وضع داكن
29-03-2024
Logo
مختلفة - المغرب : 2 - أنواع القراءات ، قراءة بحث وإيمان وشكر وعرفان ، الوحي والإذعان ، آيات الله في الكون وفي النفس .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

القراءة هي تأكيد الإنسانية بالبحث عن الحقيقة :

 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين .
 بادئ ذي بدء ؛ جزاكم الله خيراً على أنكم توقفتم عن تناول الطعام لأنه لا يجتمع درس وضرس .
 أخوتي الكرام ؛ كلكم يعلم علم اليقين أن هذا الكون فيه جماد ونبات وحيوان و إنسان ، الجماد شيء يشغل حيزاً ، وله ثلاثة أبعاد ، وله وزن ، النبات يزيد عليه بالنمو ، والحيوان يزيد عليهما بالحركة ، والإنسان يزيد على كل ذلك بالقوة الإدراكية ، والإنسان ما لم يلبِّ الحاجة العليا فيه هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به .
 إذاً لا يوجد خيار للإنسان أن يتعلم أو لا يتعلم ، الحقيقة أحياناً الإنسان يضع وردة على صدره وقد ينزعها ، أما الهواء فلا بد من تنفسه وإلا يموت ، فإذا فهمنا العلم كالهواء فهو شيء أساسي وضروري ، لأن الإنسان يتميز عن بقية المخلوقات أن الله أودع فيه قدرة إدراكية ، هذه القوة الإدراكية أنا أسميها : الحاجة العليا في الإنسان ، هناك حاجات كثيرة ؛ الحاجة إلى الطعام والشراب وما إلى ذلك ، الحاجات الغريزية ، إلا أن طلب العلم يعد الحاجة العليا في الإنسان ، لذلك أول كلمة في أول آية في أول سورة نزلت ، قال تعالى :

﴿ اقْرَأْ ﴾

[ سورة العلق: 1 ]

 ابحث عن الحقيقة ، أكد إنسانيتك بالبحث عن الحقيقة ، اقرأ .

أنواع القراءات في القرآن الكريم :

1 ـ القراءة الإيمانية :

 لكن هناك بعض المفكرين شرح هذه الكلمة شرحاً دقيقاً جداً ، قال : اقرأ قراءة إيمانية والدليل :

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾

[ سورة العلق: 1 ]

 تعلم من أجل أن تؤمن ، تعلم من أجل أن تعرف حقيقتك ، تعلم من أجل أن تعرف رسالتك ، تعلم من أجل أن تعرف سرّ وجودك وغاية وجودك ، من أجل أن تسعد ، من أجل أن تصل إلى دار السلام بسلام ، قضية اقرأ قضية أساسية وليست ثانوية .

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَق* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾

[ سورة العلق: 1-3 ]

2 ـ قراءة الشكر و العرفان :

 القراءة الأولى قراءة بحث وإيمان ، القراءة الثانية قراءة شكر وعرفان ، منحك نعمة الإيجاد ، و منحك نعمة الإمداد ، ومنحك نعمة الهدى والرشاد ، إذاً اقرأ من أجل أن تؤمن ، واقرأ من أجل أن تشكر .

 

3 ـ قراءة الوحي و الإذعان :

 شيء آخر ؛ اقرأ من أجل أن تفهم الوحي والإذعان ، القرآن كلام الله نزل من عند الله ، فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه ، فضل الإيمان على أي نشاط آخر كفضل الآخرة على الدنيا ، لذلك ليس لي خيار في موضوع القراءة ، علة وجودي في الدنيا أن أتعرف إلى الله ، قال تعالى :

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

[ سورة هود:119]

 خلقنا ربنا ليرحمنا ، خلقنا ليسعدنا في الدنيا والآخرة ، وما من دعاء أتمناه لكل من أحبّ ولكل من أمامي جميعاً إلا أن تتصل عندهم نعم الدنيا بنعم الآخرة ، عاش في الدنيا وفق منهج الله ، ضبط شهواته طبعاً استمعوا لهذه الآية :

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾

[ سورة القصص: 50 ]

 الأخوة الكرام الذين درسوا الشريعة المعنى المخالف عندهم ، الذي يتبع هواه -شهوته - وفق هدى الله لا شيء عليه :

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾

[ سورة القصص: 50 ]

 الذي يتبع هواه - شهوته - وفق هدى الله لا شيء عليه ، ما من شهوة أودعها الله بالإنسان إلا وجعل قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها .
 هناك ثلاث شهوات أساسية ، الحاجة إلى الطعام والشراب ، حفاظاً على بقاء الفرد، من أجل أن تبقى حياً ، والشهوة الثانية الرغبة بالشريك الآخر ، حفاظاً على بقاء النوع ، والشهوة الثالثة التفوق - أو بتعبير علمي معاصر - تأكيد الذات ، حفاظاً على بقاء الذكر ، بقاء الفرد بالطعام والشراب ، بقاء النوع بالزواج ، بقاء الذكر بالتفوق ، فلذلك البطولة أن تبحث عن التفوق لا أن تبحث عن الحياة فقط ، أنا آكل لأتفوق ، لأضع بصمة ، هؤلاء الصحابة الكرام تركوا بصمات ، الأنبياء المرسلون ، العلماء الصادقون ، القادة الربانيون ، هؤلاء تركوا بصمات ، مرة من باب التأكيد على قيمة العلم سألت طلابي من يذكر لي تاجرين كبيرين عاشا بالشام عام ألف وثمانمئة وثمانية وستين ؟ لا أحد يعلم ، وأنا لا أعلم أيضاً ، أما سيدنا عمر ، سيدنا خالد ، سيدنا صلاح الدين ، فالجميع يعرفهم .
 أخواننا الكرام ؛ لم لا نكون شخصية فذة ندع بصمة في الحياة ؟ لم نأتي كملايين مملينة نأتي إلى الدنيا ونغادرها ولم يدر بنا أحد ؟ لا بد من أن تدع بصمة تؤكد بها ذاتك ، وتؤكد بها رسالتك .

 

4 ـ قراءة العدوان والطغيان :

 أيها الأخوة الكرام ؛ إذاً هناك قراءة بحث وإيمان ، وهناك قراءة شكر وعرفان ، وهناك قراءة وحي وإذعان ، والعياذ بالله هناك علوم متفوقة جداً من أجل قتل الإنسان ؛ القنبلة الذرية ، الحارقة ، الخارقة ، العنقودية ، أنواع منوعة من الأسلحة من أجل قتل الإنسان ، فلذلك نقرأ من أجل الإيمان ، ونقرأ من أجل الشكر وعرفان ، ونقرأ أيضاً من أجل فهم الوحي و الإذعان ، ونعوذ بالله من قراءة العدوان والطغيان .

 

من خصائص الإنسان البحث عن الحقيقة :

 أيها الأخوة الكرام ؛ البحث عن الحقيقة من خصائص الإنسان ، البحث عن الحقيقة في الكون والحياة والإنسان ، دققوا قال تعالى :

﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

[ سورة البقرة: 38 ]

 لا يخاف من المستقبل ، ولا يحزن على الماضي ، قال تعالى :

﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾

[ سورة طه: 123 ]

 الذي يتبع هدى الله عز وجل لا يضل عقله ، ولا تشقى نفسه ، اجمع الآيتين : الذي يتبع الهدى لا يضل عقله ، ولا تشقى نفسه ، ولا يندم على ما فات ، ولا يخشى مما هو آت .
 أخواننا الكرام ؛ في الشام لي جار بلغ من العمر مئة وسنتين ، زرته مرة قال لي : عندي ثمانية وثلاثون حفيداً ، معظمهم من حفّاظ القرآن الكريم ، وأطباء ، أنا قلت : هذا الإنسان تزوج امرأة أنجب أولاداً ، والأولاد جلبوا له الكنائن ، والبنات جلبوا له الأصهار ، الطبقة الثانية بناته وأزواجهن ، وأولاده وزوجاتهم ، الطبقة الثالثة : ثمانية وثلاثون حفيداً ، هذا الهرم المبارك عقد قران ، بين رجل وامرأة ، لم لا تكون حياتنا عبادة ؟

 

المؤمن عاداته عبادات :

 أخواننا الكرام ؛ أخاطب جميع الأخوة الكرام الذين آمنوا ؛ حرفتك التي تحترفها ، مهنتك التي تمتهنها إذا كانت في الأصل مشروعة - شيء مشروع - بيع مواد غذائية ، منزلية ، إن كانت مشروعة ، وسلكت به الطرق المشروعة ، ولم تشغلك عن فريضة ولا عن واجب ، وابتغيت بها كفاية نفسك وخدمة المسلمين ، انقلبت إلى عبادة ، كل واحد منكم بإمكانه أن يقلب حرفته إلى عبادة ، والدليل قال تعالى :

﴿ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ﴾

[ سورة التوبة : 120]

 في بيتك عبادة ، أن تأخذ أهلك إلى نزهة تأليفاً لقلوبهم وترويحاً عن متاعبهم عبادة، أن تجلس مع من تحب عبادة ، أن تحاور زوجتك لساعة معينة عبادة ، المؤمن عاداته عبادات، نشاطاته ، لقاءاته ، سفره ، إقامته ، أي نشاط يقوم به بدافع إيمانه ومنهج الله عز وجل هو عبادات ، بينما المنافق عباداته سيئات ، ألا تحب أن تكون أعمالنا كلها عبادة ؟ اختر حرفة راقية ، اختر حرفة جميلة تجمل بها ، هناك حرف راقية جداً ، أقول كلمة سامحوني بها : أوثق شيء في حياة الإنسان زوجته وحرفته ، فالبطولة أن تحسن اختيار الزوجة ، وأن تحسن اختيار العمل ، هاتان النقطتان أوثق شيء في حياة الإنسان .

 

أصل الدين معرفة الله :

 الآن هذا الدين العظيم تقريباً فيه عدد من الكتب يزيد عن مليون كتاب ، هذا الدين العظيم الذي مضى عليه ألف وأربعمئة عام ، هذا الدين العظيم فيه أصل كبير كبير كبير ، أصل هذا الدين معرفة الله ، إنك إن عرفت الله ثم عرفت أمره تفانيت في طاعته ، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في معصيته ، وكأنني وضعت يدي على مشكلة المسلمين الأولى، الأمر بين أيدينا ؛ الصلاة والصوم والحج والزكاة والصدق والأمانة ، لكن البطولة أن تنفرد هذه الأوامر والعبادات إلى سلوك يومي .

(( ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحبّ إليك من كل شيء ))

[ تفسير ابن كثير]

 ما من مخلوقٍ يعتصم بي من دون خلقي أعرف ذلك من نيَّته ، فتكيده أهل السموات والأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً ، وما من مخلوقٍ يعتصم بمخلوقٍ دوني أعرف ذلك من نيَّته ، إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه ، وقطَّعت أسباب السماء بين يديه.

 

آيات الله الكونية و التكوينية و القرآنية قنوات سالكة لمعرفته سبحانه :

 لذلك الشيء الدقيق قال تعالى :

﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾

[سورة الجاثية: 6]

 كأن الله سبحانه وتعالى بيّن لنا أن هناك قنوات سالكة كي تعرف الله من خلالها ، آياته الكونية ، آياته التكوينية ، آياته القرآنية ، لأن الذات الإلهية لها أسماء ، أسماء الله الحسنى، أسماؤه حسنى كلها فكيف أدعي أنني أعرف الله ولا أعرف أسماءه الحسنى ؟ أنت بشكل بسيط دخلت لبيت صديقك ، وجدت عنده شخصاً ، وصاحب البيت مشغول ، فاستئذن وغادر ، هذا الشخص تحكم عليه من ثيابه أولاً ، فإذا نطق تنسى ثيابه ، وإذا عاملته تنسى حديثه – كلامه - موضوع معرفة الأشخاص مهمة جداً ، فأنت تتعرف إلى الله تختار الصاحب المؤمن ، بالتعبير المعاصر الحاضنة الإيمانية ، قال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة: 119 ]

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾

[ سورة الكهف : 28]

الناس على اختلاف مللهم و نحلهم زمرتان لا ثالث لهما :

 أخواننا الكرام ؛ أخواتنا الفضليات ؛ هؤلاء البشر على اختلاف مللهم ، ونحلهم ، وانتماءاتهم ، وأعراقهم ، وأنسابهم ، وتابع ما شئت دول الشمال ، دول الجنوب ، الأنكلو سكسوني، والعرق السامي ، كل هذه التقسيمات وقد تصل إلى مئة تقسيم زمرتان فقط ، الأولى :

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾

[ سورة الليل : 5-6]

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾

[ سورة الليل : 1-4]

 هناك سبعة مليارات ومئتا مليون ، كل إنسان يتجه إلى جهة :

﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾

[ سورة الليل : 4]

 لكن الله جلّ في علاه جمع كل هذه الزمر في زمرتين اثنتين فقط ، قال تعالى :

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾

[ سورة الليل : 5-6]

 صدَّق أنه مخلوق للجنة ، بناء على هذا التصديق اتقى أن يعصي الله ، و بنى حياته على العطاء ، يعطي من علمه ، من وقته ، من خبرته ، من ماله ، من جهده ، قال تعالى :

﴿ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾

[ سورة: 8-9 ]

 كذب بالجنة ، آمن بالدنيا ، فاستغنى عن طاعة الله ، بنى حياته على الأخذ ، لذلك يقع على رأس الهرم البشري زمرتان ؛ الأقوياء والأنبياء ، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، الأقوياء عاش الناس لهم ، الأنبياء عاشوا للناس ، الأقوياء ملكوا الرقاب، والأنبياء ملكوا القلوب ، والمجتمع البشري وكل إنسان في هذا المجتمع البشري لا بد من أن يكون تبعاً لنبي أو قوي ، فهنيئاً لكم إذا كنتم من أتباع الأنبياء ، هناك منهج ، هناك كتاب ، هناك سنة ، افعل لا تفعل ، هذا فرض ، هذا واجب ، هذه سنة مؤكدة ، سنة غير مؤكدة ، مباح، مكروه كراهة تنزيهية ، كراهة تحريمية ، حرام ، كل شيء لا بد أن ينتمي لأحد هذه التقسيمات ، فلا بد من طلب العلم ، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظنّ أنه قد علم ، فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً .

 

ضرورة التخلق بأخلاق الله عز وجل :

 أخوتنا الكرام ؛ أخواتنا الفضليات ؛ ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ، الحقيقة أنه لا بد من أن تتخلق بخلق من الأسماء الحسنى ، قال تعالى :

﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾

[ سورة الأعراف: 180 ]

 هذه باء الاستعانة ، كتبت بالقلم ، أنت حينما تعرف الله ، تعرف رحمته ، تقبل عليه ، ترحم خلقه ، عندئذ تكون مستجاب الدعاء :

﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾

[ سورة الأعراف : 180 ]

 هناك نص بالأثر النبوي : " تخلقوا بأخلاق الله "، أنت حينما تتزين بكمال مشتق من كمال الله عندئذ إذا دعوته استجاب لك ، من هنا :

(( إن كنتم تحبون رحمتي فارحموا خلقي ))

[ الديلمي عن أبي بكر]

حاجة الدين إلى الرقة و التواضع و الرحمة :

 أيتها الأخوات الفضليات ؛ أيها الأخوة الأكارم ؛ دققوا في هذه الآية :

﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾

[سورة آل عمران:159]

 هذه باء السبب ، أي بسبب رحمة يا محمد استقرت في قلبك لنت لهم , فلما لنت لهم أحبوك ، والتفوا حولك ، ولو كنت منقطعاً عنا افتراضاً يمتلئ القلب قسوة ، وتنعكس القسوة غلظة وفظاظة ، فينفضوا من حولك ، كأن الله تعالى يقول : أنت أنت يا محمد النبي ، الرسول:

﴿ َلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾

[سورة آل عمران:159]

 إذا الله عز وجل أرسل نبياً من أولي العزم إلى فرعون أكفر كفار الأرض الذي قال:

﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾

[ سورة النازعات: 24]

﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾

[ سورة القصص: 38 ]

﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾

[ سورة طه: 43 -44 ]

 فلم الغلظة يا أخي ؟ هذا الدين يحتاج إلى رقة ، يحتاج إلى تواضع ، يحتاج إلى إقبال على الله ، يحتاج إلى رحمة :

﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾

[سورة آل عمران:159]

 بيني وبينكم إذا الإنسان لم يكن رسولاً ولا نبياً ولا ولياً ولا عالماً بالله ، لكن عنده غلظة وفظاظة ماذا نفعل بها ؟ لم الغلظة يا أخي ؟ من هنا كان في الدعوة إلى الله شيء آخر غير العلم ، ما كل عالم بداعية ، كل داعية يجب أن يكون عالماً ، الدعوة تحتاج إلى دين ، إلى تدرج معقول ، آية في القرآن :

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾

[سورة النساء : 43]

 لماذا بقيت ؟ لماذا لم تنسخ ؟ بقيت حتى مرّ ظرف صعب جداً ، أقنعت إنساناً بالدين بدأ يصلي ، لا تفسد عليه كثيراً ، تدرج معه ، لذلك القدوة قبل الدعوة ، الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم ، القدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، املأ قلب من تدعوه بإحسانك ليفتح عقله لبيانك ، لذلك مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى ، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً .

 

مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى :

 بالمناسبة كم صفة يتصف بها النبي الكريم ؟ رسول ، ونبي ، ويوحى إليه ، ومن قريش ، اذكر ما شئت من صفات لا تنتهي كلها إيجابية ، لما أراد الله أن يمدحه بماذا مدحه ؟ قال تعالى :

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة القلم : 4 ]

 لو أب غني أعطى ابنه سيارة ، لا يمدح بالسيارة يمدح بتفوقه الدراسي ، هذا منه ، الله عز وجل أثنى على النبي صلى الله عليه وسلم بما منه ، بأخلاقه :

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة القلم : 4 ]

 النبي صلى الله عليه وسلم أهدر دمه ، وقد وضعت مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ، تبعه سراقة ، والله شيء لا يصدق ، قال له : كيف بك يا سراقة إن لبست سواري كسرى ؟ النبي صلى الله عليه وسلم أهدر دمه ، مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ، دقق في هذا الكلام، ماذا يعني؟ يعني أنني سأصل سالماً ، وسأنشئ دولة ، وسأعد جيشاً ، وسأحارب أكبر دولتين في العالم ، فارس ، وسأنتصر عليهما ، وسوف تأتيني غنائم كسرى إلى المدينة ، ولك يا سراقة سوار كسرى ، هذه ثقة النبي بنصر الله .
 لذلك في عهد سيدنا عمر أحد الصحابة أمسك رمحه ورفعه بقدر ما يستطيع ، وصحابي آخر من الطرف الثاني رفع رمحه ما تراءى الرمحان ، فقال سيدنا عمر : إن الذي أدى هذا لأمين ، كنوز ألماس و ذهب ، فقال سيدنا علي : يا أمير المؤمنين لقد عففت فعفوا ولو رتعت لرتعوا ، وباللغة العامية ولو غببت لغبوا .
 طبعاً إذا الرأس مستقيم الكل ينضبط .

 

ديننا العظيم دين سعادة و توفيق :

 أخواننا الكرام ؛ إذاً هذا الدين العظيم دين السعادة ، دين التوفيق ، والله إن لم يقل أحدكم - والله لا أبالغ- : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني عنده بإيمانه مشكلة ، أنت مع من ؟ مع خالق السموات والأرض ، مع رب العالمين ، مع القوي ، مع الغني ، مع الحكيم ، مع العليم ، مع اللطيف ، مع الغفور ، مع الرحيم ، لذلك قال تعالى :

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾

[ سورة الليل : 1-6]

 البشر على اختلاف مللهم ، ونحلهم ، وانتماءاتهم ، وأعراقهم ، وأنسابهم ، زمرتان ، صدق بالحسنى أي آمن بالجنة فاتقى ان يعصي الله ، بنى حياته على العطاء ، الآخر كذب بالجنة ، فاستغنى عن طاعة الله ، وبنى حياته على الأخذ ، الأقوياء والأنبياء ، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، الأقوياء عاش الناس لهم ، الأنبياء عاشوا للناس ، الأقوياء ملكوا الرقاب ، والأنبياء ملكوا القلوب ، و الناس جميعاً تبعٌ لقوي أو نبي .

 

الإنسان خاسر لا محالة لأن مضي الزمن يستهلكه :

 الآن ما قرأت بحياتي تعريفاً للإنسان أدق من هذا التعريف ، بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه . أنت زمن ولأنك زمن أقسم الله لك بمطلق الزمن :

﴿و العصر ﴾

[ سورة العصر: 1]

 جواب القسم ؛

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

[ سورة العصر: 2 ]

 أيها الإنسان أنت خاسر ، لماذا يا رب ؟ قال : لأن مضي الزمن يستهلكك ، فقط ، سبت أحد اثنين ثلاثاء أربعاء خميس جمعة ، الثانية ، الثالثة ، الرابعة ، شهر ، الثاني الثالث الرابع، أربعة أشهر فصل ، ثاني فصل ثالث فصل رابع فصل ، سنة ، عشر سنوات عقد ، عشرون سنة ، عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت .
 شيعت أحد أقربائي ، وضع في القبر أدير وجهه للقبلة ، كشف عن وجهه ، وضعوا البلاطة ، أهالوا التراب ، والله ما وجدت على وجه الأرض إنساناً أعقل ولا أذكى ممن يعد لهذه الساعة التي لا بد منها ، عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت .
 الطفل حينما يولد كل من حوله يضحك وهو يبكي وحده ، فإذا شارف على الموت كل من حوله يبكي فإذا كان بطلاً يضحك وحده ، قال تعالى :

﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي ﴾

[ سورة يس: 26-27]

 هذا هو الفوز العظيم ، للتقريب ، لك ابن أخت زرته في العيد ، قال لك عقب العيد: معي مبلغ عظيم ، أي مئة دينار ، لو قال مسؤول كبير بالبنتاغون : أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً ؛ نقدره بخمسمئة مليار دولار ، نفس الكلمة ، فإذا قال ملك الملوك ومالك الملوك :

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾

[ سورة النساء: 113]

 هذا هو العطاء :

(( ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ))

[ تفسير ابن كثير]

أركان النجاة :

 لذلك دققوا :

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

[ سورة العصر: 1-2 ]

 جواب القسم خاسر ، لأن مضي الزمن وحده يستهلكه ، إلا ؛ رحمة الله فيما بعد إلا:

﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

[ سورة العصر: 3 ]

 سماها الإمام الشافعي أركان النجاة ، أي لا بدّ من أن تعرف الحقيقة ، ولابدّ من أن تعمل وفقها ، ولابدّ من أن تدعو إليها ، ولابدّ من أن تصبر على البحث عنها ، والعمل بها ، والدعوة إليها .
 هذه السورة لو تدبرها الناس لكفتهم .

 

الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم :

 لكن الشيء بالشيء يذكر هل تصدقون أن الدعوة فرض عين على كل مسلم ، الدليل :

﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾

[ سورة يوسف: 108]

 الذي لا يدعو على بصيرة ليس متبعاً لرسول الله ، والآية الثانية :

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾

[ سورة آل عمران: 31 ]

 الدعوة إلى الله فرض على كل مسلم ، ولكن في حدود ما تعلم ومع من تعرف ، سمع خطبة ، سمع كلمة تأثر بها ذكرها لزوجته ، لأخوته ، لشريكه في العمل ، لصديقه ، لجاره إلى آخره ، هذه الدعوة إلى الله فرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف ، أما الدعوة الاحترافية ، قال تعالى :

﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾

[ سورة آل عمران: 104 ]

 هذه تحتاج إلى تفرغ ، وتبحر ، وتعمق ، إن قام بها البعض سقطت عن الكل ، أما كفرض عين :

(( بلغوا عني ولو آية ))

[البخاري عن ابن عمرو ]

 في حدود ما تعلم ومع من تعرف .

 

آيات الله عز وجل في الكون :

 الشيء الآخر الله عز وجل قال :

﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾

[ سورة فصلت: 53 ]

 أخواننا الكرام ؛ بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية ، والضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر ، في الدقيقة ضرب ستين ، بالساعة ضرب ستين ، باليوم ضرب أربع وعشرين ، بالسنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين ، أربع سنوات ضرب أربع ، هذه المسافة بالكيلو مترات ، ابنك الصغير يحسب لك هذه المسافة ، لو أردنا أن نصل إليها بسيارة لاحتجنا إلى خمسين مليون عام ، خمسون مليون عام من أجل أن نقطع أربع سنوات ضوئية ، بعد الأرض عن نجم القطب أربعة آلاف سنة ضوئية ، بعد الأرض عن مجرة المرأة المسلسلة مليونا سنة ضوئية ، بعد الأرض عن أحدث مجرة أربعة وعشرون ألف مليون سنة ، اسمع القرآن :

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾

[ سورة الواقعة: 75-76]

﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾

[ سورة لقمان: 11 ]

 الأرض تدور حول الشمس في مسار إهليلجي ، وهذا الشكل له قطر أصغر وقطر أطول ، ونظام الجاذبية تحكم هذه الحركة ، الآن الأرض تتحرك من القطر الأكبر إلى القطر الأصغر ، حينما تقل المسافة بينها وبين الشمس بحسب قانون الجاذبية تزداد الجاذبية ، فهناك احتمال أن تنجذب الأرض إلى الشمس ، فإذا جُذبت إليها تبخرت في ثانية واحدة ، كيف لا تنجذب ؟ الله عز وجل يرفع سرعة الأرض ، فتنشأ قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة ، فتبقى في مسارها ، قال تعالى :

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾

[ سورة فاطر: 41 ]

 يد من ؟ قدرة من ؟ علم من ؟ عظمة من ؟ هذا هو الله عز وجل .

 

من آيات الله في النفس :

1 ـ الغشاء العاقل :

 شيء آخر ، قال تعالى :

﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾

[ سورة فصلت: 53 ]

 المرأة حامل عقب الولادة ينزل مع الجنين قرص لحمي ، اسمه المشيمة ، فيها شيء لا يصدق ، تجتمع فيه دورة دم الأم مع دورة دم الجنين ، ودم الجنين زمرة ، ودم الأم زمرة ، ولا يختلطان ، فلو اختلطا لماتت الأم والجنين معاً ، كيف لا يختلطان ؟ قال : بينهما غشاء عاقل، لماذا سمي عاقلاً ؟ قال : لأنه يأخذ من دم الأم الأوكسجين يضعه في دم الجنين ، يأخذ من دم الأم السكر يضعه في دم الجنين ، يأخذ من دم الأم الأنسولين يضعه في دم الجنين ، توافر للجنين الأوكسجين ، والسكر ، والأنسولين ، يحترق السكر بالأوكسجين عن طريق الأنسولين، تتولد الطاقة ، حرارة الجنين سبع وثلاثون درجة ، الغشاء العاقل يأخذ من الأم جميع عوامل المناعة التي اكتسبتها عند مرضها ، هذه تنقل إلى دم الجنين ، الجنين محصن من كل الأمراض التي أصيبت بها أمه ، الغشاء العاقل ينقل الأغذية المناسبة ولا يستطيع أكبر طبيب في العالم أن يعرف ماذا يحتاج هذا الجنين ، كل ساعة تتبدل النسبة ، تتناسب مع نمو الطفل ، هذا الطفل ينقصه بوتاسيوم ، ماذا يفعل الجنين ؟ يطرق عليها الباب نريد بوتاسيوم كلي طعاماً فيه بوتاسيوم ؟ تشتهي الأم الحامل طعاماً هو حاجة جنينها ، يسمونه عندنا باللغة العامية الوحام ، تشتهي الأم أكلات لا تحبها بالأيام العادية .

﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾

[ سورة لقمان: 11 ]

 أخواننا الكرام ؛ هذا الغشاء العاقل يقوم بأعمال يعجز عنها العقلاء ، فلذلك إذا تفكرت في خلق السموات والأرض دخلت في أوسع باب إلى الله ، وفي أقصر طريق ، لأنه يضعك وجهاً لوجه أمام عظمة الله .

 

2 ـ انعدام أعصاب الحس في الشعر و الأظافر :

 برأس الإنسان ثلاثمئة ألف شعرة ، لكل شعرة شريان ، ووريد ، وعصب ، وعضلة ، وغدة دهنية ، وغدة صبغية ، لكن لا يوجد أعصاب حس في الشعرة ، لو كان هناك أعصاب حس ، أين ذاهب ؟ إلى المستشفى لإجراء عملية حلاقة ، تخدير كامل ، هذه حكمة الله عز وجل لا يوجد عصب حس في الشعر ولا في الأظافر .

3 ـ الغدد :

 أخواننا الكرام ؛ أخواتنا الفضليات ؛ يوجد جانب القلب غدة صغيرة بحجم سلامية الأصبع ، أنا كنت في أمريكا وعلمت أن هذه الغدة لا وظيفة لها قطعاً لأنها تضمر بعد سنتين ، ثم تبين أنها أخطر غدة في حياة الإنسان ، مدرسة حربية ، تدخل إليها الكريات البيضاء جاهلة همجية تتعلم لسنتين من هو العدو ، ومن هو الصديق ، والتخرج بامتحان ، تعطى هذه الكرية عنصراً صديقاً فإن قتلته ترسب وتقتل ، تعطى عنصراً عدواً إن لم تقتله ترسب وتقتل ، الخريجات تتولى تعليم الأجيال الصاعدة حتى نهاية الحياة ، بالسبعين يضعف التعليم ـ يصاب الإنسان بحالة اسمها الخرف المناعي هي التهاب المفاصل ، هي حرب أهلية داخلية في الجسم، قال تعالى :

﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾

[ سورة لقمان: 11 ]

 أنت تمشي في بستان ، وجدت أفعى ، ما الذي حصل ؟ انطبعت صورة الأفعى على شبكية عيني إحساساً ، الشبكية لا تقرأ الصورة ، نقلتها إلى الدماغ ، إلى مركز الرؤية ، هناك تقرأ الصورة ، كيف تقرأ ؟ يوجد ملفات الأفعى والثعبان ، طالب درس بالعلوم عن الأفعى، سمع قصة من جدته عن الأفعى ، رأى مرة أفعى ، رأى أفعى محنطة مثلاً ، فهذه المشاهدات ، والمعلومات ، والدراسات تشكل ملفاً اسمه ملف الأفعى ، وهذا الملف موجود بالدماغ ، فلما انتقلت صورة الأفعى من الشبكية إلى الدماغ ، الدماغ يرسل هذه الصورة إلى الغدة النخامية ، وهي ملكة الغدد جميعاً ، النخامية عندها وزير داخلية الكظر ، ترسل خمسة أوامر ، أول أمر إلى القلب برفع النبض من ثمانين نبضة إلى مئة وثمانين نبضة ، الثاني إلى الرئتين لتزيد في وجيبهما ، يلهث الخائف ، الخائف له لون وردي ليس بحاجة له هو بحاجة للدم فالأمر الثالث إلى الأوعية الدموية تضيق لمعتها فيصفر لونه ، ثم الرابع للكبد لطرح كميَّة من السكر زائدة ، وأمر للتجلط لو ضرب بسكين عوض أن يسيل الدم كله يتجلط ، خمسة أوامر في ثوان ، قال تعالى :

﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾

[ سورة لقمان: 11 ]

طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً :

 أخوتنا الكرام ؛ إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظنّ أنه قد علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً .
 بارك الله بكم ، وحفظ لكم إيمانكم ، وأهلكم ، وأولادكم ، وبلدكم .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور