وضع داكن
29-03-2024
Logo
مختلفة - الأردن - المحاضرة : 19 - مدينة عمان، مسجد الحاج صالح أبو قورة - الصلاة عماد الدين ومن ثمارها الأمن والسكينة.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين. اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

عطاءات الذكر :

 أيها الأخوة الكرام؛ الله عز وجل يقول:

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾

[سورة طه:14]

 فالصلاة ذكر وحمد وتسبيح واستغفار، وفي آية أخرى قال تعالى:

﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾

[سورة البقرة:125]

 وقد قال ابن عباس رضي الله عنه بما معناه: إنك إذا أديت الصلاة ذكرته، وأديت واجب العبودية، لكنه إذا ذكرك ماذا يكون؟ أول عطاء من عطاءات الذكر أن يمنحك الأمن، قال الله تعالى:

﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ*الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

[سورة الأنعام81-82]

 إذا ذكرك الله منحك نعمة الأمن، وهذه نعمة لا يستحقها إلا المؤمن، فلذلك يلقي الله في قلوب عباده الذين شردوا عنه يلقي في قلوبهم الرعب بما أشركوا، فبين أن يلقي الله عز وجل في قلب المؤمن الأمن والطمأنينة وهذه نعمة ثمينة جداً لا يعرفها إلا من فقدها، الأمن غير السلامة، لو لم يحصل مكروه فأنت في سلامة، خلال عام مثلاً أنت في سلامة، ولكن الأمن عدم توقع المكروه، لأن توقع المصيبة مصيبة أكبر منها، أنت من خوف الفقر في فقر، وأنت من خوف المرض في مرض، وتوقع المصيبة مصيبة أكبر منها، لذلك الآية الكريمة:

﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ*الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

[سورة الأنعام81-82]

 فأنت إذا ذكرته أديت واجب العبودية، لكن الله يقول:

﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾

[سورة البقرة:125]

 فإذا ذكرك منحك نعمة الأمن، منحك نعمة السكينة، ما السكينة؟ يمكن أكبر عطاء إلهي، تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، السكينة، الرضا، أحدهم يدعو ربه عند الكعبة هل أنت راض عني؟ كان وراؤه الإمام الشافعي، فقال له: يا هذا هل أنت راض عن الله حتى يرضى عنك؟ قال: يا سبحان الله كيف أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه؟ فقال الشافعي رحمة الله تعالى: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله،

 

الصلاة عماد الدين وعصام اليقين :

 لذلك أخواننا الكرام؛ هذه الصلاة عماد الدين، وعصام اليقين، وسيدة القربات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسموات، والدين بالأصل صلاة، الصيام يسقط عن المريض والمسافر، والزكاة تسقط عن الفقير، والحج يسقط عن الفقير أو غير المستطيع صحة أو موافقة أو مالاً، لكن الصلاة لا تسقط بحال، إنها عماد الدين، وعصام اليقين، وسيدة القربات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسموات، إذاً أنت إذا صليت الصلاة التي أرادها الله أحد أكبر إمارة أن تشعر بالأمن، وهذه النعمة لا يملكها إلا المؤمن حصراً ، والدليل الآية الكريمة:

﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ*الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾

[سورة الأنعام:81-82]

 ما قال الله عز وجل: أولئك الأمن لهم، الأمن لهم ولغيرهم، أما لهم الأمن في التقديم والتأخير فصار هناك حصر هذا عند النحاة، أولئك لهم الأمن وحدهم، أما أولئك فالأمن لهم ولغيرهم وهم مهتدون. فلذلك الصلاة عماد الدين، وعصام اليقين، وسيدة القربات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسموات.

 

بطولة الإنسان أن يؤمن بالله العظيم :

 الآن دخلنا في الموضوع، إذاً العالم كله، سكان الأرض سبعة مليارات ونصف، المسلمون مليار وثمانمئة مليون، أنا سأتصور نصفهم يصلون معنى هذا أن هناك مليار إنسان يصلون، والنبي الكريم يقول:

(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس]

 والحديث صحيح، اثنا عشر ألفاً لا يغلبون، والمليار؟ إذاً عندنا خلل كبير، والبطولة أن نضع أيدينا على هذا الخلل، لذلك جاء الأثر القدسي يوضح الجواب: " ليس كل مصلّ يصلي إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي" دقق قال عز وجل:

﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ﴾

[سورة الحاقة30-33]

 تحت العظيم أربعة خطوط، ابليس آمن بالله:

﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ ﴾

[ سورة ص : 82 ]

 إبليس آمن بالآخرة قال:

﴿ فأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾

[ سورة ص : 79]

 لكنه إبليس اللعين، إذاً البطولة أن تؤمن بالله العظيم، والإله العظيم لا تدركه الأبصار ولكن العقول تصل إليه، تصل إليه ولا تحيط به، كما لو ركبت مركبتك إلى شاطئ البحر، هذه المركبة تنقلك إلى شاطئ البحر لكنك لن تستطيع أن تخوض بها البحر، فلذلك قال بعض العلماء: عين الجهل به عين العلم به، وعين العلم به عين الجهل به.
 أقرب مثل لو أن أحدهم وقف أمام البحر المتوسط، سألناه كم لتراً هذا البحر؟ فأعطى رقماً!! معنى هذا أنه جاهل، أي رقم يعطيه فهذا جاهل، هذه الإجابة فوق طاقة البشر، كم لتراً؟ فلذلك عين العلم به عين الجهل به، وعين الجهل به عين العلم به، أنت إذا قلت: لا أعلم فأنت عالم.

 

عظمة الله نكشفها من آياته الكونية و التكوينية و القرآنية :

 أيها الأخوة الكرام؛ ليس كل مصلّ يصلي إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، كيف أتعرف إلى عظمة الله؟ الله عز وجل أعطانا هذا الكون، وهذا الكون الثابت الأول بين أيدينا، نستمع إلى الأصوات، ونرى الألوان والأطيار والأسماك والجبال والوهاد والبحار والبحيرات والمخلوقات والنباتات والورود والمزروعات بين أيدينا، هذا الكون هو الثابت الأول، فلذلك قال تعالى:

﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾

[سورة آل عمران190-191]

 لذلك لا سبيل لمعرفة الله، ومعرفة الله أصل في الدين، أصل الدين معرفته، لأنك إذا عرفت الآمر تفانيت في طاعته، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في المعصية والانحراف، فالبطولة أن تعرف الآمر، فلذلك: إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، عظمة الله نكشفها من آيات الله، الله عز وجل له ثلاثة أنواع من الآيات؛ له آيات كونية الكون، آيات تكوينية أفعاله، آيات قرآنية كلامه.

 

لمحة من آيات الله الكونية :

 لنأخذ لمحة من آياته الكونية؛ الشمس والأرض، الشمس أكبر من الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، أي يمكن أن يدخل في جوف الشمس مليون وثلاثمئة ألف أرض، هي أشياء بديهية من مسلمات علم الفلك، وبين الأرض والشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، فحينما قال الله عز وجل:

﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ﴾

[سورة البروج:1]

 الأرض في دورتها حول الشمس تمر باثني عشر برجاً، هذه الأبراج أحدها اسمه برج العقرب، هناك نجم صغير أحمر متألق اسمه قلب العقرب، هذا النجم الصغير الأحمر المتألق يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، هذا الاله العظيم يعصى؟ ألا يخطب وده؟ ألا ترجى جنته؟

فلو شاهدت عيناك من حسننـــا  الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنـــــا
ولو سمعت أذنك حسن خطابــنا  خلعت عنك ثياب العجب وجئتنا
ولو ذقت من طعم المحبـــــة ذرة  عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبــنا
ولو نسمت من قربنا لك نسمــة  لمت غريبـــــــاً واشتياقــــــــاً لقربنـا
فما حبنا سهل وكل من ادعـــــى  سهولتـــــــه قلنا له قـــد جهلتنـــــــا
فأيسر ما في الحب للصب قتله  وأصعب من قتل الفتى يوم لقائنا
***

 لذلك أصل الدين معرفة الله، إنك إن عرفت الله عرفت كل شيء، وإن فاتتك هذه المعرفة فاتك كل شيء، ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحبّ إليك من كل شيء.

 

الكون والحوادث يدلان على الله :

 إذاً الكون يدلك على الله، والحوادث تدل على الله، الله عز وجل أمر أم سيدنا موسى أن تضعه في الصندوق، الصندوق يمشي في نهر النيل اقترب إلى الشاطئ، وقف أمام ضفته، ألقى في قلب امرأة العزيز أن تنزل إلى الساحل، معنى هذا أن خواطرنا بيد الله، وأي حركة بيد الله، وهذا دليل دقيق جداً، فلذلك ألقى الله عز وجل محبته في قلبها، قال تعالى:

﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾

[سورة طه:39]

 أنا استعير هذا المعنى لشيء نعيشه جميعاً، أي الأب يحب ابنه، ورد في الأثر أن نبياً كريماً يمشي، رأى امرأة تخبز على التنور، فكلما وضعت رغيفاً في التنور أمسكت ابنها الصغير وضمته، وشمته، وقبلته، ووضعت الرغيف الآخر، فهذا النبي الكريم قال: ما هذه الرحمة؟ فقال الله له بطريقة أو بأخرى بالمناجاة: هذه رحمتي وضعتها في قلبها وسأنزعها، فلما نزع الرحمة من قلبها وبكى طفلها ألقته في التنور.
 فنحن جميعاً نتراحم، لا يوجد بيت لا يوجد به أُسرة، والابن أغلى شيء، من وضع محبة الأبناء في قلوب الآباء والأمهات؟ الله عز وجل، لولا هذه المحبة وهذه الرحمة ما كان هذا الدرس كله.

تعظيم الله يتجلى في خلقه :

 أخواننا الكرام؛ العلم طويل جداً، أي هذا الدم الذي يدور في أوعية الجنين في بطن أمه، هناك دورة صغرى معطلة لأنه لا يوجد هواء ولا تنفس فالدورة صغرى، وعندنا دورة كبرى من القلب إلى أنحاء الجسم كافة، الدورة الصغرى من القلب إلى الرئتين للتصفية والعودة إلى القلب، الدورة الصغرى معطلة، كيف تعطلت؟ الله عز وجل فتح ثقباً بين الأذينين اكتشفه عالم فرنسي اسمه بوتال، دقق الآن عند الولادة - هذا كتب في كتب الطب- تأتي جلطة تغلق هذا الثقب، وإن لم يغلق أصيب الطفل بداء الزرق، وهو مرض قاتل، كم ولادة يوجد بالأرض؟ يد من؟ علم من؟ رحمة من؟ حكمة من؟ تأتي جلطة ولحكمة أرادها الله كل خمسمئة ألف مولود نلقى مولوداً الثقب لم يغلق عنده، لونه أزرق، يعيش كم سنة ويموت، الآن يوجد عمليات غالية جداً تكلف مئات الألوف لإغلاق هذا الثقب، الآن ولد الطفل كيف يعيش؟ بحاجة للغذاء، كيف يتغذى؟ من ثدي أمه، آلية المص هل تستطيع أن تعلمه إياها؟ هل هناك أب في الأرض في القارات الخمس يقول لابنه الذي ولد الآن: يا بني إن أردت أن ترضع ضع شفتيك على حلمة ثدي أمك وأغلق بإحكام واسحب الهواء فيأتيك الحليب! لا يوجد، فقام العلماء بتسميته منعكس المص، آلية لا تصل إلى الدماغ، فكل طفل معه منعكس المص، لولا هذا المنعكس لما كان هذا الدرس، ولا كان هناك عمان ولا الأردن ولا الشرق الأوسط و لا إسلام في الأرض، إغلاق ثقب بوتال ومنعكس المص هذا في خلق الإنسان.
 الكريات البيضاء جيش بكل معاني الكلمة، معه أسلحة فتاكة لكنه جاهل، فالكرية البيضاء تسمى الكرية الهمجية تدخل إلى غدة بجانب القلب تسمى التيموس، وهذا الموضوع موجود من عشرين سنة، وهذه الكريات البيضاء تتعلم خلال سنتين من هو الصديق، ومن هو العدو، تدخل كرية جاهلة همجية وتتخرج كرية عاقلة، تتعلم خلال السنتين من هو الصديق ومن هو العدو، الجيل المتخرج من هذه الكريات البيضاء المثقف الذي عرف العدو والصديق هذا يتولى تعليم الأجيال حتى الموت، وتنتهي مهمة هذه الغدة وتضمر، فإذا ضمرت اختفت، من هنا قبل عشرين عاماً حينما تضمر ظنوا أن هذه الغدة لا وظيفة لها، وهي أخطر غدة بالإنسان، و التعليم يضعف بالسبعين، هذه الكرية البيضاء تقتل الصديق فتنشأ حرب أهلية في الجسم من ثمار هذه الحرب التهاب المفاصل، هذا مرض سببه ضعف المناعة، المناعة من أين أتت؟ من أن هذه الكريات البيضاء بدأت تضعف في تعليم الكريات الأخرى.
 أخواننا الكرام؛ أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر، إذاً ليس كل مصلّ يصلي إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، ما لم نُعَّظم ربنا لا نصل إليه، ولا نسعد بقربه، أما والله أنا ولدت من أبوين مسلمين، وأهتم بالأكل والشرب والتجارة وجمع الأموال، أين العلم؟ عفواً أنا أقول هذه الكلمة دائماً: حتى تضع حرف دال أمام اسمك – أي دكتور - يجب أن تدرس ابتدائي إعدادي ثانوي جامعة دبلوم ماجستير دكتوراه، ثلاث عشرة شهادة بثلاث وثلاثين سنة بعدها تضع دالاً بجانب اسمك، و تريد أن تدخل الجنة بلا مقابل؟! بدون جهد؟ ما عندك وقت لتعرف الله عز وجل، ما عندك وقت لتقرأ القرآن وتحضر درس دين.

الإسلام منهج تفصيلي كامل :

 لذلك إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، قال تعالى:

﴿إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ﴾

[سورة الحاقة:33]

 وكف شهواته عن محارمي، أنا أحياناً أكون جالساً مع تجار أسألهم أي تجارة بالأرض ممكن أن تتلخص بكلمة واحد؟ يمكن هناك مليون نوع، مليون نوع تجارة، مليون مستوى، البائع المتجول تاجر، وهناك شركات عملاقة لها بكل دولة فرع، وهي أقوى من عدة دول، هناك كلمة واحدة تجمع التجارة كلها؟ إنها الربح، فإن لم تربح فليست تجارة، هذا الدين العظيم بمناهجه، بعقائده، بفقهه، بإعجازه هناك مليار كتاب إسلامي، يمكن أن ينضغط في كلمة واحدة إنها الاستقامة، فإن لم تستقم لن تقطف من ثمار الدين شيئاً، دين بلا استقامة يصبح فلكلوراً، فلكلور شرقي، القرآن الكريم قرئ في باريس على أنه فلكلور شرقي!!على أنه فلكلور شرقي كلام خالق الأكوان، بدون استقامة الإسلام يصبح خلفية إسلامية، فلان خلفيته إسلامية، فلان أرضيته إسلامية، فلان مشاعره إسلامية، فلان توجهاته إسلامية، هي كلها مطروحة الآن لكن الإسلام شيء آخر، الإسلام منهج تفصيلي يبدأ من أخصّ خصوصيات الإنسان وهو فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، منهج كامل لكن نحن نتوهم خطأً- وهذا خطأ فاحش- أن الصلاة والصوم والزكاة والحج هي الإسلام.
 دققوا أخواننا، بني الإسلام على خمس، الإسلام منهج تفصيلي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، بأي حرفة أحكام الشراء، أحكام المبيع، أحكام الربح، أحكام الصلاة، أحكام الزواج، كيف تربي أولادك، كيف تعامل زوجتك، منهج تفصيلي قد يصل إلى خمسمئة ألف بند، هذا الإسلام منهج كامل يبدأ بأخص خصوصياتك وينتهي بالعلاقات الدولية، لذلك إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، هي واحدة، أي فكر بالكون فعرف الله.

 

آيات الله في النفس :

 أخواننا الكرام؛ ينزل مع المولود قرص لحمي، ماذا تسمونه بالأردن؟ نحن نسميه بالشام: الخلاص، اسمه العلمي المشيمة، في المشيمة يجتمع دم الأم مع دم الجنين، واسألوا أخواننا الأطباء، لو أعطينا إنساناً ثلاثمئة سنتيمتراً من الدم من زمرة أخرى، ماذا يصير؟ يموت فوراً، يموت بانحلال الدم، عندنا حادثة بالشام نادرة، مريض تخرج على الطاولة إضبارته لم يأخذها، جاء مريض آخر احتاج لدم أثناء عملية أعطوه دماً مات فوراً، إذا أعطيت الإنسان دماً من زمرة أخرى يموت فوراً بانحلال الدم، قال: في المشيمة يجتمع دم الأم مع دم الجنين ولا يختلطان، لماذا؟ قال: لأن بين الدمين غشاء سماه الأطباء: الغشاء العاقل، الغشاء العاقل يعني يقوم بأعمال تعجز عنها العقلاء، ما هي أعماله؟ هذا الغشاء العاقل يأخذ من دم الأم السكر ويضعه في دم الجنين، ثم يأخذ الأوكسجين ويضعه في دم الجنين، من دم الأم إلى دم الجنين الغشاء العاقل في المشيمة، ثم يأخذ الأنسولين ويضعه في دم الجنين، صار في دم الجنين سكر و أوكسجين وأنسولين، يحترق السكر مع الأوكسجين بواسطة الأنسولين، الجنين حرارته ثمان وثلاثون درجة، من أين أتت بالسكر والأوكسجين والأنسولين؟ الغشاء العاقل ينقل من دم الأم إلى دم الجنين كل عوامل المناعة التي كسبتها في حياتها، فجميع الأمراض التي أصيبت بها الأم وشفيت منها وشكلت مناعة عندها هذه المناعة تنقل إلى الجنين، فالجنين محصن من كل الأمراض التي أصيبت بها أمه، هذه الثانية، هذا الجنين يحتاج إلى مادة معينة، مثلاً بوتاس والبوتاس في أكلات معينة الأم لا تأكل منها، ماذا يفعل الجنين؟ ما الحل؟ الأم أثناء الحمل تشتهي طعاماً فيه بوتاس يسمونه: الوحام، أثناء الحمل هناك أكلات معينة تشتهيها الأم، شهوة الأم أثناء الحمل هي حاجة الجنين، هذا الإله العظيم يعصى؟ ألا يخطب وده؟ ألا ترجى جنته؟ ألا تخشى ناره؟
 والآن بعدما زرعوا سبعين قلباً عندنا شيء ثان، الإنسان تتبدل كل خلاياه كل خمس سنوات، أي أنت بعد خمس سنوات إنسان آخر، جلدك جديد، الكبد جديد، الشعر جديد، عضو عضو، نسيج نسيج، جهاز جهاز، إلا الدماغ لو تبدل بعد خمس سنوات تنسى ما كنت تعمل، تقول: أنا كنت طبيباً، فالدماغ لا يتجدد، الآن بعدما زرعوا سبعين قلباً صار هناك ظاهرة جديدة، هذا الذي أخذ قلب آخر كان يكره طعاماً كراهية غير معقولة صار يحبها، يكره موسيقا معينة صار يحبها، أحدهم يتكلم كلمة بلا معنى بعدما زرعوا له قلب إنسان آخر، شيء عجيب فقاموا بزيارة زوجة من أُخذ قلبه فقالت لهم: الكلمة بيني وبين زوجي تعني الأمور على ما يرام، يوجد سبعون قصة بعدما زرعوا القلب ظهر أن القلب ليس مضخة فقط بل أكثر بكثير، مركز للمشاعر والأحاسيس والأذواق، حتى عندما وضعوا قلباً اصطناعياً ما عرف الأب أحفاده إطلاقاً، القلب و الدماغ لا يتبدلان أبداً، فكلما تقدم العلم تقرأ القرآن تتفاجأ، قال تعالى:

﴿قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾

[سورة الأعراف:179]

 العقل بالقلب، خلايا العقل بالقلب خمسون ضعفاً عن الدماغ، القلب يأمر الدماغ الآن هذا أحدث بحث.
 أخواننا الكرام؛ العلم بحر، يقول الإمام الشافعي: " كلما ازددت علماً ازددت علماً بجهلي" فليس كل مصلّ يصلي إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي- تفكر في خلق السموات والأرض- وكف شهواته عن محارمي- استقام- ولم يصر على معصية الله، وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب، وآوى المريض.

 

فهم الإنسان للدين يحدد مصيره :

 البارحة طلب مني موضوع حول كليات الدين، مرة زرت معمل سيارات في أمريكا -جنرال موتورز- أول كلمة قالها لي الدليل: هذه السيارة فيها ثلاثمئة ألف قطعة، لكن أنا تصوري لها غلاف معدني، ومحرك، وعجلات، ومقاعد، وسائق، وبنزين، أنا نزلتهم إلى خمسة أشياء فقط، الآن الدين مليون مليون موضوع ممكن أن نضغطه كله في خمس كليات؟ في لقاء البارحة ذكرت هذا الشيء، العقيدة بند، والاستقامة بند، والعمل الصالح بند، والصلاة بند، هي كليات الدين، تصح عقيدتك، تستقيمـ تتقرب بعمل صالحـ تتصل بالله هي كليات الدين، فنحن برمضان من المفروض أن نستوعب كليات الدين، قضية السعادة أو الشقاء قضية خطيرة، يقول لك: هذا موضوع مصيري، كيف مصيري؟ نحن عندنا في سوريا تنجح من السابع للثامن عادي أولي أو لا، ثامن تاسع عاشر حادي عشر بكالوريا علاماتك تحدد مصيرك، طبيب بعدها، أو طب أسنان، أو علوم، وآخر شيء حقوق، فعلاماتك في البكالوريا تحدد مصيرك، وأيضاً فهمك للدين يحدد مصيرك، سعادة أو شقاء، توفيق أو تعسير، قال الله تعالى:

﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى *وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى *وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾

[سورة الليل1-4]

البشر نموذجان لا ثالث لهما :

 الآن يوجد سبعة مليارات ومئتا مليون لكن الله عز وجل أنزل هذا التنوع المذهل في حقلين فقط، وأرجو أن نكون جميعاً وأنا معكم من الحقل الأول، قال تعالى:

﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾

[سورة الليل5-7]

 صدق أنه مخلوق للجنة، وبناءً على هذا التصديق اتقى أن يعصي الله، وبنى حياته على العطاء، أعطى واتقى وصدق بالحسنى، لكن قال لي أحدهم البارحة: لماذا الترتيب معكوس؟ وأنا ملاحظ هذه الملاحظة لكن ما فكرت فيها، البارحة فكرت فيها فقلت: أعطى العطاء العطاء المادي، تراه بعينيك، وتسمعه بأذنك، وتلمسه بيديك، واتقى حالة نفسية هي التصديق، هذا ليس ترتيباً زمنياً هذا ترتيب رتبي، فالعطاء هو الأصل:

﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾

[سورة الليل8-10]

 هذه الآية سميتها قانون التيسير والتعسير، أنا أخاطب الشباب، مقبل على الحياة، - أطال الله في أعماركم جميعاً وجعل حياتكم سعيدة- لكن الشاب مع الله مستقيم، بار بوالديه، مجتهد في دروسه، هذا له مستقبل كبير، أنا أقول كلمة، قال تعالى:

﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ﴾

[سورة السجدة:18]

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾

[سورة الجاثية:21]

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾

[ سورة القصص :61 ]

مصير الإنسان و توفيقه و سعادته في الدين :

 أخواننا الكرام؛ الدين قضية خطيرة جداً، مصيرك، سعادتك، توفيقك، زواجك، أولادك، قال تعالى:

﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾

[سورة الرحمن:46]

 إذاً نعود للنص القدسي:" ليس كل مصلّ يصلي إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي- تفكر في الكون- وكف شهواته عن محارمي، استقام ولم يصر على معصيتي- إذا زلت قدمه تاب- وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب، وآوى المريض، كل ذلك لي وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوأ عندي من نور الشمس، على أن أجعل الجهالة له حلماً، والظلمة نوراً، يدعوني فألبيه، يسألني فأعطيه، يقسم عليّ فأبره، أكلؤه بقربي، وأستحفظه ملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها ولا يتغير حالها".
 أخواننا الكرام؛ أريد أن أؤكد لكم أن طلب العلم الآن ميسور بشكل مذهل، لي أنا العبد الفقير موقع على الانترنت ترتيبه الأول في العالم الإسلامي، زواره مليون في اليوم، ينسحب منه مليونان ومئتا ألف ملف يومياً، هذا بين أيديكم، افتحوا غوغل اكتبوا اسمي فقط يظهر لك موقعي بمليونين ومئتي ألف، فيه كل شيء، أي سؤال، أي شيء ألقيته بحياتي كلها في هذا الموقع، هذا بين أيديكم، تريد تفسير آية، تريد تفسير حديث، تريد سيرة، تريد أن تسأل سؤالاً، كله موجود، أحد وسائل التواصل بيننا هذا الموقع.
 أرجو الله أن يحفظ لكم بلادكم، ويحفظ لكم استقرار بلادكم، وهذه نعمة لا يعرفها إلا من فقدها، ونحن في الشام قد فقدناها، وأن يحفظ لكم إيمانكم جميعاً، وأهلكم وأولادكم وأموالكم وصحتكم، وادعوا لإخوانكم في الشام أن يحقن الله دماءهم، وأن يحقن دماء أخواننا جميعاً في كل مكان بالشام، وفي غزة، وفي العراق، وفي مصر، وفي ليبيا.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور