وضع داكن
19-04-2024
Logo
الحلقة - 13 - الإيثار ، العمل الصالح مع الاستقامة .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
أعزائي المشاهدين ؛ مرحباً بكم إلى حديقة ربيع الإيمان ، مع فضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، في حلقة جديدة ، أهلاً وسهلاً فضيلة الشيخ .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم .
المذيع :
أسأل الله أن يزيدكم نضارة وعلماً وينفع بكم ، سنتحدث في هذه الحلقة إن شاء الله عن الإيثار ، سنتحدث اليوم عن خلق الإيثار وهو خلق الإسلام العظيم ، ما معنى الإيثار ؟

 

علاقة الاستقامة بالعمل الصالح :

الدكتور راتب :
قبل الحديث عن معنى الإيثار لا بد من مقدمة تكشف حقيقة الإيثار ، الإنسان موجود في الأرض ، لكن لو سأل نفسه سؤالاً دقيقاً ومصيرياً ما سبب وجودي ؟ ذلك لأن الإنسان كائن متحرك ، فالحركة إما أن تصح وإما ألا تصح ، متى تصح ؟ إذا عرف الإنسان سرّ وجوده ، كنت أضرب مثلاً أنا سافر ابني إلى باريس من أجل الدكتوراه ، فهذه المدينة العملاقة مترامية الأطراف علة وجوده فيها الدكتوراه ، أنا سؤالي : الإنسان ألا ينبغي أن يسأل نفسه هذا السؤال الخطير والمصيري ؟
في حياتنا أشياء كثيرة لكن غير مصيرية ، وهناك مواقف معينة هذه مصيرية ، لها أثر مستقبلي ، فإذا إنسان فرضاً عمل عملاً صالحاً هذا العمل له أثر مستقبلي ، وهناك أعمال سيئة لها أثر مستقبلي ، أنا علة وجودي في الدنيا العمل الصالح ، العمل الصالح يسبقه الإيمان بالله ، وتسبقه الاستقامة ، إلا أن الاستقامة والعمل الصالح إذا اجتمعا تفرقا وإن تفرقا اجتمعا .
المذيع :
كيف هذه ؟
الدكتور راتب :
إذا قلنا : الإيمان ، نقصد به الإيمان بالله وطاعته ، أما إذا اجتمعا فالعمل الصالح شيء والاستقامة شيء ، الاستقامة ترك ، تركت الكذب ، تركت الغش ، تركت الغيبة ، تركت النميمة، كل ألوان الاستقامة هي نفي أنا ما كذبت ، ما أخطأت ، ما أكلت مالاً حراماً ، كلها فيها ما ، الاستقامة طابعها سلبي ، منهج الله ترك وأمر ، نهي وأمر ، الاستقامة مع العمل الصالح إذا اجتمعتا تفرقتا ، صارت الاستقامة لها معنى والعمل الصالح له معنى ، الاستقامة سلبية أنا ما كذبت ، ما غششت ، ما ، ما ، تركت المنهيات لا يكفي ، للدقة البالغة أنا في طريق ومعي مركبة أقودها في هذا الطريق ، إذا كان هناك صخرة على عرض الطريق ، الطريق صار غير سالك ، ما هي الاستقامة ؟ أن أزيل من طريقي إلى الله العقبات المانعة من وصولي، أنا في طريق هذا الطريق إلى الله وهناك كتل إسمنتية أو صخور على عرض الطريق ، فما دامت هذه الكتل أمامي الطريق غير سالك إلى أن أزيح هذه العقبات واحدة واحدة ، فإذا أزحتها كلها الآن الطريق سالك ، لا يكفي أن أزيح هذه العقبات لا بد من الحركة ، صارت الاستقامة طابعها سلبياً ، ترك المنهيات ، العمل الصالح إيجابي فيه بذل و عطاء ، عطاء من المال ، عطاء من العلم ، عطاء من المكانة ، من الجاه ، فيه بذل وقت ، بذل مال ، بذل لقاء ، إذاً الاستقامة طابعها سلبي والعمل الصالح طابعه إيجابي ، فإذا اكتفينا بالاستقامة إذا تفرقتا اجتمعتا، إذا اكتفينا بالاستقامة ، قال تعالى :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾

[ سورة فصلت : 30 ]

عرف الله واستقام على أمره ، ترك المنهيات وفعل المأمورات ، وإذا قلنا : العمل الصالح ، لا بد من أن تسبقه استقامة ، أما إذا قلنا : الاستقامة والعمل الصالح فالاستقامة ترك والعمل الصالح عطاء .
المذيع :
دكتور ما علاقة هذه المقدمة بدرسنا ؟

 

حقيقة الإيثار :

الدكتور راتب :
علاقة هذه المقدمة بهذا اللقاء الطيب ، المؤاثرة عطاء ، أنا معي مال ، وأخي بحاجة إلى هذا المال ، أنا بإمكاني أن أستمتع به ، أن أشتري به حاجات ثانوية ، أن أقيم رحلة طويلة ، أنا وأهلي وأولادي ، وأن أستمتع بهذا المال ، فأنا تركت هذه المتع الناتجة عن إنفاق هذا المال على نفسي وأهلي وقدمته لأخ فقير ، المؤاثرة هي العطاء ، أنا أعطيت شيئاً أنا بحاجة له ، أو أنا أستمتع به ، أو له علاقة بحاجاتي الثانوية ، أما قدمت هذا المال لإنسان تنقصه الحاجات الأساسية فالمجتمع إذا بني على الإيثار تماسك ، أصبح هذا المجتمع سداً منيعاً ، هذا المجتمع لا يخرق ، لذلك دخل رجل إلى بستان أنصاري ، وأكل من شجرهِ من دون إذنِ صاحبه، فساقَه إلى النبي على أنه سارق ، والله يا أستاذنا الجليل أجابه إجابة هذه الإجابة مذهلة جداً ، قال له : هلا علمتَه إن كان جاهلاً ؟ وهلا أطعمتَه إن كان جائعاً ؟
قبل أن تقول : هذا سارق ، هل بحثت عن مشكلته ؟ أنا أقول دائماً : المشكلة الآن في العالم هذا الإنسان عمل عملاً إرهابياً ، أنت سألت عن سبب العمل ؟ حينما يشتد الظلم في الأرض ، قال : تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً ، فحينما تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً ، هؤلاء الفقراء المضطهدون حينما يتحركون لأخذ بعض حقوقهم نقول : هذا عمل إرهابي ، ليس كذلك ، هناك فقر وهناك حرمان وهناك استغلال ، في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم علمنا أن نبحث عن المشكلة من أسبابها لا من نتائجها ، وهذه بطولة في الأرض ، ولن تحل الآن مشكلات الأرض إلا إذا بحثنا عن أسبابها ، لا عن نتائجها ، هذا الذي فعل هذا العمل لم فعله ؟ محروم ، لذلك سيدنا علي يقول : " كاد الفقر أن يكون كفراً ". إذا أردت أن أستخدم هذه العبارة أعدل فيها بعض الشيء : وكان الفقر أن يكون إرهاباً ، وكان الفقر أن يكون جريمة ، وكان الفقر أن يكون حرماناً ، مشكلة كبيرة .
أنا أريد بهذا اللقاء الطيب أن المشكلات التي نعاني منها بطولتنا في دراستها من أسبابها لا من نتائجها ، مرة قال أحد المربين : إن كل أخطاء تلاميذنا ، بل كل أخطاء أولادنا ، تعود في الحقيقة إلينا ، وهذه بطولة في الإنسان ، هناك مشكلة أحياناً الإنسان يقفز عليها لا يجابهها ، أما البطولة فأن تجابه المشكلة ، إذا قال الأب فيما بينه وبين نفسه : أنا السبب في تقصير أولادي الدراسي ، كلفتهم أعمالاً كثيرة جداً ، ما وفرت لهم الجو الدراسي المناسب ، فكيف إذا كل واحد منا حاسب نفسه حساباً عسيراً ؟ لا بحابي نفسه ، ويلقي التهم على من حوله، من صفات بعض الناس هو دائماً منزه ، كلما يعاني من مشكلة يعزو أسبابها إلى من حوله .
المذيع :
مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الكيس من دان نفسه ، لا من دافع عن نفسه .

 

حركة الإنسان في الحياة يجب أن تنبع من تصوراته الصحيحة :

الدكتور راتب :
المؤاثرة علاقتها بهذا الكلام ، أنه أنا حينما أعلم أن سبب وجودي في الأرض العمل الصالح الذي هو ثمن الجنة ، أنا آمنت بالله موجوداً وواحداً وكاملاً ، آمنت بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى ، آمنت باليوم الآخر ، هذا الجانب الإيماني العقدي ، الإيديولوجي ، النظري ، القلبي ، الآن حركتي في الحياة يجب أن تنبع من تصوراتي الصحيحة ، أنا حينما أكون في الدنيا لفترة محدودة تنتهي بالموت ، لأنه :

كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والـــجبروت
***
والليل مهما طــــال فلا بد من طلوع الفـــجر
والعمر مهما طــــال فلابد من نزول الـــــقبـــر
***

لأن الله عز وجل حينما قال :

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ﴾

[ سورة الملك : 2 ]

السؤال الدقيق لماذا بدأ بالموت ولم يبدأ بالحياة ؟ قال : لأن الإنسان حينما يولد أمامه خيارات لا تعد ولا تحصى ، يا ترى يكون طبيباً ؟ تاجراً كبيراً ؟ زعيماً سياسياً ؟ يكون فقيراً؟ يكون مضطهداً ؟ يكون في السجن ؟ يكون في بلد أوربي ؟ لا نعرف ، أما عند الموت فأنت أمام خيارين لا ثالث لهما ، إما إلى جنة يدوم نعيمها ، أو إلى نار لا ينفذ عذابها .

(( فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار ))

[الجامع الصغير عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ]

لذلك بدأ الله بالموت لأن فيه خطورة بالغة ، لو رأيت جنازة ، الذي في هذا النعش قطعاً إلى جنة أو نار ، أما الآن ولد طفل فأمامه مليون خيار يا ترى سيكون طبيباً ؟ مهندساً ؟ زعيماً ؟ رئيس دولة ؟ فقيراً ؟ مضطهداً ؟ في السجن ؟ الخيارات عند الولادة لا تعد ولا تحصى ، أما عند الموت فأنت أمام خيارين لا ثالث لهما .

 

حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح :

الآن الإنسان عندما يأتيه ملك الموت - هنا الشاهد علاقة كل هذا الكلام بموضوع هذا اللقاء الطيب - يقول :

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾

[ سورة المؤمنون: 99-100]

معنى هذا أن علة وجود الإنسان في الأرض بعد الإيمان بالله والاستقامة على أمره العمل الصالح ، لأن حجمك عند الله بحجم عملك الصالح ، ولأن هذا العمل الصالح يقيّم قطعاً بالنية .

(( إنما الأعمال بالنيات ))

[ البخاري عن عمر ]

هذا العمل الصالح يكبر ويكبر فيكون أعظم عمل على الإطلاق ، لذلك النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بقبر فقال لأصحابه : " صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفلكم خير له من كل دنياكم" .
المذيع :
دكتور أعتذر لمقاطعتك لا بد من فاصل قصيراً سنعود ...
أعزائي المشاهدين ؛ مرحباً بكم مرة أخرى نعود إلى فضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي لنطيل الحديث ونفصل بإذن الله عن شجرة الإيثار في ربيع الإيمان ، أهلاً وسهلاً بكم مرة أخرى .
دكتور تحدثنا عن التكافل وكيف أن الإيثار يخلق في المجتمع التكافل ، والإيثار خلق الإسلام الكريم ، كيف يصنع التكافل بالإيثار ؟

 

كيفية صنع التكافل بالإيثار :

الدكتور راتب :
أولاً هناك ما يسمى بالأثنينية ، هناك حق وباطل ، خير وشر ، عطاء وأخذ ، حلم وغضب ، في حياتنا تقريباً الأشياء كلها تأخذ طرفين ؛ كرم وبخل ، مودة وجفاء ، الآن المؤمن وغير المؤمن ، المؤمن مؤاثرة وغيره أثرة ، أي أحد علامات إيمانه أنه يؤثر من حوله ، وأحد علامات بعده عن الله أنه يأخذ ما ليس له .
المذيع :
دكتور الأنانية من علامات ضعف الإيمان ؟

الأنانية من علامات ضعف الإيمان :

الدكتور راتب :
نعم ، فالمؤمن لأنه يعلم علم اليقين أن علة وجوده العمل الصالح ، وأحد أكبر الأعمال الصالحة أن تؤثر أخاك المؤمن في شيء تتمناه لنفسك لكنك آثرته به ، والله القصص التي يمكن أن تنشأ من تطبيق هذا الخلق لا تعد ولا تحصى ، والمودة بين الناس التي من ثمار هذا الخلق لا تعد ولا تحصى ، والحقيقة المجتمع إما أن يكون متماسكاً لا يخترق ، الآن هذه الكلمة معاصرة ، نقول : هذا المجتمع مخترق ، بالمودة والمؤاثرة ينشأ المجتمع على شكل سدّ منيع لا يخترق من قبل الطرف الآخر ، أما إذا كان هناك عداوات وبغضاء وأنانيات ، فالمجتمع مفكك مخترق يسهل اختراقه ، لذلك نقول : هذا المجتمع لا يخترق لأن فيه تماسكاً وأنا رأيي الشخصي أن كل الأحاديث الشريفة التي يأمر بها النبي المسلمين تدعو إلى التواصل ، إلى التعاون ، قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه جل جلاله :

(( وَجَبَتْ محبَّتي للمُتَحَابِّينَ فيَّ ، والمُتجالِسينَ فيَّ ، والمُتزاورينَ فيَّ ، والمتباذلينَ فيَّ المتحابُّون في جلالي لهم منابرُ من نُور ، يغبِطهم النبيُّون والشهداءُ ))

[الترمذي ومالك عن معاذ بن جبل]

إذا أردت مجتمعاً متماسكاً ، مجتمعاً منيعاً ، مجتمعاً قوياً ، مجتمعاً لا يخرق أشع فيما بينه خلق المؤاثرة .
المذيع :
دكتور لذلك كنت تقول : المؤمنون بعضهم لبعضهم نصحة ..

المؤمنون بعضهم لبعض نصحة والمنافقون بعضهم لبعض غششة :

الدكتور راتب :
متوادون و لو ابتعدت منازلهم ، والمنافقون بعضهم لبعض غششة متحاسدون ولو اقتربت منازلهم .

المؤمنون بعضهم لبعض نصحة ، ينصح بعضهم بعضاً ، متوادون هناك مودة بينهم هي من خلق الله ، قال تعالى :

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾

[سورة مريم: 96]

هذا الود بين المؤمنين من خلق الله عز وجل لا يوجد تنافس ، ولا تحاسد ، ولا خصومة ، ولا طعن ، ولا غمز ، ولا لمز ، ولا غيبة ، ولا نميمة ، ولا تمني أن يذهب هذا الخير عن إنسان آخر .
المذيع :
قال تعالى :

﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾

[سورة النساء : 32]

الدكتور راتب :
لذلك أنا لي رأي أن أحد أكبر مقاييس الإيمان أن أخاك المؤمن إذا أصابه خير ، أي تزوج زواجاً ناجحاً ، اشترى بيتاً ، نال دكتوراه ، هل تنزعج ؟ إذا انزعجت انظر إلى الآية ، قال تعالى :

﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ﴾

[ سورة التوبة : 50 ]

أحد علامات النفاق وهذا مقياس دقيق كل واحد منا له أخوة أكارم ، له أقارب ، له أصدقاء ، له أخوة من أمه وأبيه ، لو أن خيراً أصاب أخاك ينبغي أن تفرح له وكأنه لك ، هذه علامة إيمانك ، فإذا تألم الإنسان من خير أصاب أخاه فهذه علامة نفاق ، لذلك قالوا : لا بد للمؤمن - والكلام دقيق ولكن أرجو أن يكون واضحاً - من مؤمن يحسده أحياناً ، ومن منافق يبغضه ، ومن كافر يقاتله ، ومن نفس ترديه وشيطان يغويه ، من مؤمن يحسده أحياناً ليس دائماً بل أحياناً ، أما لو بدلنا الحسد بالغبطة ، أنا إذا أخي تفوق وأخذ دكتوراه أنا أغبطه على ذلك ، أفرح له بهذه الشهادة وأتمنى مثلها لي ، لا بد للمؤمن من مؤمن يحسده ، أو منافق يبغضه ، أو كافر يقاتله ، أو نفس ترديه وشيطان يغويه .
المذيع :
دكتور هذا الكلام يشبه كلام الأنبياء ، بالفعل كلام جميل جداً ، دكتور النبي صلى الله عليه وسلم أقام مجتمعاً رائعاً في المدينة وكانت صفة الأنصار رضي الله عنهم الإيثار ، فامتدحهم الله عز وجل ، فقال تعالى :

﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾

[ سورة الحشر: 9]

هذه القصة الجميلة التي جسدتها قصة عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع ، فيها كلام جميل وهو أن الإيثار جميل ولكن الأجمل منه التعفف .

 

أصحاب النبي أعلام للبشرية :

الدكتور راتب :
قال له : هذا نصف مالي ، والله هذا الكلام أنا لا أنساه ، قال : بارك الله لك في مالك ، لكن دُلّني على السوق . وفيما قرأت أنه لم يثبت أن مهاجراً أخذ من أنصاري شيئاً لكن الأنصاري بذل مشكوراً وهو في أعلى درجات القرب من الله ، والمهاجر تعفف عن هذا العطاء مشكوراً ، ما هذا المجتمع ؟! إنسان يبذل وإنسان يتعفف ، هذا الذي رباه النبي صلى الله عليه وسلم ، فلذلك النبي ربى أصحابه كانوا أعلاماً للبشرية ، وكأن الله عز وجل اختار هذه الأمة لتكون وسطاء بينه وبين خلقه ، فإذا قصرنا في هذه الرسالة وقعنا في إشكال كبير مع الله .
المذيع :
دكتور من الصور الجميلة التي وقعت وطبقها النبي صلى الله عليه وسلم قصته مع أبي هريرة رضي الله عنه لما كان جائعاً ، شديد الجوع ، فالنبي جاءه قدح من لبن فسقى الصحابة قبل أبي هريرة وقبل نفسه ، فلما شرب الصحابة رضي الله عنهم جاء قدح اللبن فقدمه النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة فقال : اشرب ، فشرب أبو هريرة رضي الله عنه طاعة ، فقال له النبي : اشرب مرة أخرى ، والنبي لم يشرب ، ثم قال : اشرب مرة ثالثة ، فقال بعدها : يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أجد لها مسلكاً ، فعندها شرب النبي صلى الله عليه وسلم . قصة جميلة جداً في إيثار النبي .
الدكتور راتب :
هو أرسل سيدنا عبد الله بن رواحة ليقيّم تمر اليهود ، أراد اليهود أن يغروه بحلي نسائهم ليقلل تقييمه للتمر ، فقال : والله جئتكم من عند أحبّ الخلق إليّ ، ولأنتم أبغض إليّ من القردة والخنازير ، ومع ذلك لن أحيف عليكم ، فقالت اليهود : بهذا قامت السموات والأرض وبهذا غلبتمونا .
والآن والله الذي لا إله إلا هو لا سبيل إلى انتصار المسلمين على أعدائهم وما أكثرهم إلا إذا رجعوا إلى دينهم وطبقوا هذا الدين ، النبي صلى الله عليه وسلم جاءه الوحي وحوله أصحابه ، هذه الرسالة تصل إلى الصين ، إلى مشارف باريس ، كيف وصلت ؟ بالاستقامة ، وصلت بالمؤاثرة ، وصلت بالعدل ، بالإحسان ، بالقيم ، بالإنسانية ، أما إذا الدين اعتبرناه ثقافة وتراثاً ، وقرأنا بعض نصوصه ، وتحدثنا فيه ، لكن لم نطبقه لا ننتفع إطلاقاً .

علة خيرية هذه الأمة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر :

أريد أن أقول كلمة وأحياناً تكون مرة ، في الحديث الصحيح :

(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس]

والمسلمون اليوم يقتربون من مليار وثمانمئة مليون ، ربع سكان الأرض ، وليست كلمتهم هي العليا ، وليس أمرهم بيدهم ، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل ، لذلك السؤال الكبير الكبير : أين الخلل ؟ في تصوراتنا أم في سلوكنا أم في كليهما ؟ والإنسان حينما يرى أن الله اصطفى هذه الأمة ، قال تعالى :

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ ﴾

[ سورة آل عمران : 110]

على الإطلاق ، إله عظيم يقول : أنتم خير أمة ؟ لكن ما علة هذه الخيرية ؟ قال تعالى:

﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾

[ سورة آل عمران : 110]

لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم :

(( كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر ؟ قالوا : أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : وأشد منه سيكون ، قالوا : وما أشد منه ؟ قال : كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ؟ قالوا : أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : وأشد منه سيكون ، قالوا: وما أشد منه ؟ قال: كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً ؟ ))

[ ابن أبي الدنيا وأبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي أمامة]

تبدل القيم ، لذلك سيدنا عمر أدخل شاعراً السجن ، لأنه قال أهجا بيت قالته العرب :

دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
* * *

هذا شعار معظم المسلمين اليوم ، التهمة التي اتهم بها الشاعر ودخل بها السجن، هو شعار كل إنسان اليوم ، مادام دخله كبيراً ، وأمامه زوجة جميلة ، وبيته جيداً ، وله أولاد ، ومعه مركبة ، يقول : ليس لي علاقة بكل ما يجري من أمور تهتم لها الأمة .

 

خاتمة و توديع :

المذيع :
دكتور لا يسعني في نهاية هذه الحلقة إلا أن أتقدم إليك بالشكر الجزيل ، كالعادة يداهمنا الوقت قبل أن نستخرج منك ومن بحور علمك .
الدكتور راتب :
أستغفر الله ..
المذيع :
أعزائي المشاهدين ؛ أظن أنكم ستشكرون معي كثيراً فضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي عن هذه الحلقة المتميزة .
أعزائي المشاهدين ؛ أنتم أيضاً أشكركم شكراً جزيلاً على متابعتكم لنا ، وأسأل الله أن ألقاكم في حلقة مقبلة في ربيع الإيمان إن شاء الله ، وإلى لقاء آخر ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور