الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

ضرورة معرفة الأمر و الآمر :

 بادئ ذي بدء؛ هنيئاً لكم منزلكم العامر، وهنيئاً لكم عازمكم وخطيبكم، وهنيئاً لكم إمامكم، أرجو الله سبحانه وتعالى أن يحفظ بلدكم في كل سوء، ويمتعكم بصحتكم وبكل شيء تحرصون عليه.
 أيها الأخوة الكرام؛ ملمح صغير في هذا اللقاء الطيب، المرحلة المكية أكثر الآيات كونية، والمرحلة المدنية أكثر الآيات تشريعية، معنى ذلك ينبغي أن نعرف الآمر والأمر، فإذا عرفنا الآمر ثم عرفنا الأمر تفانينا في طاعة الآمر، لذلك أنتم إذا قرأتم في القرآن آية أمر:

﴿ قُل لِلمُؤمِنينَ يَغُضّوا مِن أَبصارِهِم ﴾

[سورة النور: ٣٠]

 ماذا ينبغي على كل مؤمن؟ أن يتبع لهذا الأمر، وإذا قرأتم آية فيها نفي:

﴿ وَلا تُطِع مَن أَغفَلنا قَلبَهُ عَن ذِكرِنا ﴾

[سورة الكهف: ٢٨]

 ينبغي أن ننتهي، وإذا قرأتم آيات فيها قصة لنبي عظيم تقتضي أن نعتبر.

التفكر أقصر طريق لمعرفة الله عز وجل :

 أريد أن أقول: كل آية تقرؤها لك موقف منها، فإذا كان في القرآن ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون والإنسان، ماذا تقتضي هذه الآيات؟
 تقتضي هذه الآيات أن نتفكر، وكأن هذه الآيات وموضوعات هذه الآيات منهل للتفكر، من أجل أن نعرف الآمر، فإذا عرفنا الآمر ثم عرفنا الأمر تفانينا في طاعة الآمر، أما إذا عرفنا الأمر ولم نعرف الآمر فتفننا في مخالفة الأمر.
 وكأنني وضعت يدي على مشكلة المسلمين الأولى، الأمر بين أيدينا، جميع طلابنا درسوا الصلاة والصوم والحج والزكاة والأمانة والاستقامة بالمدارس، لكن أن نعرف الله، من هو الآمر؟ هذا الذي أمرك بالصلاة من هو؟ ماذا عنده لو أطعته؟ ماذا عنده لو عصيته؟ قصة خطيرة جداً، لكن هذه الآيات التي تتحدث عن الكون هي منهلك، والآيات التي تتحدث عن الإنسان منهلك، فلنأخذ ومضات منها.

ومضات للتفكر في عظمة الله :

 أخواننا الكرام؛ بين الأرض وأقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية، ماذا تعني سنة ضوئية؟ يقطع الضوء في الثانية ثلاثمئة ألف كيلو متر، كم يقطع في الدقيقة؟ ضرب ستين، في الساعة ضرب ستين، في اليوم ضرب أربع وعشرين، في السنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، بأربع سنوات ضرب أربع، ابنك الصغير بدقيقتين يجسب لك المسافة بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب، هل تصدق أن هذه المسافة بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب، إن أردنا أن نقطعها بمركبة أرضية لاحتجنا إلى خمسين مليون عام، خمسون مليوم عام لنصل إلى أقرب نجم ملتهب، متى نصل إلى نجم القطب الذي يبعد عنا أربعة آلاف سنة ضوئية؟ متى نصل إلى مجرة المرأة المسلسلة؟ نصل إلى هذه المجرة بعد مليوني سنة ضوئية، متى نصل إلى بعض المجرات الحديثة التي تبعد عنا ثلاثة عشر مليون سنة.
 الآن اقرأ قوله تعالى:

﴿ فَلا أُقسِمُ بِمَواقِعِ النُّجومِ ﴾

[سورة الواقعة: ٧٥]

 أي بالمسافات بين النجوم، قال تعالى:

﴿ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَو تَعلَمونَ عَظيمٌ ﴾

[سورة الواقعة: ٧٦]

 إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معا فعليك بالعلم.
 أخواننا الكرام، الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، أي الشمس ممكن أن تدخل في جوفها مليون وثلاثمئة ألف أرض، وبينهما مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، وحينما قال الله عز وجل:

﴿ وَالسَّماءِ ذاتِ البُروجِ ﴾

[البروج: ١]

 الأرض في دورتها حول الشمس تمر باثني عشر برجاً، أحد هذه الأبراج برج العقرب، بهذا البرج نجم صغير أحمر اللون متألق اسمه قلب العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، هذا الإله العظيم يعصى؟! ألا يخطب وده؟! ألا ترجى جنته؟! ألا تخشى ناره؟!
 ومضة ثانية وأخيرة، الأرض في دورانها حول الشمس، الشكل الذي تسلكه بيضوي – إهليلجي- وهذا الشكل البيضوي له قطران، قطر أطول وقطر أصغر، الآن الأرض في القطر الأطول تتجه نحو القطر الأصغر ما الذي يحصل؟ المسافة قلت، الجاذبية ازدادت، من المفترض أن تنجذب الأرض إلى الشمس، وإذا انجذبت إلى الشمس تبخرت في ثانية واحدة، ما الذي يحصل؟ ترفع الأرض سرعتها، ينشأ من رفع السرعة قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة فتبقى على مسارها، قال تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمسِكُ السَّماواتِ وَالأَرضَ أَن تَزولا ﴾

[فاطر: ٤١]

 شيء خطير جداً، تتابع الأرض سيرها إلى القطر الأطول الجاذبية قلت، هناك احتمال أن تتابع الأرض سيرها في الفضاء الكوني، وعندها الحرارة متدنية جداً، تنتهي الحياة إذا انجذبت، وتنتهي الحياة إذا انفلتت. فهذه الكرة الأرضية بيد من؟ هذا هو الإله العظيم ألا يخطب وده؟ ألا ترجى جنته؟ ألا تخشى ناره؟

تعصي الإله وأنت تظهر حبه  هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعتـــــه  إن المحب لمن يحـــب مطيع
***