وضع داكن
23-04-2024
Logo
درر 2 - الحلقة : 28 - التعامل مع الكون ؛ كيف ينظر المسلم إلى الكون من حوله وكيف يتعامل معه ؟ .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الأستاذ بلال :
السلام عليكم ؛ كيف ينظر المسلم إلى الكون من حوله ؟ وكيف يتعامل معه بما يرضي الله تعالى ؟ وكيف يتفكر في مخلوقات الله ؟ وكيف يكون شفافاً مع هذا الكون الذي وهبه الله إياه ؟ ما هو تسخير الكون للإنسان ؟ وكيف سخره الله له تسخير تعريف وتشريف ؟ كيف يحقق الوظيفة النفعية مع الوظيفة التعبدية معاً ؟ كيف يعمر الأرض بالخير والبركة كما أراد الله عز وجل له ؟ تابعوا هذا اللقاء لتجدوا إن شاء الله فيه ما يسركم وما يجيبكم على هذه الأسئلة وغيرها .
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله واصحابه أجمعين .
أخوتي الكرام ؛ أخواتي الكريمات ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، في مستهل حلقة جديدة من برنامجكم درر ، يسرني أن أرحب باسمكم بفضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، السلام عليكم سيدي .
الدكتور راتب :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم نحن ما زلنا في قيم الإسلام ، وتحدثنا عن قيم الإسلام في التعامل مع أفراد كثر في المجتمع ، لكن اليوم ننتقل إلى قضية أخرى وهي من قيم الإسلام كيف نتعامل مع الكون ؟ أستاذنا الكريم الإنسان خلقه الله ضمن بعدين زماني ومكاني ، في هذه الحلقة نتحدث عن البعد المكاني - الكون - ، يعيش ضمن هذا الكون ، الغرب يقول : قهرنا الطبيعة ، غزونا الفضاء ، وكأنها معركة ، الإسلام كيف يريد من الفرد المسلم أن يتعامل مع الكون من حوله بكل ما فيه ؟

 

أصل الدين معرفة الله :

الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين .
من مسلمات هذا الدين أن أصل الدين معرفة الله ، لأنك إن عرفت الله أي عرفت الآمر تفانيت في طاعة الآمر ، أما إن لم تعرف الله تفننت في التفلت من أمره ، فأصل الدين معرفة الله ، الآن الله عز وجل لا تدركه الأبصار فكيف نعرفه ؟ قال تعالى :

﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾

[ سورة الجاثية :6 ]

إذاً القنوات السالكة الوحيدة لمعرفة الله آياته الكونية خلقه ، آياته التكوينية أفعاله، آياته القرآنية كلامه ، إلا أن الآيات الكونية موقف الإنسان منها التفكر ، والأصل في هذا الموضوع قوله تعالى :

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

[ سورة آل عمران: 190-191 ]

الملمح الدقيق في كلمة يتفكرون فعل مضارع ، والفعل المضارع يدل على الاستمرار ، أصل الدين معرفة الله ، ولأن الله غابت عنا ذاته ، ونحن أمام آياته .

 

ومضات للتفكر في خلق السموات والأرض :

إذاً الآيات طريق الوصول لمعرفة الله من خلال آياته هو التفكر ، والتفكر أصل في هذا الموضوع ، مثلاً بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب عدا الشمس أربع سنوات ضوئية ، ماذا تعني أربع سنوات ضوئية ؟ الضوء يقطع في الثانية ثلاثمئة ألف كيلو متر ، في الدقيقة ضرب ستين ، في الساعة ضرب ستين ، في اليوم ضرب أربع وعشرين ، في السنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين ، في أربع سنوات ضرب أربعة ، شاب صغير مع آلة حاسبة خلال دقيقتين يحسب لك كم كيلو متر يبعد هذا النجم الذي هو أقرب نجم ملتهب للأرض أربع سنوات ضوئية، لو كان هناك طريق لهذا النجم ومعنا مركبة أرضية ، لاحتجنا كي نصل إليه خمسين مليون عام، خمسون مليون عام كي نصل بمركبة أرضية إلى أقرب نجم ملتهب للأرض ، متى تصل إلى نجم القطب ؟ أربعة آلاف سنة ضوئية ، متى تصل إلى مجرة المرأة المسلسلة ؟ مليونا سنة ضوئية ، متى تصل إلى بعض المجرات التي اكتشفت حديثاً والتي تبعد عنا أربعة وعشرين ألف مليون سنة ضوئية ؟ الآن افتح القرآن الكريم :

﴿ فلا أقسم بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾

[ سورة الواقعة : 75]

ومواقع النجوم المسافات بين النجوم :

﴿ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾

[ سورة الواقعة : 76]

هذا الإله العظيم يعصى ؟ ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟ هذه ومضة من ومضات التفكر في خلق السموات والأرض .
الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة ، أي جوف الشمس يتسع لمليون وثلاثمئة ألف أرض ، وبينهما مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، فإذا قرأنا القرآن الكريم :

﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾

[ سورة البروج : 1 ]

معنى ذلك أن الأرض في دورتها حول الشمس تمر باثني عشر برجاً ، أحد هذه الأبراج برج العقرب ، أنا رأيت هذه الأبراج في أمريكا يوجد قبة سماوية لها ميزة وصلوا بين النجوم بخطوط ، يبدو لك كالعقرب تماماً ، هذا البرج فيه نجم صغير أحمر اللون متألق اسمه قلب العقرب ، يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما .
لذلك التفكر في خلق السموات والأرض أقرب طريق إلى الله ، وأوسع باب ندخل منه على الله ، لأنه يضعك وجهاً لوجه أمام عظمة الله ، هذا عن طريق التفكر .
هناك شيء ثان دقيق جداً ، العالم أينشتاين اكتشف من خلال النظرية النسبية السرعة المطلقة في الكون ، لكن الذي يلفت النظر أن القمر يدور حول الأرض دورة كل شهر ، فإذا أخذنا مركز الأرض ومركز القمر ، ووصلنا بينهما بخط ، هذا الخط طوله نصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض ، من بديهيات الرياضيات لو ضربنا باثنين ، ينتج القطر ، ضرب 3,14 المحيط ، طبعاً القمر يدور دورة كل شهر ، ضرب اثني عشر بالسنة ، ضرب ألف بألف سنة ، طالب من طلاب المرحلة الإعدادية بآلة حاسبة في دقائق يحسب لنا كم يقطع القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام ، لو قسمنا المسافة على الزمن تكون السرعة ، لو قسمنا على ألف ، سرعة القمر في دورته حول الأرض في السنة ، لو قسمنا على ثلاثمئة وخمسة وستين السرعة في اليوم ، لو قسمنا على أربع وعشرين السرعة في الساعة ، لو قسمنا على ستين في الدقيقة ، على ستين في الثانية ، إنها سرعة الضوء ، قال تعالى :

﴿ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾

[ سورة الحج : 47]

ومضة ثالثة ، الأرض تدور حول الشمس في مسار إهليلجي ، أي بيضوي ، وهذا الشكل له قطر أصغر وقطر أطول ، الآن الأرض تتحرك من القطر الطويل إلى القطر الأصغر، باعتبار نظام الكون هو الجاذبية ، والجاذبية تحكمها المسافة والكتلة ، الكتلة ثابتة أما الآن فالمسافة قلت ، ما دام المسافة قلّت لا بد من أن تنجذب الأرض إلى الشمس ، وإذا انجذبت إلى الشمس تتبخر في ثانية واحدة ، أربعون مليون درجة ، ما الذي يحصل ؟ ترفع الأرض سرعتها .
الأستاذ بلال :
هي تعقل ؟
الدكتور راتب :
جماد ، ترفع الأرض سرعتها ، فتنشأ قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة ، فتبقى على مسارها ، قال تعالى :

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾

[ سورة فاطر : 41 ]

الآن تتابع الأرض سيرها تصل إلى القطر الأطول ، المسافة زادت بين الأرض والشمس ، تضعف الجاذبية ، هناك احتمال كبير جداً أن تتفلت من جاذبية الشمس ، وإذا تفلتت دخلنا في الكون ، فالظلام المطبق والبرد الشديد ، ثلاثمئة وستون تحت الصفر ، تنتهي الحياة ، تنتهي الحياة إذا انجذبت إلى الشمس ، وتنتهي الحياة إذا تفلتت من الشمس ، قال تعالى :

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾

[ سورة فاطر : 41 ]

﴿ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾

[ سورة الزمر: 67 ]

تعليقي : هذا الإله العظيم يعصى ؟ ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟

تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في المقال شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطـعته إن المحب لـمن يحب يطيع
* * *

إذاً الآيات الكونية قناة أولى سالكة لمعرفة الله ، وقناة الأفعال الإلهية قناة ثانية سالكة ، والقناة الثالثة القرآنية .
الأستاذ بلال :
جزاكم الله خيراً أستاذنا الكريم ، وأحسن إليكم بهذه الجولة الرائعة في رحاب الكون لنعود ونتابع الحديث عن علاقة الإنسان بالكون ولكن بعد فاصل قصير ..
السلام عليكم ؛ أستاذنا قبل الفاصل كنا في رحلة ممتعة في رحاب هذا الكون العظيم ، المؤمن موقفه من الكون التفكر ، الآن ننتقل إلى الوظيفة النفعية ، المسلم ألا ينتفع من الكون ؟ هل الوظيفة النفعية تتعارض مع الوظيفة التفكرية ؟

 

الارتباط بين الوظيفة النفعية والوظيفة التفكرية للكون :

الدكتور راتب :
النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى الهلال فقال :

(( هِلالٌ خَيْرٍ وَرُشْدٍ ))

[ أبو داود عن قتادة ]

أنا موقن أنه ما من شيء في الكون إلا ويدلنا على الله ، فالأرض والقمر والشمس والنجوم آياته الكونية ، وأفعاله آياته التكوينية ، وكتابه آياته القرآنية ، إذاً التفكر في خلق السموات والأرض هو أقصر طريق لمعرفة الله عز وجل .
الأستاذ بلال :
هلال خير ورشد أي نفع ؟
الدكتور راتب :
أي شيء ننتفع به ، وأي شيء يدلنا على الله عز وجل ، لعل العالم الغربي بالغ بشكل واسع بالانتفاع في الكون ، هذا شيء ثابت ، لكن البطولة أن ننتفع به نحن أيضاً ، ننتفع به من جهة ، ويدلنا على الله من جهة ثانية ، لا نكتفي بالوظيفة الإرشادية فقط والنفعية ، أي نستخرج هذه الثروات ، نوظف هذه الطاقات ، نتعامل مع الكون تعاملاً إيجابياً لا نبقى مستوردين مستهلكين .
الأستاذ بلال :
هذا الذي كنت أريد أن أصل إليه جزاكم الله خيراً ، القرآن الكريم استخدم تعبير إعمار الأرض ، الله عز وجل جعلنا في هذه الأرض لنعمرها بالخير والبركة والطاعات وبناء المجتمع وتجهيزه و الوصول إلى ما نريد ، لكن نحن كأننا نتكل عليهم ، ننتظر اكتشافاتهم ، وقصرنا في الناحية الانتفاعية في الكون ، والعلمية .

 

التفوق أحد أسباب قوتنا و احترام ديننا :

الدكتور راتب :
الانتفاع بالكون علمياً مرحلة كبيرة جداً ، والانتفاع به من ناحية استغلاله لحاجات الإنسان ، لو حفرنا الآبار ، استصلحنا الأراضي ، استخرجنا الثروات ، صنعنا هذه الثروات كان الدخل عالياً ، علمنا أولادنا ، وظفنا هذه الأموال في بناء هذه الأمة ، هذا الأصل ، الأرض تحتاج إلى إعمار ، وليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته ، ولا من ترك آخرته لدنياه ، إلا أن يتزود منهما معاً ، فإن الأولى مطية للثانية ، أنا أقول كلمة : ما لم نتفوق في دنيانا الآن لا يحترم ديننا ، الطرف الآخر لا يتعامل مع المبادئ والقيم ، يتعامل مع المصالح ، فما لم نكن متفوقين لن نستطيع أن نصل إلى أهدافنا ، والتفوق هو أحد أسباب قوتنا .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم أريد أن أنتقل إلى قضية أخرى في التعامل مع الكون يسمونها اليوم الشفافية ، النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت هذه معجزة بحقه حنّ الجذع إليه وبكى فوضع يده عليه ، لم يتعامل مع الكون على أنها معركة يخوضها ، ولكن يأنس بالكون ، جبل أحد ، هذه الطريقة في التعامل كيف نفسرها ؟

تسخير الكون للإنسان تسخير تعريف و تكريم :

الدكتور راتب :
الجواب قرآني :

﴿ وَسَخَّرَ لَكُم ﴾

[ سورة الجاثية : 13 ]

ماذا تعني كلمة لكم ، أي خصيصاً لكم ، أي أنت أحياناً تدعو ضيفاً لطعام ، يأتي مع الضيف أشخاص ، وقد يطرق الباب في أثناء الطعام رجل تدعوه للطعام ، لكن ماذا نقول؟ هذه الوليمة في الأصل لفلان ، ومن جاء معه تبع ، كلمة لكم أعتقد وردت مئات المرات لكم ، وسخر لكم أي خصيصاً لكم ، قال تعالى :

﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ﴾

[ سورة الجاثية: 13 ]

تسخير تعريف وتكريم ، والمسخر له أكرم عند الله من المسخر ، والإنسان في عالم الأزل قبِل حمل الأمانة ، هو الذي تميز عن بقية المخلوقات ، قال تعالى :

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾

[ سورة الأحزاب: 72 ]

لأنه قبل حمل الأمانة سخر الله له ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه ، تسخير تعريف ، موقف الإنسان من تسخير التعريف أن يؤمن ، وموقف الإنسان من تسخير التكريم أن يشكر ، فإذا آمن وشكر حقق الهدف من وجوده ، وعندئذ أنا أبشر أخوتي المشاهدين، عندئذ تتوقف جميع المعالجات الإلهية ، قال تعالى :

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء: 147]

تسخير التعريف الإيمان ، تسخير التكريم الشكر والعرفان ، لذلك أول كلمة في أول آية في أول سورة نزلت قال تعالى :

﴿ اقْرَأْ ﴾

[ سورة العلق: 1]

أي تعرف إلى الله ، قراءة بحث وإيمان ، و قراءة شكر وعرفان ، و قراءة وحي وإذعان ، أما الطرف الآخر فيقرؤون الكون قراءة طغيان وعدوان ، ونعوذ بالله من هؤلاء .
الأستاذ بلال :
قال تعالى :

﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾

[سورة العلق: 6-7 ]

أستاذنا الكريم فوق أننا نتفكر في الكون وننتفع به وفق شرع الله ، نحب الكون ، أحد جبل نحبه ويحبنا .

 

الكون يشف عن عظمة الله و قدرته :

الدكتور راتب :
الكون يشف عن عظمة الله بالضبط كلامي ، فأنت من خلال الكون تعرف الله عز وجل ، من خلاله تعرف قدرته ، تعرف علمه ، تعرف مثلاً العين فيها ماء ، شيء ثابت ، هذا الماء يتجمد في الدرجة صفر ، لو إنسان أقام بموسكو أو أقام بالقطب الشمالي ، درجة الحرارة ستون تحت الصفر ، معنى ذلك كل هؤلاء الناس سيفقدون بصرهم ، الله أودع بماء العين مادة مضادة للتجمد ، قال تعالى :

﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾

[ سورة لقمان: 11 ]

أنا أقسم بالله لو أمضى الإنسان عمره كله في التعرف إلى الله من خلال جسمه لا ينتهي .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم الذي يحب الكون بهذا الأسلوب ، ويفهم أنه خلق من الله مسخر له كما تفضلتم ، الآن سيتعامل مع الكون بطريقة مختلفة حتى مع المخلوقات ، أي هذا الجمل الذي شكا للنبي ..

 

التعامل مع الكون و المخلوقات بطريقة شفافة :

الدكتور راتب :

(( من صاحب هذا الجمل ؟ قال فتى من الأنصار : هو لي يا رسول الله ، قال له النبي الكريم : ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه))

[الطبراني عن عبد الله بن جعفر]

هذه شفافية ، أنا أقول لك كلمة : أحياناً أنت حينما تفعل خيراً مع هرة تنظر لك نظرة اهتمام ، والشيء الدقيق أنها إذا خطفت قطعة اللحم تأكلها بعيداً عنك ، أما إذا أطعمتها أنت فتأكلها أمامك في شكر ، فالإنسان إذا قلب حياته إلى عطاء ، يا من جئت الحياة ، فأعطيت ولم تأخذ ، أحدهم ألّف كتاباً عن رسول الله وخاطبه بالإهداء ، يا من جئت الحياة ، فأعطيت ولم تأخذ ، يا من قدست الوجود كله ، ورعيت قضية الإنسان ، يا من زكيت سيادة العقل ، ونهنهت غريزة القطيع ، يا من هيأك تفوقك لتكون فوق الجميع ، فعشت واحداً بين الجميع ، يا من كانت الرحمة مهجتك ، والعدل شريعتك ، والحب فطرتك ، والسمو حرفتك ، ومشكلات الناس عبادتك .
أنت تصطلح مع الكون في شفافية مطلقة ، كل هذا الكون مسخر لك تسخير تعريف وتكريم ، لا يوجد عدوان ، غزونا الفضاء ، هناك كلمات غير مقبولة .

 

خاتمة و توديع :

الأستاذ بلال :
جزاكم الله خيراً ، حقيقة أحبّ أن أنهي بهذه الكلمات الطيبة ؛ نحن نتعامل مع الكون بحبّ ، بحب الاكتشاف والمعرفة ، وبحبّ الانتفاع ، وقد يكون ذلك بحبّ معرفتنا بخالق الكون جلّ جلاله .
أخوتي الكرام لم يبق لي في نهاية هذا اللقاء الطيب إلا أن أشكر لكم حسن متابعتكم، سائلاً المولى جلّ جلاله أن ألتقيكم في أحسن حال مع الله ومع خلقه ، إلى الملتقى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور