وضع داكن
28-03-2024
Logo
مختلفة - الأردن - المحاضرة : 15 - مدينة عمان ، مسجد أم العلا - حاجة الإنسان إلى النور يمشي بضوئه .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين. اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

الأسباب الحقيقية لشقاء الإنسان :

 أيها الأخوة الكرام؛ بادئ ذي بدء لو أردنا أن نحلل الأسباب الحقيقية لشقاء الإنسان، لأن الله عز وجل يقول:

﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾

[سورة طه:123]

 أي لا يضل عقله ولا تشقى نفسه، الآية الثانية قال الله تعالى:

﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾

[سورة البقرة:38]

 أي الذي يتبع هدى الله عز وجل لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه، ولا يندم على ما فات، ولا يخشى مما هو آت، كل السعادة في هذه الفقرات الأربع، لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه، ولا يندم على ما فات، ولا يخشى مما هو آت.
 لذلك الآية الأولى:

﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾

[سورة طه:123]

 والآية الثانية:

﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾

[سورة البقرة:38]

 النقطة الدقيقة أن أهل الأرض الآن فيما علمت قبل شهر تسعة مليارات، كنت أقول: سبعة والمسلمون مليار وثمانمئة مليون، الآن تسعة مليارات، وفي الأعم الأغلب المسلمون ملياران، هؤلاء البشر جميعاً تنتظمهم خصائص واحدة، ماهي؟ التسعة مليارات مسلم، غير مسلم، من أي دين، انتماء، عرق، من أي وضع، البشر جميعاً على اختلاف مللهم ونحلهم وانتماءاتهم وأعراقهم وأنسابهم وطوائفهم هم لا يزيدون على حالتين، كأن الله ألغى كل هذه التقسيمات الأرضية، هناك تقسيمات أرضية لا تنتهي، دول الشمال، دول الجنوب، الدول المنتجة، المستهلكة، المُستَعمِرة، المُستَعمَرة، المتخلفة، المتقدمة، العرق الأبيض الآري، العرق الأسود الأحمر، هذه كلها تقسيمات أرضية الله عز وجل لم يعبأ بها ولم يعتمدها، أما عند الله فيوجد حقلان فقط، قال:

﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾

[سورة الليل:1-4]

 نقطتان، القسم الأول:

﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾

[سورة الليل:5-6]

 صدق أنه مخلوق للحسنى، أي للجنة، في أصل العقيدة أنت مخلوق للجنة، لذلك حينما اعتقد يقيناً أنه مخلوق للجنة اتقى أن يعصي الله، وبنى حياته على دفع ثمن الجنة، العمل الصالح، أعطى واتقى وصدق بالحسنى.
 القسم الثاني:

﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى*وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾

[سورة الليل:8-9]

 صدق بالدنيا وكذب بالآخرة، لكن بين قوسين مداخلة سريعة لا تجد في العالم الإسلامي إنسان يكذب بالآخرة التكذيب اللفظي، أما حين يأكل المال الحرام فهو يكذب بالآخرة، حينما يعصي الله يكذب بالآخرة، البطولة لا أن تصدق بلسانك بل أن يأتي عملك مصدقاّ لعقيدتك، البطولة بالعمل، وأساساً حينما قال عليه الصلاة والسلام:

(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس]

 نحن الآن ملياران، وليست كلمتنا هي العليا، وليس الأمر بيدنا، وللطرف الآخر علينا ألف سبيل وسبيل، بالمناسبة زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، زوال الكون، الله ماذا قال؟

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾

[سورة النور:55]

 بربكم اعتقدوا بالحقيقة المرة لأنها أفضل ألف مرة من الوهم المريح، هل نحن مستخلفون في الأرض؟ لا والله.

﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾

 هل نحن ممكنون في الأرض؟ لا والله:

﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ﴾

 لا والله لسنا آمنين، لسنا مستخلفين، ولسنا ممكنين، ولسنا آمنين، سنقول: وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين.

 

سعادة المؤمن بمعرفة الله عز وجل :

 إذاً الكرة في ملعبنا، يوجد خلل، هناك خلل بشكل عام في كسب أموالنا، في إنفاق أموالنا، في إقامة الإسلام في بيوتنا، في نفوسنا، في أعمالنا، في علاقاتنا، والمنهج الإسلامي على خلاف ما يظن، يظن عامة الناس أن الإسلام صوم وحج وزكاة وصيام، هذه عبادات شعائرية، الإسلام كمنهج والله لا أبالغ قد يصل إلى خمسمئة ألف بند، يبدأ من أخصّ خصوصياتك وهو فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، إذاً القضية مصيرية، أنا أعيش في هذه الأرض لكن ماذا بعد الموت؟ الميت حينما يقترب أجله وهو في طريقة الى القبر ينادى أن عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبق لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت.
 أنا لا أعتقد أنه يوجد على وجه الأرض شيء يرد النفس كالموت، من بيت قد يكون أربعمئة متر، فيه زوجة وبنات وشباب وكنائن وأصهار وسيارات وولائم وحفلات وزيارات و سياحة، إلى القبر!؟ أين الذكاء؟ بالبرمجة العصبية اللغوية يوجد مبدأ وهو "ابدأ من الآخر"، في الآخر يوجد موت، أنا أقول: بطولتك وذكاؤك وتوفيقك أن تتحرك وفق هذه البداية التي لابد منها، رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبق لك إلا أنا وأنا الحي الذي لا يموت.
 لكن أطمئنك الإله خبير قال:

﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾

[سورة البقرة:286]

 لا يمكن أن تتوهم أن في هذا الشرع شيئاً من الأوامر هو فوق طاقتك، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، بل والله الذي لا إله إلا هو- وأرجو ألا أكون حانثاً بهذا اليمين - سعادة المؤمن بالدنيا أضعاف مضاعفة من سعادة أهل الدنيا بالدنيا، لأنه عرف الله.

((ما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي أعرف ذلك من نيته، فتكيده أهل السموات والأرض، إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً، وما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه، وقطعت أسباب السماء بين يديه))

[ورد في الأثر]

((ابن آدم اطلبني تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شيء وإذا فِتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء))

[ تفسير ابن كثير]

من يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه :

 أيها الأخوة الكرام؛ يوجد ملمح حول كلمة "النور" في الكتاب والسنة، الحقيقة هذه الكلمة لها حجم كبير في القرآن والسنة، وهذا ما يفتقده المسلمون، لكن قبل أن نتابع، الأمر ببساطة كمثل مادي، تركب مركبتك والوقت ليل والقمر غائب، لا يوجد ضوء إطلاقاً، والطريق متعرج، وعن يمينك واد سحيق، وعن يسارك واد سحيق، و هناك أكمات وعقبات وحفر و انهيارات، من دون ضوء الحادث حتمي، هل كلامي صحيح؟ طريق متعرج فيه أكمات ووهاد وحفر وصخور، الحادث حتمي من دون ضوء، لذلك قال الله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[سورة الحديد:28]

 الأن بدأت بالموضوع المقرر، هذا الإنسان عنده شهوات أودع الله فيه الشهوات، إذا تحرك وفق شهواته بالأعم الأغلب يخطئ، قال تعالى:

﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾

[سورة القصص:50]

 المعنى المخالف عند علماء الأصول: الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه، أي اشتهى المال فعمل عملاً مشروعاً، وكسب مالاً حلالاً، واشترى به طعامه وشرابه، اشتهى المرأة تزوج، بالمناسبة ما من شهوة أدعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري من خلالها، حرمان لا يوجد، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، أي الشهوة بنزين وضع في المستودع المحكم، وسال في الأنابيب المحكمة، وانفجر في الوقت المناسب في المحرك، وفي المكان المناسب، فولَّد حركة نافعة أقلتك في العيد إلى العقبة، عن طريق انفجارات في السيارة، هذا البنزين الصفيحة نفسها اسكبها على المركبة أعطها شرارة تحرق المركبة ومن فيها، إما أن البنزين قوة دافعة أو قوة مدمرة، كذلك الشهوات، ما أودع الله فينا الشهوات إلا لنرقى بها إلى رب الأرض والسموات، تشتهي المال تنفقه في سبيل الله ترقى عند الله، تشتهي المرأة تغض بصرك عن محارم الله، يهبك الله امرأة صالحة تسرك إن نظرت إليها، وتحفظك إذا غبت عنها، وتطيعك إن أمرتها، أي ما من شهوة ودعت فيك إلا لها قناة نظيفة، وأنا ،خاطب الشباب: هناك من يوهم الشباب أن في الإسلام حرماناً، كله حرام أبداً، كل شيء له قناة نظيفة طاهرة تراقب بها عند الله عز وجل، فلذلك أي وهمّ يتوهمه الشاب أنه بالإسلام يوجد حرمان كلام غير صحيح، ما حرم الله علينا إلا الشيء القذر، والشيء النتن، والشيء الفاحش.

 

الإعجاز العلمي دليل قطعي على أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن :

 لكن الشيء الذي أريد أن أبينه في هذا اللقاء الطيب أن النبي عندما يأتي الى قومه لابد أن يشهد الله له أنه نبيه، وأنه رسوله، أليس كذلك؟ الأنبياء السابقون شهادة الله لهم المعجزات الحسية، سيدنا عيسى أحيا الميت، هذه شهادة، سيدنا موسى ضرب البحر فأصبح طريقاً يبساً، فالأنبياء السابقون شهاداتهم حسية، أي المعجزات حسية، والمعجزة الحسية كتألق عود الثقاب، يتألق هذا العود ثم ينطفئ ويصبح خبراً، يصدقه من يصدقه، ويكذبه من يكذبه، ولأن النبي خاتم الأنبياء والمرسلين، ولأن بعثته خاتمة البعثات، ولأن كتابه خاتم الكتب، لابد من أن تكون معجزته مستمرة، ولن تكون مستمرة إلا إذا كانت علمية، لذلك هناك مادة دينية مهمة جداً اسمها الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة، رواد الفضاء حينما صعدوا إلى القمر بعد أن وصلوا إلى مكان يبعد عن الأرض خمسة وستين ألف كيلومتر صاح رائد الفضاء بأعلى صوته: لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً، ما الذي حصل؟ الذي حصل أن الهواء في الأرض ينثر الضوء بالضبط، الضوء ينتثر عن طريق الهواء، فإذا سلطنا أشعة الشمس على ذرات الهواء هذه الذرات تعكسه إلى مكان آخر، أي بالأرض يوجد مكان فيه أشعة الشمس و مكان فيه ضوء الشمس، لا يوجد أشعة هذا اسمه انتثار الضوء، فلما تجاوز رواد الفضاء طبقة الهواء بعد خمسة وستين ألف كيلومتر صاح رائد الفضاء بأعلى صوته: لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً، لأنه تجاوزا طبقة الهواء لم يعد هناك انتثار ضوء، واضحة؟؟ تفتح القرآن الذي أنزل قبل ألف وأربعمئة عام، قال الله تعالى:

﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ﴾

[سورة الحجر:14-15]

 هذا دليل قطعي مفحم نهائي على أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن.
 الروم والفرس تحاربا، في منطقة عندكم في الأردن اسمها غور فلسطين، قال الله تعالى:

﴿غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾

[سورة الروم:2-3]

 أدنى الأرض، بعد اكتشاف أشعة الليزر، مع المهندس جهاز صغير ليزري يقف أمام الحائط يضغط على الزر يعطيه المسافة خمسة عشر متراً وثمانين سنتمتراً، تنطلق أشعة تصطدم بالجدار ثم ترجع فتقاس المسافة، بعد أن اكتشف عمق غور فلسطين بشكل دقيق تبين أنه أخفض نقطة في الأرض، فالقرآن قبل ألف وأربعمئة عام:

﴿غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾

[سورة الروم:2-3]

 بعد تطور علم الأجنة- وبلغ العلم أوج تطوره- الآن تبين أن الذي يحدد جنس الجنين ليست البويضة لكنها النطفة، تفتح القرآن قال الله تعالى:

﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى﴾

[سورة النجم:45-46]

 عندك ألف وثلاثمئة أية بالقرآن فيها إشارات علمية، قال الله تعالى:

﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾

[سورة الحج:27]

 والمعنى بعيد ولكن الأرض كرة، لأنها كرة فكلما طالت المسافة عليها صار هناك انحناء.

 

الحكمة من عدم تفسير النبي الكريم آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم :

 أخواننا الكرام؛ الموضوع طويل جداً، لكن في القرآن ألف وثلاثمئة آية كونية، الذي يلفت النظر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفسر هذه الآيات إطلاقاً، وفي أي موضوع بالفقه هناك مئات الأحاديث، أنا أجتهد اجتهاداً، إما أن الله وجهه ألا يفسرها أو هذا اجتهاد منه، لأنه لو فسرها تفسيراً بسيطاً يتناسب مع من حوله قبل ألف وأربعمئة عام ننكر نحن هذا التفسير، بعد التطور الانفجاري بالعلم، ولو فسرها على حقيقتها لأنكر عليه أصحابه، لذلك تركت على ما هي، وكلما تقدم العلم يكتشف العالم أن هذه الآية تتوافق مع أحدث تطور، الله عز وجل قال :

﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾

[سورة الطارق:11]

 قد تفهم فهماً بسيطاً أن بخار الماء يصعد الى السماء ويرجع مطراً، بعدما أصبح هناك بث تلفزيوني و موجة كهرطيسية، هناك طبقة في الفضاء الخارجي اسمها الأثير، هذه ترد الموجات الكهرطيسية إلى الأرض، ولولا هذه الطبقة لما وجد بث إذاعي أو تلفزيوني إطلاقاً:

﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾

[سورة الطارق:11]

 ثم تبين أن هذا الكون مؤلف من ألوف ألوف ملايين المجرات، والمجرة الواحدة فيها ألوف ملايين الكواكب والنجوم، وأن كل كوكب أو نجم يدور حول كوكب آخر ويرجع إلى مكان انطلاقه النسبي:

﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾

[سورة الطارق:11]

 قرآن.
 أيها الأخوة الكرام؛ لكن أنشتاين هذا العالم الذي اكتشف النظرية النسبية والتي طورت علم الفيزياء تطويراً نوعياً، وهذا يعد أكبر عالم فيزيائي، هذا الذي توصل إلى سرعة الضوء، السرعة المطلقة ثلاثمئة ألف كيلومتر، الآن أتمنى أن تعيروني أذهانكم بدقة، هل تصدقون أن نتاج هذه النظرية هو اكتشاف سرعة الضوء، وأن أي جسم سار مع الضوء توقف الزمن وأصبح ضوءاً، أي جسم سار مع الضوء أي سار بسرعة الضوء أصبح ضوءاً، الكتلة صفر، الحجم لانهائي، وأنك إذا سبقت الضوء تراجع الزمن، لو تمكنا نظرياً أن نركب مركبة سرعتها ضعف سرعة الضوء لرأينا معركة بدر حقيقة نراها، لو ركبنا مركبة ضعف سرعة الضوء تراجع الزمن، لأن الحوادث موجات ضوئية تصعد للفضاء الخارجي، فإذا سبقنا الضوء تراجع الزمن، إذا قصرنا عن سرعة الضوء، القضية معقدة لكن الآن السؤال: كيف نجد آية قرآنية تبين سرعة الضوء الدقيقة؟ الأرض يدور حولها القمر دورة كل شهر، أخواننا طلاب الجامعة والذين معهم شهادة ثانوية إذا أخذنا مركز الأرض ومركز القمر- القمر يدور حول الأرض- ووصلنا بينهما بخط، ما هذا الخط؟ هذا الخط نصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض، ضرب اثنين القطر، ضرب ثلاثة فاصلة أربعة عشر(البي) المحيط، قال الله تعالى:

﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾

[سورة الحج:47]

 ضرب اثني عشر بالسنة، ضرب ألف بألف سنة، ابنك الصغير مع آلة حاسبة بدقيقتين نأخذ نصف قطر الأرض مع نصف قطر القمر والمسافة بينهما، صار عندنا نصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض، ضرب اثنين القطر، ضرب ثلاثة فاصلة أربعة عشر(البي) المحيط، ضرب اثني عشر بالسنة، ضرب ألف بألف سنة، هذه هي المسافة التي يقطعها القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام، ومن بديهيات العلوم لو قسمنا المسافة على الزمن تنتج السرعة، تقسيم ألف تنتج سرعة القمر بسنة، تقسيم ثلاثمئة وخمسة وستين باليوم، تقسيم أربع وعشرين بالساعة، تقسيم ستين بالدقيقة، تقسيم ستين بالثانية، الناتج سرعة الضوء، قال الله تعالى:

﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾

[سورة الحج:47]

 أي ما يقطعه القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام يقطعه الضوء في يوم واحد، هذه نظرية أنشتاين نظرية السرعة المطلقة، ثلاثمئة ألف كيلومتر بالثانية، أما الأدق من ذلك، السرعة الدقيقة جداً مئتان وتسعة وتسعون ألفاً وسبعمئة واثنان وتسعون وأربعمئة وثمانية وخمسون، هذه السرعة الدقيقة التي اكتشفها علماء الفيزياء للضوء والناتج هذا الرقم نفسه، أبداً.

 

من صحت حركته وفق هدى الله سلم و سعد :

 أخواننا الكرام؛ ننطلق الآن للموضوع الديني، الإنسان كائن متحرك، ما الذي يحركه؟ يريد أن يأكل، حاجته إلى الطعام، أيضاً كبر أخذ الليسانس، ماذا يريد؟ يريد الزواج هذه الحاجة الثانية، إن كان شاباً أو إن كان شابة، أكل وشرب وتزوج وأنجب لا يكفي، الحاجة الثالثة سماها علماء النفس: تأكيد الذات، أن يشار إليه بالبنان، أن يكون إنساناً مهماً، سموها تأكيد الذات، أنا أقول: أول حاجة الطعام والشراب بقاء الوجود، والثانية بقاء النوع إذا لو يكن هناك زواج يباد النوع، والثالثة بقاء الذكر، أول حاجة بقاء الفرد، والثانية بقاء النوع، والثالثة بقاء الذكر، أؤكد لكم من أعماقي أن هذه الحاجات الثلاث، بقاء الفرد وبقاء النوع وبقاء الذكر متوافرة في الدين، تحقق بأكملها من خلال هذا الدين، فتأكل وتشرب وتعمل وتتزوج وتعمل عملاً صالحاً يرقى بك عند الله، والعمل الصالح يرفعه، بل إن حجمك عند الله بحجم عملك الصالح.
 فأنت كائن متحرك، تحركك الحاجة إلى الطعام والحاجة إلى الزواج والحاجة إلى الإشارة إليك بالتعظيم وبقاء الذكر.
 شيء آخر، هذه الحركة إن صحت سلمت وسعدت، وإن لم تصح شقي الإنسان وهلك، الحركة إما تصح، خرجت من بيتك، إنسان ينوي أن يكون عمله مشروعاً، عمله صحيحاً، يعمل بعد ذلك يجمع مبلغاً، يشتري بيتاً، يطلب فتاة يتزوجها، ينجب أولاداً، مادام يتحرك وفق منهج الله هو في أمن، قال الله تعالى:

﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾

[سورة الأنعام:81-82]

 إذاً إن صحت الحركة سلم وسعد، وإن لم تصح شقي وهلك، وهذه القضية خاصة، أي لا يوجد موضوع أكثر لصوقاً بحياة الإنسان من هذا الموضوع، سلامتك وسعادتك واستمرارك.

 

أنواع اليقين :

 لذلك الآن عندنا نقطة، إذا دخلنا الى غرفة ليس لها أي نافذة، وفي الليل، والظلام دامس، أغلقنا الباب ما قيمة هذه العين؟ صفر. إذاً ماذا تحتاج هذه العين؟ إلى ضوء يكون وسيطاً بينها وبين المرئيات، أليس كذلك؟ هذا الكلام العلمي الدقيق ينطبق على العقل، العقل أعظم جهاز أودعه الله فينا، لكن هذا العقل يحتاج إلى نور كما أن العين تحتاج إلى نور، هذا النور هو الوحي، فالعين تحقق وظيفتها بالأنوار، والعقل يحقق أهدافه بالوحي، لأن العقل لا يستطيع أن يحيط بالله عز وجل، العقل محدود تماماً كميزان غال جداً، مكتوب عليه: من خمسة غرامات إلى خمسة كيلو، يجب أن نعتقد أن العقل عنده شيء اسمه يقين حسي، هي كأسماء، يقين حسي عن طريق الحواس الخمس، لكن أنا أعتقد في هذا المسجد كهرباء، الدليل تألق المصابيح، تكبير الصوت، أنا لا أرى الكهرباء ولكن رأيت آثارها، فاليقين بوجود كهرباء في هذا المسجد هو يقين عقلي، وأما يقيني أن هذا كأس ماء فهو يقين حسي، في بلد من البلدان المتخلفة لا يوجد كهرباء لكن هناك وزير كهرباء، مرة إنسان سأل إنساناً سويسرياً: أنتم عندكم وزير بحرية؟ قال له: غير معقول ليس عندنا بحر أبداً، فقال له: لماذا غير معقول نحن عندنا وزير كهرباء وليس لدينا كهرباء.
 إذاً العين تحتاج إلى ضوء، والعقل يحتاج إلى وحي، بدون وحي العقل يضيع، هذا شيء يقيني، كما أن العين لا قيمة لها إطلاقاً بدون ضوء والعقل وحده لا قيمة له بدون وحي يرشده، لأن ما عجز العقل عن إدراكه أخبرك الله به، العقل يحتاج إلى شيء مادي، كلام دقيق، مثلاً جدار وراءه دخان يقول: لا دخان بلا نار، فاليقين العقلي قال: هناك نار، لكن يوجد شيء إذا ظهرت عينه وآثاره فهو يقين حسي، إذا غابت عينه وبقيت آثاره يقين عقلي، وإذا غابت عينه وآثاره، من معه دليل مقنع أن هناك جن؟ لا أحد، لكن الله أخبرنا، هذا الثالث يقين إخباري، أنت بين اليقين الحسي واليقين العقلي واليقين الإخباري، الملائكة والجن والماضي السحيق والمستقبل البعيد هذه قضايا أخبرنا عنها الوحي، الآن اليقين الإخباري تنبع قيمته من المُخبر، من هو المُخبر؟ هو الله، لذلك قال تعالى:

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾

[سورة الفيل:1]

 بربكم من رأى منكم ذلك؟ لا أحد. الله قال: ألم تر، علق العلماء فقالوا: "إخبار الله ينبغي أن تأخذه وكأنك تراه"، إذاً هناك يقين حسي من خلال الحواس الخمس أو استطالاتها الآن يوجد ميكروسكوب، كان يكبر ثمانية مرات الآن هناك مجهر إلكتروني يكبر خمسين ألف مرة، وضعوا تحته بعوضة تفاجؤوا أن في رأس البعوضة مئة عين، وفي فمها ثمانية وأربعين سناً، وفي صدرها قلوب ثلاثة، قلب مركزي وقلب لكل جناح، وفي كل قلب أُذينان وبطينان ودسامان، والبعوضة تملك جهازاً لا تملكه الطائرات، تملك جهاز استقبال حراري ترى الشيء لا بحجمه ولا بوزنه ولا بشكله بل تراه بحرارته، الدنيا شتاء، حرارة الغرفة ليلاً درجتان، الابن نائم، حرارته سبع وثلاثون درجة، لا ترى إلا الطفل تأتي إليه، ليس كل دم يناسبها، تأخذ عينة من دمه تفحصها معها جهاز تحليل دم ليناسبها دم هذا الطفل، أما أخوه فيناسبها دمه، ينام أخوان على السرير الأول يستيقظ وقد ملئ وجهه بلسع البعوض والآخر ليس به شيء، معها جهاز تحليل دم ومعها جهاز تخدير، الإنسان عندما يُقرص من بعوضة بكل عزمه يحاول قتلها تكون هي بسقف الغرفة تضحك عليه، لأنه انتهى مفعول التخدير، هي خدرته وامتصت الدم وصعدت إلى فوق، معها جهاز تحليل دم، ومعها جهاز تخدير، ومعها جهاز تمييع، إذا الدم لم تميعه لن تستطيع امتصاصه.
استقبال حراري، تخدير، تمييع، الآن خرطومها فيه ست سكاكين، أربع سكاكين تعمل جرحاً مربعاً، وسكينان تلتئمان على شكل أنبوب لامتصاص الدم، والله شيء لا يصدق، الله عز وجل قال:

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ﴾

[سورة البقرة:26]

 أنا عرضت الصور كلها على الفضائية السورية سابقاً بدرس.

 

الحق هادف وثابت والباطل زائل وعابر :

 ما هو الحق؟ الحق دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط، خط النقل الصحيح، نقل عن الله، قرآن أو سنة لكنه صحيح، وخط العقل الصريح، هناك عقل تبريري، تأتي دولة عظمى إلى دولة عربية نفطية تحتله والخسارة تقدر بمئتي مليار دولار وخمسة آلاف قتيل هي ماذا قالت عندما جاءت؟ جئنا من أجل الحرية، هذا اسمه عقل تبريري، فالخط الأول النقل الصحيح، والخط الثاني العقل الصريح، والخط الثالث الفطرة السليمة الغير منطمسة، والخط الرابع الواقع الموضوعي، فما هو الحق؟ ما جاء به وحي السماء، وقبله العقل الصريح، وارتاحت إليه الفطرة السليمة، وأكده الواقع الموضوعي، هذا الحق.
 قالوا: الحق الشيء الهادف والثابت، إنشاء جامعة حق، تنشئ بناء راقياً جداً يستمر لمئات السنين، أنا معي شهادة دكتوراه من جامعة عمرها خمسمئة سنة سابقة، من خمسمئة عام، فالحق أولاً ثابت وهادف، هادف يخرج قادة للأمة، هذا الحق، أما السيرك فغير هادف لشيء، هادف لتسليتك فقط، السيرك غير الجامعة، فالحق هادف وثابت والباطل مؤقت وزائل، إن الباطل كان زهوقاً، لو سبعون سنة بقي المبدأ ينهار بعد ذلك، مثلاً مبدأ لا إله انهار بعد سبعين عاماً، إن الباطل كان زهوقاً، سبعون سنة وهذا البلد الذي يطرح هذا الفكر عنده قنابل نووية ممكن أن تدمر العالم كله، ومع ذلك تداعت من داخلها، انتهت، إن الباطل كان زهوقاً، فالحق هادف وثابت والباطل زائل وعابر، لذلك الحقيقة الدقيقة المعركة بين حقين لا تكون، السبب: الحق لا يتعدد، الدليل قال الله تعالى:

﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾

[سورة الأنعام:153]

 أي بين نقطتين لا يمر غير خط مستقيم واحد، الحق لا يتعدد، فالحرب بين حقين لا تكون، مستحيل، وبين حق وباطل لا تطول، لأن الله مع الحق، وبين باطلين راحت مع العمر، وبين باطلين لا تنتهي، بين حقين لا تكون، وبين حق وباطل لا تطول، وبين باطلين لا تنتهي.

 

الله عز وجل يقذف النور في قلب المؤمن فيرى الحق حقاً والباطل باطلاً :

 لذلك قال الله تعالى:

﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ*وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ﴾

[سورة فاطر:19-21]

 الظلمات جمع والنور مفرد، كنت في جلسة في الشام – القصة قديمة - ويبدو أن الجلسة فيها إنسان مبدؤه في الحياة لا إله ملحد، فقلت له: من بلغ العشرين ولم يكن شيوعياً فلا قلب له، فَسُّرَ وقال: طبعاً طبعاً، وقلت: ومن بلغ الأربعين وبقي شيوعياً فلا عقل له، فإن الباطل كان زهوقاً، فقال لي: إن المؤمن له سعادة خاصة وهذا غير صحيح، فقلت له: اشرح، فقال لي: إذا كان هناك موجة غلاء فهذه الموجة على الكل، إذا كان الجو حاراً على الكل، فقلت له: اسمع الجواب، إنسان فقير جداً، عنده خمسة أولاد، معاشه لا يكفيه خمسة أيام، يسكن ببيت أجرة وعليه دعوى إخلاء، له عم معه خمسمئة مليون، ليس له أولاد مات بحادث، خلال ثانية واحدة انتقل له خمسمئة مليون، لكن حتى يقبضهم بعد سنة هناك معاملات وحصر إرث وبراءات ذمة، لماذا بهذه السنة أسعد إنسان؟ لم يأكل لقمة زيادة، اسمع الآية، قال الله تعالى:

﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾

[سورة القصص:61]

 المؤمن موعود بالجنة، من وعده؟ الله عز وجل، زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين.

﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾

[سورة القصص:61]

 الآن لا زلنا في موضوع النور، قال الله تعالى:

﴿الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾

[سورة إبراهيم:1]

 معنى هذا أن المؤمن في نور، نور الوحي، نور السنة، نور ألقاه الله في قلبك، الله عز وجل يقذف النور في قلب المؤمن، يرى الحق حقاً والباطل باطلاً، قال الله تعالى:

﴿الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾

[سورة إبراهيم:1]

 أنا بهذا اللقاء الطيب أركز على كلمة النور، لماذا المؤمن يستقيم؟ الله عز وجل يقذف في قلبه النور فيرى به الحق حقاً فيتبعه، والباطل باطلاً فيجتنبه، هذا ملخص اللقاء كله، محور الدرس: تكون مع الله في قلبك نور، قال الله تعالى:

﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ِ﴾

[سورة الرعد:16]

 الباطل متعدد، الظلمات جمع والنور مفرد.

 

حرص الإنسان على سلامة و كمال و استمرار وجوده :

 أما الآية الدقيقة فقد قال الله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾

[سورة الحديد:28]

 أمثلة غريبة: عامل ببلد عربي بالمطار، أثناء تنظيف الطائرة وجد مكاناً كبيراً في الطائرة، الحقيقة المكان هو بيت العجلة، ففكر أن يقعد هنا بدون فيزا أو أجرة، وجد نفسه أذكى إنسان، الطائرة على المدرج أثناء صعودها الطيار أرخى قاعدة الغرفة نزل ميتاً، ما الذي قتله؟ جهله.
 أخواننا الكرام؛ الجهل أعدى أعداء الإنسان، والجاهل يفعل بنفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، بل إن أزمة أهل النار في النار أزمة علم فقط، الدليل قال الله تعالى:

﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾

[سورة الملك:10]

 أزمة علم فقط، لأننا نحن جميعاً من دون استثناء التسعة مليارات إنسان في الأرض، نحن جميعاً أهل الأرض حريصون على سلامة وجودنا بالفطرة، وحريصون على كمال وجودنا، وحريصون على استمرار وجودنا، كل إنسان يحب أن يعمّر عمراً مديداً طبعاً، ويحب ألا يكون عنده أي مشكلة، وعنده دخل جيد، وعنده شيء من مباهج الدنيا، هذا شيء بالفطرة، فكل إنسان حريص على سلامة وجوده، وكمال وجوده، واستمرار وجوده، هذه أهم شيء، السلامة تحتاج إلى استقامة، أنت أعقد آلة بالكون، هذه الآلة لها صانع عظيم، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل و الصيانة، فأنت حين تطيع الله تتبع تعليمات الصانع، والجهة الوحيدة التي يجب أن تتبع تعليماتها هي الجهة الصانعة، كنت في أمريكا يبدو أن أحدهم جاء من شرقي آسيا ولم يعطوا زوجته موافقة- والفكرة نادرة جداً - وهي صغيرة الحجم وضعها في حقيبة ومرت لكن وصلت ميتة، لأن الحرارة خمسون تحت الصفر، ما الذي قتل هذه المرأة؟ الجهل، الجهل أعدى أعداء الانسان والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به.
 الآن بالزراعة يوجد سماد، تعليمات الشركة تضع لتراً في البرميل، هذا ظن إن عمل لترين يكون النمو مضاعفاً، وضع لترين فمات كل الزرع. فالجهل أعدى أعداء الإنسان، ما من مشكلة على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا بسبب خروج عن منهج الله، وما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهل، والجهل أعدى أعداء الإنسان، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به.

 

القلب السليم لا يعبد إلا الله :

 الآن، قال الله تعالى:

﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾

[سورة الأنعام:122]

 المؤمن حي، طبعاً الشاعر قال:

ليس من مات فاستراح بميتٍ  إنما الميت ميت الأحياء
***

 أي أنت تصلي لا تحس بشيء إطلاقاً، تقرأ القرآن لا تشعر بشيء إطلاقاً، تذكر الله لا تحس بشيء إطلاقاً، هذا الإمام الحسن البصري قال هذا الكلام: فاعلم أنه لا قلب لك. يجب أن تتابع نفسك، تقرأ القرآن تحس بقرب من الله، تصلي تحس بقرب من الله، فلابد من أن تتعاهد قلبك، سيدنا عمر قال: "تعاهد قلبك"، تابع قلبك. طبعاً قال الله تعالى:

﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ *إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾

[سورة الشعراء:88-89]

 أدق تعريف للقلب السليم، القلب السليم هو القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله، والقلب السليم هو القلب الذي لا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله، والقلب السليم هو القلب الذي لا يعبد إلا الله.

﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ *إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾

[سورة الشعراء:88-89]

 قلب لا يشتهي شهوة لا ترضي الله، ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله، ولا يعبد إلا الله. لذلك قال الله تعالى:

﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾

[سورة البقرة:257]

من لم يدخل الله في حساباته فهو أغبى الأغبياء :

 أخواننا الكرام، الآية الكريمة:

﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾

[سورة المائدة:16]

 بهذا القرآن آية دقيقة جداً، أولاً: أنت في سلام مع الله، تحس بأن الله يحبك، وأنت غال عليه، وأنت في رعايته، قال تعالى:

﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾

[سورة الطور:48]

 وكل آية متعلقة برسول الله لكل مؤمن منها نصيب، فأولاً: تحس بأن الله عز وجل يحبك ويرعاك، الشيء الثاني: سلام مع نفسك، لم ترتكب عملاً سيئاً، هذا قال: "يظل المسلم بخير ما لم يسفك دماً"، إذا أكرمه الله عز وجل ولم يقتل حيواناً صغيراً قصداً فهذه نعمة كبيرة.
 أنا أقول يا أيها الأخوة: الطغاة أغبياء جداً لأنهم ما أدخلوا الله في حساباتهم هم أغبى أغبياء الأرض، قال الله تعالى:

﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾

[سورة المائدة:16]

الصلاة نور للعبد في قلبه ووجهه وقبره وحشره :

 لذلك النبي عليه الصلاة والسلام إذا قام من الليل يتهجد يقول:

((اللهم لك الحمد، أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد لك ملك السموات والأرض، ولك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق ووعدك حق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت))

[ صحيح عن ابن عباس]

 أيها الأخوة: ورد في بعض الآثار النبوية:

((الصلاة نور))

[ ورد في الأثر]

 هنا الشاهد، وقال الله تعالى:

﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾

[سورة البقرة:152]

 إن ذكرت الله أديت واجب العبودية، أما إذا ذكرك الله فيمنحك نعمة الأمن:

﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾

[سورة الأنعام81-82]

 وإذا ذكرك الله منحك السكينة، والسكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، وإذا ذكرك الله منحك الرضا، راضٍ عن الله، إنسان يطوف حول الكعبة وراءه الإمام الشافعي، قال: يا رب هل أنت راض عني؟ فقال له الإمام الشافعي: يا هذا هل أنت راض عن الله حتى يرضى عنك؟ قال: من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا محمد بن إدريس أي الشافعي، كيف أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه؟ فقال الإمام الشافعي: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله.
 لذلك قالوا: "الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين".
 فالصلاة نور للعبد في قلبه، وفي وجهه، وفي قبره، وفي حشره، لذلك تجد أكثر الناس نوراً في وجوههم أكثرهم صلاة، وأخشعهم فيها لله عز وجل، وكذلك تكون نوراً للإنسان في قلبه تفتح عليه باب المعرفة بالله، وباب المعرفة في أحكام الله وأفعاله وأسمائه وصفاته.

 

الدين حياتنا و سعادتنا :

 أيها الأخوة الكرام؛ هذا الدين مصيري، هذا الدين حياتنا، هذا الدين سعادتنا، هذا الدين سلامتنا، هذا الدين أمننا، لذلك الخيار هنا خيار دقيق جداً، بالتعبير المعاصر خيار مصيري، لأن هناك موتاً، وأنا أنصح، النبي قال:

((أكثروا ذكر هادم اللذات))

[ الترمذي و النسائي عن أبي هريرة]

 هناك موت والموت لا أحد يعرف متى، قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾

[سورة الحشر:18]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور