وضع داكن
23-04-2024
Logo
الدرس : 070 - أنواع اليقين وأدواته – الموضوعية – عدل الله .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبيبن الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

الفرق بين دخول النار و بين ورودها :

 أيها الأخوة الكرام؛ قال تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذينَ سَبَقَت لَهُم مِنَّا الحُسنى أُولئِكَ عَنها مُبعَدونَ* لا يَسمَعونَ حَسيسَها وَهُم في مَا اشتَهَت أَنفُسُهُم خالِدونَ* لا يَحزُنُهُمُ الفَزَعُ الأَكبَرُ وَتَتَلَقّاهُمُ المَلائِكَةُ هذا يَومُكُمُ الَّذي كُنتُم توعَدونَ ﴾

[الأنبياء: ١٠١-١٠٣]

 هذه آية، الآية الثانية:

﴿ وَإِن مِنكُم إِلّا وارِدُها ﴾

[مريم: ٧١]

 كيف نوفق بين الآيتين؟ الآية الأولى:

﴿ لا يَسمَعونَ حَسيسَها وَهُم في مَا اشتَهَت أَنفُسُهُم خالِدونَ* لا يَحزُنُهُمُ الفَزَعُ الأَكبَرُ وَتَتَلَقّاهُمُ المَلائِكَةُ هذا يَومُكُمُ الَّذي كُنتُم توعَدونَ ﴾

 هذه الآية قرأت في الصلاة الآن أما الآية الثانية:

﴿ وَإِن مِنكُم إِلّا وارِدُها ﴾

 إن منكم هذه إن نافية، أي ما منكم أحد إلا واردها، فما الفرق بين دخول النار وبين ورودها؟
 الحقيقة الدقيقة أن أسماء الله الحسنى كلها محققة في الدنيا، اسم الجميل محقق في الدنيا، يوجد جبال خضراء، بحار، ورود، وجوه حسان، يوجد جنات، كل جمال الكون مسحة من جمال الله، والإنسان في أصله يحب الجمال والكمال والنوال، فإذا علمت أن الله سبحانه وتعالى عنده الجمال والكمال والنوال،  الأصل أن الله عنده كل شيء، لذلك:

(( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ))

[ تفسير ابن كثير]

 فالشيء واضح جداً، فكيف نفسر قوله تعالى:

﴿ وَإِن مِنكُم إِلّا وارِدُها ﴾

 العلماء قالوا: ورود النار غير دخولها، دخولها استحقاقاً، أما ورودها فزيارة.
 مثلاً بلد كالأردن أنشأت سجناً حضارياً، أي فيه تعليم، وفيه توجيه، وفيه حقوق للسجين محققة مئة بالمئة، زارها وزير خارجية بريطاني، أردنا أن نفتخر بهذا السجن، أخذناه لهذا السجن لنريه حضارتنا، لكن هذا الوزير ليس سجيناً، هذا زائر.

 

الدنيا دار ابتلاء :

 الآن تعليق، أسماء الله الحسنى كلها محققة في الدنيا إلا اسم العدل محقق جزئياً فقط، أي الله يعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين، ويكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين، مثلاً إنسان له عمل عظيم، وبحكم قمعي وضع في السجن ومات في السجن، هذا ماذا عمل في الحياة؟ عنده مبدأ ودفع حياته ثمن المبدأ الذي آمن به، فالدنيا ليست دار جزاء، دار ابتلاء، لكن الله يعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين، ويكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين.
 لذلك ما قولكم أن سيد الخلق وحبيب الحق، وأن سيد ولد آدم قد لا يتاح له أن يرى مصير الظالمين، الدليل:

﴿ وَإِمّا نُرِيَنَّكَ بَعضَ الَّذي نَعِدُهُم أَو نَتَوَفَّيَنَّكَ ﴾

[يونس: ٤٦]

 يا محمد أنت قد لا يتاح لك أن ترى مصير الظالمين، في التشبيه الدقيق دورة الحق والباطل أطول من دورة عمر الإنسان، للتوضيح رمضان يأتي كل ست وثلاثين سنة في شهر آب، فإذا شخص كان عمره عشرين عاماً، لا يتاح له أن يرى رمضان في الصيف أبداً.

﴿ وَإِمّا نُرِيَنَّكَ بَعضَ الَّذي نَعِدُهُم أَو نَتَوَفَّيَنَّكَ ﴾

 والخطاب للنبي الكريم، أي أنت يا محمد قد لا يتاح لك أن ترى مصير الظالمين، لكن أنت تصدق كلام الله.

 

أنواع اليقين :

1 ـ اليقين الحسي :

 لذلك قالوا: هناك يقين حسي، أنا أرى، هذه طاولة، وهذا مصحف، وهذه ساعة، إلخ، هذا يقين حسي، أدوات اليقين الحسي الحواس الخمس واستطالاتها، الميكروسكوب استطالة للعين، الميكروسكوب يكبر ثمانية أضعاف، أما الآن فيوجد مجهر إلكتروني يكبر خمسين ألف ضعف.
 وضعت بعوضة تحت هذا المجهر، وأنا عرضت الصور في الفضائية السورية، فإذا في رأس البعوضة مئة عين، بالمناسبة كل ألف بعوضة يساوي غراماً واحداً، وزن البعوضة واحد على ألف من الغرام، فكل ألف بعوضة يساوي غراماً واحداً، وضعت بعوضة تحت مجهر إلكتروني، فإذا في رأسها مئة عين، وفي فمها ثمانية وأربعون سناً، وفي صدرها قلوب ثلاثة، قلب مركزي وقلب لكل جناح، وفي كل قلب أذينان وبطينان ودسامان، والبعوضة تملك جهازاً لا تملكه الطائرات اسمه: جهاز الاستقبال الحراري، فهي ترى الأشياء لا بأشكالها ولا بأحجامها ولا بألوانها لكنها ترى الأشياء بحرارتها فقط، حرارة الغرفة في الشتاء درجتان، و درجة حرارة النائم سبع وثلاثون درجة، فالبعوضة لا ترى إلا هذا النائم، فتأتي إليه، في خرطومها ست سكاكين، أربع سكاكين تحدث جرحاً مربعاً، وسكينان تلتئمان على شكل أنبوب لامتصاص الدم، ومعها جهاز تحليل دم، ما كل دم يناسبها، تأخذ عينة وتفحصها، إن لم يناسبها تدع هذا الطفل تنتقل لأخيه، وقد يستيقظ الطفل وقد ملئ بلسع البعوض، بينما الأخ الثاني لم يصب بشيء، إذا لديها جهاز تحليل دم، ما كل دم يناسبها، أحيانا إنسان دمه سمج لا يناسبها، يوجد عند البعوضة جهاز تمييع للدم لأن كثافة دم الإنسان لا يجري في خرطومها الدقيق، تميع الدم، جهاز تحليل، وجهاز تمييع، ولكيلا يقتلها أثناء أمتصاص الدم معها جهاز تخدير، تخدره، متى يضرب النائم يده؟ بعد أن ينتهي مفعول التخدير، وهي في سماء الغرفة، في سقف الغرفة تضحك عليه، حللت الدم، الدم يناسبها غرست خرطومها سحبت الدم وطارت، انتهى مفعول التخدير يحس الإنسان بلسع البعوضة، يظن أنها على يده فيضربها، وهي في سقف الغرفة، معها جهاز تحليل، وجهاز تخدير، وجهاز تمييع، والبعوضة إن أرادت أن تقف على سطح خشن، معها مخالب، وإن أرادت أن تقف على بلور، سطح أملس معها محاجم، أحياناً يوجد في المطبخ ما يعلق به على الضغط لأن سيرميك المطبخ غال جدا، كي لا نشطب السيراميك، توجد عليقات على الضغط، تدفعها على الحائط كي يتفرغ الهواء فتمسك، فيوجد بأرجلها محاجم ومخالب، المخالب للسطح الخشن، والمحاجم للسطح الناعم. عندما يقول الله في القرآن:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَستَحيي أَن يَضرِبَ مَثَلًا ما بَعوضَةً ﴾

[البقرة: ٢٦]

 ثم اكتشف أن فوق البعوضة كائن آخر

﴿ فَما فَوقَها ﴾

﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَستَحيي أَن يَضرِبَ مَثَلًا ما بَعوضَةً فَما فَوقَها ﴾

 هذا كله ظهر بمجهر إلكتروني، أما سابقاً فلم يكن هناك أدوات، فأصبح المجهر استطالة للحواس الخمس، والتليسكوب استطالة للحواس الخمس.
 أنا في الأردن هنا كنت في محاضرة في جامعة هنا، أطلعوني على منظار رأيت المشتري بعيني، التليسكوب والميكروسكوب، أحدهم يكبر والثاني يصغر.
 أخواننا الكرام؛ البعوضة هذا وضعها.

﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَستَحيي أَن يَضرِبَ مَثَلًا ما بَعوضَةً فَما فَوقَها ﴾

2 ـ اليقين العقلي :

 الآن الإنسان حواسه الخمس أداته اليقين الحسي. ويوجد لديه فكر، الفكر أداته اليقين العقلي، أي أنت سألت: يوجد في هذا الجامع كهرباء؟ نقول: نعم، كم بالمئة؟ مئة بالمئة، الدليل أنت هل ترى الكهرباء؟ لا، ترى آثارها، فالشيء إذا غابت عينه وبقيت آثاره أدوات اليقين هي العقل، غابت عينه بقيت آثاره، الخالق العظيم هل نراه نحن؟ قال تعالى:

﴿ لا تُدرِكُهُ الأَبصارُ ﴾

[الأنعام: ١٠٣]

 ولكن العقول تصل إليه، لأن كل أثر له مسير، كل خلق له خالق، كل كائن له مكون، كل حكمة لها حكيم، فالإنسان بعقله يصل لمعرفة الله.
 إلا أن الإنسان بعقله لا يحيط بالله، يصل إليه ولا يحيط به، فقد تركب مركبتك إلى العقبة، بهذه المركبة تصل إلى البحر، لكن هذه المركبة ليست مؤهلة أن تخوض بها البحر تقف على الساحل، فالعقول تصل إلى الله ولا تحيط به، لذلك قالوا: "عين الجهل به عين العلم به، وعين العلم به عين الجهل به"، أي إذا شخص توقف أمام البحر المتوسط في بيروت، وسألناه هذا البحر كم لتراً؟ أي رقم يقوله يكون جاهلاً، الذي يعطي رقماً إنسان جاهل، إذا قال لك: لا أدري فهو عالم، مع الذات الإلهية عين الجهل به لا أعلم فأنت عالم، فإذا قلت: أعلم فأنت جاهل، مع الذات الإلهية عين الجهل به تقول: لا أعلم عين العلم به، وعين العلم به عين الجهل به، والعجز عن إدراك الإدراك إدراك، تقول: لا أعلم عالم، أما عندما يصل الأمر إلى الذات الإلهية فقف.
 تفكروا في مخلوقات الله ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا، والذين خاضوا في ذات الله فقدوا عقولهم، فرن لصهر الحديد كم حرارته؟ ألف وخمسمئة درجة، إذا وضعنا ورقة رقيقة، ماذا أصبح بها؟ من الوهج تبخرت قبل أن تصل للأسفل، فالبطولة أن تعرف حدك فتقف عند هذا الحد، هذه بطولة في الإنسان، وأحياناً قمة العلم أن تقول: لا أدري، فتكون بطلاً.
 جاء وفد من المغرب إلى المشرق إلى الإمام أحمد بن حنبل، مع هذه الوفد خمسة وثلاثون سؤالاً، أجاب عن سبعة عشر، قالوا: والباقي؟ قال: لا أعلم، فصعقوا، قالوا: الإمام أحمد ابن حنبل لا يعلم، قال: قولوا لهم الإمام أحمد بن حنبل لا يعلم.
 علم نفسك أن تقول لا أدري، لا أدري نصف العلم، وهذا الإنسان الموضوعي، وبالمناسبة الموضوعية في الإنسان أخلاق، الموضوعية علم، فأنت إذا كنت موضوعياً فأنت أخلاقي، وإذا كنت موضوعياً فأنت عالم. لذلك هذا الإله العظيم قال:

﴿ وَإِنَّ مِن أَهلِ الكِتابِ ﴾

[آل عمران: ١٩٩]

 ما قال: وإن أهل الكتاب، كنت مرة أحضر مناقشة دكتوراه في بيروت في الجامعة اللبنانية كنت طالباً فيها، فأثناء شرح ملخص الدكتوراه لطالب أوقفه رئيس الجامعة – وهو فرنسي الأصل- قال له: قف، هذه العبارة فيها تعميم، والتعميم من العمى، لا تقول: التجار فجار، هذا كلام حقير، والله يوجد تاجر ولي عند الله عز وجل، ويوجد تاجر سموح، كريم، متواضع، ويوجد تاجر متكبر، عندما تقول: كل التجار هذه غلطة كبيرة جداً، الله تعالى لم يعمم، قال:

﴿ وَإِنَّ مِن أَهلِ الكِتابِ ﴾

 من للتبعيض، فكلما كان حكمك دقيقاً فأنت عالم، كلما كان حكمك عاماً فهذا جهل، فلا تعمم، ابق علمياً، لذلك الموضوعية قيمة أخلاقية والموضوعية قيمة علمية بوقت واحد.

 

3 ـ اليقين الإخباري :

 إذاً يوجد لدينا يقين حسي، اليقين الحسي شيء ظهرت عينه وآثاره، أدوات اليقين به الحواس الخمس واستطالاتها. واليقين العقلي شيء غابت عينه وبقيت آثاره، أدوات اليقين به العقل. والشيء الثالث اليقين الإخباري.
 من معه الدليل القطعي عن الملائكة؟ ولا شخص، ولا أنا، هذا يقين إخباري، الله أخبرنا به، دخلت إلى بيت فيها ثريا متألقة، فيها مروحة، طاولة، والعديد من الأشياء، لكن يوجد خزانة مقفلة، لن تستطيع أن تعلم ما في هذه الخزانة، صاحب البيت إنسان عظيم وأخلاقي وصادق، سألته: ماذا يوجد في هذه المكتبة؟ قال لك: دفاتر حساب قديمة مثلاً، هذا يقين إخباري، فالله أخبرنا بجهنم، وبالجنة، يوجد ملائكة وجن، لذلك ثلث القرآن إخباري.
 إياك ثم إياك أن تناقش ملحداً في الإخباريات، لا يوجد لديك دليل إلا أن الله أخبرك وأنت مؤمن، هذا يقين إخباري، لكن هذا اليقين يقين إخباري للمؤمن، لا لغير المؤمن، لا تناقش إنساناً ملحداً، أو إنساناً منكراً للدين بالإخباريات، إياك، ناقشه بالمحسوسات، باليقينيات، بالمعلومات الدقيقة مع الأدلة.

العلم شيء أساسي في حياة المؤمن :

 لذلك أخواننا الكرام؛ العلم شيء أساسي في حياة المؤمن، والإنسان من دون علم أو من دون طلب للعلم هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به.
 فالإنسان عقل يدرك، غذاؤه العلم، وقلب يحب، غذاؤه الحب، وجسم يتحرك، غذاؤه الطعام والشراب، فإذا لبى حاجة عقله وقلبه وجسمه تفوق، وإن اكتفى بواحدة تطرف، والفرق كبير بين التفوق وبين التطرف. فلذلك السؤال:

﴿ وَإِن مِنكُم إِلّا وارِدُها ﴾

 المؤمن يرد النار ليرى عدل الله المطلق، لأن عدل الله المطلق ليس محققاً في الدنيا، ليس غير محقق بل لا تدركه أنت، لا تستطيع أن تدرك عدل الله إلا في حالة مستحيلة أن يكون لك علم كعلم الله، وهذا غير ممكن، الله أخبرني أنه عادل وفقط.

 

الإيمان بعدالة الله إخباري وليس تحقيقياً :

 الإيمان بعدالته إخباري وليس تحقيقياً، لن تستطيع أن تكتشف عدل الله بعقلك، إلا بحالة مستحيلة أن يكون لك علم كعلمه، وهناك قصص كثيرة.
 اسمحوا لي بهاتين الدقيقتين، كنت أمشي بأحد أسواق دمشق فتعرض لي شخص وقال لي: هذا كان ذاهباً إلى محله التجاري، سمع إطلاق رصاص فمدّ رأسه فأتت رصاصة فأصيب بالشلل فوراً، ثم سألني: ماذا فعل هذا؟ أليس العمل عبادة؟ أعطاني أسئلة، وقال لي: ماذا فعل؟ قلت له: لا أعرف ماذا فعل، أعرف فقط أن الله عادل، أنا إيماني بعدله ليس تحقيقياً، إيمان تطبيقي أخبرني أنه عادل، أما ليس عندي إمكانية أن أتحقق من عدله إلا بحال مستحيلة أن يكون لي علم كعلمه، ليس عندي علمه، أنا أصدق أنه عادل فقط، فالنتيجة بعد عشرين يوماً أخ من إخواني كان مدير معهد لي في جامع النابلسي، قال لي: يوجد لدينا جار ساكن فوقنا، عنده محل تجاري يبيع أقمشة، ثاني محل بمدحت باشا في السوق المغطى، قلت له: نعم، قال: سمع إطلاق رصاص مدّ رأسه أتته رصاصة وانشل فورا، قلت له: نعم هذه القصة أخبرني بها شخص من عشرين يوماً، قال لي: هذا توفي أخوه، أخوه له أملاك أدارها بعد وفاة أخيه، ولم يعط أولاده شيئاً، فطالبوه الأولاد أن هذا المال مال والدهم فلم يعطهم شيئاً، كلما طالبوه لم يعطهم، فشكوه لأحد علماء دمشق الشيخ حسين خطاب رحمه الله فاستدعاه، قال له: أنا لن أعطيهم، كان وقحاً، قال لهم: يا بني هذا عمكم لا تشكوه إلى القضاء هذا لا يليق بكم، اشكوه إلى الله، الساعة التاسعة مساء، الساعة العاشرة صباحاً كان مشلولاً.
 دروسي تظهر على إذاعة اسمها القدس، يسمعها اثنا عشر مليوناً كل يوم، تصل لحلب، طبعاً حلب بالذات لوحدها تبعد حوالي مئة وثمانين كيلو متراً، ودمشق ودرعا والسويداء والأردن وفلسطين، بقيت حوالي عشر سنوات ألقي فيها دروسي، حوالي عشر سنوات و أنا ألقي دروسي من هذه الإذاعة، فالقصة أذيعت بحلب، شخص محام قال: عندي تاجر أولاد أخيه لم يعطهم حقوقهم، وقد مضى عن امتناعه عشر سنوات، بعد ذلك فجأة اتصل بي وقال: ادفع الحقوق كلها، قال له: لماذا؟ قال: والله سمعنا قصة بالإذاعة مخيفة، أحيانا الشخص إذا حكى قصصاً تفيد، هذا على أثر درس في القدس وصل إلى حلب فدفع حق أولاد أخيه.
 فالله كبير، والله يا أخوان تقول: كبير لا أشبع منها، كبير إياك أن تغلط معه، الله عنده شلل، عنده خثرة بالدماغ، عنده تشمع كبد، عنده مصائب لا تعد ولا تحصى، والمصائب تحول حياة الإنسان من شقاء إلى شقاء، فبين أن يتمتع بحياته، بأولاده، بزوجته، بمن حوله، وبين أن يكون سطيح الفراش.
 أنا والله أعرف قريبة لي من أسرة غنية جداً، أصيبت بالشلل، أول أسبوع كانوا يخدمونها خدمة عشر نجوم، كلما يمضي أسبوع تنزل الخدمة نجمة، إلى أن قالوا لها: خفف الله عنك، مكانتك بصحتك الآن، عندما يكون الشخص طريح الفراش يتحمله الإنسان أسبوعاً أو أسبوعين أو ثلاثة أو شهراً.
 شخص من كبار أغنياء دمشق كان طبيباً نسائياً لم يكن غيره بالشام، لا يخرج من بيته إلا بعربة لم تكن توجد سيارات في ذلك الوقت- القصة قديمة جداً- وكان يأخذ ليرة ذهبية تلو الأخرى، سواء أكانوا يمكلون أن يدفعوا هذه الليرة أم لا، يبيعون الفرشة أحياناً، جمع ثروة طائلة وعمّر بناء في حي من أرقى أحياء دمشق، الحجر مزخرف، فبعد أن انتهت العمارة وسكن أصيب بالشلل، تحملته زوجته حوالي الشهرين أو الثلاثة ثم بعد ذلك وضعته في القبو في الأسفل، وضعته في قبو مع سرير وحاجاته الأساسية، لم تعد تأتي لعنده، يقول للخادمة: أين أم فلان؟ تجيبه: هنا لكنها لن تأتي، بعد عشرة أيام أتت لعنده وقالت: ماذا تريد من أم فلان؟ هل ينقصك شيء؟ بهذه القسوة، الله كبير.
 دخلت عند عالم في حلب بالتسعين والله ما وقعت عيني على إنسان أجمل من ذلك، فيه نور، حوله أخوانه، بيته عربي لكن توجد أناقة، توجد نظافة ليست طبيعية، انظر إلى شخص يمشي برحمة الله عز وجل، وشخص يفقد عقله أحياناً، أحيانا يحجبون عنه الضيوف يفضحهم يقول أشياء غير مفهومة، لذلك موضوع الخرف موضوع مخيف، ورد في الأثر أن:

(( من جمع القرآن متعه الله بعقله حتى يموت ))

[ الجامع الصغير عن أنس]

 كان لدينا عالم في الشام اسمه الشيخ السفرجلاني، بلغ من العمر سبعة وتسعين عاماً، منتصب القامة، حاد البصر، مرهف السمع، أسنانه في فمه، فإذا سئل يا سيدي ما هذه الصحة التي حباك الله بها؟ يقول: يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً عاش قوياً.
 لدي صديق أحببت أن أزوره في العيد - القصة من حوالي عشرين سنة- طرقت الباب فتح لي والده قال لي: محمد ليس موجوداً، تفضل بالدخول، قلت له: سأدخل، ودخلت، قال لي: أنا عمري سبع وتسعون سنة بالضبط، أجريت البارحة تحليلات كاملة، وكانت النتائج أن كل شيء طبيعي، سبع وتسعون سنة تحليلات كاملة، كله طبيعي، قال لي: والله أنا لا أعرف الحرام في حياتي، وشرح لي، لا حرام النساء ولا حرام المال، فأنا أقول لكم كلمة: نحن نتشابه كلنا في الشباب لكن في خريف العمر نختلف، خريف العمر متعلق بالشباب، إذا شخص في شبابه أطاع الله له في خريف العمر - خريف العمر رائع جدا- مكانة اجتماعية وصحية.
 متعنا الله جميعاً بصحتنا الكاملة، أي نسأل الله أن يجعل نعم الدنيا متصلة بنعم الآخرة، هذا الشيء رائع جداً، نعم الدنيا متصلة بنعم الآخرة.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور