وضع داكن
19-04-2024
Logo
عطر السنة - الندوة : 17 - حسن الخلق 1 – الإيمان هو الخلق .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
أعزائي المشاهدين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أرحب بكم أجمل ترحيب إلى حلقة جديدة من برنامج : "عطر السنة" ،نستنشق فيه عبير النبوة الفواح من فم أستاذنا الكريم الدكتور محمد راتب النابلسي

أعزائي المشاهدين سنتحدث اليوم عن حسن الخلق ، هذا المبدأ العظيم من مبادئ ديننا ، بل هذا البستان الوارف كثير الخير نستنشق عطره البديع من حديث النبي صلى الله عليه وسلم .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ونفع بكم .
المذيع:
أستاذنا يقول النبي صلى الله عليه وسلم :

(( إن أدناكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً ))

[أحمد عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ]

(( إِنَّ المؤمنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ القَائِمِ ))

[أبو داود عن عائشة]

نريد أن نعيش في ظلال حسن الخلق معكم .

 

علاقة الناس مع المؤمن علاقة أخلاقية :

الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
الحقيقة الإنسان عندما يعطي ابنه شيئاً ، أي شيء ، لا يعقل أن يقيم له حفل تكريم لهذا الشيء ، أما حينما ينال درجة أولى في الامتحان فيقيم له حفلة .
المذيع:
لأنها من كسبه وجهده .
الدكتور راتب :
النبي صلى الله عليه وسلم يتمتع بمئات الخصائص التي يتميز بها ، إلا أن الله عز وجل حينما أثنى عليه أثنى على خلقه :

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة القلم: 4 ]

فالشيء الذي من ذات الإنسان يمكن أن يقيّم من خلاله ، أما معك جهاز بالغ التعقيد وبالغ الأداء فأنت لا يمكن أن تمدح بهذا الجهاز ، ليس من صنعك ، ولا من اختيار شخصيتك ، فالبطولة أن أعرف الخصائص التي أتمتع بها أنا ، هذه إذا تفوقت بها ألقى من الله التكريم ، قال تعالى :

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة القلم: 4 ]

وعلى تفيد العلو ، أحياناً الإنسان يدخل في صراع مع نفسه ، قد يُغلب وقد يَغلب، أما على فتفيد العلو بمكان أعلى بكثير من أن تزل القدم ، تماماً كما لو أن إنساناً جالساً على الساحل قد تأتي موجة عاتية تأخذه إلى البحر ، أما إذا كان على قمة جبل فالقضية مستحيلة ، أن يتأثر بموجة من موجات البحر هذا مستحيل ، العلو علو أخلاقي ، علو قيمي لهذا النبي الكريم :

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة القلم: 4 ]

ولذلك ابن قيم الجوزية قال : الإيمان هو الخلق ، فمن زاد عليك في الخلق ، زاد عليك بالإيمان .
بالنهاية علاقة الناس مع المؤمن علاقة أخلاقية ، هم يتعاملون معه بالأخذ والعطاء ، فإذا وجدوا منه خلقاً عظيماً اقتنعوا بعظمة هذا الدين .
المذيع:
أستاذنا لكم في هذا حديث شيق حول العبادة التعاملية والشعائرية .

 

ارتباط العبادة الشعائرية بالعبادة التعاملية :

الدكتور راتب :
نعم الإنسان علة وجوده في الدنيا العبادة ، والدليل القطعي :

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات: 56 ]

هذه العبادة نوعان ؛ عبادات شعائرية ، وعبادة تعاملية ، الشعائرية كالصلاة والصوم والحج والزكاة ، ولكن القضية الخطيرة والحاسمة في هذا الموضوع أن العبادة الشعائرية لا تقطف ثمارها ، ولا تأخذ نتائجها ، ولا ترقى بها إلا إذا صحت العبادة التعاملية .

(( ركعتان من ورع خيرٌ من ألف ركعة من مخلط))

[ الجامع الصغير عن أنس]

أي خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً .

((من لم يكن له ورعٌ يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بسائر عمله شيئاً))

[ مسند الشهاب عن أنس] 

(( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))

 

[ سنن ابن ماجه عن ثوبان ]

انتهت الصلاة ، الصيام :

(( مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ))

[البخاري وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة ]

الحج :

(( من حج بمال حرام فقال : لبيك اللهم لبيك ، قال الله له : لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك ))

[الأصبهاني في الترغيب عن أسلم مولى عمر بن الخطاب ]

الزكاة :

﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة: 53 ]

بقي الشهادة :

((من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة ، قيل : وما حقها ؟ قال : أن تحجبه عن محارم الله))

[ الترغيب والترهيب عن زيد بن أرقم بسند فيه مقال كبير ]

هذه العبادات الشعائرية لا يمكن أن تقطف ثمارها بل ولا تصح ولا تقبل إلا إذا صحت العبادة التعاملية ، التعاملية تفصيلية من العلاقات الأسرية وتنتهي بالعلاقات الدولية .
المذيع:
أستاذنا أحياناً تكون الأخلاق مسألة سهلة ، وأحياناً الأخلاق مسألة صعبة جداً ، هذا الصراع النفسي بين الصدق أنك إذا صدقت ستدان ، وربما سيؤخذ مالك ، فأحياناً في عالمنا اليوم يكون هناك صراع ما بين المبادئ والمصالح .

 

من آثر طاعة الله على مصلحة نفسه أخضعه الله للعناية الإلهية :

الدكتور راتب :
أنا أرى ذلك كما يلي : في كل بلد ، في كل مكان ، في كل تجمع ، في كل مؤسسة ، في كل وزارة ، عدد ما شئت هناك 

قواعد أو مقولات مستنبطة من حركة الحياة

أي بلد فيه انحراف إداري كبير جداً ، الرشوة لا بد منها ، ولا أصف أي بلد معين ، فهذه مقولة تناقض شريعة الله عز وجل ، فيأتي المؤمن يوازن بين أن يمارس هذه المقولة في مجتمع معين وبين أن يخسر صلته بالله ، فيؤثر طاعة الله عز وجل فيطيعه ولا يعبأ بمصلحته ، بل يركلها بقدمه ، الآن الله عز وجل مكافأة له يخضعه لقانون آخر قانون العناية الإلهية فلذلك :

(( ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))

[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]

صدق ولا أبالغ أنا أقول : زوال الكون أهون على الله من أن تدع شيئاً محبباً إليك خوفاً من الله عز وجل ولا تكافأ بأضعاف :

(( ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))

[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]

لكن بحسب الرؤية الأولية ضحيت بمصلحتي خوفاً من ربي ، ضحيت بمصلحتي رجاء أن يقبلني الله عنده ، فأنت بهذه الطريقة جمعت بين الدنيا والآخرة :

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾

[ سورة الرحمن: 46]

أنا أقول : زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، في أي عصر ، في أي مصر ، في أي زمان ، في أي مكان ، في أي بيئة ، في أي تجمع ، في أي ظرف ، ما دمت مع الله فالله عز وجل يكافئك .
المذيع:
أستاذنا هناك أخلاق جعلها الله سجية في بعض الناس كالكرم والشجاعة والوفاء وغيرها ، وهناك أخلاق يتصنعها بعض الناس ، ليس كل إنسان خلق كريماً أو شجاعاً إلى غير ذلك ، هل هناك فرق في الأجر ؟

 

الفطرة و الصبغة :

الدكتور راتب :
الجواب :

(( وإنما بعثت معلماً ))

[أخرجه الحارث عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]

(( إنما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ حُسْنَ الأخلاقِ ))

[أخرجه مالك عن بلاغ مالك ]

فأي إنسان على الإطلاق فطر فطرة سليمة ، فطرة تعني أنه يحب الخير ، يحب العدل ، أن تحب الشيء لا يعني أنك تتملكه ، فكل إنسان كائناً من كان يحب العدل والإنصاف والرحمة ، لكن هذه المحبة لعلها حافز تحفزه إلى أن يكون رحيماً ، هذه الفطرة ، الفطرة متوافقة مع الشريعة مئة بالمئة إلا أن الصبغة شيء آخر ، الصبغة التحلي بالكمال ، الفطرة تحب الرحمة ، الصبغة أنت رحيم ، قال تعالى :

﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً ﴾

[ سورة البقرة : 138]

ففي البداية هناك فطرة ، الفطرة الإنسان صفحة بيضاء لكنه يحب الخير ، يحب العدل ، يحب الإنصاف ، وقد لا يكون منصفاً ، أن تحب الشيء لا يعني أنك تطبقه ، هذه الفطرة ، الدين الإسلامي دين الفطرة ، متطابق تطابقاً تاماً مع فطرة الإنسان ، فأي شيء أمرك الله به فطرتك تحبه ، وأي شيء نهاك الله عنه فطرتك تكرهه .
المذيع:
ولذلك حسن الخلق يعتبر ركيزة في الفطرة .

 

تناقض الطبع مع التكليف :

الدكتور راتب :
إلا أن الطبع شيء آخر :

(( يطبع المؤمن على الخلال كلها ... ))

[أحمد عن أبي أمامة الباهلي ]

هناك إنسان طبعه اعتزال الناس ، و آخر طبعه أن يكون مع الناس ، وثالث طبعه كلي ، ورابع طبعه جزئي ، لذلك :

(( يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب ))

[أحمد عن أبي أمامة الباهلي ]

فمن خان أو كذب فقد إيمانه ، هذه الطبع يتناقض مع التكليف .
هناك شيء آخر : التكليف يتناقض مع الفطرة ، الطبع يأمرك أن تملأ عينيك من محاسن المرأة الأجنبية ، ولكن التكليف يأمرك أن تغض البصر ، الطبع يقتضي أن تأخذ المال، التكليف ينبغي أن تنفق المال ، الطبع يقتضي أن تخوض في فضائح الناس ، التكليف يأمرك أن تمسك لسانك ، فلذلك تناقض الطبع مع المنهج هو ثمن الجنة . وتوافق الفطرة مع المنهج هو ما سمي به الإسلام العظيم دين الفطرة .

 

خاتمة و توديع :

المذيع:
أستاذنا الكريم جزاك الله خيراً ، الحقيقة الوقت يمر سريعاً ، ولكن لا يبقى من الوقت إلا أن أشكرك جزيل الشكر على هذا العمق ، بارك الله بك ، وأنتم أعزائي المشاهدين أشكركم على حسن المتابعة ، ألقاكم في حلقة مقبلة إن شاء الله ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور