وضع داكن
20-04-2024
Logo
الإسلام الغائب - الندوة : 4 - حقيقة الدنيا هل هي للمؤمنين أم للكافرين؟ .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
 بسم الله الرحمن الرحيم خالق الدنيا وخالق الآخرة، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي علمنا أن نعيش في الدنيا فنستمتع بها، وعلمنا أن نسعى للآخرة، تعالوا نستطلع ما يقول الناس عن الدنيا هل هي للمؤمنين أم للكافرين؟
 هي للاثنين معاً لأن الدنيا لو كانت حكراً على المؤمنين لما كان هناك صراع بين الحق والباطل والعكس صحيح.
 الدنيا هي للمؤمنين وللكافرين.
 الدنيا هي للمؤمنين، والكافرين ليس لهم شيء.
 الدنيا- كما قال النبي صلى الله عليه وسلم - سجن المؤمن وجنة الكافر.
 الدنيا للمؤمن وللكافر.
 الدنيا للاثنين كل واحد له نصيب منها.
 الدنيا هي للمؤمنين وللكافرين، المؤمن له الدنيا والآخرة، والكافر له الدنيا.
 الله يعطي الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب، لكنه لا يعطي الاخرة إلا لمن يحب.
 الدنيا هي دار امتحان للمؤمنين والكافرين، وإلهنا هو اسمه رب العالمين رب المسلمين ورب الكفار ورب البوذيين، رب كل الديانات، ودينه دين واحد، وهي دار امتحان وليست الدنيا لفئة معينة أو طائفة معينة.
 هي أكيد للاثنين وكل واحد عنده رسالة والله يأخذه على عمله.
 مرحباً بكم مرة أخرى لمتابعة هذه الحلقة التي نعنونها: بحقيقة الدنيا وهل الدنيا للمؤمن أم للكافر؟
 معنا فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة السلام عليكم فضيلة الدكتور.
الدكتور راتب:
 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المذيع:
 فضيلة الدكتور بعبارة بسيطة وموجزة: هذه الدنيا التي نعيش فيها للمؤمنين أم للكافرين؟

 

الإنسان كائن متحرك له حاجات إن عرفها سلم وسعد :

الدكتور راتب:
 أولاً: لو أن إنساناً ذهب إلى باريس ونام في أحد فنادقها، واستيقظ صبيحة اليوم الأول وسأل من حوله: إلى أين أذهب؟ نقول له: عجباً لهذا السؤال، نسأله نحن: لماذا أتيت إلى هنا؟ إن جئت طالب علم فاذهب إلى المعاهد والجامعات، وإن جئت تاجراً فاذهب إلى المعامل والمؤسسات، وإن جئت سائحاً فاذهب إلى المقاصف والمتنزهات، ما معنى ذلك؟ أن الإنسان كائن متحرك، هذه الحركة لا تصح إلا إذا عرف سرّ وجوده في الأرض، كائن متحرك يأكل ويشرب، ويستمتع، ويتزوج، وينجب، ويسافر، ويعلو، ويسقط، ويطيع، ويعصي، كائن متحرك، لكن هذه الحركة إما أن تصح فيسعد ويسلم في الدنيا والآخرة بهذه الحركة، وإما أن تفسد فيهلك ويشقى في الدنيا والآخرة، أنت كائن متحرك، هذه الطاولة كائن ثابت لو تركتها على حالها مئات السنين هي هي، أما أنت فكائن متحرك عندك حاجات، حاجة إلى الطعام والشراب؛ والطعام والشراب يحتاجان إلى مال، وكسب المال يوجد طرق له، له طرق مشروعة وطرق غير مشروعة، أنت بحاجة إلى امرأة هناك زواج وهناك زنا، بحاجة إلى أشياء كثيرة بعضها حلال وبعضها حرام، فهذه الحركة التي خلقك الله وفقها إما أن تصح فتسلم وتسعد أو لا تصح فتشقى وتهلك.
 الآن متى تصح الحركة؟ إذا عرفت سرّ وجودك، وغاية وجودك، الذي ذهب إلى باريس إذا كان قد عرف أن الدولة أرسلته لبعثة لنيل الدكتوراه وتنتظره ليكون أستاذاً جامعياً كبيراً، وتنتظره زوجة تسره إن نظر إليها، ومركبة فارهة، وبيت في أحياء البلد الراقية، هذا الطالب وهو في باريس مادام الهدف واضحاً أمامه، مستقبل، مكانة، بيت، سيارة، دخل كبير فلكي، شيء نظيف، هذا الهدف مادام واضحاً أمامه يبتعد عن اللهو في باريس، يدرس دراسة متقنة جداً، إذا صاحب يصاحب إنساناً يتقن اللغة الفرنسية ليتعلم منه الحديث، إذا سكن يسكن في بيت قريب من الجامعة، إذا اشترى طعاماً يشتري طعاماً خفيفاً يعينه على الدراسة، إذا اشترى مجلة يشتريها من اختصاصه حتى ينتفع بها، كل الجزئيات بحياته متعلقة بالهدف، مادام الهدف واضحاً يختار لهذا الهدف جزئيات كثيرة، فالبطولة ان تعرف لماذا أنت في الدنيا؟
 والإنسان أستاذ عبد الفتاح يحب وجوده بل يحب سلامة وجوده، وكمال وجوده، واستمرار وجوده، سلامة وجوده هو أعقد آلة في الكون تعقيد هذه الآلة تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، وهذه الآلة لها صانع حكيم، ولهذا الصانع تعليمات التشغيل والصيانة.
المذيع:
 ما الفرق بين إعجاز لا عجز؟

 

الإنسان أعقد آلة في الكون تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز :

المذيع:
 هناك إنسان من ضعفه تأتي عباراته معقدة، أما عندما تفتح الكومبيوتر تجد الصمامات شيء مخيف ضمنه، هذا التعقيد تعقيد إعجاز.
 أنت حينما تعرف سرّ وجودك في الأرض وغاية وجودك تأتي حركتك وفق منهج الله لأنك أنت أعقد آلة في الكون، ولهذه الآلة بالغة التعقيد صانع عظيم، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة، أنت راقب نفسك لو اشتريت آلة غالية جداً، وتعليماتها باللغة الإنكليزية، ولست تتقن هذه اللغة لا تستعملها قبل ترجمة النشرة، أنت أعقد آلة في الكون لكن هذا التعقيد تعقيد إعجاز، أي في الدماغ مئة وأربعون مليار خلية سمراء استنادية لم تعرف وظيفتها بعد، بشبكية العين مئة وثلاثون مليون عصي ومخروط، بمساحة ميلمتر وثلث فقط، لأنك تميز بين ثمانية ملايين لون، الحديث عن الجسم حديث طويل، فلذلك الآلة بالغة التعقيد لها صانع حكيم، ولهذا الصانع تعليمات التشغيل والصيانة، والقرآن والسنة هي تعليمات التشغيل والصيانة، فانطلاقاً من حبك لذاتك - وسامحني بهذه العبارة- انطلاقاً من أنانية الإنسان ينبغي أن يطيع الله، من أنانيته، لأنه آلة معقدة له صانع وتعليمات، أنت حينما تركب مركبة ومعك عشرين طناً وصلت إلى جسر مكتوب لوحة صغيرة: الحمولة القصوى عشرة أطنان، نظرت هل هناك شرطي، هنا الموضوع ليس موضوع شرطي موضوع تقع في النهر، الجسر يعاقبك وليس الشرطي يعاقبك، حينما تفهم.
المذيع:
 هذه سيدي بين قوسين لها فتوى، فالقضية قضية لصالح الإنسان.

 

الدكتور راتب:
 لو فرضنا تياراً عشرة آلاف فولت، وله ثمانية أمتار مسافة حماية، مكتوب: ممنوع الاقتراب من التيار، لو إنسان تجاوز هذه المسافة أصبح فحمة، موضوع التجاوز أو عدم التجاوز ليس موضوع شرطي أو عدم شرطي، مخالفة، موضوع حياة أو موت، عندما تفهم أن الدين شرط لسلامتك وليس حداً لحريتك تكون فقيهاً، أحكام الدين ليست حداً لحريتك ولكنها شروط لسلامتك.
المذيع:
 دكتور قد يخطر في بال بعض المشاهدين الحديث الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم:

(( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ))

[أبو نعيم فى الحلية، والضياء عن سلمان]

 أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا، وكأنها إشارات إلى أن في هذه الدنيا ليس هناك متعة، الدين الآن ستقول إنه لصالح الإنسان وسعادته، هل تكون هذه السعادة ضمن هذه القيود إذا كان مقيداً يكون سعيداً؟

 

الحياة الطيبة في الدنيا قبل الآخرة :

الدكتور راتب:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

[ سورة النحل: 97 ]

 الحياة الطيبة في الدنيا قبل الآخرة، الدنيا دار تكليف أما الآخرة فدار تشريف، الدنيا دار عمل أما الآخرة فدار جزاء، هناك فرق كبير جداً، لكنك حينما تدرس عندك امتحان بعد يومين، امتحان تخرج، مبني على التخرج وظيفة مرموقة جداً، ومع الدخل الكبير تتزوج زوجة جميلة، وتشتري بيتاً، وتحظى بمكانة اجتماعية، فأنت عندما يكون عندك هذا الامتحان تدرس وأنت قانع أن هذه الدراسة سبب تفوقك، بالضبط.
المذيع:
 دكتور هذه المكابدة مثال، دائماً فضيلة الدكتور يتحف الناس بأمثلته الدقيقة، هذا الامتحان مع صعوبة ما يعتريه من معوقات ومنغصات لكن سعادة الوصول إلى الامتحان النهائي - وجميل هذه قضية الزوجة- قد تكون دافعاً قوياً ليتسامح مع نفسه في هذه المنغصات.

 

من صحت حركته وفق منهج الله سعد في الدنيا قبل الآخرة :

الدكتور راتب:
 إذاً الإنسان كائن متحرك؛ تحركه حاجته إلى الطعام والشراب، وحاجته إلى الطرف الآخر، وحاجته إلى تأكيد الذات، فالحركة إن صحت في الدنيا يسلم ويسعد، وإن لم تصح يشقى ويهلك، في الدنيا قبل الآخرة، لقوله تعالى:

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾

[ سورة الرحمن: 46]

 الإنسان حينما يطيع الله عز وجل اسمع قوله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾

[ سورة فصلت: 30-32]

 فأنت في الدنيا تسعد سعادة لا توصف، ليست السعادة مادية، كطالب قرأ الكتاب المقرر واستوعبه تماماً فتألقت الآمال في نفسه، هناك إنجاز في الدنيا حينما تطيع الله عز وجل، تستقيم على أمره وقد وعدك بالجنة، وعدك بالتوفيق في الدنيا، وعدك بالحفظ، وعدك بالرعاية، وعدك بزوجة صالحة، بأولاد أبرار، وعدك بمكانة اجتماعية، وعدك بعطاء كبير، بجنة عرضها السموات والأرض، أنت بهذا تتحرك مع بعض المتاعب لكنها متاعب مسعدة.
المذيع:
 جميل جداً أن يكون للإنسان هدف، هذا الهدف مادام واضحاً الله عز وجل يريد منك أن تعيش هذا الهدف، وتتناسى هذه الصعوبات، نتابع بعد الفاصل هذا الحديث الممتع من فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي الممتع أيضاً حول حقيقة الدنيا انتظرونا..
 بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، نتابع هذه الحلقة عن حقيقة الدنيا مع فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، دكتور النبي صلى الله عليه وسلم قال له الله عز وجل:

﴿ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

[ سورة الكهف: 28]

 هل أراد النبي صلى الله عليه وسلم الحياة الدنيا؟ وهل هذا كان عتاباً من الله عز وجل ألا يبحث عن الدنيا؟ كيف نفهم هذه الآية التي بصراحة أتتني إلى البرنامج وهناك من يستشكل هذا الأمر؟

 

أحد مهامنا في الدنيا أن نتعرف إلى الله من خلال الكون :

الدكتور راتب:
 هو قدوتنا صلى الله عليه وسلم، لذلك حينما يتحدث الله عنه يتحدث عن قدوة، نحن نعلم علم اليقين أنه معصوم بمفرده، وأمته معصومة بمجموعها، لكن النبي صلى الله عليه وسلم حينما يوجه توجيهاً إلهياً هذا التوجيه للمؤمنين قطعاً، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ﴾

[ سورة الأحزاب: 1]

 هو يتقي الله لكن التوجيه للمؤمنين، فالذي أريد أن أقوله تماماً أن الدنيا فيها كون، هذا الكون ينطق بوجود الله، وبعدله، وكماله، وجماله، فأحد مهامنا في الدنيا أن نتعرف إلى الله من خلال الكون، والدليل قوله تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

[ سورة آل عمران: 190-191 ]

 الآن وأنت في الدنيا ينبغي أن تستخدم عقلك لما خلق له، هذا العقل جهاز، آلة تصوير غالية جداً ملونة، ممكن أن تزور بها العملة، فينتهي المقام بالإنسان إلى السجن، و أن يستخدمها في التصوير المباح فيربح منها أرباحاً طائلة، الآلة نفسها إما طريق إلى الغنى أو إلى السجن، من طريقة استخدامها، فهناك عقل هذا العقل أداة معرفة الله، إما أن يستخدم العقل في معرفة الله، قال تعالى:

﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾

[ سورة يونس: 101 ]

 وإما أن يستخدم للإيقاع بين الناس، أو للاحتيال عليهم.

 

أرجح الناس عقلاً أشدهم لله حباً :

 على كلّ المنحرف ذكي لذلك قالوا: ما كل ذكي بعاقل، الذكاء شيء والعقل شيء، الذكاء متعلق بالتفاصيل، فالإنسان قد يحمل أعلى شهادة بالفيزياء النووية وهو ذكي جداً، لكن لأنه لا يصلي، ولأنه ما عرف الآخرة، وما عرف ربه لا يعد عاقلاً، ما كل بذكي بعاقل، مرّ النبي صلى الله عليه وسلم في أحد طرق المدينة بمجنون سأل أصحابه سؤال العارف...
المذيع:
 دكتور سؤال ماذا؟
الدكتور راتب:
 سؤال العارف..
المذيع:
 أيها الشباب انتبهوا إلى كل كلمة يتلفظ بها فضيلة الدكتور، هذا ليس مدحاً هذا وصف وتعلم..
الدكتور راتب:
 سؤال العارف: من هذا؟ قالوا: هذا مجنون، قال: لا، إنه مبتلى، المجنون من عصى الله.
 الذي يعصي الله يعد مجنوناً. أنت حينما يقدم لك قطعة ألماس، هناك قطعة ألماس في اسطنبول بمتحف توبي كابي قيمتها مئة وخمسون مليون دولار، هذا رقم قبل عشرين سنة، قطعة ألماس صغيرة بحجم الساعة، وهناك وعاء زجاجي توضع به المؤونة ثمنه عشرون ليرة، لو إنسان قال لك: اختر أحدهما فاخترت الوعاء الكبير منتهى الحمق، منتهى الخطأ، أليس كذلك؟ الإنسان عندما يختار الجوهرة يكون عاقلاً جداً، لذلك أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً.
 أنت عندما تختار ما عند الله اخترت الأبد، أستاذ عبد الفتاح جزاك الله خيراً، أكبر رقم تتصوره إذا نسب إلى اللانهاية قيمته صفر، مثلاً هذه الطاولة واحد هنا وأصفار لآخرها، أول ثلاثة ألف، ثاني ثلاثة مليون، ثالث ثلاثة ألف مليون، مليون مليون، من هنا إلى بيروت ما هذا الرقم؟ واحد في الشام وأصفار إلى بيروت، إلى باريس، إلى واشنطن، إلى الشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلومتر، كل ميلمتر صفر، هذا الرقم ما هو؟ ضعه صورة لكسر عشري وفي المخرج لانهاية قيمته صفر، واحد في الأرض وأصفار إلى الشمس أي مئة وستة وخمسون مليون كيلومتر، كل ميلمتر صفر، هذا الرقم إذا نسب إلى اللانهاية فهو صفر، فالدنيا لا شيء أمام الآخرة، اذهب إلى ساحل سوريا طرطوس اركب قارباً، أمسك إبرة اغمسها في البحر ماذا أخذت من البحر؟ ما أخذت الدنيا من الآخرة إلا كما يأخذ المخيط إذا غمس في مياه البحر.
المذيع:
 دكتور هل المطلوب من المؤمن ألا يعيش هذه الدنيا؟

الدنيا مطية الآخرة :

الدكتور راتب:
 لا الدنيا مطية الآخرة، ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته، ولا من ترك آخرته لدنياه بل من أخذ منهما معاً.
 أستاذ عبد الفتاح يوجد نقطة دقيقة جداً، إذا كان طريق الغنى سالكاً وفق منهج الله، ينبغي أن تكون غنياً، لأن الفرص المتاحة أمام الغني من العمل الصالح لا تعد ولا تحصى.
المذيع:
 ليسمع ذلك من يعتقد أن الفقر مقدم على الغنى الآن النقطة دقيقة.
الدكتور راتب:
 إذا كان طريق الغنى سالكاً وفق منهج الله، ضمنَ الضوابط الشرعية، يجب أن تكون غنياً، الغني حينما يعرف الله عز وجل ماله قوة كبيرة، بإمكانه أن يفعل أعمال صالحة لا تعد ولا تحصى، إذا كان طريق الغنى سالكاً وفق منهج الله، يجب أن تكون غنياً لأن الخيارات المتاحة للغني في العمل الصالح ليست متاحة للفقير، أما إذا كان طريق الغنى على حساب مبادئك وقيمك فالفقر وسام شرف لك.
المذيع:
 إذا كان الفقر ليس اختيارياً؟

أنواع الفقر :

الدكتور راتب:
 هناك فقر القدر، وفقر الكسل، وفقر الإنفاق، أما فقر الإنفاق فأعلى أنواع الفقر، سيدنا أبو بكر أنفق كل ماله فأصبح فقيراً، قال له: يا أبا بكر ماذا أبقيت لنفسك؟ قال: أبقيت الله ورسوله. حالة خاصة أو دعك منها الآن، عندك فقر الكسل، إرجائي، مسوف، لا يتقن عمله، هذا سيكون فقيراً، هذا مرض بل هو فقر قذر، وعندنا فقر القدر؛ إنسان معه عاهة هذا معذور، فقر القدر، فقر الكسل، فقر الإنفاق، فإذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله والقوة، قوة المال وقوة العلم وقوة المنصب، المنصب الرفيع بجرة قلم تحق حقاً وتبطل باطلاً، تقر معروفاً وتزيل منكراً، فالمنصب قوة، والمال قوة، والعلم قوة، فإذا كان طريق القوة بأنواعها الثلاثة سالكاً وفق منهج الله ينبغي أن تكون قوياً، من أجل الفرص المتاحة التي لا تعد ولا تحصى.

ارتباط ارتقاء المقام بارتقاء المشاعر و الأعمال :

 أنا مرة أتيت إلى الشام بالطائرة دخلنا الحدود بعد شروق الشمس نظرت يمنة ويسرة؛ في الشمال رأيت طرابلس وفي الطرف الآخر صيدا، أنا على ارتفاع أربعين ألف قدم، رأيت طرابلس و صيدا بنظرة واحدة، كلما ارتقى مقامك عند الله تتسع دائرة مشاهدتك، وكلما ارتقى مقامك عند الله تتسع دائرة اهتماماتك، الإنسان يهتم بنفسه، أحياناً بأسرته، أحياناً بالعائلة الكبيرة، أحياناً بأمته، الأنبياء اهتموا بالبشرية جمعاء.

((لو تعلمون ما أعلمُ لضَحِكتم قليلاً، ولبَكَيْتمْ كثيراً ))

[متفق عليه عن أنس بن مالك]

 كان يبكي على أعدائه صلى الله عليه وسلم، فكلما ارتقى مقامك ترتقي مشاعرك، ترتقي أعمالك، فهذه الدنيا دار تنافس، قال تعالى:

﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾

[ سورة المطففين: 26 ]

أدوات معرفة الله عز وجل :

 إذاً الدنيا فيها كون يشف عن عظمة الله، عن كماله، عن وجوده، عن جماله، وفيها عقل مبادئه ثلاثة؛ مبدأ السببية والغائية وعدم التناقض، وهو أداة معرفة الله، وفيها فطرة، الفطرة بنية نفسية ترتاح لمنهج الله، وتتألم لمخالفته، لو أن إنساناً لا يعرف أن هناك ديناً بالأصل، وعمل عملاً سيئاً يتألم، هذا هو مرض الكآبة، هذه الكآبة مرض العصر، هناك زنا و استغلال و قهر.
المذيع:
 هذا أحد أسباب مرض الكآبة، هذه تصيب الغربيين ولا يدري ما السبب.
الدكتور راتب:
 لو فرضنا هناك وجبة طعام تكفي لواحد، ولك أم جائعة جداً وأكلتها أنت وهي لا تدري، أنت لا تنام الليل من ألمك، أي إنسان من يعذبه؟ فطرته، فأنت معك عقل أداة معرفة الله، معك فطرة مقياس نفسي سليم، الدليل قال تعالى:

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ﴾

[ سورة الروم: 30]

 أن تقيم وجهك للدين حنيفاً هو نفسه:

﴿ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾

[ سورة الروم:30]

 التطابق بين منهج الله وبين الفطرة تطابق مئة بالمئة، تطابق رائع جداً، في الأرض كون يدل على الله، وعقل أداة معرفة الله، و فطرة سليمة تكشف لك الخطأ ذاتياً، فإذا أنت لم تكن كما ينبغي تصاب بالكآبة.
المذيع:
 يا الله هذا ملمح جداً خطير، الناس تكابد وتعاند حتى في فطرتها.
الدكتور راتب:
 الآن يوجد شهوة، هذه الشهوات، لولا هذه الشهوات التي أودعها الله فينا لما ارتقينا إلى رب الأرض والسموات، لو لم يكن هناك شهوة لما وجد العمل، ولما وجد شيء، لولا أننا نشتهي الطعام ما رأيت على وجه الأرض شيئاً، نشتهي الطعام والزواج، فهذه الشهوات ما أودعها الله فينا إلا لنرقى بها إلى رب الأرض والسموات، هذه الشهوات طريق للوصول إلى الله بترك ما لا ينبغي وأخذ ما ينبغي، كالمنشار ترتقي مرتين؛ مرة إذا تعففت عن مال حرام ترتقي عند الله صابراً، ومرة إذا أخذت المال الحلال واستمتعت به ترتقي إلى الله شاكراً، مرة إذا نظرت إلى زوجتك فسعدت بها ترتقي إلى الله شاكراً، وإذا غضضت البصر عن امرأة لا تحل لك ترقى إلى الله صابراً.

 

خاتمة و توديع :

المذيع:
 في كل الأحوال المؤمن في خير، والمؤمن هكذا أمره كله إلى خير.
 أعزائي المشاهدين؛ نشكر الله عز وجل أن متعنا بهذا الدين، وأن متعنا بأن سمعنا عن علماء أجلاء أمثال فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، عن حقيقة هذه الدنيا التي نحن أحوج ما نكون إلى معرفتها، ومعرفة كيف نصل إلى الله عز وجل من خلالها، وتكون سبب سعادتنا في الدنيا قبل الآخرة، أسأل الله العلي العظيم أن يغفر لنا ويرحمنا، وأن نتعلم، ونحن دائماً معكم في برنامج: الإسلام الغائب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور