- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠06برنامج عطر السنة - قناة إقرأ
مقدمة :
المذيع:
أعزائي المشاهدين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أرحب بكم أجمل ترحيب إلى حلقة جديدة من برنامج : "عطر السنة" ،نستنشق فيه عبير النبوة الفواح من فم أستاذنا الكريم الدكتور محمد راتب النابلسي
أعزائي المشاهدين سنتحدث اليوم عن حسن الخلق ، هذا المبدأ العظيم من مبادئ ديننا ، بل هذا البستان الوارف كثير الخير نستنشق عطره البديع من حديث النبي صلى الله عليه وسلم .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ونفع بكم .
المذيع:
أستاذنا يقول النبي صلى الله عليه وسلم :
(( إن أدناكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً ))
(( إِنَّ المؤمنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ القَائِمِ ))
نريد أن نعيش في ظلال حسن الخلق معكم .
علاقة الناس مع المؤمن علاقة أخلاقية :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
الحقيقة الإنسان عندما يعطي ابنه شيئاً ، أي شيء ، لا يعقل أن يقيم له حفل تكريم لهذا الشيء ، أما حينما ينال درجة أولى في الامتحان فيقيم له حفلة .
المذيع:
لأنها من كسبه وجهده .
الدكتور راتب :
النبي صلى الله عليه وسلم يتمتع بمئات الخصائص التي يتميز بها ، إلا أن الله عز وجل حينما أثنى عليه أثنى على خلقه :
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
فالشيء الذي من ذات الإنسان يمكن أن يقيّم من خلاله ، أما معك جهاز بالغ التعقيد وبالغ الأداء فأنت لا يمكن أن تمدح بهذا الجهاز ، ليس من صنعك ، ولا من اختيار شخصيتك ، فالبطولة أن أعرف الخصائص التي أتمتع بها أنا ، هذه إذا تفوقت بها ألقى من الله التكريم ، قال تعالى :
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
وعلى تفيد العلو ، أحياناً الإنسان يدخل في صراع مع نفسه ، قد يُغلب وقد يَغلب، أما على فتفيد العلو بمكان أعلى بكثير من أن تزل القدم ، تماماً كما لو أن إنساناً جالساً على الساحل قد تأتي موجة عاتية تأخذه إلى البحر ، أما إذا كان على قمة جبل فالقضية مستحيلة ، أن يتأثر بموجة من موجات البحر هذا مستحيل ، العلو علو أخلاقي ، علو قيمي لهذا النبي الكريم :
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
ولذلك ابن قيم الجوزية قال : الإيمان هو الخلق ، فمن زاد عليك في الخلق ، زاد عليك بالإيمان .
بالنهاية علاقة الناس مع المؤمن علاقة أخلاقية ، هم يتعاملون معه بالأخذ والعطاء ، فإذا وجدوا منه خلقاً عظيماً اقتنعوا بعظمة هذا الدين .
المذيع:
أستاذنا لكم في هذا حديث شيق حول العبادة التعاملية والشعائرية .
ارتباط العبادة الشعائرية بالعبادة التعاملية :
الدكتور راتب :
نعم الإنسان علة وجوده في الدنيا العبادة ، والدليل القطعي :
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
هذه العبادة نوعان ؛ عبادات شعائرية ، وعبادة تعاملية ، الشعائرية كالصلاة والصوم والحج والزكاة ، ولكن القضية الخطيرة والحاسمة في هذا الموضوع أن العبادة الشعائرية لا تقطف ثمارها ، ولا تأخذ نتائجها ، ولا ترقى بها إلا إذا صحت العبادة التعاملية .
(( ركعتان من ورع خيرٌ من ألف ركعة من مخلط))
أي خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً .
((من لم يكن له ورعٌ يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بسائر عمله شيئاً))
(( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))
انتهت الصلاة ، الصيام :
(( مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ))
الحج :
(( من حج بمال حرام فقال : لبيك اللهم لبيك ، قال الله له : لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك ))
الزكاة :
﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾
بقي الشهادة :
((من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة ، قيل : وما حقها ؟ قال : أن تحجبه عن محارم الله))
هذه العبادات الشعائرية لا يمكن أن تقطف ثمارها بل ولا تصح ولا تقبل إلا إذا صحت العبادة التعاملية ، التعاملية تفصيلية من العلاقات الأسرية وتنتهي بالعلاقات الدولية .
المذيع:
أستاذنا أحياناً تكون الأخلاق مسألة سهلة ، وأحياناً الأخلاق مسألة صعبة جداً ، هذا الصراع النفسي بين الصدق أنك إذا صدقت ستدان ، وربما سيؤخذ مالك ، فأحياناً في عالمنا اليوم يكون هناك صراع ما بين المبادئ والمصالح .
من آثر طاعة الله على مصلحة نفسه أخضعه الله للعناية الإلهية :
الدكتور راتب :
أنا أرى ذلك كما يلي : في كل بلد ، في كل مكان ، في كل تجمع ، في كل مؤسسة ، في كل وزارة ، عدد ما شئت هناك
قواعد أو مقولات مستنبطة من حركة الحياة
أي بلد فيه انحراف إداري كبير جداً ، الرشوة لا بد منها ، ولا أصف أي بلد معين ، فهذه مقولة تناقض شريعة الله عز وجل ، فيأتي المؤمن يوازن بين أن يمارس هذه المقولة في مجتمع معين وبين أن يخسر صلته بالله ، فيؤثر طاعة الله عز وجل فيطيعه ولا يعبأ بمصلحته ، بل يركلها بقدمه ، الآن الله عز وجل مكافأة له يخضعه لقانون آخر قانون العناية الإلهية فلذلك :
(( ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))
صدق ولا أبالغ أنا أقول : زوال الكون أهون على الله من أن تدع شيئاً محبباً إليك خوفاً من الله عز وجل ولا تكافأ بأضعاف :
(( ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))
لكن بحسب الرؤية الأولية ضحيت بمصلحتي خوفاً من ربي ، ضحيت بمصلحتي رجاء أن يقبلني الله عنده ، فأنت بهذه الطريقة جمعت بين الدنيا والآخرة :
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
أنا أقول : زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، في أي عصر ، في أي مصر ، في أي زمان ، في أي مكان ، في أي بيئة ، في أي تجمع ، في أي ظرف ، ما دمت مع الله فالله عز وجل يكافئك .
المذيع:
أستاذنا هناك أخلاق جعلها الله سجية في بعض الناس كالكرم والشجاعة والوفاء وغيرها ، وهناك أخلاق يتصنعها بعض الناس ، ليس كل إنسان خلق كريماً أو شجاعاً إلى غير ذلك ، هل هناك فرق في الأجر ؟
الفطرة و الصبغة :
الدكتور راتب :
الجواب :
(( وإنما بعثت معلماً ))
(( إنما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ حُسْنَ الأخلاقِ ))
فأي إنسان على الإطلاق فطر فطرة سليمة ، فطرة تعني أنه يحب الخير ، يحب العدل ، أن تحب الشيء لا يعني أنك تتملكه ، فكل إنسان كائناً من كان يحب العدل والإنصاف والرحمة ، لكن هذه المحبة لعلها حافز تحفزه إلى أن يكون رحيماً ، هذه الفطرة ، الفطرة متوافقة مع الشريعة مئة بالمئة إلا أن الصبغة شيء آخر ، الصبغة التحلي بالكمال ، الفطرة تحب الرحمة ، الصبغة أنت رحيم ، قال تعالى :
﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً ﴾
ففي البداية هناك فطرة ، الفطرة الإنسان صفحة بيضاء لكنه يحب الخير ، يحب العدل ، يحب الإنصاف ، وقد لا يكون منصفاً ، أن تحب الشيء لا يعني أنك تطبقه ، هذه الفطرة ، الدين الإسلامي دين الفطرة ، متطابق تطابقاً تاماً مع فطرة الإنسان ، فأي شيء أمرك الله به فطرتك تحبه ، وأي شيء نهاك الله عنه فطرتك تكرهه .
المذيع:
ولذلك حسن الخلق يعتبر ركيزة في الفطرة .
تناقض الطبع مع التكليف :
الدكتور راتب :
إلا أن الطبع شيء آخر :
(( يطبع المؤمن على الخلال كلها ... ))
هناك إنسان طبعه اعتزال الناس ، و آخر طبعه أن يكون مع الناس ، وثالث طبعه كلي ، ورابع طبعه جزئي ، لذلك :
(( يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب ))
فمن خان أو كذب فقد إيمانه ، هذه الطبع يتناقض مع التكليف .
هناك شيء آخر : التكليف يتناقض مع الفطرة ، الطبع يأمرك أن تملأ عينيك من محاسن المرأة الأجنبية ، ولكن التكليف يأمرك أن تغض البصر ، الطبع يقتضي أن تأخذ المال، التكليف ينبغي أن تنفق المال ، الطبع يقتضي أن تخوض في فضائح الناس ، التكليف يأمرك أن تمسك لسانك ، فلذلك تناقض الطبع مع المنهج هو ثمن الجنة . وتوافق الفطرة مع المنهج هو ما سمي به الإسلام العظيم دين الفطرة .
خاتمة و توديع :
المذيع:
أستاذنا الكريم جزاك الله خيراً ، الحقيقة الوقت يمر سريعاً ، ولكن لا يبقى من الوقت إلا أن أشكرك جزيل الشكر على هذا العمق ، بارك الله بك ، وأنتم أعزائي المشاهدين أشكركم على حسن المتابعة ، ألقاكم في حلقة مقبلة إن شاء الله ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .