وضع داكن
20-04-2024
Logo
ندوة : 1 - قواعد الدعوة الى الله تعالى ، وكلما ارتفع الانسان زادت مساحة اهتمامه .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
 بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً ومرحباً بكم أحبتنا المشاهدين مع يوم جديد، وحياة جديدة نتعلم فيها الخير، ونقترب من السداد والتوفيق، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، يا عليم، يقول الباري عز وجل:

﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾

[ سورة يوسف: 108]

﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾

[ سورة المائدة : 67 ]

 يسرنا أحبتي المشاهدين في هذا اليوم المبارك أن نلتقي بضيف مبارك فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، أهلاً ومرحباً بكم شيخنا المبارك الذي حدثت الآذان قبل العيون.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وحفظ الله لكم بلدكم الطيب.
المذيع :
 نحن بداية نشكر إدارة الدعوة والإرشاد التي كانت سبباً في هذا اللقاء المبارك مع فضيلة الشيخ، وأنا سعيد أن ألتقي بكم، وقد التقيت بكم في اللقاء الأول في سوريا حفظها الله، وأعادها بإذن الله في بيتكم العامر، فما كان منكم حقيقة إلا أحرجتمونا بكرمكم الفياض، وجزاكم الله عنا وعن شباب الإسلام والمسلمين خير الجزاء، عنوان مبارك نريد أن نتحدث عنه: الدعوة إلى الله عز وجل، قواعد الدعوة إلى الله عز وجل، أسس الدعوة إلى الله.

 

الدعوة إلى الله أرقى عمل على الإطلاق :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.
الحقيقة الأولى في هذا اللقاء الطيب أنه ما من عمل يرقى إلى مستوى الدعوة إلى الله، قال تعالى:

﴿ أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً ﴾

[ سورة الأحزاب: 45-46 ]

 فإذا كان مقام النبوة الأول هو الدعوة إلى الله، فكل من سار على هدي النبي صلى الله عليه وسلم اكتسب من هذه الميزة شيئاً كثيراً، إلا أن هناك ملاحظة دقيقة جداً وهي أنه ما من عمل يتذبذب بين أن يكون أقدس عمل يرقى إلى صنعة الأنبياء، وقد يكون عملاً لا يستأهل إلا ابتسامة ساخرة كالدعوة إلى الله، يرقى إلى أعلى مستوى فيقترب من صنعة الأنبياء، ويسقط و لا يستأهل إلا ابتسامة ساخرة، بين أن يبذل الداعية في سبيل دعوته الغالي والرخيص، والنفس والنفيس، وبين أن يرتزق بها، الإمام الشافعي يقول: " لأن أرتزق بالرقص أفضل من أرتزق بالدين".
 الإنسان حينما يدعو إلى الله هناك مكان علية للدعوة إلى الله، تقريباً الإنسان له حرفة؛ النجار يتعامل مع الخشب، والحداد مع الحديد، والبناء مع الإسمنت، أما هذا الداعية فيتعامل مع نفوس طيبة طاهرة، أخذ بيدها إلى الله، عرفها بربها، فسعدت وأسعدت، نقول نحن في أدعيتنا:" اللهم صلّ على أسعدنا محمد" فإذا أردت أن تسعد فأسعد الناس، فالإنسان حينما يخرج من ذاته، من مصالحه، من همومه الخاصة، من حاجاته المادية إلى الشأن العام يرتقي، هناك من تهمه نفسه فقط، هناك من تتسع هذه الدائرة إلى أسرته، هناك من تتسع الدائرة إلى عائلته الكبيرة، أو إلى أهل بلده، أو إلى وطنه، أو إلى قومه، أو إلى المسلمين، أو إلى البشرية عامة، فكلما ارتفعت مكانة الإنسان اتسعت رؤيته.
 دعيت إلى مؤتمر في المغرب وعدت في الطائرة، وكان قائد الطائرة أحد تلاميذي قديماً، وضعني إلى جنبه في غرفة القيادة، لما دخلنا القطر العربي السوري، رأيت بأم عيني طرطوس وصيدا، أربعمئة كيلومتر بنظرة واحدة، ورأيت حمص والشام، مئة وستون كيلومتراً، فعلمتني هذه الرؤية حقيقة: كلما ارتفعت مكانة الإنسان اتسعت دائرة اهتمامه، فالأنبياء همهم البشر، كان يبكي على الكافرين الذين لم يؤمنوا به، فكلما ارتفعت مكانة الإنسان اتسعت دائرة رؤيته، واتسعت دائرة مشاعره، فالإنسان أحياناً يهتم بالبشرية كلها – الأنبياء- هناك أناس قوميون، أو وطنيون، أو عشائريون، أو أسريون، فكلما ضاقت الدائرة انخفض مستوى الإنسان، وكلما ارتفعت مكانة الإنسان اتسعت دائرة اهتمامه.
المذيع :
 دكتور أقل الدرجات أن يهتم الإنسان بنفسه.
الدكتور راتب :
 أناني.
المذيع :
 الأناني هو أقل درجة كلما اتسعت الدائرة.

 

البشر نموذجان لا ثالث لهما :

الدكتور راتب :
 والحقيقة هناك تقسيم آخر للبشرية أحبّ أن أنوه به، البشر على اختلاف مللهم، ونحلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وطوائفهم، هم نوعان فقط؛ عنصريون وإنسانيون، فإذا كان الإنسان يرى أن له ما ليس لغيره، وعلى غيره ما ليس عليه فهو عنصري، بدءاً من زوج يمضي سهرة بأكملها في انتقاد أم زوجته، فإن تكلمت زوجته عن أمه كلمة أقام عليها الدنيا، وحق الفيتو عنصري، من بيت إلى حق الفيتو، دولة من خمس دول إن قالت: لا، ألغي القرار، ولو كان إنسانياً، ولو كان فيه إنقاذ لشعب، فمادام هناك عنصرية في الأرض الحروب لن تقف، العنف لا يلد إلا العنف كتاب لفرانز، فانون، من أروع الكتب قرأته من دفته إلى دفته، ملخص ملخص الكتاب: العنف لا يلد إلا العنف، فأي جهة- فرد أو جماعة- لجؤوا إلى العنف سيواجهون عنفاً مضاداً ولو بعد حين، فالإنسان إن كان إنسانياً يرى أن لغيره ما له، وأن عليه ما على غيره، صار في إنسانية.
المذيع :
 دكتور نحن الآن نتكلم عن قواعد الدعوة إلى الله عز وجل، دائماً نقول في التربية وغير التربية: القدوة قبل الدعوة ولكن هل من الصواب أن يرى الإنسان في نفسه أنه قدوة؟

 

القدوة قبل الدعوة :

الدكتور راتب :
 لا، نحن قبل ذلك الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم، مثلاً: لو أن امرأة ألقت على ابنها أو على ابنتها عشر محاضرات في الصدق، ثم ذهبت إلى بيت الجيران فلما عادت إلى البيت جاء زوجها سألها: أخرجت من البيت؟ قالت: لا، كلمة لا ألغت عشر محاضرات في الصدق، لذلك القدوة قبل الدعوة، ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب؟ سيدنا عمر، الحكم الشرعي واضح، قال: أقطع يده. قال: إذاً فإن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك، إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفر لهم حرفتهم- مهمة الحاكم- فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية.
 أنا أقول: الذي يتمثل منهج الله عز وجل لو لم يتكلم كلمة واحدة يؤثر فيمن حوله، أنا أقول كلمة دقيقة: الصدق وحده دعوة، الأمانة دعوة، العفة دعوة، فالابن إذا رأى أباه صادقاً ما كذب على أمه أبداً، ورأى أباه في مواقف مشرفة دائماً، ما رآه في مواقف لا تليق به، فالطفل لا يحتاج إلى محاضرة إطلاقاً، يكفي أن يوجد بين أبوين مستقيمين، فالقدوة قبل الدعوة، صلاح البيت يكون بصلاح الأب والأم، صلاح البيت بيت ليس فيه كلمة بذيئة، ليس فيه موقف لا يرضي الله، ليس فيه عنف، فمادام هذا البيت هادئاً وفيه كلام طيب لو لم يتكلم الأب ولا كلمة مع ابنه ينشأ الابن كما يتمنى الأب، فالقدوة قبل الدعوة.
 الحقيقة أن المصلحين الاجتماعيين كثر، لكن الذي فعله الأنبياء لم يستطع أن يرقى إليه المصلحون، لسبب واحد أن الأنبياء فعلوا ما قالوا، لم يجد المدعو مسافة بين الأقوال والأفعال.
 مرة كنت في مصر والتقيت بالإمام الشعراوي رحمه الله تعالى وكنت أجلّه كثيراً، زرته مرتين أو ثلاث، في أحد المرات سألته أن يعطيني نصيحة للدعاة إلى الله، كنت أظن أن كلمته ستستمر إلى نصف ساعة أو ساعة، فإذا هي كلمة واحدة قال لي: ليحذر الداعية أن يراه المدعو على خلاف ما يدعو فقط، فالأب داعية، والأم داعية، والمعلم في المدرسة داعية، ليس من المعقول أن يدخن المعلم أمام الطلاب ثم يتحدث عن مضار التدخين، فمادام هناك تطابق بين الأقوال والأفعال، الدعوة أنا أسميها الآن: الدعوة الصامتة، هذه أبلغ من الدعوة الجهرية.
المذيع :
 دكتور هذا يقودنا إلى الإحسان قبل البيان.

الإحسان قبل البيان :

الدكتور راتب :
 لا بد من أن تملأ قلب المدعو بإحسانك ليفتح لك عقله لبيانك:

(( يا داود ذكر عبادي بإحساني، فإن القلوب جبلت على حبِّ من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها ))

[ ورد في الأثر ]

 الإحسان قبل البيان، إذا ملأت قلب المدعو بإحسانك فتح عقله لبيانك.
 أقول للأخوة الدعاة إلى الله، لخطباء المساجد، لكل إنسان له منصب دعوي أو منصب قيادي: هذا الذي معك يحتاج إلى أن تكون أنت مثالاً أعلى له، لذلك هناك آية كريمة دقيقة جداً جداً، وهي قوله تعالى:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾

[ سورة آل عمران : 159 ]

 هذه الباء باء السبب عند علماء النحو، بسبب رحمة استقرت في قلبك يا محمد من خلال اتصالك بنا كنت ليناً لهم فالتفوا من حولك، ولو كنت منقطعاً عنا لامتلأ القلب قسوة، ولانعكست القسوة غلظة وفظاظة، إذاً ينفضون من حولك، لذلك خاطب الله النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد الخلق، وحبيب الحق، وسيد ولد آدم، وسيد البشر الذي أوحي إليه، أوتي الإعجاز، أوتي البيان، أوتي الفصاحة، كأنه يقول له: مع كل هذه الخصائص أنت بالذات :

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾

[ سورة آل عمران : 159 ]

 فكيف بداعية ليس نبياً ولا رسولاً ولا يوحى إليه ولا معه الإعجاز وفيه غلظة؟ قال له: سأعظك بغلظة - إنسان داعية- قال له: ولم الغلظة يا أخي؟ لقد أرسل الله من هو خير منك إلى من هو شر مني، أرسل موسى إلى فرعون، قال تعالى:

﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً ﴾

[ سورة طه : 44 ]

 اللين في الدعوة أحد أسبابها الناجحة، نحن عندنا حالتان: لو قلت لإنسان: رشه، وأنت في المسبح، يرشه بماذا؟ بالماء، فإذا كنا في معركة قال الضابط للجندي: رشه، بالرصاص، البيئة حددت نوع الرش.
المذيع :
 الله يجعلنا دائماً في المسبح.
الدكتور راتب :
 فلذلك في السلم قال تعالى:

﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾

[ سورة فصلتٍ: 34]

 هذه أخلاق السلم أما أخلاق الحرب فقد قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾

[ سورة التوبة:73]

 أخلاق الحرب شيء، وأخلاق السلم شيء آخر، بعض الدعاة أصلحهم الله فهموا آيات الحرب وطبقوها في السلم.
المذيع :
 وأحياناً يأخذ آيات السلم ويطبقها في القتال، إذاً الإحسان قبل البيان.
الدكتور راتب :
 من أجل أن يفتح لك قلبه عندئذ يفتح لك عقله.

(( يا داود ذكر عبادي بإحساني، فإن القلوب جبلت على حبِّ من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها ))

[ ورد في الأثر ]

المذيع :
 دكتور جزاكم الله كل خير، الآن نريد أن نبدأ بالأصول أم الفروع مع المدعو؟

 

الابتعاد عن الغلو في الدين :

الدكتور راتب :
 أنا أقول: نبدأ بهما معاً، لأن أحياناً هناك مشكلة كبيرة جداً تزل بها القدم، أن نغرق في الجزئيات وننسى الأصول، ما هو الغلو في الدين؟ قال تعالى:

﴿ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ﴾

[ سورة النساء : 171 ]

 نهي إلهي صريح واضح قطعي المعنى، الغلو في الدين أن تأخذ جزئية من الدين تجعلها أصلاً في الدين، في قضية سنة أن تكفر من تركها هذا غلو في الدين، فيجب أن تضع كل شيء في مكانه الصحيح، لذلك هناك يقين حسي، هذا المصباح متألق، هذا يقين حسي، أدواته الحواس الخمس، أو استطالاتها، الميكروسكوب استطالة لحس البصر، والتليسكوب استطالة، الحواس الخمس أدوات اليقين الحسي، هناك أجهزة حديثة تعين الحواس على التكبير، أو على التصغير، هذا اليقين الحسي أدواته الحواس الخمس واستطالاتها، وهناك يقين عقلي شيء ثان، في اليقين الحسي عين الشيء ظهرت وآثاره، العين والآثار، أمامك قرص الشمس تراه وأشعتها أمامك، العين والآثار، أما أحياناً ترى دخاناً وراء جدار وأنت تقول: لا دخان بلا نار، فأنت لا ترى عين النار رأيت آثار النار، الإيمان بالله من هذا النوع، الله لا يرى، قال تعالى:

﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾

[ سورة الأنعام : 103 ]

﴿ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً ﴾

[ سورة الأعراف : 143]

 الله عز وجل لا يمكن أن نصل إليه بحواسنا، بل بعقولنا، عقولنا تصل إليه ولا تحيط به، لذلك قالوا: عين العلم به عين الجهل به.
المذيع :
 نشرح هذه الكلمة ولكن بعد الفاصل..
 حياكم الله أعزائي المشاهدين مع فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، عين العلم به عين الجهل به والعكس.
الدكتور راتب :
 إذا سألت شخصاً يقف أمام البحر المتوسط بأكمله في بيروت، في اللاذقية، في أي مكان في الساحل، كم لتراً هذا البحر؟ أي رقم يقوله لك فهو جاهل، فإذا قال: لا أعلم، فهو عالم، الله لا نهائي، الله عز وجل لا نهائي، ولأن الإنسان خلق لمعرفة الله فجعل نفسه لا نهائية، لذلك أي هدف نهائي محدود يختاره الإنسان هو سعيد قبل أن يصل إليه، فإذا وصل إليه انتهت سعادته، أي ما سمح الله للدنيا أن تمد الإنسان بسعادة مستمرة بل متناقصة، والدليل الذي لم يشتر مركبة ثم اشترى مركبة بعد أسبوعين تصبح عادية، اشترى بيتاً جديداً أول أسبوعين كلما جاءه ضيف يريه أثاث البيت، بعد أسبوعين الوضع يصبح طبيعياً، فأي شيء في الدنيا إذا وصلت إليه انتهى بريقه، هذه من حكمة الله عز وجل لئلا تكون الدنيا عقبة أمام الآخرة، فأي شيء من الدنيا تمله بعد حين، لذلك الإنسان إن لم يكن له هدف كبير، ووصل إلى هدفه الصغير يبدأ شقاؤه، هناك كتب كثيرة عن شقاء الأغنياء الأقوياء، وجدوا الشيء بلا معنى، أما الذي وصل إلى الله فهذا سعيد دائماً.

 

الفرق بين اللذة و السعادة :

 هناك ملاحظة أخرى أدق من ذلك هي: اللذة والسعادة، مصطلحان دقيقان، اللذة حسية؛ طعام طيب، منظر جميل، جبل أخضر، طفل وديع، اللذة حسية لكن هذه اللذة الحسية تحتاج إلى شروط ثلاثة، لحكمة بالغة بالغة بالغة دائماً ينقص أحد الشروط؛ في البدايات شباب وصحة ووقت فراغ لكن لا يوجد مال، في منتصف الحياة أسس عملاً واستلم وظيفة رفيعة، أسس معملاً، يوجد مال وصحة لكن لا يوجد وقت، تقدمت به السن سلم أولاده المعمل صار عنده فراغ و مال لكن لا يوجد صحة، لحكمة بالغة بالغة لا تتحقق شروط اللذة إلا بثلاثة شروط دائماً ينقصه أحدها، أما السعادة لمجرد أن تنعقد الصلة بالله فأنت أسعد الناس.

(( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ))

[ تفسير ابن كثير]

(( إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرهم إليّ صاعد، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر شيء إليّ، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب، أهل ذكري أهل مودتي، أهل شكري أهل زيادتي، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي... الشاهد .. إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة بمثلها وأعفو، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها ))

[ البيهقي والحاكم عن معاذ، والديلمي وابن عساكر عن أبي الدرداء ]

المذيع :
 دكتور قبل الفاصل في قضية الأصول والفروع، ما هي الأصول؟

 

الأصول قبل الفروع :

الدكتور راتب :
 الفقه أحد أصول الدين، التفسير أصل ثان، السيرة أصل ثالث، العقيدة أصل رابع، العقيدة والتفسير والحديث والفقه وأصول الدعوة، هذه كلها أصول، أما الفقه فأبواب كثيرة، عندنا الفقه المقارن، عندنا الفقه المعلل فقه الفرائض، فقه العبادات، فقه المعاملات، عندنا فروع كثيرة، الأصول والفروع معاً، الإنسان يجب أن يعرف أصول الدين حتى يرجع كل شيء إلى أصله.
المذيع :
 الدكتور محمد راتب النابلسي، هناك من نبرة صوته تجده دائماً يميل إلى الترهيب والوعيد، وكأن الإنسان ما إن يموت إلا وعذاب القبر قد أعدّ لهذا الميت، وأن كل ميت يعذب من قبره، وإن خرج من قبره إلى النار وإن كان موحداً، فالترهيب يغلب على كلامه.

الترغيب و الترهيب :

الدكتور راتب :
 الحقيقة هذا خطأ، وهذا تطرف في الدعوة، الدليل حينما قال الله عز وجل عن ذاته العلية:

﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾

[ سورة الرحمن: 78]

 أي ينبغي أن تخافه بقدر ما تحبه، أو ينبغي أن تحبه بقدر ما تخافه، فالداعية يجب أن يتخلق بأخلاق الله، أما دائماً وعيد وتشديد وألسنة اللهب في النار والثعابين فهذه ليست دعوة، ودائماً تطمين ساذج: شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، إذاً نرتكب الكبائر، هناك توجيه خاطئ و وعيد خاطئ و تبشير خاطئ، لا بد من التوازن، الكلمة الدقيقة:

﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾

[ سورة الرحمن: 78]

 يجب أن تجلّه بقدر ما تحبه، أو أن تحبه بقدر ما تجلّه، والأب الناجح يحار أولاده، يحبونه جميعاً، ويخافونه في الوقت نفسه، هذه البطولة، وفي بعض الآثار:"تخلقوا بأخلاق الله"، الداعية جانب من دعوته أحوال أهل الجنة، إيجابيات المؤمن في الحياة، هناك توفيق إلهي، رعاية إلهية، حفظ إلهي، دعم إلهي، دفاع إلهي، الله يدافع عن المؤمن، تكلم عن إيجابيات الإيمان، من أجل أن تحببهم، لذلك هناك كتاب كبير في الحديث عن الترهيب والترغيب، ما قال الترهيب فقط، ولا بد من أن يرى المدعو شيئاً من الشدة أحياناً كي يرتدع بها، الله عز وجل ينبغي أن نحبه وأن نخافه في الوقت نفسه.
المذيع :
 جناحان لطائر، المخرج يقول: كنا أطفالاً وأخافونا من النار والعقارب ونحن أطفال، أيضاً الطفل أحد المدعوين أليس كذلك؟

 

الدين توقيفي لا يضاف عليه و لا يحذف منه :

الدكتور راتب :
 هذه تولد عقدة سيدي، دائماً الدعوة غير المتوازنة تولد عقداً، الحقيقة أنا رأيي الشخصي: الدين توقيفي، معنى توقيفي لا يضاف عليه، إذا أضفنا عليه اتهمناه بالنقص، ولا يحذف منه، إن حذفنا منه اتهمناه بالزيادة، والحقيقة أحد أكبر أسباب ضعف المسلمين حذفوا أحد الفروض- الجهاد - فضعفوا، وحينما أضافوا على الدين ما ليس منه اقتتلوا، بالإضافة نقتتل كما ترى، وبالحذف نضعف، هذا الدين ينبغي أن يستمر كما بدأ، أن نأخذه بأكمله لا أن نختار منه، أخطر شيء بالدين هؤلاء الذين يصطفون من الدين ما يشاؤون، ما يعجبهم، هؤلاء لا وزن لهم عند الله، هذا الدين لا تقطف ثماره إلا إذا أخذته من كل أطرافه، الاصطفاء ما يعجبك مشكلة كبيرة.
المذيع :
 مسألة التدرج، هناك من الناس ويفترض في المستمع أنه يجب أن يتغير الآن.

 

التدرج في المعاملة :

الدكتور راتب :
 لي سؤال دقيق آيات تحريم الخمر كلها مثبتة في القرآن الكريم، فإذا قال الله عز وجل:

﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾

[ سورة النساء : 43 ]

 لماذا أبقاها؟ كي يعلمنا التدرج في معاملة الناس، بقاء الآيات بأكملها من أجل أن نتعلم من الله التدرج، التدرج للطفرة، المبادئ والقيم التدرج للطفرة، لا يمكن أن تعطيه كل شيء، إنسان إن أردت أن تقنعه بكلامك في أول جلسة زارك في البيت، فعليك ألا تعطيه المحرمات لن يرجع، سألك عن شيء اذكر له، اكتف بسؤاله، فكلما انتقل إلى مرحلة جاءت الثانية، فالتدرج حكمة، والتدرج ذكاء، والتدرج نجاح في الدعوة، فإذا درج الله تحريم الخمر في القرآن الكريم كي يعلمنا طريقة الدعوة إلى الله عز وجل، إنسان فرنسي أسلم على يد شيخ أزهري، الشيخ أصلحه الله أبقاه ستة أشهر في أحكام المياه، بكتب الفقه هناك أبحاث طويلة جداً ومملة، فترك الدين، فالتقى بأحد علماء مصر الكبار قال له: الماء الذي تشربه توضأ منه، ضغط ستة أشهر بكلمة واحدة، الآن بكل بيوتنا يوجد مياه نظيفة.
المذيع :
 التدرج للطفرة..
الدكتور راتب :
 أول شيء القدوة قبل الدعوة، والإحسان قبل البيان، والتدرج للطفرة، والأصول والفروع معاً، يجب أن يفهم المدعو أن هناك شيئاً اسمه: قرآن وتفسير وعقيدة و شرح، و هناك حديث وبيان وأسباب ورود، وأحكام فقهية، واختلاف الأحكام، وعلة كل حكم ما دليله، وما دام هناك أصول وفروع أعطيت المدعو منظومة كاملة.
المذيع :
 شيخ هناك من يقرأ في فقه الواقع ويقول: من يحتاج إلى الشدة أكثر من اللين لابتعاده عن الدين يحتاج إلى شيء من التخويف، وأن هناك عذاب قبر لا يمكن أن نتجاوزه، وشباب اليوم ابتعد قليلاً فهو بحاجة إلى جرعة قليلة حتى يعود.

 

التوازن في الدين :

الدكتور راتب :
 أنا أرى أنه بالتوازن يتحقق كل شيء، درس فيه وعد، درس فيه لطف، درس فيه رحمة الله، هذا الشاب أول حياته يفهم الدين توفيقاً في عمله، يفهم الدين نجاحاً بزواجه، يفهم الدين نجاحاً بأولاده، يفهم الدين نجاحاً بصحته، أنت حينما تعطيه الإيجابيات يتعلق بالدين، أما إذا اكتفيت بالسلبيات فتنفره من الدين، أنا أقول دائماً: هناك داعية إلى الله، وهناك منفر من الله، أنا مرة استمعت إلى درس في جامع ما، عن أحكام الإماء، وبيع الجارية، وشراء الجارية، وتأجير الجارية، موضوعات لا تعني أحداً في العالم الإسلامي، عندنا موضوعات ساخنة ما لم يضع الداعية يده على الموضوعات الساخنة لا يصغى إليه إطلاقاً، فكلما اختار موضوعاً بعيداً عن اهتمامات الناس أقفل الناس جهاز الإذاعة.
المذيع :
 التربية أيضاً من هذه الأمور؟

بطولة الإنسان أن يربي أولاده تربية يستمرون بها بعد موته :

الدكتور راتب :
 الحقيقة هناك معلومة سلبية مؤلمة جداً؛ وهذه نتيجة دراسات تربوية عالية جداً، أن هذا الطفل تستطيع أن تشكله كما تريد؛ بفكره وعاداته وتقاليده وقيمه ومفهوماته ومهاراته من سنة لسبع سنوات، وبعد هذا السن العوض بسلامتك، فنحن نهمل هذا السن ونهتم به بعد أن أصبح مراهقاً، وانفصل عن بيئته ووالديه، ولحق الآخرين، تجد البيت فيه عزاء، ابني خرج عن إرادتي، يجب أن تتابعه من يوم الولادة، فسئل هذا العالم: من يوم الولادة كيف؟ بكى معنى هذا أنه جائع، بعد أن رضع بكى يحتاج إلى تنظيف، بكى إن حملته لا يسكت، عودته أن يبكي بلا مبرر، يجب أن تتركه يبكي، من أول يوم تعلمه، الأب يحتاج إلى مبادئ تربية، كيف يعلم أولاده؟ وحينما يكذب على أمهم أمامهم انتهت مبادئ الأب، وحينما يفعل شيئاً لا يفعله أمام الناس انتهت مكانة الأب، ما لم يكن الأب قدوة في بيته، ما لم ير الأولاد كمالاً واستقامة وورعاً وصدقاً وأمانة لا ينصاعون إليه، فالأبوة قبل أن تتكلم، هناك صفات في الأب يجب أن تتواجد، الأبوة رسالة، الحقيقة ما من عمل أرجى عند الله من تربية الأولاد، قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾

[ سورة الطور : 21 ]

 أي أعمال الذرية إلى ما شاء الله في صحيفة الآباء، لذلك تربية الأولاد أربح تجارة مع الله، والآن مع الأسف الشديد لم يبق في أيدي المسلمين من ورقة رابحة إلا أولادهم، بل إنني أقول متفائلاً: هناك قنبلة الذُّريّة تقف أمام القنبلة الذَّريّة.
المذيع :
 فاصل ونعود إليكم...
 حياكم الله أعزائي المشاهدين مع برنامجكم الأسبوعي: مفاتيح الخير، و مع فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، قبل أن نبدأ الرسائل القنبلة الذرية.
الدكتور راتب :
 نواجه القنبلة الذَّريّة بقنبلة الذُّريّة، أي الورقة الرابحة الوحيدة في أيدينا أولادنا، فإذا عرفناهم بحقائق هذا الدين، أعطيناهم تربية إيمانية، وتربية أخلاقية، وتربية علمية، وتربية نفسية، وتربية اجتماعية، وتربية جنسية، أنواع التربية، الحقيقة التربية دقيقة جداً وهي بحث من أخطر البحوث، لأن الأب حينما يرى أولاده كما يتمنى هو أسعد الناس، والله وصف هذه السعادة بأنها قرة العين، قال تعالى:

﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾

[سورة الفرقان : 74 ]

 هذا الابن امتداد للأب، الإنسان حريص على سلامته، وعلى سعادته، وعلى استمراره، فالسلامة بتطبيق تعليمات الصانع، لأن الصانع هو الجهة الوحيدة الخبيرة، فاتباع تعليمات الصانع استقامة، والعمل الصالح إقبال على الله عز وجل، بالاستقامة نسلم، بالعمل الصالح نسعد، أنت بحاجة إلى سلامة وسعادة واستمرار، وبتربية الأولاد نستمر، بالاستقامة نسلم، بالعمل الصالح نسعد، وبتربية الأولاد نستمر، فلذلك أنا أذكر أن أحد علماء الشام الكبار توفي رحمه الله في اليوم الثالث من التعزية قام ابنه وألقى خطاباً لا يقل عن أبيه فبكيت، أنا قلت: إذاً لم يمت الأب، فكل بطولة الإنسان أن يربي أولاده تربية يستمرون بها بعد موته، هذا العمل العظيم، أنا لا أرى عملاً يفوق تربية الأولاد، لأنه عمل مستمر إلى يوم القيامة، قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾

[ سورة الطور : 21 ]

 قال العلماء: ألحقنا بهم أعمال ذريتهم، قال تعالى:

﴿ْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾

[ سورة الطور : 21 ]

 هذه تغيب عن بعض الآباء، يفاجأ الأب أن ابنه لا يؤمن بما يؤمن به هو، بل هو على منهج آخر، فعندئذ يكون الولد غيظاً، والمطر قيظاً، ويغيض الكرام غيضاً، ويفيض اللئام فيضاً.
الدكتور راتب :
 فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، ما الفرق بين التربية الإيمانية والتربية الأخلاقية؟

 

الفرق بين التربية الإيمانيّة والتربية الأخلاقيّة :

المذيع :

(( إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ... ))

[ الترمذي، ابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 كلام دقيق جداً العطف يقتضي التغاير، الدين غير الخلق، هذا الشاب يصلي ويصوم ويحج البيت ويؤدي زكاة ماله، لكن طباعه سيئة جداً، فلا بد من الدين والخلق معاً.

(( يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب ))

[ أحمد عن أبي أمامة الباهلي ]

 فإذا كذب وخان ليس مؤمناً، غير موضوع الأخلاق طبعه عنيف، طبعه هادئ، طبعه اجتماعي، طبعه يحب العزلة، هذه الخلال كلها مقبولة، هذا يسمونه: الصفات المتنوعة، إلا الخيانة والكذب هذه إذا كان بها فقد الإنسان قيمته.
المذيع :
 دكتور لاشك أن أبناءنا يجلسون مع المعلمين أكثر ما يجلسون مع آبائهم، وهذا المعلم كذلك له ظروفه، له واجبات عليه أن يقوم بها، له أن يتحمل سوء تربية الآباء، يجلس مع كل هذه البيئات لساعات طويلة، نريد أن نوجه إليه رسالة ونرفع عنه الضغط الذي يعيشه.

 

الدول التي تعتني بمعلمها تعتني بمستقبلها :

الدكتور راتب :
 أنا أقول: فلذة أكبادنا بين يدي معلم، دخله قليل جداً، يضطر إلى أن يعمل عملاً آخر، هذا العمل الآخر يلغي وقت فراغه، يلغي إنسانيته، فحينما ندفع المعلم إلى أن يعمل عملاً آخر معنى هذا أننا أفقدناه إنسانيته، أين الوقت ليتعلم الحقائق ليعطيها لطلابه؟ ليتعلم المبادئ ليعطيها لطلابه؟ المشكلة الدقيقة أن هذا المعلم أخطر إنسان في حياتنا، وأنا أعتقد ولا أبالغ في بعض الدول ولا سيما ألمانيا أن المعلم يحتل أعلى مرتبة في المجتمع، في كل قرية بألمانيا أجمل بيت للمعلم، هذا الذي يتولى أمر ابنك، فلذة كبدك بين يديه، لو لم يكن صالحاً علمه الكذب، علمه الإساءة، علمه التدخين، علمه أشياء كثيرة، فنحن حينما نهمل التعليم الابتدائي ونعتني بالتعليم الجامعي نفعل خطأ كبيراً، فيما سمعت أن بعض الدول تعتني بالمعلم قبل كل شيء، يعطيه المبادئ الصحيحة والمنهج القويم، فحينما نعتني بالمعلم نعتني بمستقبلنا، هذه حقيقة مؤلمة.
المذيع :
 من يشارك كذلك في العملية التربوية بعد الأساتذة، قضية الإعلام وهو مشارك أساسي وفعال في التربية.

 

الإعلام مشارك أساسي وفعّال في التربية :

الدكتور راتب :
 ما الفرق بين المحاضرة والقصة؟ أو بين المحاضرة والمسرحية؟ القصة فيها أشخاص، فيها حوادث، فيها بيئة، فيها حوار، والقصة تتسلل إلى خطوط دفاعنا، أنت مثلاً لا يمكن أن تقنع إنساناً بعمل سيئ بوعيه، أما حينما تقدم له قصة تريه فيها أن أهل الفجور أسعد الناس في بيوتهم، بقصورهم، بتفلتهم، بنزواتهم، بغرائزهم، ثلاث ساعات يقدم لك الفيلم أهل الفجور بأعلى مرتبة، بسعادة غير معقولة، قد يأتي المغزى قبل دقيقة من نهاية الفيلم، هذه لا تقدم ولا تؤخر، فأنت حينما تسمح لابنك أن يتلقى توجيهاً غير مباشر، الحقيقة التوجيه المباشر قد لا يصلح، أما أنت تريه شيئاً محبباً، أحياناً الذي كسب المال الحرام يعيش برفاهية غير معقولة، أما حينما تريه أن الإنسان الفاضل يعيش حياة راقية جداً، هذا الذي نتمناه أن يكون في الأفلام، الأفلام تحرك الغرائز، تحرك الحالات الشاذة، الفيلم يجب أن يكون الشخص غير سوي حتى يجذب الناس، الوضع السوي لا يجذب، لو فرضنا دخل إلى بيتك شخص في العيد سألته عن أحواله، كان كلامه طيباً، وبارك لك بالعيد، وضيفته، وشكرك على الضيافة وذهب، لا يعلمك شيئاً هذا أما لو كان عنده رغبة بمدح ذاته صار محطة للسخرية، يجلب الناس دائماً، الحالات الفنية تحتاج إلى حالات شاذة، شخصيات غير متوازنة مع الأسف الشديد أصبحت قدوة هذه الشخصيات، الحقيقة هناك خطر كبير جداً، أنت إما أن تتلقى الفكر من فم شخص أو أن تراه من ثنايا سلوك معين، الذي يأتيك من ثنايا السلوك يتخطى خطوط الدفاع، إن أردت أن تقنع إنساناً بشيء حرام، والأديان كلها ترفض هذا الشيء، صوره على شكل فيلم ودعه يرى هذا الإنسان الذي ماله حرام، وساكن في بيت، ويملك سيارتين أو ثلاث، وحوله نساء جميلات، يقضي أيامه في المتنزهات، هذه مشكلة كبيرة جداً، والمستقيم تصوره على أنه إنسان مهمش في الحياة ، إذا وجد شيخ في الفيلم يصور على أنه مهمش، وكلامه غير منطقي، وموضع سخرية، هذه الأفلام تفعل في الأجيال ما لا تفعله الأسلحة، أنا أتمنى أن يكون هناك ضبط في البيت.
المذيع :
 الأب عنصر أساسي في البيت يقدم أعذاراً ومع الأعذار يقدم استقالته التربوية من المنزل، ويقول: المشاغل كبيرة جداً، وأصبحت الوظيفة ساعاتها طويلة جداً، وهناك التزامات خارج البيت كثيرة جداً، واكتفى بأن يوفر الطعام والشراب للبيت وتقوم الزوجة هي بما تفضلتم، دور الزوجة؟

الأسرة والمدرسة والإعلام ثلاثة مواطن خطيرة جداً تؤثر على الطفل :

الدكتور راتب :
 قبل دور الزوجة، أعظم خطأ يرتكبه الأب أن يضيع من يقوت - يطعمه - يشتغل ليلبسه، أدخله مدرسة قسطها عال، لكن لا يجلس معه، لا يربيه، لا يوجهه، لذلك ذلك الأب الذي لا يعتني بعقل ابنه، بأخلاق ابنه، ولا يقدم له التوجيهات لا سلوكاً ولا نصحاً وقع في خطأ كبير جداً، كما تفضلت الأسرة والمدرسة والإعلام ثلاثة مواطن خطيرة جداً، إذا صلحت الأسرة صلح المجتمع، والأسرة بناء، وأنا أقول: هذا البيت إذا دخل الأب إليه صار في البيت عيد، و هناك أب إذا خرج صار في البيت عيد، يجب على الأب أن يسأل نفسه: العيد بدخولي أم بخروجي؟
 الشيء الثاني؛ المدرسة عندما تهتم بتعيين أي إنسان مدرس معه كفاءة فقط، توجيهي أو أقل من توجيهي عيناه معلماً، لا تعلم المبادئ، ولا القيم، ولا أصول التدريس، ولا قوة الإقناع، ولا المبادئ، ما تعلم شيئاً، تسلمه فلذة كبدك؟! فلذلك الآثار الناتجة عن ضعف التعليم الابتدائي صارخة.
المذيع :
 دكتور المشكلة التي تفضلت بها أن هذا المعلم لعله تجاوز اختبار المادة التي يعلمها، ولكن المادة ليست أهم شيء، القيم والألفاظ.

التربية قبل التعليم :

الدكتور راتب :
 عندنا تربية وعندنا تعليم، كلما هبطت المرحلة هناك تربية قبل التعليم، وكلما صعدت المرحلة هناك تعليم، أستاذ جامعة لا يهمني أخلاقه أبداً، يهمني إلقاء محاضرة واضحة جداً فقط، فكلمنا ارتفع مستوى التعليم اكتفينا بالمضمون فقط، لو أن مدرساً دخن أمام طلابه، هذا شيء كبير جداً، لو أنه عاقب بألفاظ بذيئة مشكلة أكبر، هذا المعلم إذا لم يكن عنده أصول تدريس، عنده مبادئ وقيم أساسية، أنا أقول كلمة: لا بد من أن نحمل رسالة، الذي لا يحمل رسالة لا يمكن أن يكون في التعليم، ما الرسالة؟ أنا عندما أعتقد أن هذا الطفل رجل المستقبل، المستقبل عن طريق هؤلاء الصغار، فحينما ألقنهم المبادئ والقيم، أحببهم بالدين لا أنفرهم منه، لا أن أضربهم ضرباً مبرحاً يمتلئون حقداً على المعلم، نحن عندما نسلم أبناءنا إلى إنسان معلوماته محدودة جداً، و طباعه سيئة جداً، مقهور، يعاني من مشكلات لا يعانيها أحد غيره، فنحن ارتكبنا خطأ بحق أنفسنا، ما لم نهتم بالتعليم، وأنا أرى أن بعض البلاد وأظن أن بلاداً كثيرة تهتم بمعلم الابتدائي، هذا له مكانة كبيرة حتى في القرية، في ألمانيا أهم بيت للمعلم، هذا مسك أغلى شيء تملكه أنت، النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

(( إِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا ))

[ ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو]

(( إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ ))

[أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

 أقول: هذا الحديث وسام شرف لكل من عمل في التعليم.
المذيع :
 دكتور لدقيقة واحدة هناك من يقول: المجتمع المجتمع، من هو المجتمع؟

 

تعريف بالمجتمع :

الدكتور راتب :
 الحقيقة أنا أقول: هناك حياة فردية وحياة اجتماعية، أنت ممكن أن تطبق في بيتك ما تريد، من يمنعك أن تصلي الصبح في وقته؟ من يمنعك أن تقرأ القرآن؟ من يمنعك أن تقرأ حديثاً شريفاً؟ من يمنعك أن تغض البصر عما لا يجوز في التلفزيون؟ فأنت في بيتك، فالبيت مضمون لا يوجد مشكلة، أما مع المجتمع فتكتفي بالعلاقات الوظيفية فقط مع من لم يكن على شاكلتك، علاقات العمل لا شيء فيها، ينبغي أن تقيم علاقة حميمة مع من لا يدين بما تدين، لا يقر بما تقر، هذه مشكلة كبيرة جداً، وأرجو الله أن يعافينا منها.

خاتمة و توديع :

المذيع :
 اللهم آمين، نجدد كذلك شكرنا إلى فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، وكذلك نكرر شكرنا إلى إدارة الدعوة والإرشاد الديني، على أن كان سبباً باستضافة فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، جزاهم الله خيراً، ولهم جهود كثيرة وهم مشكورون عليها.
 أعزائي المشاهدين؛ وصلنا إلى الختام نستودعكم الله على أمل أن نلقاكم في الأسبوع القادم، ونحن وأنتم في أتمّ الصحة وأكمل العافية، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور

   

موضوعات متعلقة