وضع داكن
28-03-2024
Logo
درر 1 - الحلقة : 15 - الشجاعة .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الأستاذ بلال :

الرّأيُ قَبلَ شَجاعةِ الشّجْعانِ هُوَ أوّلٌ وَهيَ المَحَلُّ الثّاني
فإذا همَا اجْتَمَعَا لنَفْسٍ حُرّةٍ بَلَغَتْ مِنَ العَلْياءِ كلّ مكانِ
***

الشجاعة خلق عربي أصيل ، جاء الإسلام فرشده ووجهه فجعله فضيلة بين تهور مذموم وجبن ممقوت ، وبذلك أصبحت الشجاعة درة من درر الشريعة الغراء ، فهلموا بنا نستجلي معانيها ، ونفهم مراميها ، نلتقطها من بحر الشريعة الزاخر من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرة سلفنا الصالح .
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، أخوتي المشاهدين أينما كنتم أسعد الله أوقاتكم بالخير واليمن والبركات والطاعات ، ونحن معكم في هذا اللقاء المتجدد من برنامجكم درر ، لنأخذ اليوم درجة جديدة نلتقطها من درر شريعتنا ، ونبحر معها في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ونحن نحاور فضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، مرحباً بكم سيدي .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ونفع بكم .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم اليوم درتنا هي الشجاعة ، و النبي صلى الله عليه وسلم كان أشجع الناس ، وكان أجود الناس ، وكنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم من أين يستمد الإنسان بادئ ذي بدء الشجاعة في مواجهة المواقف ؟

 

الشجاعة :

الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين .
الحقيقة أن الإنسان أحياناً كثيرة يستمد شجاعته من مبادئه ، ومن قيمه ، أنا حينما أعتقد يقيناً أن الأجل محدود لا يزيد ثانية ولا ينقص ، هذه الفكرة المتعلقة بالأجل الثابت تعطي الإنسان شجاعة لا يموت إلا بأجله ، فلذلك الشجاعة لا تقرب الأجل ، والجبن لا يبعد الأجل ، فإذا أيقن الإنسان بإيمانه أن أجله ثابت ومحدود يكون شجاعاً .
والشيء الثاني حينما يوقن أن هذه الشجاعة لا بد منها من أجل ترسيخ مبادئ الحق ، كثير من المواقف الإنسان الشجاع ثبت الحق ، أحمد بن حنبل رحمه الله بموقفه الشجاع غير مفهوم خاطئ بحياة المسلمين بشجاعته ، أما لو أخذ موقفاً آخر لكان هناك مشكلة ، فالإنسان أحياناً يرسخ الحق ، أحياناً يدعم الدين ، يدعم القيم بمواقفه الشجاعة ، فإذا خلت حياتنا من الشجاعة خلت من القيم ، الخضوع والميل والخوف على المصالح هذا من صفات المجتمعات المتخلفة .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم هنا يحضرني أمر له علاقة شديدة جداً بموضوع الشجاعة ، النبي صلى الله عليه وسلم أشجع الناس ، ومع ذلك حينما هاجر من مكة إلى المدينة تخفى ، وجعل علياً في فراشه رضي الله عنه وأرضاه ، واتخذ كثيراً من الأسباب ، فبعض الناس يفهم أن الشجاعة ترك الأخذ بالأسباب ، ما العلاقة بينهما ؟

العلاقة بين الشجاعة و الأخذ بالأسباب :

الدكتور راتب :
أنا رأيي أن المؤمن يخضع لقوانين الكون ، من علامات عبوديته لله أن هذه القوانين التي قننها الله عز وجل يخضع لها ، كيف يخضع لها ؟ يحاول أن يتعامل معها تعاملاً إيجابياً ، من هنا كانت الشجاعة أولاً موقفاً أخلاقياً وثانياً موقفاً عملي ، لأنه هو نفى ما يناقض الشجاعة ، ويعلم أن الله مع المؤمن ناصراً ، مؤيداً ، حافظاً ، قضية الحفظ شيء دقيق جداً .
الأستاذ بلال :
ويتخذ الأسباب .
الدكتور راتب :
البطولة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، كأنني أمشي على طريق عن يمينه واد سحيق ، وعن يساره واد سحيق ، الوادي الأول ترك الأسباب ، والثاني الاعتماد عليها وتأليهها ، الغرب أخذ بالأسباب واعتمد عليها وألهها وقع في وادي الشرك ، لم يأخذ بها أصلاً وقع في وادي المعصية ، فبين أن تأخذ بالأسباب وأن تعتمد عليها وأن تنسى الله فهذا شرك ، أما أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء فهذا الموقف الكامل ، الإنسان مسافر ومعه مركبة ، الموقف الإيماني الكامل أن تراجع المركبة ، العجلات ، كل مرافقها أن تراجع مراجعة تامة ، أنت أخذت بالأسباب تنفيذاً لأمر الله عز وجل ، الآن تعتقد يقيناً أن الحافظ هو الله ، والمسلم هو الله ، والمعطي هو الله ، فأنت جمعت بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله ، وكلاهما شرط لازم غير كاف ، والموقف الكامل للمؤمن هذا بدراسته ، بعمله التجاري ، بوظيفته ، يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم يتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، إن لم يأخذ بالأسباب عصى لأنه لم يعبأ بقوانين الكون ، وإن أخذ بها واعتمد عليها أشرك ، البطولة أن نأخذ بها وكأنها كل شيء ، وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم ليس من الشجاعة أن نترك الأخذ بالأسباب ، هذا تهور ، النبي صلى الله عليه وسلم هاجر من مكة إلى المدينة وأخذ بالأسباب .

الثقة بالله مع الأخذ بالأسباب :

الدكتور راتب :
أخذ طريقاً مساحلاً عكس الجهة تعمية على المطاردين ، قبع في غار ثور ، اختار دليلاً رجح فيه الخبرة على الولاء ، أخذ بكل الأسباب ، وبعدها توكل على الله ، ولكن حينما تبعه سراقة لأنه كان يطمع بمئة ناقة لمن يأتي بالنبي حياً أو ميتاً

والله هناك موقف لا أنساه ، قال له النبي : يا سراقة كيف بك إذا لبست سواري كسرى ؟ هذه نقرؤها سريعاً ولا نقف عندها ، ما معنى ذلك ؟ أي أنا سأصل إلى المدينة سالماً ، وسأنشئ دولة ، وسأنشئ جيشاً ، وسأحارب أكبر دولتين في العالم ، وسأنتصر عليهما ، وسوف تأتي إلى المدينة غنائم كسرى ، و لك يا سراقة سوار كسرى ، هذه ثقة النبي بنصر الله ، إنسان ملاحق ، مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ، لكنه موقن بوعد الله ، لو أن المسلمين الآن اشتقوا من هذه الثقة بالمستقبل لأصبحت حياتنا شيئاً آخر ، يقول لك : انتهينا ، لا لم ننته ، أنت معك منهج الله عز وجل ، هناك وضع صعب نعانيه ، لكن ما انتهينا ، الله مع الحق ولو كان الحق ضعيفاً الآن لكن الله مع الحق ، هناك أزمات مرت بالأمة أصعب من هذه الأزمات ، الله عز وجل نجاها ، دائماً الثقة بالله مهمة جداً ، الثقة بالله مع الأخذ بالأسباب ، أما عدم الأخذ بالأسباب فهذا شيء لا يليق بالمؤمن ، لا يليق به أيضاً أن يأخذ بالأسباب ويعتمد عليها ويؤلهها وأن ينسى الله ، ما الذي يصير عندما يأخذ الإنسان بالأسباب ؟ مزلة قدم ، كل شيء مرتب ، كل شيء أعددت له العدة ، هذا خطأ أنا آخذ بالله طاعة لله ، وأعتمد على الله عز وجل ، لأنه ما سهل إلا ما جعله الله سهلاً .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم قد يعرض المشاهد سؤالاً ، عمر رضي الله عنه أيضاً هاجر من مكة إلى المدينة وبشجاعة وقال : من أراد أن تثكله أمه يتبعني خلف هذا الوادي ، وخرج على أعينهم ، كيف نوفق بين موقفه وموقف النبي صلى الله عليه وسلم ؟

التوفيق بين موقف النبي و موقف عمر في الشجاعة :

الدكتور راتب :
أنا الذي أراه أن النبي صلى الله عليه وسلم مشرع ، لو هاجر كما هاجر عمر ألغيت الأسباب ، وصار هناك تهور ، وصار التهور هو المنهج ، النبي مشرع ، سيدنا عمر عمل موقفاً خاصاً يدفع ثمنه وحده ، لو لا سمح الله قتلوه ، هو أخذ باجتهاده الشخصي ، لذلك سيدنا عمر ليس مشرعاً ، النبي صلى الله عليه وسلم مشرع ، دخل على غار ثور ، وأخذ بالأسباب ، ومشي مساحلاً ، وعمل كل الوسائل التي يمكن أن تنجيه ، لكن هناك ملمحاً دقيقاً وصلوا إلى الغار لو كان اعتماد النبي على الأسباب لانهار ، لكن اعتماده على الله ، أخذ بالأسباب طاعة لله ولم يأخذ بها يقيناً ، يقينه بنصر الله هذه نقطة مهمة جداً ، لماذا سمح الله لهم أن يصلوا إلى الغار ؟ علمنا درساً ، كان اعتماد النبي صلى الله عليه وسلم على الأسباب اعتماد طاعة لله فقط ، أما هو فموقن بنصر الله له .
الأستاذ بلال :
بارك الله بكم ، في المحور الأخير في هذا اللقاء الطيب أريد أن نحاول أن نجعل هذه الشجاعة واقعاً ، وأبدأ من أمر ربما لا ينتبه إليه كثيرون وهو الشجاعة مع النفس في مجاهدة النفس ، هل من الشجاعة أن يجاهد الإنسان نفسه قبل كل شيء ؟

 

اعتماد القدوة قبل الدعوة :

الدكتور راتب :
أنا الذي أراه لن تستطيع أن تقنع إنساناً إن لم تكن أنت القدوة

فأنا أرى أن القدوة قبل الدعوة ، بيت الداعية جزء من دعوته ، تربية أولاده جزء من دعوته ، اختيار حرفته جزء من دعوته ، كسب ماله جزء من دعوته ، الناس يتعلمون بعيونهم لا بأذانهم ، حينما يرون الداعية له عمل مستقيم ، ودخله حلال ، وتربيته لأولاده جيدة ، رأوا الجانب الآخر ، الجانب الذي قد يخفى عن معظم الناس ، أعبر عن هذا أن بيت الداعية جزء من دعوته ، وهذا ينطبق على الدعاة الصادقين .
الأستاذ بلال :
لو فهم إنسان الشجاعة فقط في مواجهة الأعداء ، وأمضى عمره لم يواجه الأعداء، نقول له : قبل ذلك كن شجاعاً مع نفسك ، أو جاهد نفسك وهواك قبل أن تبدأ بمفهوم الشجاعة العام .

 

مجاهدة النفس و الهوى :

الدكتور راتب :
دخل أبو حنيفة رحمه الله تعالى على المنصور ، قال له : يا أبا حنيفة لو تغشيتنا؟ فقال : ولمَ أتغشاكم وليس عندكم شيء أخافكم عليه ؟ وهل يتغشاكم إلا من خافكم على شيء ؟ إنك إن أكرمتني فتنتني ، وإن أبعدتني أزريت بي . هذه شجاعة ، تكلم كلاماً فصلاً ، لذلك قالوا : نعم الحاكم في باب العالم ، لكن بئس العالم في باب الحاكم ، أخذ موقفاً .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم الله عز وجل يقول في كتابه الكريم :

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة آل عمران: 139 ]

أي المجتمع الإسلامي اليوم مجتمع ضعيف مع الأسف الشديد ، المحن تتوالى على هذه الأمة فحبذا كلمة نشد بها أزرنا ونتشجع لنمضي إلى الأمام .

 

بطولة الإنسان أن يقبل من الله ما يسوقه له من معالجات تنتهي بالتفوق :

الدكتور راتب :
والله الذي لا إله إلا هو أنا أرى أنه من المستحيل وألف ألف مستحيل أن يتخلى الله عن عباده المؤمنين ، وهذا جزء من إيماننا ، وربنا عز وجل لعله يعالج هؤلاء المؤمنين أحياناً ، لكن لا ينساهم هم في رحمة الله ، وفي عنايته ، أنت حينما تؤمن أن الله عز وجل يقدم لك بعض المعالجات طبعاً لو أن مريضاً زار طبيباً ومعه ورم خبيث منتشر قال له : ماذا آكل؟ قال له : كُل ما شئت ، زاره مريض آخر معه التهاب بالمعدة حاد أخضعه لحمية قاسية ، أيهما أولى أن يخضع الإنسان لحمية قاسية والأمل بالشفاء كبير جداً أم يقال له كُل ما شئت وتأتي الآية الكريمة :

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾

[ سورة الأنعام: 44]

فالبطولة أن تقبل من الله ما يسوقه لك من معالجات تنتهي بالتفوق لا أن تحسد إنساناً ميؤوساً من صلاحه وجاءته الدنيا كما يتمنى .
الأستاذ بلال :
إذاً هل يكفي أمام هذا الواقع أن نصبر ؟

 

التوحيد لا يلغي المسؤولية و المحاسبة :

الدكتور راتب :
نأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، الحقيقة لا بد من حركة التوحيد لا يلغي المسؤولية ، التوحيد لا يلغي المحاسبة ، التوحيد لا يلغي الأخذ بالأسباب ، أنا مؤمن ، المنهج مطبق بشكل حكيم ، نحن نؤمن بالتوحيد ، الله يمتحننا ، الحقيقة العالم كله ضد الإسلام ، هذا امتحان لكن المؤمن لا ييئس من رحمة الله ، اليأس يتناقض مع الإيمان ، دائماً وأبداً الأمل بالها كبير ، إذا رجع العبد إلى الله رجعة راقية أكرمه الله . 

خاتمة و توديع :

الأستاذ بلال :
نسأل الله ذلك ، ونسأل الله أن يرينا فرجه ونصره ، ونكون دائماً في شجاعة في قول الحق ، وفي العمل به إن شاء الله .
ونشكر لكم هذه اللفتات في هذا اللقاء الطيب . وأنتم أخوتي المشاهدين لم يبق لي في ختام هذه الحلقة الطيبة المباركة من برنامجكم درر إلا أن أشكر لكم حسن متابعتكم راجياً الله لكم دوام الصحة والعافية ، وحتى نلتقيكم في لقاء آخر أستودع الله دينكم وأمانتكم وخواتم أعمالكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور