوده، يحب سلامة وجوده، يحب كمال وجوده، يحب استمرار وجوده، سلامة الوجود بالاستقامة، وكمال الوجود بالعمل الصالح، والاستمرار بتربية الأولاد.
 أخواننا الكرام، والله من خبرتي المتواضعة مدة خمس و ثلاثين سنة الإنسان عندما يكون ابنه على خلاف ما يريد يصاب بآلام لا توصف، وإذا كان ابنك قرة عينك لك علمته يصلي، عقيدته سليمة، سمعته طيبة، مستقيم، لا يأكل مالاً حراماً، والله يوجد مصائب تهد الجبال، فإذا الشخص ربى أولاده تربية صالحة هو أكبر رابح، يدخل في قلب الأب الذي ربى أولاده وبناته من السعادة، ومن الطمأنينة ما لا يوصف، والله عندك بنتان متزوجتان طاهرتان عفيفتان، عندك شابان مستقيمان، فأنت تسعد بهذه الأسرة، أقسم لك بالله إن لم تقل: ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني يوجد عندك مشكلة، لأن علاقتك مع من؟ مع الله، مع الخالق، فأنت علاقتك مع أصل الوجود، فأنت من أسعد الناس، أنا لا أبالغ.
 شخص كان بالحج من إخواني، زرته بعدما قدم من الحج، وهذه الكلمة أخذتها منه، قال لي: والله يا أستاذ ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني، هذه العبارة عبارته، شعرت بقرب من الله.

 

الحق واحد لا يتعدد :

 أنت عندما تصل إلى أصل الذات الإلهية محبة، وطاعة، وإنابة، وإقبالاً، أنت أسعد إنسان، فباب السعادة مفتوح في الدنيا، الدنيا تفرقكما والآخرة تجمعكما، الإيمان يجمعنا والانحراف عن الإيمان يفرقنا، لأن الدين لا يكون إلا مستقيم واحد، الحق لا يتعدد، لا يمر إلا مستقيم واحد بين نقطتين، لكن يمر بينهما مليون خط منحن، مليون خط منكسر، أما الخط المستقيم بين نقطتين فواحد، لو رسمت مليون خط بين نقطتين تأتي فوق بعضها كلها، فالحق لا يتعدد والباطل متعدد، اسمع الآن الآيات:

﴿وَأَنَّ هذا صِراطي مُستَقيمًا ﴾

[ سورة الأنعام: ١٥٣]

 مفرد:

﴿ فَاتَّبِعوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبيلِهِ ﴾

[ سورة الأنعام: ١٥٣]

 الباطل متعدد، يوجد شهوات باطلة، مصالح باطلة، كبر باطل، مناصب باطلة، انحرافات أخلاقية باطلة، الباطل متعدد والحق واحد.

 

إلزام الله عز وجل ذاته بهداية الخلق :

 النقطة الأخيرة الدقيقة: عمرك المحدود لا يكفي لاستيعاب الباطل، البوذية تحتاج إلى دراسة عميقة حوالي عشر سنوات كي تفهم جذورها، علاقتها بالنبوات، قديماً لها أثر بالنبوات، لماذا اعتنقها الناس؟ يوجد حوالي ألف دين في الأرض، فاستيعاب الباطل مستحيل، ما الحل؟ أن تستوعب الحق عمرك يكفي لاستيعاب الحق، إذا لم تستوعب الحق فما سواه الباطل، فهذا العمر الثمين يجب أن تستوعب به الحق، ولكل عصر إنسان يسمو به، مهما كلف الأمر، رجال الحق في كل عصر موجودون، وكلما أنت كنت صادقاً أكثر يدلك الله عليهم، مثلاً شخص يعيش بألاسكا، رأى الشمس والقمر، وهذه المخلوقات، وهذه الأسماك، يا ربي هل يوجد خالق للكون؟ هذا السؤال، قال الله تعالى:

﴿إِنَّ عَلَينا لَلهُدى﴾

[ سورة الليل: ١٢]

 كلمة على مع الذات الإلهية أي تولى بذاته أي ألزم ذاته العلية بهداية الخلق، هذا يعثر على وظيفة في واشنطن، ينتقل إلى واشنطن وتبعثه هذه الشركة بمهمة للخليج، يسكن بجانب شخص مؤمن يدله على الله عز وجل، قال الله تعالى:

﴿وَلَو عَلِمَ اللَّهُ فيهِم خَيرًا لَأَسمَعَهُم ﴾

[ سورة الأنفال: ٢٣]

 إذا وجد الله فيك خيراً بحجم رأس الدبوس يسمعك الحق:

﴿وَلَو عَلِمَ اللَّهُ فيهِم خَيرًا لَأَسمَعَهُم ﴾

[ سورة الأنفال: ٢٣]

 إذا الله ينتظرنا، وإذا رجع العبد إلى الله نادى مناد في السموات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله، فالصلح مع الله هو غاية الغايات، الصلح مع الله يعني انتقلت إلى حالة من العناية الإلهية، حالة من السعادة.

 

النجاح الحقيقي نجاح شمولي :

 يوجد شيء اسمه: تجلّ، هذا مصطلح صوفي لكن يقابله مصطلح قرآني اسمه: سكينة، الإنسان سعيد بالسكينة وإن فقد كل شيء، ويشقى بفقدها ولو بلغ كل شيء، السكينة شيء يحير، سعادة، رضا، توازن، رؤية صحيحة، موقف شجاع، موقف قوي، ببيتك ناجح، بعملك ناجح، مع ربك ناجح.
 الآن لم يعد يفهم النجاح جزئياً، فقد ينجح الإنسان في جمع المال، وقد ينجح بتسلم منصب رفيع، الوصول لمرتبة رئيس جمهورية ببلد مثلاً هذه ليست سهلة، يتمتع بخصائص كبيرة جداً، فقد تنجح بمنصب، أو بثروة، أو بعلم معين، أما النجاح الحقيقي فنجاح شمولي، أن تنجح مع الله، ومع أهلك، ومع والديك، ومع أسرتك، ومع جيرانك، فالنجاح شمولي، لم يعد هناك نجاح جزئي، إذا دققت في حياة مؤمن تجد عنده نجاحاً شمولياً، سمعته طيبة، محبوب، متواضع، أصدقاؤه كثر، فكلما كثر المحبون من حولك هذه علامة إيمانك، وعلامة إحسانك، نسأل الله أن يجعلنا من هؤلاء، ويحفظكم جميعاً ويحفظ إيمانكم، وأهلكم، وأولادكم، وصحتكم، ومالكم.
 اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.

بطولة الإنسان أن يرى إيجابيات بلده و ليس سلبياته :

 أخواننا الكرام، أنا أستأذن منكم عندي سفرة لفرنسا، إن شاء الله نستأنف الدروس يوم السبت الواقع في الثلاثين من هذا الشهر، زيارة للجالية الإسلامية في فرنسا، ترى المسلم متميزاً، مرة قلت لهم: شخص أحب ابنة جاره، استأذن والده من الزواج منها، قال له: لا يا ولدي إنها أختك وأمك لا تدري، الثانية أيضاً كانت أخته، والثالثة أخته، فقال لأمه قالت له: خذ أيا شئت فأنت لست ابنه وهو لا يدري، والله نعيش بنعم والله لا نعرف قيمتها، نعم يوجد تماسك أسري، الأب أب، والأم أم.
 كنت بأستراليا وعندما أردت المغادرة، ودعني رئيس الجالية شخص متفوق جداً ثم بكى والله، قال لي: بلغ أخواننا في الشام أن مزابل الشام خير من جنات أستراليا، وأستراليا من أجمل بلاد العالم، عدد سكانها ثمانية عشر مليوناً، بلاد مزروعة تربتها من ثلاثمئة سنة، هناك الصبارة حجمها كبير.
 مرة أحضروا لي رأس ملفوف إلى الفندق ماذا أفعل به؟ بقيت أسبوعين أنتقدهم، أنا جالس بفندق، ماذا أفعل برأس الملفوف فإذا هو خس، طعمه حلو، وهو على شكل كرة، يوجد فواكه لا وجود لها عندنا إطلاقاً، بلاد كبيرة غنية، أي إذا الشخص لزمه كيس من النايلون، يطلبه من البائع فيعطيه إياه، يسأله عن ثمنه، يقول له: لا داع لثمنه، ثمنه لا يذكر، هناك الخروف ليس لها ثمن، عندنا ثمنه عشرة آلاف، يوجد خيرات كثيرة بأستراليا، قال لي: بلغ أخواننا في الشام أن مزابل الشام خير من جنات أستراليا، قلت له: اشرح لي؟ قال لي: ابنك خمسون بالمئة ملحداً وخمسون شاذاً، وإن لم تصدقني فاسأل.
تصورت أنا بلادنا، عندك ولدان يحترمونك كثيراً، يخافون عليك، يدرسون في الجامعة، يتزوجون، يأتون هم وأولادهم يوم الجمعة، يقبّل يدك أمام الكل، يسألك الرضا، هذه نعمة كبيرة، فيجب أن ننتبه للأشياء التي نملكها، بطولتك الآن أن ترى إيجابياتنا وليس سلبياتنا، أن تعرف قيمة بلادنا.
أحياناً أخت تبيع بيتها من أجل أن يقوم أخوها بعملية معقدة، الأخوة مقدسة عندنا، الأسرة متماسكة.
 يوجد عندنا بقية حياء، بقية إيمان، بقية مروءة، بقية شرف، نحن عندنا بقايا مروءة، يوجد القليل من الحياء، القليل من الخجل، من الرحمة، تراه يتزوج يصاب بالشلل تخدمه زوجته ثلاثين سنة، بالعالم الغربي تطرده.
 والله عندنا إيجابيات في بلادنا. دائماً عندنا مرض اسمه: جلد الذات، مرض نفسي، أينما تجلس نحن متخلفون، عندنا رشوة، فساد، يوجد عندنا تماسك أسري، الأبوة غالية، مرة شخص واقف على نهر السين رآه شخص سوري هو من قال لي القصة، أحبّ أن يختبر نفسه باللغة الفرنسية، قال له: بماذا تفكر؟ قال له: أفكر أن أقتل والدي- هذا الشخص أتى من بلاد المسلمين والأب مقدس- لماذا؟ قال له: أحببت فتاة وهو أخذها مني، أتى ببالي أنه في الكثير من الأحيان شخص يبيع بيته في الشام، ويسكن بالريف، بيته بالشام خمسة أضعاف الريف، اشترى أربعة بيوت لأولاده في بناء واحد، وهو أخذ البيت الخامس، خرج من المدينة المرتبة النظيفة وسكن بالريف ليزوج أولاده، هذه مكررة كثيراً عندنا في الشام، لا يوجد هكذا شيء في بلاد الغرب، يوجد أنانية عالية جداً، نحن نحتاج أن نرى إيجابيات حياتنا وهي الله كثيرة.

الموضوعيّة قيمة أخلاقيّة وعلميّة :

 أقول لكم كلمة دقيقة: الموضوعية قيمة أخلاقية وقيمة علمية، إذا كنت موضوعياً فأنت أخلاقي، وإذا كنت موضوعياً فأنت عالم، كلمة مشتركة بين العلم والأخلاق الموضوعية.
 لذلك كنا مرة في الجامعة نحضر مناقشة دكتوراه، هذا الطالب الذي يقرأ ملخص الدكتوراه التي أعدها أتت عبارة منه فيها تعميم، قال لهم مستشار الرئيس: قف، التعميم من العمى، لا تعمم والله قال:

﴿وَإِن مِن أَهلِ الكِتابِ ﴾

[سورة آل عمران: ١٩٩]

 عندما تعمم يكون هناك جهل، عندما تعمم سقطت علمياً، لا تعمم، التعميم من العمى، فالله عز وجل قال:

﴿وَإِن مِن أَهلِ الكِتابِ ﴾

[سورة آل عمران: ١٩٩]

 لم يقل إن أهل الكتاب، قال: من، و من للتبعيض، نسأل الله عز وجل أن يرحمنا برحمته، بارك الله بكم، وسامحونا.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور