وضع داكن
19-04-2024
Logo
درر 2 - الحلقة : 26 - قيم الإسلام في التعامل مع الأزمات والمحن والمصائب ، كيف نفهم المصيبة وما الهدف منها وما أنواعها ؟ كيف يشد الله عباده إلى بابه بالمصائب ؟ .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الأستاذ بلال :
السلام عليكم ؛ يقول تعالى :

﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾

[ سورة الشرح : 5-6]

كيف نفهم المصيبة ؟ وما الهدف من المصيبة ؟ وما أنواعها ؟ كيف يتعامل الله مع خلقه في المصائب ؟ وكيف ينقلهم من خلال المحن إلى المنح ؟ وكيف يشدهم بالشدائد إلى بابه جلّ جلاله ؟ تابعوا هذا اللقاء الطيب بعنوان : قيم الإسلام في التعامل مع المحن والأزمات لتجدوا إن شاء الله تعالى الجواب عن هذه الأسئلة وغيرها .
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله واصحابه أجمعين .
أخوتي الأكارم ؛ أينما كنتم أسعد الله أوقاتكم بكل خير ، في مستهل حلقة جديدة من برنامجكم درر ، حيث نتناول فيه قيم الإسلام في التعامل بين أفراد المجتمع بما يحقق مجتمعاً يرضي الله عز وجل ، ويرضي رسوله صلى الله عليه وسلم ، بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يسرني أن أرحب باسمكم بفضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، السلام عليكم سيدي .
الدكتور راتب :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم حديثنا اليوم عن قيم الإسلام في التعامل مع الأزمات والمحن والمصائب ، المحن تصيب الفرد وتصيب المجتمعات بشكل عام ، قبل أن نبدأ في الحديث عن قيم الإسلام في التعامل مع المحن والمصائب والأزمات أحبّ أن أسمع منكم مقدمة حول فلسفة الأزمة ، المحنة التي تصيب المؤمن في حياته .

 

فلسفة الأزمة :

الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين .
أستاذ بلال جزاك الله خيراً ، الله عز وجل واجب الوجود ، وما سواه ممكن الوجود ، معنى ممكن الوجود يمكن أن يكون أو لا يكون ، وهناك معنى آخر ممكن الوجود أي أن يوجد على ما هو عليه أو على خلاف ما هو عليه ، فكان من الممكن أن يكون الكفار في كوكب والمؤمنون في كوكب ، أو الكفار في حقبة والمؤمنون في حقبة ، أو الكفار في قارة والمؤمنون في قارة ، إذاً لا يوجد أي مشكلة ، و لا حروب ، ولا دعوة إلى الله ، ولا شيء إطلاقاً ، لكن شاءت حكمة الله أن نعيش معاً في مكان واحد ، وفي زمان واحد ، بعض من علل هذه الحكمة بأن الحق يقوى بالتحدي ، وبأن أهل الحق لا يستحقون الجنة إلا بالبذل والتضحية ، فمعركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية ، وكأن هذه المعركة وراء النكبات التي نعيشها ، وراء الآلام، وراء المصائب ، لكن كمنطلق فكري عقدي هذه السيارة لماذا صنعت ؟ لتسير ، لم فيها مكبح والمكبح إيديلوجياً يتناقض مع علة صنعها ؟ ضمان لسلامتها ، فلذلك الإنسان خلق لجنة عرضها السموات والأرض والدليل القطعي ، قال تعالى :

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

[ سورة هود:119]

خلقهم ليرحمهم ، إذا غفلوا أو انحرفوا أو ضلوا لا بد من وسائل تعيدهم إلى جادة الصواب ، وقد تكون المصائب ، لأن الله عز وجل ثبت ملايين القوانين ، لكن لحكمة بالغة حرك قانون الصحة والرزق ، كأن الله عز وجل يؤدبنا ويربينا ويدفعنا إلى طاعته بعنصري الصحة والرزق ، فلذلك المؤمن إذا فهم على الله حكمته من المصيبة ، المصيبة انقلبت إلى عطاء مبطن ، إذا كشف لك الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء ، ففهم المؤمن للمصيبة فهم مهم جداً ، بل أنا أرى أن فهمه للمصيبة أحد كليات الدين ، أنت حينما تفهم أن هذا المكبح لسلامة السيارة ، أو حينما تمشي في الفلاة وترى لوحة كتب عليها : ممنوع التجاوز حقل ألغام ، لا تشعر ولا لثانية واحدة أن هذه اللوحة وضعت حداً لحريتك إنما وضعت لتضمن سلامتك ، هذا الفهم العميق للمصيبة .
لكن بالمناسبة يجب أن نفهم المصيبة أو ما يناقض الرحمة فهماً موضوعياً ، الأنبياء يبتلون ، ابتلاء الأنبياء كشف لكمالهم ، والمؤمنون يبتلون ، ابتلاء المؤمنين دفع ورفع ، ليضاعف سرعته إلى الله ، أو ليزداد أجره عند الله ، ومصائب أهل الكفر والنفاق ردع وقصم ، خمسة أنواع ، أنا حينما أفهم سلبيات الحياة على أنها علاجات ، على أنها وسائل دفع ، وسائل حفز إلى مزيد من الطاعة للمؤمنين ، وسائل ردع وقصم لغير المؤمنين ، أكون قد توازنت في حياتي.
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم هنا يحضرني سؤال ؛ البعض يقول : هناك شعوب غارقة بالإباحية وفي البعد عن الله عز وجل ومع ذلك تعيش الآن في أبهى حالتها وشعوبنا المسلمة مستضعفة في مشارق الأرض ومغاربها فما سرّ هذا التباين ؟

 

الحكمة من التباين بين الشعوب المسلمة و الشعوب الغارقة بالانحراف :

الدكتور راتب :
والله أنا أفهم هذا السؤال وأجيب عليه على الشكل التالي ، أب عنده ثلاثة أولاد ؛ ولد منغولي لا يوجد أمل بالشفاء إطلاقاً ، وولد آخر ذكي جداً ومتفوق أيضاً تاركه ، وعنده ولد ثالث ذكي جداً ومقصر ، فكأن التربية والمضايقات والشدة تصيب هذا الثالث ، الدليل الأول المنغولي، قال تعالى :

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾

[ سورة الأنعام : 44]

كل أنواع الانحراف موجودة في العالم الغربي ؛ وبلاد جميلة ، وبضاعة من أفضل ما يكون ، وهيمنة ، وسيطرة ، تماماً كما يقول الطبيب لمريض بالسرطان : كُلْ ما شئت ، كل أي طعام تشاء ، أمل بالشفاء لا يوجد ، ويقول للإنسان الصحيح الذي لا يحتاج إلى أي معالجة: كُلْ ما شئت أيضاً ، أما هذا الذي يعاني من التهاب معدة حاد فيخضعه لحمية قاسية جداً ، هذا الثاني له أمل بالشفاء ، فنحن نرجو الله أن نكون من هؤلاء الذين فينا أمل بالشفاء .
الأستاذ بلال :
نسأل الله ذلك ، أستاذنا الكريم لكل قانونه ، كأننا نحن نعيش قانوناً قال تعالى :

﴿ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[سورة الروم : 41]

وهم يعيشون بقانون آخر ، قال تعالى :

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾

[ سورة الأنعام : 44]

أستاذنا الكريم الآن هذا الذي يقع في العالم اليوم تسقط صواريخ وتسقط قنابل أبيدت أمم وبيوت وشعوب ، هذا كله يقع بعلم الله ؟

 

تعلق كل شيء بعلم الله و قدرته :

الدكتور راتب :
طبعاً ، قال تعالى :

﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ ﴾

[ سورة الأنعام : 65 ]

هذه الصواعق سابقاً و الصواريخ لاحقاً ، قال تعالى :

﴿ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾

[ سورة الأنعام : 65 ]

هذه الزلازل سابقاً والألغام لاحقاً ، قال تعالى :

﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾

[ سورة الأنعام: 65 ]

لأن الطغاة معهم ورقة رابحة إنها الورقة الطائفية ، والدليل قال تعالى :

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾

[ سورة القصص: 4]

الآن دقق ، قال تعالى :

﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾

[ سورة القصص: 5-6]

الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم جزاكم الله خيراً وأحسن إليكم ، نتابع الحديث إن شاء الله ، فاصل ونتابع..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، عدنا إليكم من جديد لنتابع بصحبتكم وبصحبة أستاذنا الفاضل الحديث عن قيم الإسلام في التعامل مع المحن والأزمات ، أستاذنا الكريم كنا قد انتهينا قبل الفاصل إلى قضية مهمة جداً وهي أن هذه المصائب التي تقع إنما تقع بعلم الله عز وجل ولحكمة قد نعلمها ، وقد نجهلها ، الآن سيدي الفاضل ربنا يقول :

﴿ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾

[ سورة الشرح : 6]

لن يغلب عسر يسرين ، كيف نلمح بوادر الفرج من خلال الأزمات التي يعيشها العالم ؟

 

مراحل التأديب الإلهي للإنسان :

1 ـ الهدى البياني :

الدكتور راتب :
لا بد من هذه الملاحظة ، الله عز وجل - إن صح التعبير - سياسته في هداية خلقه كما يلي ؛ أول مرحلة اسمها الهدى البياني ، أنت مرتاح ، صحتك طيبة ، زواجك ناجح ، أولادك أبرار ، لا يوجد عندك مشاكل إطلاقاً ، تستمتع إلى تفسير آية ، إلى خطبة جمعة

تقرأ كتاباً ، تفسير سورة ، تجلس في جلسة فيها رجل داعية تستمع إلى حديثه ، تتابع برنامجاً دينياً ، تتابع كتاباً معيناً ، هذه المرحلة راقية جداً و لا يوجد بها أي مشكلة ، أنا أسميها الهدى البياني ، الله تفضل علينا فبين لنا ، استمعت إلى تفسير سورة يوسف شيء جميل ، البقرة ، آل عمران ، سمعت خطبة لخطيب متفوق وأقنعك بأشياء كثيرة تابعت هذا الحوار ، زارك رجل داعية كانت جلسته رائعة جداً انتفعت منه ، هذه مرحلة لطيفة وراقية جداً اسمها الهدى البياني ، فقط بيان من خطاب إلى ندوة إلى قراءة إلى مطالعة إلى حوار إلى إلى ، هذه المرحلة الموقف الكامل منها أن تستجيب لله عز وجل ، قال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكم ﴾

[ سورة الأنفال: 24 ]

لذلك الشيء بالشيء يذكر الذي أعرض عن الله عز وجل وصف من قبل الله عز وجل بأنه ميت ، قال تعالى :

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

[ سورة النحل: 21 ]

والذي أعرض عن الله عز وجل وصف بأنه كالمادة ، قال تعالى :

﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾

[ سورة المنافقون: 4 ]

والذي أعرض عن الله عز وجل وصف كأنه كالأنعام ، قال تعالى :

﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾

[ سورة الفرقان : 44]

وفي آية أخيرة ، قال تعالى :

﴿ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾

[ سورة الجمعة: 5 ]

فما لم نستجب لدعوة الله ، ما لم نتعامل معه بالعقل والنقل الصحيحين ، ما لم نبذل، ما لم نضبط سلوكنا عندنا مشكلة ، فالمرحلة الأولى الهدى البياني ، الموقف الكامل منها الاستجابة ، والآية الدقيقة لها قال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكم ﴾

[ سورة الأنفال: 24 ]

2 ـ التأديب التربوي :

هذا الإنسان دعي إلى الهدى البياني فلم يستجب ، الآن الله عز وجل يخضعه لأسلوب آخر اسمه التأديب التربوي كما تفضلت بالآية قبل قليل ، قال تعالى :

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى ﴾

[ سورة السجدة : 21]

ضيق مادي ، ألم في الجسم ، مرض ، شدة ، قهر ، قال تعالى :

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[ سورة السجدة : 21]

الآن الموقف الكامل للإنسان إذا وصل إلى المرحلة الثانية - التأديب التربوي - أن يتوب ، فمن تاب تاب الله عليه ، قال تعالى :

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾

[ سورة الزمر: 53 ]

3 ـ الإكرام الاستدراجي :

بالهدى البياني لم يستجب ، بالتأديب التربوي لم يتب ، هناك مرحلة ثالثة اسمها الإكرام الاستدراجي ، يفتح له الدنيا ، ينجح في عمله ، في تجارته ، ينجح في شراء بيت ، في شراء مركبة فارهة ، هذا اسمه إكرام استدراجي ، فالبطولة في هذه المرحلة الشكر ، بالهدى البياني الاستجابة ، بالتأديب التربوي التوبة ، بالإكرام الاستدراجي الشكر .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم الشكر هو فهم أنه إكرام استدراجي ؟
الدكتور راتب :
لا هو فهم أنه إكرام ، ألا يقتضي هذا الإكرام أن تقول : يا رب لك الحمد ؟
الأستاذ بلال :
إذاً عاد إلى الله ؟
الدكتور راتب :
عاد إلى الله شاكراً ، لكن بالمناسبة الشيء بالشيء يذكر الشكر في حقيقته عمل ، قال تعالى :

﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً ﴾

[ سورة سبأ: 13 ]

أن ترد الجميل الذي أكرمك الله به بخدمة عبادة ، هذا هو الشكر .

 

4 ـ القصم :

لو فرضنا لا بالهدى البياني استجاب ، ولا بالتأديب التربوي تاب ، ولا بالإكرام الاستدراجي شكر ، بقي له القصم ، قال تعالى :

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾

[ سورة الأنعام: 44]

فكل البطولة لأخواننا المشاهدين أن نكون في المرحلة الأولى في الهدى البياني .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم تستجيب وأنت معافى في أهلك ومالك ، أرى أن نعود إلى : لن يغلب عسر يسرين ، وإلى قوله تعالى :

﴿ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾

[ سورة الشرح : 6]

فهل في العسر بوادر اليسر؟

 

بطولة الإنسان أن يرجع إلى الله عقب المصيبة التي تصيبه :

الدكتور راتب :
الحقيقة أن المعنى الأصلي إن بعد العسر يسراً ، لكن رحمة الله عز وجل بينت أن هذا العسر الذي أنت فيه معه اليسر ، مع تطمئن ، الله عز وجل في الحديث القدسي :

(( يا عبادي إني حَرَّمتُ الظُّلمَ على نفسي ، وجعلتُه بينكم محرَّما ، فلا تَظَالموا يا عبادي ، كُلُّكم ضالّ إلا مَنْ هَدَيتُه ، فاسْتَهدُوني أهْدِكم ، يا عبادي ، كُلُّكم جائع إلا مَنْ أطعمتُهُ، فاستطعِموني أُطْعِمْكم ))

[مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري ]

إلى نهاية الحديث :

(( ... ومن وجد غير ذلك - هنا - فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ ))

[مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري ]

فالبطولة أن ترجع عقب المصيبة ، فلذلك قال تعالى :

﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾

[ سورة التغابن : 11 ]

الآن ندقق ، قال تعالى :

﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾

[ سورة التغابن : 11 ]

يهدي قلبه إلى علتها ، الإنسان إذا أصيب بمصيبة لا ينبغي أن يكون ساذجاً ، الله عز وجل قال :

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء : 147]

كأن هذا الكون مسخر لنا تسخير تعريف ، موقفنا من تسخير التعريف أن نؤمن ، ومسخر أيضاً لنا تسخير تكريم ، موقفنا من تسخير التكريم أن نشكر ، فالفرد إن آمن وشكر حقق الهدف من وجوده ، عندئذ يسمى فالحاً ، الفلاح تحقيق الهدف ، أما إنسان جمع ثروة طائلة ، هذا نجاح ، نجح في جمع المال ، تسلم منصباً رفيعاً ، نجح في تسلم هذا المنصب ، مثلاً نجح بمكانة اجتماعية كبيرة ، نجح بسفر سياحي زار معظم بلاد الأرض ، هذه كلها نجاحات ، لكن الفلاح شيء آخر ، الفلاح أن تحقق الهدف من وجودك ، إنسان في الجامعة هناك ندوة اشترى أطيب الشطائر ، وهناك بلياردو لعب ونجح في لعبته ، وهناك حديقة تمتع بها، وهناك مكتبة ، نقول له : علة وجودك في هذه الأمكنة الدراسة ، فإن درست ونجحت حققت الهدف من وجودك ، وعندئذ أنت فالح ، أما أمضيت وقتاً طويلاً بالحدائق الجميلة ، استمتعت بصحبة الأصدقاء ، تناولت طعاماً طيباً ، هذه كلها نجاحات محدودة ، لذلك الآن لا يسمى النجاح نجاحاً إلا إذا كان شمولياً وعندئذ يسمى فلاحاً ، قال تعالى :

﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

[ سورة الأعراف : 157]

خاتمة و توديع :

الأستاذ بلال :
جزاكم الله خيراً أستاذنا الكريم ، وأحسن إليكم ، أراني مضطراً إلى حلقة أخرى نتابع بها موضوع الأزمات وقيم الإسلام في التعامل مع الأزمات ، فقد ضاق الوقت عن المتابعة .
أخوتي الأكارم ؛ لم يبق لي في نهاية هذا اللقاء الطيب إلا أن أشكر لكم حسن متابعتكم ، سائلاً المولى جلّ جلاله أن ألتقيكم في أحسن حال مع الله ، ومع خلقه ، إلى الملتقى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور