وضع داكن
16-04-2024
Logo
الدرس : 142 - قصة الصحابي عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

معاداة عدي بن حاتم للنبي الكريم :

 موضوع الدرس اليوم عنوانه: عدي بن حاتم، فعدي بن حاتم الطائي ملك من ملوك العرب، لان للإيمان بعد إعراض وصد، وأعطى الطاعة لرسول الله عليه الصلاة والسلام بعد إباء وكبر، عدي بن حاتم ورث الرئاسة عن أبيه، فملكته طي عليها، وفرضت له الربع من غنائمها، وأسلمت إليه القيادة.
لما صدع النبي عليه الصلاة والسلام بدعوة الهدى والحق، ودانت له الجزيرة العربية حياً بعد حي، رأى عدي في دعوة النبي عليه الصلاة والسلام زعامة توشك أن تنقضي، بل توشك أن تقضي على زعامته، ورياسة ستفضي إلى إزالة رياسته، فعادى النبي الكريم أشدّ العداوة، وهو لا يعرفه، وأبغضه أعظم البغض قبل أن يراه، وظلّ على عداوته للإسلام قريباً من عشرين عاماً عدواً لدوداً للنبي الكريم، حتى شرح الله صدره لدعوة الحق والهدى.
 أيها الأخوة الكرام؛ هذه القصة المؤثرة نترك لصاحبها عدي بن حاتم روايتها، يقول عدي بن حاتم: ما من رجل من العرب كان أشدّ مني كراهية لرسول الله عليه الصلاة والسلام، حين سمعت به فقد كنت امرأ شريفاً، وكنت أسير بقومي في المرباع - أي أخذ منهم ربع أموالهم- فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم كرهته، ولما عظم أمره، واشتدت شوكته، وجعلت جيوشه وسراياه تشرق وتغرب في أرض العرب، قلت لغلام لي يرعى إبلي: لا أبا لك أعدد لي من إبلي نوقاً سماناً، سهلة القياد واربطها قريباً مني، فإن سمعت بجيش محمد أو بسرية من سراياه قد وطأت هذه البلاد فأعلمني.
 وفي ذات غداة أقبل عليّ غلامي وقال: يا مولاي ما كنت تنوي أن تصنعه إذا وطأت أرضك خيل محمد فاصنعه الآن، فقلت: ولم ثكلتك أمك؟ قال: إني قد رأيت رايات تجوس خلال الديار، فسألت عنها فقيل لي: هذا جيش محمد، فقلت له: أعدد لي النوق التي أمرتك بإعدادها وقربها مني، ثم نهضت لساعتي فدعوت أهلي وأولادي إلى الرحيل عن الأرض التي أحببناها، وجعلت أعد السير إلى بلاد الشام لألحق بأهل ديني، وأنزل بينهم، وقد أعجلني الأمر عن استقصاء أهلي- لم يستقصهم جميعاً- فلما اجتزت مواضع الخطر تفقدت أهلي، فإذا بي تركت أختاً لي في مواطننا - نسي أخته- مع من بقي من طي، ولم يكن لي سبيل إلى الرجوع إليها، فمضيت بمن معي حتى بلغت الشام، وأقمت فيها بين أبناء ديني، وأما أختي فقد نزل بها ما كنت أتوقعه.

قصة عدي بن حاتم مع النبي عليه الصلاة والسلام :

 لقد بلغني وأنا في ديار الشام أن خيل محمد صلى الله عليه وسلم أغارت على ديارنا، وأخذت أختي في جملة من أخذته من السبايا، وسيقت إلى يثرب – للمدينة- وضعت أخته مع السبايا في حظيرة عند باب المسجد - أخته اسمها سفانة- وضعت مع السبايا في مكان بجانب المسجد- فمر بها النبي عليه الصلاة والسلام فقامت إليه وقالت: يا رسول الله هلك الوالد - أي حاتم الطائي كان من أكرم كرماء العرب- وغاب الوافد - أخوها ذهب إلى الشام- فامنن عليّ منّ الله عليك، قال: ومن وافدك؟ قالت: عدي بن حاتم - أي أخوها- فقال: الفار من الله ورسوله؟ - طبعاً النبي كان يستقصي الأخبار- ثم مضى النبي عليه الصلاة والسلام وتركها.
 فلما كان الغدو - أي في اليوم الثاني مرّ بها فقالت له مثل قولها بالأمس، فقال لها مثل قوله: الفار من الله ورسوله؟- فلما كان بعد الغد في اليوم الثالث مرّ بها وقد يئست منه، فلم تقل شيئاً، فأشار إليها رجل من خلفه أن قومي إليه وكلميه، فقامت إليه وقالت: يا رسول الله هلك الوالد، وغاب الوافد، فامنن عليّ منّ الله عليك، فقال: قد فعلت، فقالت: إني أريد اللحاق بأهلي في الشام، فقال عليه الصلاة والسلام: ولكن لا تعجلي بالخروج حتى تجدي من تثقين به من قومك ليبلغك بلاد الشام، فإذا وجدت الثقة فأعلميني.
 ولما انصرف النبي الكريم سألت عن الرجل الذي أشار إليها أن تكلمه لليوم الثالث فقيل لها: إنه علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، ثم أقامت حتى أتى ركب فيه من تثق به- جاء ركب للمدينة فيهم من تثق به - فجاءت النبي عليه الصلاة والسلام وقالت: يا رسول الله لقد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ، فكساها النبي عليه الصلاة والسلام ومنحها ناقة تحملها وأعطاها نفقة تكفيها، فخرجت مع الركب - أعطاها ناقة وحاجات ومال فخرجت مع الركب- ماذا فعل أخوها عدي بن حاتم بعد أن علم أن أخته في الأسر؟ الحقيقة كما هو معروف كان أخوها متألماً أشدّ الألم بأنه نسيها.
 قال عدي: ثم جعلنا بعد ذلك نتنسم أخبارها ونترقب قدومها، ونحن لا نكاد نصدق ما روي لنا من خبرها مع محمد، عاملها أطيب معاملة، وسمح لها أن تغادر، وأعطاها ناقة ومال، وكل حاجاتها، فقط قال لها: ابحثي عمن تثقين به واذهبي إلى قومك، قال: لا نكاد نصدق ما روي لنا من خبرها مع محمد، وإحسانه إليها كل ذلك الإحسان، مع ما كان مني تجاهه من عداوة - مدة عشرين سنة يعاديه ولم ينتقم- فوالله إني لقاعد في أهلي، إذ أبصرت امرأة في هودجها، تتجه نحونا، فقلت: ابنة حاتم أختي؟! فإذا هي هي، فلما وقفت علينا بادرتني بقولها: القاطع الظالم - قطع رحم لأنه نسيها- لقد احتملت بأهلك وولدك، وتركت بقية إخوتك وعورتك، وأنا امرأة، فقلت: أي أخيّة لا تقولي إلا خيراً، فإذا هو كما تناهى إليّ، فقلت لها: وكانت امرأة حازمة عاقلة: ما ترين في أمر هذا الرجل - عن سيدنا محمد ما قولك فيه- ؟ فقالت: أرى والله أن تلحق به، وتنضم لأصحابه سريعاً، فإن يكن نبياً – احتمال أن يكون نبياً- فلسابق فضله، وإن يكن ملكا فلن تذل عنده، فقال عدي: هيأت جهازي ومضيت حتى قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة من غير أمان، لم يأخذ أمان ولا كتاب وكان بلغني أنه قال: إني لأرجو أن يجعل الله يد عدي في يدي، بلغه أن النبي رجا الله أن يكون عدي من إخوانه، هذا الخبر طيب له قلبه وشجعه، فدخلت عليه - هنا بدأ الموضوع دخل على النبي الكريم - وهو في المسجد فسلمت عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: من الرجل؟ فقلت: عدي بن حاتم، فقام إليّ وأخذ بيدي، وانطلق بي إلى بيته، ثم قال: أنزلوا الناس منازلهم -عندي شاهد قوي جداً النبي عنددما أرسل رسالة إلى قيصر الروم بالرسالة: من محمد بن عبد الله إلى عظيم الروم، هذا ملك، إذا أنت رأيت إنساناً له رتبة معينة، لا تعتقد بطولتك أن تهينه، غلط، هذا لواء بالجيش مثلا أعطه لقباً، فمن محمد رسول الله إلى عظيم الروم، هو ليس عظيماً عند الله، لكن هذا لقبه، هذا الأدب، أنزلوا الناس منازلهم- فأخذ بيدي وانطلق بي إلى بيته، فوالله وهو ماض بي إلى البيت إذا لقيته امرأة ضعيفة كبيرة، ومعها صبي صغير فاستوقفته، وجعلت تكلمه في حاجتها، فظل معها حتى قضى حاجتها وأنا واقف، ألم تقل أخته: إما أنه نبي وإما أنه ملك، فقلت بنفسي: والله ما هذا بملك، امرأة ضعيفة فقيرة وقف معها ربع ساعة سمع شكوها، فقلت: والله ما هذا بأمر ملك ثم أخذ بيدي ومضى بي حتى أتى منزله.
 بالمناسبة بالعالم كله الدعوة لمطعم شيء، والدعوة إلى بيت شيء آخر، مرة كان عندنا مندوب شركة ياباني، دعوته إلى البيت، كبرت عنده بشكل غير معقول، المطعم موضوع سهل أما تدعوه إلى البيت فهذا شيء له مكانة كبيرة.
 فالنبي أخذه إلى بيته، فتناول وسادة من أدم محشوة الليف، فألقاها إليّ وقال: اجلس على هذه، فقلت: بل أنت، فقال: بل أنت، فامتثلت وجلست عليها، وجلس النبي على الأرض، هذه النبوة عنده ضيف عنده وسادة واحدة دفعها إليه، فجلست عليها وجلس هو على الأرض، إذ لم يكن في بيته سوى هذه الوسادة، فقلت في نفسي: والله ما هذا بأمر ملك، ثم التفت إليّ وقال: إيه يا عدي ابن حاتم، - إيه أي تكلم تفضل- ألم تكن ركوسياً؟ - هذا دين بين النصراني واليهودية- قلت: بلى، قال: ألم تكن تسير بقومك بالمرباع؟ - تأخذ ربع أموالهم- قلت: بلى، وعرفت أنه نبي مرسل، يعلم ما نجهل - هذا موضوع وحي كيف عرف تفاصيل حياتي- ثم قال لي...
 أخواننا الكرام، الآن يوجد ثلاثة أشياء الحقيقة أهم ما في هذه القصة ما الذي يمنع الناس أن يلتزموا بالدين؟
 قال له: لعلك يا عدي إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من حاجة المسلمين وفقرهم - مع الأسف الشديد المسلمون يملكون نصف ثروات الأرض، وهم أفقر أمم الأرض، كنت بغينيا أول بلد ألماس في العالم، إن أكلت برتقالة وألقيت القشرة في الأرض، هناك من يأكلها بعدك تماماً مباشرة، أغنى الدول في العالم الدول العربية والإسلامية وشعوبها أفقر الشعوب في الأرض- لعلك يا عدي إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من حاجة المسلمين وفقرهم؟ فاوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه - هذا تمّ بعهد سيدنا عمر بن عبد العزيز، يدور الموظف معه الزكاة من يأخذها لا أحد يأخذ شيئاً، هذه أول فكرة فقر المسلمين- ولعلك يا عدي إنما يمنعك من دخول هذا الدين ما ترى من قلة المسلمين وكثرة عدوهم؟- الآن العالم كله ضد الإسلام، العالم بأسره شرقه وغربه شماله وجنوبه والاشتراكي والرأسمالي والعربي والإسلامي مع الظالم، مع القاتل، ليس مع المظلوم- ولعله يا عدي إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من قلة المسلمين وكثرة عدوهم فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف أحداً، غنى وأمن- ولعله إنما يمنعك من دخول هذا الدين أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم؟- دول غربية معها قنابل نووية وانشطارية وعنقودية وأقمار صناعية قوى الأرض كلها في يد الكفار- ولعله يا عدي إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين أنك ترى أن الملك والسلطان في غير المسلمين وايم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم، وأن كنوز كسرى قد صارت إليهم، فقلت: كنوز كسرى؟ فقال: نعم كنوز كسرى، قال عدي: حينئذ شهدت أنه لا إله إلا الله وأنه رسول الله.
 النقطة الدقيقة هذا عدي بن حاتم عمّر طويلاً، وكان يقول: لقد تحققت اثنتان وبقيت الثالثة وإنها والله لابد كائنة، فقد رأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف شيئاً حتى تبلغ هذا البيت، وكنت في أول خيل أغارت على كنوز كسرى وأخذتها، وأحلف بالله لتجيئن الثالثة، ولقد شاء الله أن يحقق قول نبيه عليه الصلاة والسلام، فجاءت الثالثة في عهد الخليفة الزاهد العابد عمر بن عبد العزيز حيث فاضت الأموال على المسلمين حتى جعل مناديه ينادي على من يأخذ الأموال الزكاة من فقراء المسلمين فلم يجد أحداً.

الدين الإسلامي فردي و جماعي :

 أخواننا الكرام؛ زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، الوعود قائمة، تصلح نفسك كفرد تأتيك وعود الله الفردية، قال تعالى:

﴿ما يَفعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُم إِن شَكَرتُم وَآمَنتُم ﴾

[سورة النساء: ١٤٧]

 تصلح نفسك كأمة يأتيك النصر، قال تعالى:

﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فيهِم ﴾

[سورة الأنفال: ٣٣]

 والأمر بيدك الآن، إله موجود وعوده قائمة، إذا الناس كلها آمنت هذه نعمة كبيرة جداً، وإذا لم يؤمنوا فهم غارقون في شهواتهم وحظوظهم، تاركون فرائض ربهم، أنت تستقيم لوحدك، ديننا فردي جماعي، تطبقه الأمة تنتصر، تطبقه لوحدك بين مليار وثلاثمئة مليون تقطف كل ثماره الفردية.
 اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور