وضع داكن
29-03-2024
Logo
خطبة جمعة : 1201 - إسبانيا - مدريد - المركز الثقافي الإسلامي الأمة بفوينلابرادا - من عرف نفسه عرف ربه - آيات الله أنواع ثلاثة ؛ كونية قرآنية وتكوينية .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:

 الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

الإنسان هو المخلوق الأول عند الله لأنه قبِل حمل الأمانة :

 أيها الأخوة الأكارم قيل: من عرف نفسه عرف ربه، فمن أنت أيها الإنسان؟! هل تعلم أنك المخلوق الأول عند الله؟! المخلوق الأول رتبة، لأن الله جلّ جلاله عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقنا منها وحملها الإنسان.
 الآن الإنسان قبِل حمل الأمانة فكان عند الله المخلوق الأول، لذلك سخر الله له ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه تسخير تعريف وتسخير تكريم، موقف الإنسان الكامل من تسخير التعريف أن يؤمن، وموقفه الكامل من تسخير التكريم أن يشكر، فإذا آمن وشكر حقق الهدف من وجوده لذلك قال تعالى:

﴿ ما يَفعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُم إِن شَكَرتُم وَآمَنتُم ﴾

[سورة النساء: ١٤٧]

العبادة علة وجود الإنسان في الدنيا :

 أيها الأخوة الكرام؛ كلكم يعلم أن معظم الطلاب درسوا في المدارس أن الكون جماد ونبات وحيوان وإنسان، أليس كذلك؟ الجماد شيء مادي يشغل حيزاً في الفراغ، له وزن، وله حجم، وله أبعاد ثلاثة، وأما النبات فشيء مادي أيضاً يشغل حيزاً في الفراغ، وله أبعاد ثلاثة، وله وزن لكنه ينمو، اختلف عن الجماد بالنمو، وأما الحيوان فشيء مادي له أبعاد ثلاثة، وله وزن، وله حجم وينمو كالنبات لكنه يتحرك، اختلف عن النبات بالحركة، وأما الإنسان فشيء مادي يشغل حيزاً في الفراغ، وله وزن، وله حجم، وله أبعاد ثلاثة، وينمو ويتحرك لكنه يفكر، إذا أودع الله في الإنسان قوة إدراكية تميز بها عن بقية المخلوقات، هذه القوة الإدراكية جعلته فوق المخلوقات جميعاً.
 لذلك الموقف الكامل من هذه القوة الإدراكية أن يؤمن، أن يتعرف إلى الله، أن يتعرف إلى حقيقة الكون، أن يتعرف إلى حقيقة الحياة الدنيا، أن يتعرف إلى حقيقة وجوده، فإذا تعرف إلى الله حقق الهدف من وجوده بل أكّد إنسانيته، الله عز وجل يقول:

﴿ وَما خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلّا لِيَعبُدونِ ﴾

[سورة الذاريات: ٥٦]

 علة وجودنا في هذه الدنيا العبادة.
 لو أن أباً أرسل ابنه إلى باريس لينال الدكتوراه من السوربون، مدينة كبيرة مترامية الأطراف، عملاقة، نقول: هذا الطالب الموجود في هذه المدينة علة وجوده في هذه المدينة شيء واحد هو الدراسة، نيل الدكتوراه.
 يجب أن نعتقد جميعاً أن علة وجودنا في الدنيا شيء واحد، أن نعبد الله، والعبادة لا كما يتوهمها معظم الناس، أن نصلي فقط، وأن نصوم، وأن نحج البيت، وأن نؤدي زكاة أموالنا، وأن ننطق بالشهادة، هذه عبادات شعائرية، لكن البطولة أن نخضع لمنهج الله عز وجل الذي قد يزيد عن خمسمئة ألف بند، يبدأ هذا المنهج من فراش الزوجية، وينتهي بالعلاقات الدولية، هذا المنهج كبير، كيف تأكل، كيف تشرب، كيف تتزوج، كيف تربي أولادك، كيف تتعامل مع الأقوياء، مع الضعفاء.
 هنالك أسئلة لا تنتهي فأنت الكائن الأول، بل أنت أعقد آلة في الكون، ولهذه الآلة البالغة التعقيد صانع عظيم هو الله، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة، فالجهة الوحيدة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها هي الجهة الصانعة لأنها الجهة الخبيرة، قال تعالى:

﴿ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثلُ خَبيرٍ ﴾

[سورة فاطر: ١٤]

حرص الإنسان على سلامة و كمال و استمرار وجوده :

 انطلاقاً من حرصك على سلامتك، أحدث إحصاء بسكان الأرض تسعة مليارات، أؤكد لكم أن تسعة مليارات إنسان لا يستثنى واحد منهم حريصون على سلامة وجودهم، وحريصون على كمال وجودهم، وحريصون على استمرار وجودهم.
 سلامة وجودك بالاستقامة، فالاستقامة تحقق السلامة، وكمال وجودك بالعمل الصالح، والعمل الصالح يحقق لك اتصالاً مع الله.

﴿ وَالعَمَلُ الصّالِحُ يَرفَعُهُ ُ﴾

[سورة فاطر: ١٠]

 واستمرار وجودك بتربية أولادك، فلو جمعت أكبر ثروة في الأرض، وارتقيت إلى أعلى منصب فيها، ولم يكن ابنك كما تتمنى، فأنت أشقى الناس .
 لذلك الأخوة الكرام الأعزاء ؛ الجالية الإسلامية في هذا البلد المشكلة الأولى تربية أولادهم ، لأن الإهمال إذا حصل نشأ الابن نشأة تتناقض مع منهج أبيه ، ومع عقيدته ، ومع طموحه، وما لم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس.
 إذا سلامة الوجود بالاستقامة على تعليمات الصانع، وهي القرآن والسنة، وكمال الوجود بالعمل الصالح، واستمرار الوجود بتربية الأولاد.

 

العاقل من ينفق وقته استثماراً لا استهلاكاً :

 لذلك الله عز وجل جعل للإنسان عمراً، وما من تعريف جامع مانع للإنسان كهذا التعريف الذي ذكره الإمام الجليل والتابعي الكبير الإمام الحسن البصري، قال: "الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه"، فأنت زمن رأس مالك هذا الزمن، هذا الزمن إما أن تنفقه إنفاقا استهلاكياً كشأن معظم سكان الأرض، نأكل ونشرب ونسمر ونتمتع ثم نفاجأ بالموت، أو أن ينفق هذا الزمن الذي هو أنت وهو رأس مالك إنفاقاً استثمارياً، بمعنى أن تفعل في الزمن الذي سينقضي عملاً ينفعك بعد انقضاء الزمن.

 لذلك لأن الإنسان زمن، ولأن رأس ماله هو الزمن أقسم الله له بمطلق الزمن فقال:

﴿ وَالعَصرِ﴾

[سورة العصر: ١]

 قسم إلهي، والعصر هو الزمن، أقسم الله له بمطلق الزمن لأنه زمن، وحواب القسم:

﴿ إِنَّ الإِنسانَ لَفي خُسرٍ ﴾

[سورة العصر: ٢]

 خاسر! لماذا يا رب هو خاسر؟! فالعلماء قالوا: لأن مضي الزمن وحده يستهلك الإنسان، سبت أحد اثنين ثلاثاء أربعاء خميس مضى الأسبوع، أسبوع ثان وثالث ورابع مضى شهر، شهر ثان وثالث ورابع مضى فصل، أربعة فصول مضى عام، مضى تسعة أعوام عقد، حياة الإنسان بضعة عقود، يفاجأ أنه صار على مشارف الموت، الإنسان لو كان عمره أربعين عاماً، لو سألناه كيف مضت هذه الأعوام؟ يقول لك: والله لا أدري، مضت، فإذا مضت الأربعون والأعم الأغلب أن الذي بقي أقل مما مضى، فإذا مضت الأربعون فالأعوام التي بقيت تمضي كالأربعين، وفجأة الإنسان سيحاسب عن كل كلمة قالها، وعن كل خطوة خطاها، وعن كل ابتسامة، وعن كل عطاء، وعن كل منع، وعن كل صلة، وعن كل قطيعة، قال الله تعالى:

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسأَلَنَّهُم أَجمَعينَ* عَمّا كانوا يَعمَلونَ ﴾

[سورة الحجر: ٩٢-٩٣]

 وقال تعالى:

﴿ وَالعَصرِ* إِنَّ الإِنسانَ لَفي خُسرٍ* إِلَّا الَّذينَ آمَنوا ﴾

[سورة العصر: ١-٣]

نجاة الإنسان بالإيمان و العمل الصالح :

 قد يقول معظم أهل الأرض من المسلمين: نحن مؤمنون، الجواب علامة الإيمان الاستقامة على أمر الله، وأي إيمان لا ينتج عنه استقامة لا شأن له عند الله، الدليل إبليس اللعين مؤمن! ما الدليل قال كما ورد في القرآن الكريم:

﴿ قالَ فَبِعِزَّتِكَ ﴾

[سورة ص: ٨٢]

 آمن به رباً وآمن به عزيزاً، وقال:

﴿ فَأَنظِرني إِلى يَومِ يُبعَثونَ ﴾

[سورة ص: ٧٩]

 وآمن بالآخرة وهو إبليس اللعين، لذلك دققوا الآية الكريمة قال تعالى:

﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَما أَدراكَ ما سَقَرُ* لا تُبقي وَلا تَذَرُ* لَوّاحَةٌ لِلبَشَرِ ﴾

[سورة المدثر: ١٨-٢٩]

 وقال تعالى:

﴿ إِنَّهُ كانَ لا يُؤمِنُ بِاللَّهِ العَظيمِ ﴾

[سورة الحاقة: ٣٣]

 هنا الشاهد، ما آمن بالله العظيم، آمن بالله خالقاً لكن ما آمن به عظيماً، لو آمن به عظيماً لامتنع عن معصيته، فلذلك نصيحة لكل مؤمن لا تقس إيمانك بمعلومات تعرفها، قس إيمانك باستقامتك، فإذا كنت مستقيماً فأنت مؤمن وبرب الكعبة.
 فلذلك سألت مرة أحدهم: هل بإمكانك أن تضغط لي التجارة كلها بكلمة واحدة؟ مليون نوع! مئة مليون نوع! ألف مليون مستوى! يمكن أن تضغط التجارة كلها بكلمة واحدة، إنها الربح! فإن لم تربح فلست تاجراً.
 كذلك الدين كله بعقائده وبعباداته وبمعاملاته وبتاريخه وبمؤلفاته وبأسسه الدين كله يضغط بكلمة واحدة إنها الاستقامة، فإن لم تستقم على أمر الله لن تقطف من الدين شيئاً، دين من دون استقامة اسمه تراث، اسمه أثر روحي للأمة، يقول لك: عنده خلفية إسلامية، عنده أرضية إسلامية، عنده نشاط إسلامي، عنده منطلقات إسلامية، الإسلام شيء آخر، الإسلام منهج يبدأ من فراس الزوجية ويتنهي بالعلاقات الدولية، فإذا خضعت لمنهج الله في كسب مالك، في إنفاق مالك، في طريقة اختيار زواجك، في طريقة تربية أولادك، في حالات الضعف، وفي حالات القوة، في علاقاتك، إذا اعتمدت منهج الله عز وجل في كل حركاتك وسكناتك فأنت مؤمن وبرب الكعبة، لذلك قال تعالى:

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾

[سورة العصر: ١-٣]

 الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يقول: هذه أركان النجاة، ننجو بإيمان يحملنا على طاعة الله، مقياس الإيمان الذي يحملك على طاعة الله، وننجو بالعمل الصالح، فحجمك عند الله بحجم عملك الصالح، قال الله تعالى:

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلوا ﴾

[سورة الأحقاف: ١٩]

 ننجو بالإيمان والعمل الصالح قال تعالى:

﴿ إِلَّا الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ ﴾

.

 

الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم :

 الآن دققوا:

﴿ وَتَواصَوا بِالحَقِّ ﴾

 هل تصدقون أن الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، الصلاة مثلاً فرض على كل مسلم، وكذلك الدعوة إلى الله من خلال سورة العصر فرض على كل مسلم، ولكن الدعوة إلى الله كفرض في حدود ما تعلم ومع من تعرف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( بلغوا عني ولو آية ))

[ أخرجه البخاري والترمذي عن ابن عمرو ]

 قال تعالى:

﴿ قُل هذِهِ سَبيلي أَدعو إِلَى اللَّهِ عَلى بَصيرَةٍ أَنا وَمَنِ اتَّبَعَني ﴾

[سورة يوسف: ١٠٨]

 فالذي لا يدعو إلى الله على بصيرة ليس متبعاً لرسول الله، والدليل قال الله تعالى:

﴿ قُل إِن كُنتُم تُحِبّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعوني ﴾

[سورة آل عمران: ٣١]

 الدعوة إلى الله كفرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف، حضرت خطبة تأثرت بها أبلغها إلى زوجك، إلى أولادك، إلى جيرانك بلقاء، إلى شركائك في العمل، انقل الحقائق التي تلقيتها إلى من حولك، هذه الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، في حدود ما تعلم ومع من تعرف.
 أما الدعوة إلى الله التي هي فرض كفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الكل، فتحتاج إلى تفرغ، وإلى تعمق، وإلى تبحر، وإلى توسع، وتقتضي هذه الدعوة أن تجيب على كل سؤال، هذه الدعوة التي هي فرض كفاية التي قام بها البعض سقطت عن الكل، إذاً:

﴿ إِلَّا الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَتَواصَوا بِالحَقِّ وَتَواصَوا بِالصَّبرِ ﴾

[سورة العصر: ٣]

﴿ وَتَواصَوا بِالحَقِّ ﴾

 أي الدعوة إلى الله.

﴿ وَتَواصَوا بِالصَّبرِ ﴾

 الصبر على الإيمان بالله، والصبر على العمل الصالح، والصبر على الدعوة إلى الله.
 هذه السورة كان أصحاب النبي عليهم رضوان الله لا يتفرقون بعد اجتماعهم إلا بعد تلاوة هذه السورة:

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾

[سورة العصر: ١-٣]

 سيدنا سعد بن أبي وقاص، له كلمة دقيقة، قال: " ثلاثة أنا فيهن رجل" كلمة رجل في الكتاب والسنة لا تعني أنه ذكر تعني أنه بطل، قال الله تعالى:

﴿ رِجالٌ لا تُلهيهِم تِجارَةٌ وَلا بَيعٌ عَن ذِكرِ اللَّهِ ﴾

[سورة النور: ٣٧]

 قال: " ثلاثة أنا فيهن رجل وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس- ما هذه الثلاثة؟ قال: - ما صليت صلاة فشغلت نفسي عنها حتى أنطلق منها، ولا سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها- الثالثة هي الشاهد- وما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى".
 خالق الأكوان أرسل النبي العدنان، فالكتاب والسنة هما الدين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( تركت فيكم شيئين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدهما : كتاب الله وسنتي ))

[ أخرجه الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة ]

 أي لا بد في كل بيت من كتاب حديث، أي كتاب، هذا الكتاب اقرأ به سنة النبي الكريم، أي قضية الجنة تحتاج إلى جهد، وإلى التزام، وإلى طلب علم، ولأن الله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان قوة إدراكية، فلذلك تلبية لهذه القوة الإدراكية أعلى عمل تفعله أن تطلب العلم لتعرف من أنت، ولماذا جاء الله بك إلى الدنيا، وما حقيقة الدنيا، وما حقيقة الكون، وما حقيقة الدار الآخرة، هذه معلومات دقيقة.

 

العاقل من عرف سبب وجوده وغاية وجوده وحقيقة الحياة الدنيا :

 لذلك قالوا: ما كل ذكي عاقل، شخص قد يتمتع بذكاء عال، وهو الأولي في الجامعة، عمل دكتوراه في الفيزياء النووية، هذا أخطر موضوع ولم يؤمن بالله لا يعد عاقلاً، ما كل ذكي بعاقل.
 من هو العاقل؟ الذي عرف سبب وجوده، وغاية وجوده، وحقيقة الحياة الدنيا، وحقيقة الدار الآخرة، ثم تحرك وفق منهج الله، هذا هو العاقل.

الإنسان عقل يدرك وقلب يحب وجسم يتحرك :

 الإنسان كما قلت لكم حريص على سلامة وجوده، وكمال وجوده، واستمرار وجوده، السلامة بالاستقامة، والكمال بالعمل الصالح، والاستمرار بتربية الأولاد.
 لكن بعضهم قالوا: الإنسان عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، غذاء العقل العلم، وغذاء القلب الحب، وغذاء الحسم الطعام والشراب، فإذا غذيت عقلك بالعلم، وقلبك بالحب الذي يسمو بك، أن تحب الله مثلاً، وجسمك بالطعام والشراب تفوقت، أما إذا اكتفيت بواحدة فتطرفت، لذلك قال تعالى يصف أهل الدنيا:

﴿ إِن هُم إِلّا كَالأَنعامِ بَل هُم أَضَلُّ سَبيلًا ﴾

[سورة الفرقان: ٤٤]

 وقال تعالى:

﴿ كَأَنَّهُم حُمُرٌ مُستَنفِرَةٌ* فَرَّت مِن قَسوَرَةٍ ﴾

[سورة المدثر: ٥٠-٥١]

 وقال تعالى:

﴿ كَأَنَّهُم خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾

[سورة المنافقون: ٤]

 وصف كلام الله عز وجل.

 

الإنسان هو المخلوق المكلف بعبادة الله عز وجل :

 أيها الأخوة الكرام؛ الحديث خطير متعلق بالمصير، متعلق بسعادة أبدية أو بشقاء أبدي، والإنسان كما قلت قبل قليل هو المخلوق الأول، والمخلوق المكرم، قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَد كَرَّمنا بَني آدَمَ وَحَمَلناهُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلناهُم عَلى كَثيرٍ مِمَّن خَلَقنا تَفضيلًا﴾

[سورة الإسراء: ٧٠]

 والإنسان هو المخلوق المكلف بعبادة الله عز وجل، والعبادة طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.
 اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا.

* * *

الخطبة الثانية :
 الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته وارض عنا وعنهم يا رب العالمين.

 

آيات الله أنواع ثلاثة ؛ كونية قرآنية وتكوينية :

 أيها الأخوة الكرام، كلكم يعلم أن الله عز وجل حينما قال:

﴿ فَبِأَيِّ حَديثٍ بَعدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤمِنونَ ﴾

[سورة الجاثية: ٦]

 الآيات التي هي قنوات سالكة لمعرفة الله أنواع ثلاثة: آيات كونية. آيات تكوينية، آيات قرآنية.
 فالآيات الكونية خلقه، والآيات التكوينية أفعاله، والآيات القرآنية كلامه، فإذا أردت أن تعرفه فعليك أن تسلك هذه القنوات، الكون ثم أفعال الله عز وجل ثم القرآن.
 لكن العلماء قالوا: بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية، ما معنى سنة ضوئية؟ يقطع الضوء في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلومتر، في الدقيقة ضرب ستين، في الساعة ضرب ستين، في اليوم ضرب أربع وعشرين، في العام ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، بأربعة أعوام ضرب أربعة، ابنك الصغير مع آلة حاسبة بدقيقتين يحسب لك المسافة بين الارض وبين أقرب نجم ملتهب، ثلاثمئة ألف كيلو متر ضرب ستين ضرب ستين ضرب أربع وعشرين ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين ضرب أربعة، لو كان هناك طريق لهذا النجم، وأردنا أن نصل إليه بمركبة أرضية، قال: نحتاج إلى خمسين مليون عام، خمسون مليون عام كي نصل إلى أقرب نجم ملتهب! نجم القطب أربعة آلاف سنة ضوئية، المرأة المسلسة مليونا سنة ضوئية، إحدى المجرات بموسوعة لايف أربعة وعشرون ألف مليون سنة ضوئية، افتح القرآن اقرأ قوله تعالى:

﴿ فَلا أُقسِمُ بِمَواقِعِ النُّجومِ ﴾

[سورة الواقعة: ٧٥]

 مواقع النجوم المسافات بين النجوم:

﴿ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَو تَعلَمونَ عَظيمٌ ﴾

[سورة الواقعة: ٧٦]

 فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معا، بينما الجاهل يؤثر الدنيا عن الآخرة فيخسرهما معاً.

 

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم احقن دماء المسملين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام يا رب العالمين .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور