وضع داكن
28-03-2024
Logo
مختلفة - الأردن - المحاضرة : 29 - مدينة عمان ، جمعية المركز الإسلامي الخيرية - أسباب التمكين في الأرض - صور من الإعجاز ومعرفة الآمر.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العلمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العلمين.

العبادة الشعائرية لا تقطف ثمارها إن لم تصح العبادة التعاملية :

أيتها الأخوات الفضليات؛ أيها الإأخوة الأكارم؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 بادئ ذي بدء قيل: القرآن كون ناطق، والكون قرآن صامت، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي، التعليق على هذه المقولة أن الناس اليوم ما لم يروا إسلاماً يمشي، النجاشي ملك الحبشة سأل سيدنا جعفر عن الإسلام قال:

(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه... ))

[ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

 أي إن حدثك فهو صادق، وإن عاملك فهو أمين، وإن استثيرت شهوته فهو عفيف، وفضلاً على كل ذلك صاحب نسب رفيع.

((....حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله لتوحيده، ولنعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء))

[ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

 هذه البنود بنود العبادة التعاملية، والصلاة والصوم والحج والزكاة بنود العبادة الشعائرية، والحقيقة الدقيقة والخطيرة أن العبادة الشعائرية على عظمها لا تقطف ثمارها إطلاقاً إن لم تصح العبادة التعاملية:

((ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط))

[الجامع الصغير عن أنس]

 لذلك ما لم ير الناس الآن إسلاماً يمشي أمامهم إن حدثهم فهو صادق، إن عاملهم فهو أمين، إن وضع في شبهة فهو عفيف.

 

من أخلّ بعبادة الله فالله في حلّ من وعوده :

 لذلك الله عز وجل قال:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم فِي الأَرضِ ﴾

[سورة النور: ٥٥]

 وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، نحن لسنا مستخلفين الآن:

﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُم دينَهُمُ الَّذِي ارتَضى لَهُم ﴾

[سورة النور: ٥٥]

 والدين الإسلامي الحقيقة المرة ليس ممكناً بل يواجه حرباً عالمية ثالثة كانت تحت الطاولة واليوم فوق الطاولة:

﴿ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِن بَعدِ خَوفِهِم أَمنًا ﴾

[سورة النور: ٥٥]

 نحن لسنا آمنين، لسنا مستخلفين، ولسنا ممكنين، التفسير الدقيق: الحدث لا نتفاوت في الإطلاع عليه لكن البطولة في تفسير الحدث قال تعالى:

﴿ يَعبُدونَني ﴾

[سورة النور: ٥٥]

 فإذا أخلّ الطرف الآخر بما كلفوا به من عبادة فالله جلّ جلاله في حلّ من وعوده الثلاثة.

 

العبادة خضوع كامل لمنهج الله :

﴿ يَعبُدونَني ﴾

  والعبادة طاعة طوعية ليست قسرية، الذي خلقنا وحياتنا بيده، ومن حولنا بيده، ورزقنا بيده، والأقوياء بيده، والطغاة بيده، ما أرادنا أن نعبده إكراهاً قال:

﴿ لا إِكراهَ فِي الدّينِ ﴾

[سورة البقرة: ٢٥٦]

 بل أراد أن تكون العلاقة به علاقة حب قال:

﴿ يُحِبُّهُم وَيُحِبّونَهُ ﴾

[سورة المائدة: ٥٤]

 والإنسان عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، غذاء العقل العلم، وغذاء القلب الحب، وغذاء الجسم الطعام والشراب، لذلك:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم فِي الأَرضِ كَمَا استَخلَفَ الَّذينَ مِن قَبلِهِم وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُم دينَهُمُ الَّذِي ارتَضى لَهُم وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِن بَعدِ خَوفِهِم أَمنًا ﴾

[سورة النور: ٥٥]

 بشرط:

﴿ يَعبُدونَني ﴾

[سورة النور: ٥٥]

 والعبادة كما قلت قبل قليل: طاعة خضوع لمنهج الله في أدق التفاصيل من أخص خصوصيات الإنسان، من العلاقات الزوجية إلى العلاقات الدولية، خضوع لمنهج الله خضوعاً كاملاً حتى نستحق ما وعد الله به:

من طبق سنة النبي في حياته فهو في مأمن من عذاب الله :

 لذلك قال تعالى:

﴿ وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فيهِم ﴾

[سورة الأنفال: ٣٣]

 أي ما دامت سنة النبي عليه الصلاة والسلام مطبقة في حياتنا، فمستحيل وألف ألف مستحيل أن يعذبوا، على مستوى الأمة مادام المنهج النبوي مطبقاً فنحن في بحبوحة طاعة رسول الله. وما دمنا نستغفر نحن في بحبوحة أخرى.

﴿ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُم وَهُم يَستَغفِرونَ ﴾

[سورة الأنفال: ٣٣]

 إذا وعد الله لنا بالاستخلاف والتمكين والتطيمن منوط بعبادته، والعبادة خصوع لمنهج الله، لكن الذي يتوهم أن الصلاة والصوم والحج والزكاة هي الإسلام نقول له: انتبه إلى قول النبي الكريم:

((بني الإسلام على خمس))

[البخاري وابن خزيمة عن عبد الله بن عمر ]

 الإسلام غير الخمس، هذه أعمدة أما الإسلام فمنهج في كسب مالك، في إنفاق مالك، في قضاء وقت فراغك، في علاقتك بأسرتك وبناتك وبأولادك وبجيرانك وبالأقوياء وبالضعاف وبالعلماء، شبكة علاقات واسعة جداً هذا هو الدين يبدأ من العلاقات الأسرية وهي من أخص خصوصيات الإنسان إلى العلاقات الدولية.

 

العبادة طاعة وسلوك وحركة :

 فيا أيها الأخوة الأكارم؛ وعد الله عز وجل منوط بآخر كلمة في الآية:

﴿ يَعبُدونَني ﴾

[سورة النور: ٥٥]

 والعبادة طاعة وسلوك وحركة، ما لم تتحرك، وما لم تصل ما أمر الله، وما لم تقطع ما أمر الله، وما لم تود ما أراد الله، أراد أن تكون ودوداً له، وما لم تتحرك وفق منهج الله لن تقطف من ثمار الدين شيئاً، عندئذ يصبح الإسلام فلكلوراً وتراثاً وعادات وتقاليد وهذه لا تقدم ولا تؤخر في ميزان النصر، لا بد من خضوع لمنهج الله، لذلك ورد في الأثر القدسي: " ليس كل مصلّ يصلي".
 الآن في الأرض يوجد مليار وسبعمئة مليون مسلم، وفي الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس]

 لن يغلبوا إذا كانوا اثني عشر ألفاً، وإذا كانوا ملياراً وسبعمئة مليون؟! وليست كلمتهم هي العليا؟! وليس أمرهم بيدهم؟! وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل، تابع الآية إلى كلمة،

﴿ يَعبُدونَني ﴾

  أي يوجد لدينا فلكلور إسلامي، يوجد لدينا خلفية إسلامي، أرضية إسلامية، توجهات إسلامية، مشاعر إسلامية، أقواس إسلامية، زخرفة إسلامية، الإسلام شيء آخر، الإسلام منهج تفصيلي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، هذا هو الإسلام، فما لم نعتمد الدين في كسب أموالنا، وفي إنفاق أموالنا، وفي أوقات فراغنا، وفي أفراحنا، وفي أتراحنا، لن نقطف من ثمار الدين شيئاً.

 

تعظيم الله بالتفكر في آياته :

 أيها الأخوة الكرام؛ لذلك ورد في الأثر القدسي: " ليس كل مصلّ يصلي إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي". الآية دقيقة جداً:

﴿ خُذوهُ فَغُلّوهُ* ثُمَّ الجَحيمَ صَلّوهُ* ثُمَّ في سِلسِلَةٍ ذَرعُها سَبعونَ ذِراعًا فَاسلُكوهُ* إِنَّهُ كانَ لا يُؤمِنُ بِاللَّهِ العَظيمِ ﴾

[سورة الحاقة: ٣٠-٣٣]

 آمن بالله، وإبليس آمن بالله ألم يقل:

﴿ قالَ فَبِعِزَّتِكَ ﴾

[سورة ص: ٨٢]

 ألم يقل:

﴿ قالَ رَبِّ فَأَنظِرني إِلى يَومِ يُبعَثونَ ﴾

[سورة الحجر: ٣٦]

 لكن إبليس ما آمن بالله العظيم،

﴿ لا يُؤمِنُ بِاللَّهِ العَظيمِ ﴾

  ضع تحت كلمة عظيم عشرة خطوط. كيف نعظم الله؟ إذا تفكرنا في آياته:

﴿ وَفِي الأَرضِ آياتٌ لِلموقِنينَ ﴾

[سورة الذاريات: ٢٠]

 أي بين الارض والشمس مئة وستة وخمسون مليون كليو متر، والشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، أي يدخل في جوف الشمس مليون وثلاثمئة ألف أرض وبينهما مئة وستة وخمسين مليون كيلو متر، وحينما قال الله عز وجل:

﴿ وَالسَّماءِ ذاتِ البُروجِ ﴾

[سورة البروج: ١]

 أحد أبراج السماء برج العقرب، فيه نجم صغير أحمر اللون، متألق، اسمه قلب العقرب، يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، يتسع للشمس التي تكبر الأرض بميلون وثلاثمئة ألف مرة، والأرض مع المسافة بينهما، هذا الإله العظيم يعصى؟! ألا يخطب وده؟! ألا ترجى جنته؟! ألا تخشى ناره؟!

أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنــــــــــا  فإنا منحنا بالرضا من أحبنــــــــــــــــــا
ولذ بحمانا واحتمِ بجنــابنـــــــــــــــــــا  لنحميك مما فيه أشرار خلقنـــــــــــــــا
وعن ذكرنا لا يشغلنك شاغـــــــــــل  وأخلص لنا تلقى المسرة والهنـــــــــا
وسلم إلينا الأمر في كل ما يكــن  فما القرب والإبعاد إلا بأمـــــــــــــرنــــا
فيا خجلي منه إذا هـو قال لـــــــي  أيا عبدنــــــــا ما قــــــــــــــــرأت كتابنــــا
أما تستحي منا ويكفيك ما جــرى  أما تختشي من عتبنا يوم جمعنــــا
أما آن أن تقلع عن الذنب راجعاً  وتنظــــــــــــر ما به جـــــــــــاء وعدنـــــا
فأحبابنا اختاروا المحبة مذهبـــــاً وما  خالفوا في مذهب الحب شرعنـا
فـلو شاهدت عيناك من حسننــــا  الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنـــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا  خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــــــــا
ولو ذقت مـن طعم المحبـــة ذرة  عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـة  لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــا
فما حبنا سهل وكل من ادعـــى  سهولته قلنا له قــــــــــــد جهلتنــــــــــــا
فأيسر مافي الحب للصب قتـلـه  وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنـــا
***

من عرف الآمر تفانى في طاعته :

 أخواننا الكرام؛ ليس كل مصلّ يصلي، هناك مليار إنسان يصلي، فيما أتوهم أن المسلمين مليار وسبعمئة مليون، فتوقعت أن هناك ملياراً يصلي:

(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس]

 معنى ذلك أنه يوجد لدينا خلل كبير يجب أن نبحث عنه، نحن فيما أتصور عرفنا الأمر ولم نعرف الآمر، إنك إن عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر.
 مثل من واقع الحياة؛ قد تأتيك رسالة من دائرة البريد، تعال غداً الساعة العاشرة تسلم رسالة مسجلة، لا تتحرك فيك شعرة وقد لا تذهب، وقد تأتيك رسالة من مؤسسة إذا دخلت لا تخرج، لا تنام الليل، الفرق بين الأمرين الآمر، فإذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر.
 نقطة الضعف عندنا أن المرحلة المكية محذوفة من حياتنا، في المرحلة المدنية يوجد كتب، يوجد توجيهات، يوجد تشريع، ويوجد فقه، لكن مع نفس الآمر، من هو الآمر؟ ماذا ينتظرك لو أطعته؟ وماذا ينتظرك لو عصيته؟ إذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، لذلك ليس كل مصلّ يصلي إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي.
 أخواننا الكرام؛ بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب عدا الشمس أربع سنوات ضوئية، يقطع الضوء في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر، في الدقيقة ضرب ستين، في الساعة ضرب ستين، في اليوم ضرب أربع وعشرين، في العام ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، أربع سنوات، هذا النجم أقرب نجم ملتهب عدا الشمس، لو أنك كلفت ابنك الصغير بآلة حاسبة أن يحسب لك المسافة بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب يحسبها لك بدقيقة واحدة، لو كان هناك مركبة أرضية لهذا النجم وانطلقنا كي نصل إلى أقرب نجم ملتهب، نحتاج إلى خمسين مليون عام، خمسون مليون عام لكي تصل إلى أقرب نجم ملتهب عدا الشمس، دقق قفزة واحدة نجم القطب أربعة آلاف سنة ضوئية، كنا بأربع سنوات القطب أربعة آلاف سنة، المرأة المسلسلة مليونا سنة ضوئية، أحد المجرات الحديثة ثلاثة عشر ألف مليون سنة، والضوء يقطع في الثانية ثلاثمئة ألف، افتح القرآن:

﴿ فَلا أُقسِمُ بِمَواقِعِ النُّجومِ ﴾

[سورة الواقعة: ٧٥]

 أي بالمسافات بين النجوم:

﴿ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَو تَعلَمونَ عَظيمٌ ﴾

[سورة الواقعة: ٧٦]

 هذا هو الله، هذا الذي انصرف الناس عنه، واشتغلوا بدنياهم.

 

الموت يلغي كل شيء :

 الإنسان يأتيه الموت، الموت يلغي كل شيء، يلغي قوة القوي وضعف الضعيف، وغنى الغني وفقر الفقير، وذكاء الذكي ومحدودية المحدود، يلغي كل شيء، هذا الذي يعيش وينسى ربه، كنت مرة في أمريكا أردت أن ألخصها بكلمتين، يعيشون لحظتهم فقط، وهدفهم الرخاء فقط، وجود الإله، الآخرة، الأبد، يوجد برزخ وجنة، هذا كله لم يدخل في حساباتهم إطلاقاً، وكلما قلدناهم وتطلعنا إليهم هكذا ورأينا أنهم في مستوى أرقى في حياتنا، هم ليسوا كذلك إطلاقاً، هم ليسوا مع النبي ووحي السماء.

أصل الدين معرفة الله :

 فيا أيها الأخوة الكرام؛ ليس كل مصلّ يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، أي ينبغي أن تقتطع من وقتك وقتاً لمعرفة الله، خلال حياتنا كلها نتعرف إلى أمر الله، أنا أريد أن تعرف الآمر، الصحابة أمضوا في مكة سنوات عديدة في معرفة الآمر، الآيات المكية كلها عن الله وعن الدار الآخرة فقط، جاء التشريع في المدينة، فإذا ألغينا من حياتنا المرحلة المكية وقعنا في خطأ عظيم أهملنا معرفة الله.

 

 سيدنا علي يقول: " أصل الدين معرفة الله". إنك إن عرفت الله ثم عرفت أمره، تفانيت في طاعته، لذلك ليس كل مصلّ يصلي إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، وكف شهواته عن محارمي، هذا النص يجمع تقريباً أركان الإسلام، ليس كل مصلّ يصلي إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي- معرفة الله- وكف شهواته عن محارمي- الاستقامة- ولم يصر على معصيتي- التوبة- وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب، وآوى الغريب- العمل الصالح- كل ذلك لي، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوأ عندي من نور الشمس على أن أجعل الجهالة له حلماً، والظلمة نوراً، يدعوني فألبيه، ويسألني فأعطيه، ويقسم عليّ فأبره، أكلؤه بقربي، وأستحفظه ملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها، ولا يتغير حالها.
 فلذلك أخواننا الكرام؛ لابد من أن نقتطع من وقتنا الثمين وقتاً لمعرفة الآمر، من هو الآمر؟! من هو الذي نطيعه؟! تصلي لمن؟! إذا صليت الصلاة التي أرادها الله أنت إنسان آخر لأنه إذا رجع العبد إلى الله نادى مناد في السموات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله، التهنئة الحقيقية حينما تصطلح مع الله فمن أحبنا أحببناه، ومن طلب منا أعطيناه، ومن اكتفى بنا عما لنا كنا له وما لنا.

الدين قضية مصيرية :

 أخواننا الكرام؛ الخير كله، والنجاح كله، والتوفيق كله، والتفوق كله في طاعة الله، لذلك قال تعالى:

﴿ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسولَهُ فَقَد فازَ فَوزًا عَظيمًا ﴾

[سورة الأحزاب: ٧١]

 للتقريب لو أن طفلاً صغيراً عمره عشر سنوات جاء العيد ومضى العيد زاره خاله، قال لخاله: أنا معي مبلغ عظيم، طفل مقيم في الأردن، أبوه موظف، قال: أنا معي مبلغ عظيم، كم تقيّم هذا المبلغ؟ أنا أقول: مئة دينار فرضاً، إذا قال لك مسؤول في البنتاغون: أعددنا لحرب العراق مبلغاً عظيماً، تقدر هذا المبلغ بمئتي مليار، والرقم الدقيق الأخير خمسمئة مليار، فإذا قال خالق الأكوان:

﴿ وَعَلَّمَكَ ما لَم تَكُن تَعلَمُ وَكانَ فَضلُ اللَّهِ عَلَيكَ عَظيمًا ﴾

[سورة النساء: ١١٣]

 ما هو الفضل العظيم؟ أن تعرف الله، إنك إن عرفته عرفت كل شيء، وإن فاتتك المعرفة فاتك كل شيء.
 فلهذا أيها الأخوة؛ الدين قضية مصيرية، أي الإنسان ينجح من السابع إلى الثامن .. عادي، من الثامن إلى التاسع، من التاسع إلى العاشر، من العاشر إلى الحادي عشر، من الحادي عشر إلى التوجيهي، الآن علاماته تحدد مصيره، طب، أو طب أسنان، أو علوم، أو فروع كثيرة جداً، وآخر الفروع لا يوجد هنالك عمل، ولو معك الشهادة، هي كالبطالة المقنعة.
 البطولة الآن أن تعرف الله في الوقت المناسب، لذلك أيها الأخوة الدين قضية مصيرية، الدين ليس وردة حمراء تضعها على صدرك، الدين هواء تستنشقه، إن لم تستنشقه فقدت الحياة، هذا هو الدين، فلان قال: أنا معي اختصاص في الهندسة، اختصاص في الهندسة لا يلغي طلب العلم، أنا العبد الفقير أعطني تخطيط قلب، لا أفهم منه شيئاً إلا أنه خطوط منكسرة، يأتي طبيب قلب يقول: هذا معه خوارج انقباض، هذا معه تسرع، هذا معه ضعف في العضلة القلبية، يفهم منه كل شيء، فكما أنك باختصاصك خبير، قد يكون أحدنا في الدين أمياً، فلا بد من طلب العلم.
 إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، إلا أن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظنّ أنه قد علم فقد جهل، طالب العلم يؤثر الآخرة عن الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا عن الآخرة فيخسرهما معاً.
 أرجو الله سبحانه وتعالى أن يحفظ لهذه البلاد أمنها وسلامتها، وهذه نعمة من أغلى النعم، ولا يعرفها إلا من فقدها، أن يحفظ لكم إيمانكم وأهلكم وأولادكم ومن يلوذ بكم وصحتكم ومالكم واستقرار بلادكم، هذه نعمة كبرى حافظوا عليها، أنتم في هذا البلد الطيب.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور