وضع داكن
25-04-2024
Logo
ومضات في آيات الله - الدرس : 08 - لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب..…
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

ماذا تعني القصة؟ :

 أيها الأخوة، سورة يوسف أطول قصة في القرآن، إذا رمزنا إلى الحقيقة بلعقة عسل, فالحقيقة في القصة شربة عسل، التعبير؛ إما أن يكون مباشرًا مركّزًا، وإما أن يكون غير مباشر على شكل قصة، والقصة تعني: أن هناك شخصيات، وهناك بيئة؛ بيئة زمانية، وبيئة مكانية، وهناك حوار، وهناك حبكة، بداية وعقدة ونهاية، والشيء الذي لا يصدق: أن أرقى قواعد القصة الفنية مطبقة في قصة يوسف، فمن بداية إلى عقدة إلى نهاية، من تصوير إلى تحليل، من سرد إلى وصف، فلو قرأت هذه القصة في منظار قواعد القصة الفنية, لكانت هذه القصة في أعلى مستوى فني.

هل تؤثر القصة في الناس ولماذا؟ :

 لكن أيها الأخوة صدقوا: أنه ما من أسلوب في التعبير يمكن أن يؤثر في الناس كالقصة، لذلك قال تعالى:

﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾

[سورة يوسف الآية: 111]

 فقوة تأثير القصة شيء لا يصدق، أنت بالقصة تستطيع أن تتسلل إلى كل خطوط الدفاع عند الإنسان، وتستطيع بالقصة أن تحطم مبدأ دون أن تؤاخذ، ماذا يفعل أعداء الدين الآن؟ لا يتكلمون عن الدين شيئاً، يقدمون للناس قصة أو مسلسلاً، الإنسان الديّن سخيف، في القصة طبعاً، أفقه ضيق، أناني، عنده ازدواج بالشخصية، مهمل لبيته، ترى إنسانًا آخر متفلتًا من الدين، لكنه بطل، منضبط، في غنى، في أناقة، في جمال، فكل إنسان يطالع هذه القصة يكره الدين، هم لا يتكلمون كلمة عن الدين، لكنه أعطاك نموذجاً قمئاً، فلذلك أخطر شريحة في المجتمع تؤثر فيهم القصة: الأطفال، لأن الطفل لا يتعامل مع الفكرة, بل يتعامل مع الصورة، كما أن القصة أقوى أداة تعبيرية للتأثير في الآخرين, هي في الحقيقة أخطر أداة تعبيرية لتحطيم المجتمع.

انظر إلى هذا القول لبعض الأدباء :

 لذلك حينما يقال: إن القصة يمكن أن تصور الرذيلة، ولكن ينبغي أن تصورها على نحو نحتقرها، ونشمئز منها، لكن الواقع عكس ذلك، الرذيلة تصور في القصة على نحو نعجب بأبطالها، ونراها شيئاً عظيماً.
 يقول بعض الأدباء: إذا صورت الرذيلة على نحو نعجب بها، ونحترمها، ونرى أصحابها أبطالاً, فإن مجتمعاً بأكمله يسقط من خلال هذه القصة، فأنا أتمنى على كل داعية أن يستخدم القصة كأداة تعبيرية.

ما سبب توبة هذا الشاب؟ :

 أيها الأخوة, اتصل بي إنسان لا أعرفه من أقصى مكان في الدنيا من لوس أنجلوس، وقال لي: أنا أعمل عملاً حقيراً، أو من أحقر الأعمال، قلت له: ما العمل؟ قال لي: أنا بالتعبير الأجنبي: مونتاج للأفلام الإباحية، هذا عملي، واستمعت إلى شريط لك خمسين مرة، وكانت توبتي بسببه، بعد عام التقيت به في واشنطن، سألته: أي شريط؟ فأجابني، أي موضوع؟ فأجابني، أية قصة؟ فأجابني، سبب توبته قصة.

القصة حقيقة مع البرهان عليها:

 وأنا متأكد مما أقول، قد تعرض قصة عرضًا فنيًّا دقيقًا من خلالها يتوب الإنسان، لذلك كانت السيرة أبلغ شيء في التعبير عن رسول الله وعن أصحابه الكرام، لأنهم قالوا:
 القصة حقيقة مع البرهان عليها.
 مثلاً:

﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾

[سورة النمل الآية: 62]

 فكرة، تعبير مباشر، أما سيدنا يونس: فقد وقع في بطن الحوت، تصور حوتًا وزنه 150 طنًّا، فمه يفتحه ليأكل أربعة أطنان، وجبته المعتدلة أربعة أطنان، فالإنسان لقمة:

﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ﴾

[سورة الصافات الآية: 142]

 نبي كريم لقمة في بطن الحوت:

﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ ﴾

 -هل هناك مصيبة على وجه الأرض تفوق أن تجد نفسك فجأة في بطن الحوت؛ في ظلمة الليل، وفي ظلمة البحر، وفي ظلمة بطن الحوت؟-:

﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ﴾

[سورة الأنبياء الآية: 87 - 88]


 معنى ذلك: أن الله عز وجل مع كل مخلوق، ولو كان في بطن الحوت.

 

نقطة دقيقة :

 يمكن أن تستنبط من قصة يوسف حقائق لا تعد ولا تحصى، لذلك: القصة إذا كانت الحقيقة لعقة عسل, فالقصة شربة عسل، ممددة، وأحياناً قصة مؤلفة من ألف صفحة, فكرتها أربع كلمات، الإنسان أقوى من كل عقبة أمامه، قصة كبيرة جداً لكاتب فرنسي، الفكرة هذه ممدة في ثمانمئة صفحة، تعبير غير مباشر، لكن أساسه التصوير، أساسه الحركة، أساسه الوصف، أساسه التحليل، أساسه الوصف الداخلي، أحيانا تأتي الخواطر والصراعات والطموحات والإرهاصات كلها توصف، لذلك: أسلوب القصة أمتع أسلوب الدليل.

 

القصة سلاح ذو حدين :

 ائتِ بابنك إلى المسجد، وليستمع إلى خطبة الجمعة، الخطبة ساعة، فيها فكر, وفيها عقيدة، وفيها نصوص، وفيها شرح، وفيها قصة، اسأل ابنك: ماذا فهمت من هذه القصة؟ لا يذكر لك إلا القصة، وأنت إذا قرأت قصة لا تنساها أبداً، بينما أي شيء آخر تقرأه فتنساه، قصة سهلة جداً، لذلك: يمكن أن يستخدمها الأب، وأن تستخدمها الأم، وأن يستخدمها المعلم، وأن يستخدمها الداعي، والمؤلم: أن الدعاة إلى الباطل، والدعاة إلى الفساد يستخدمون القصة، من أجل إفساد العقائد وإفساد الأخلاق، هي سلاح ذو حدين؛ إما أن تهدم مجتمعًا، أو أن ترقى بمجتمع، وحينما تقرأ قصة أصحاب رسول الله, أبلغ ألف مرة من أن تطلع على أفكار مجردة للإسلام، الإسلام يتجسد بهؤلاء؛ بإيمانهم، بورعهم، بنزاهتهم, بمحبتهم للنبي، باستقامتهم، بصدقهم، بأمانتهم، بعفتهم.

 

ما المغزى من قصة سيدنا يوسف؟ :

 أيها الأخوة الكرام, أطول قصة في القرآن: قصة سيدنا يوسف، لكن أحياناً ربنا عز وجل يذكر في القصة مغزاها، هذه القصة الطويلة التي فيها بداية وعقدة ونهاية، وفيها شخصيات، امرأة العزيز؛ عزيز مصر، سيدنا يوسف، أخوة يوسف، سيدنا يعقوب، البيئة من مصر إلى فلسطين، الزمان، وقت ملوك مصر، وقت القحط، فيها بيئة مكانية، وبيئة زمانية، وحبكة، وحوار، وسرد, ووصف، هذه القصة بمجملها شربة عسل، ما لعقة عسلها؟ إنها قوله تعالى:

﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾

[سورة يوسف الآية: 21]

 معظم أهل الأرض مشركون، لا يرون إلا هؤلاء القوى الكبرى في العالم، أما المؤمن فلا يرى إلا الله، لا يرى إلا يد الله تعمل في الخفاء.

قف هنا :

 دخلت مرة إلى المسجد في الأوقات العصيبة، رأيت آية بأكبر مساحة في صدر المسجد، لما قرأتها اقشعر جلدي:

﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾

[سورة الفتح الآية: 10]

﴿قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾

[سورة طه الآية: 45-46]

 أحياناً القصة تفعل في نفسك فعلاً لا يصور، لا يصدق، لذلك: هذه قصة يوسف قصة الشباب.

لم استحق سيدنا يوسف هذه المكانة العليا في المجتمع؟ :

 يروى أن خادماً في قصر العزيز رأى يوسف عبداً، ولقد سيق إلى السجن، ثم رآه عزيز مصر، هذا الخادم قال: سبحان من جعل الملوك عبيداً بمعصيته، ومن جعل العبيد ملوكًا بطاعته.
 هذه قصة الشباب، ماذا فعل؟ عف عن الحرام فقط:

﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾

[سورة يوسف الآية: 23]

 الآن: في الأرض مليارات البشر يرون الزنا فرصة لا تعوض، أما هذا الإنسان:

﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾

[سورة يوسف الآية: 23]

 لذلك: رفعه الله إلى قمة المجتمع، جعله عزيز مصر، تبين الحسد بين الأخوة.

ما ملمح هذه القصة؟ :

 أنا أذكر مرة كنت في أمريكا في مؤتمر، وقتها وقعت الطائرة المصرية التي فيها 38 ضابطاً كبيراً, أنهوا دراستهم العالية على أرقى الأسلحة في أمريكا، وقد سقطت طائرتهم، ماذا قال سيدنا يعقوب؟ قال تعالى:

﴿وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ﴾

[سورة يوسف الآية: 67]

 ملمح في القصة: ينبغي أن يأتي هؤلاء الضباط واحداً وَاحداً، كل واحد في رحلة، أما 38 ضابطًا! هذا مغنم كبير، سقطت الطائرة، وقيل: أسقطت من الأرض بمكر صهيوني.

متى تبتز أموال هذه الأمة؟:

 فالقصة يمكن أن تمضي وقتاً طويلاً في الحديث عن استنباطاتها، لذلك: القصة كما أنها أكثر أدوات التعبير فعالية, هي أكثر أدوات التعبير خطراً، فمن خلال قصة، الآن لو أن شبابنا وشاباتنا تابعوا القصص على الشاشة، في النهاية الدين مغيّب كلياً، الحرام مغيب كلياً، الآخرة مغيبة كلياً، المتعة مع المرأة بالحرام حصراً، لا يوجد في كل هذه القصص زواج سعيد، هناك زواج ممل، وعلاقة خارج الزواج، إذا رأى الشباب والشابات هذه القصص في النهاية, طريق الزنا أصبح واسعاً جداً وسهلاً.
 أنا -أيها الأخوة- لست متشائماً، لكن ما دامت هذه الشاشة تعرض كل المعاصي والآثام على أنها بطولات، وكل الجرائم الكبيرة في المجتمع على أنها نزوات, فاقرأ على هذه الأمة السلام، ما لم يكن الصحابة الكرام هم أبطال أبنائنا، هم قدوتهم، فإن الطريق إلى الآخرة ليس سالكاً, تبتز أموال الأمة لسخافات ما بعدها من سخافات.

ملخص الدرس :

 لذلك أيها الأخوة: هذه قصة العفاف، هذه قصة الطهر، هذه قصة لا إله إلا الله، هذه القصة أن الأمر بيد الله، هذه قصة أنك تريد، وأنا أريد، والله يفعل ما يريد، وضعوه في الجب ليموت، فكان عزيز مصر، وضعوه في الجب ليموت، فجعله الله عزيز مصر، هذا الذي قال لي: سمعت الشريط خمسين مرة، وتاب إلى الله، والتقيت به تائباً في واشنطن، هذه القصة، وقد اعتمد الله القصة في القرآن كأداة للتعبير، وأداة للتأثير، فلنستخدم هذه القصة، وأية قصة أخرى.

دعاء الختام :

 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور