وضع داكن
18-04-2024
Logo
عطر السنة - الندوة : 01 - الاستقامة 1 - الاستقامة تورث السعادة .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
أعزائي المشاهدين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أرحب بكم أجمل ترحيب في حلقة جديدة من برنامجكم : " عطر السنة " ، الذي نستتشق فيه عبير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وكمالاتها من بستان نبوة العطر ، وأزهاره الكثيرة المتناثرة الخير من فم أستاذنا الكريم الدكتور محمد راتب النابلسي ، مرحباً بكم أستاذنا .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم .
المذيع:
أعزائي المشاهدين حديثنا اليوم حول عبير كريم لا يكاد يخفى هذا العبير عن مسلم أبداً ؛ ألا وهو الاستقامة ، السمة الكريمة من صفات المسلمين ، يقول عليه الصلاة والسلام لما جاءه أحد الصحابة يسأله :

((يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسألُ عنه أحداً بعدك ؟ قال : قل : آمَنْتُ بالله ، ثم استقم ))

[مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي ]

حياكم الله أستاذنا .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم .
المذيع:
الاستقامة شعار الدين ، وقد لخصها النبي صلى الله عليه وسلم وصية لأحد أصحابه في هذا الحديث المبارك ، ما هي الاستقامة ؟

 

الاستقامة والدّين :

الدكتور راتب :
لو أنك سألتني سؤالاً آخر : هل يمكن أن تضغط التجارة كلها في كلمة واحدة ؟ أقول : ممكن ، على اختلاف مستويات التجارة ، وقد تبدو مليون مستوى ، وعلى اختلاف أنواع التجارة ، وقد تبلغ مئات الملايين ، لكن كل هذه النشاطات التجارية يمكن أن تضغط بكلمة واحدة إنها الربح ، فإن لم تربح فلست تاجراً ، وكذلك الدين بفروعه ، بعقائده ، بعباداته ، بمعاملاته ، بفضائله ، بتاريخه ، بفقهه ، كل فروع الدين ؛ هذا الدين العظيم دين الله ممكن أن يضغط بكلمة واحدة إنها الاستقامة ، فإن لم تستقم لن تقطف من ثمار الدين شيئاً ، فالدين من دون استقامة يكاد يصل إلى فولكلور إسلامي ، أو إلى خلفية إسلامية ، أو أرضية إسلامية ، أو توجهات إسلامية ، أو مشاعر إسلامية ، أو أقواس إسلامية ، أو بطاقة معادية إسلامية ، الدين شيء والفولكلور والأشياء الإسلامية شيء آخر .
المذيع:
كنت أستاذنا مرة ميزت ما بين الفطرة والصبغة ولعل المنهج ، هل هناك خطوط اتصال بينها ؟

 

الفرق بين الفطرة و الصّبغة :

الدكتور راتب :
الشيء الذي يلفت النظر قوله تعالى :

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ ﴾

[ سورة الروم: 30]

فالذي أمرت به والذي نهيت عنه أنت مبرمج من قبل الله على محبة ما أمرت به وبغض ما نهيت عنه ، فطرة الإنسان حينما يستقيم على أمر الله ، أو حينما يصطلح مع الله ، أو حينما يخضع لمنهج الله ، يصطلح مع فطرته ، لذلك هذا تفسير علمي بالسعادة التي تغمر قلب المؤمن حينما يستقيم ، لأنه هكذا برمج ، هكذا فطر ، من هنا يقال : الإسلام دين الفطرة ، فالذي أمرت به أنت مبرمج على محبته . الدليل :

﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ﴾

[ سورة الحجرات : 7]

المذيع:
هذا الاعداد الفطري ، لماذا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ميز ما بين الإيمان ثم جعل الاستقامة وراء الإيمان ؟

 

العلاقة بين الإيمان و الاستقامة :

الدكتور راتب :
لأن هذا منهج إلهي ، هذا المنهج العظيم لا تستطيع أن تقبل عليه ، وأن تتصل به ، إلا إذا كان هناك شروط ، أحد هذه الشروط الاستقامة على أمره ، أما الإنسان حينما يعصي الله عز وجل أنشأ باختياره حجاباً بينه وبين الله ، بقدر المعصية وبعدها ، أو بقدر درجتها .
المذيع:
مقترنان ، الإيمان والاستقامة لا ينفكان .
الدكتور راتب :
الإيمان من دون استقامة قناعات ، وأي إنسان عنده قناعات لا تقدم ولا تؤخر ، ماذا تعني قناعة إنسان بفضل الدواء إذا لم يستخدمه ؟ يذهب مريض إلى طبيب يكتب له وصفة لو قرأها قراءة رائعة فصيحة ، لو فهمها ، لو وضعها بإطار ، لو تحدث عنها ، لو مدحها ، ما لم يتناول الدواء لا يشفى ، لا قيمة لها ، فكل النشاطات التي تبتعد عن الاستقامة هذه لا تقدم ولا تؤخر ، لذلك حينما يقول النبي الكريم وهو الصادق المصدوق :

(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس]

فإذا كان المسلمون يزيدون عن مليار وسبعمئة مليون وليست كلمتهم هي العليا، وليس أمرهم بيدهم ، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل ، أين الخلل ؟ هذا الدين له منهج ما لم يطبق لن نقطف منه شيئاً ، هذه الحقيقة المرة التي أنا أراها أفضل ألف مرة من الوهم المريح .
المذيع:
إذا أردنا للفائدة أن نضع أيدينا على تعريف الاستقامة ، ما هي الاستقامة ؟

 

تعريف الاستقامة :

الدكتور راتب :
بتعريف عصري أنت أيها الإنسان أعقد آلة في الكون ، والتعقيد تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز ، ولهذه الآلة بالغة التعقيد صانع عظيم ، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة ، ولأن الصانع وحده صاحب الخبرة ، ولأن الصانع وحده ينبغي أن تتبع تعليماته ، لذلك حينما ينصاع الإنسان إلى طاعة ربه يكون قد حقق فطرته ، وحقق علة وجوده في الدنيا ، لذلك الاستقامة مرتبطة بأحقية هذا الدين ، مرتبطة بنتائجه ، مرتبطة بثماره ، مرتبطة بأحوال المؤمن التي وصفت في القرآن الكريم .
المذيع:
ولذلك قال تعالى :

﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾

[ سورة الأنعام: 153 ]

الدكتور راتب :
هذه الآية لها ملمح آخر ، الملمح الآخر أنه بين نقطيتين لا يمر إلا مستقيم واحد ، ولو حاولت أن ترسم مليون مستقيم تأتي كلها فوق بعضها البعض ، لذلك الحق لا يتعدد ، هذا أيضاً قانون ، لأن الله عز وجل إذا كان عليك فمن معك ؟ وإذا كان معك فمن عليك ؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ الحرب بين حقين لا تكون ، لأن الحق لا يتعدد، و الحرب بين حق وباطل لا تطول لأن الله مع الحق، والحرب بين باطلين لا تنتهي ، أنت لا تستطيع أن ترسم بين نقطتين إلا خطاً مستقيماً واحداً ، لا يتعدد ، لكن بالإمكان أن ترسم مليون خط منكسر ، أما الاستقامة فواحدة ، فذلك الاستقامة حدية ، إذا قلنا : هذا المستودع محكم ، ما معنى محكم ؟ المحكم حدّي لو ملأته مادة معينة ، وأغلقته ، وغبت عنه مئة عام لا تنقص هذه المادة ، هذا هو الإحكام ، و لا يوجد للإحكام درجات ؛ إما محكم أو غير محكم ، أما غير المحكم فدرجات ، قد يكون فيه ثقب يفرغه بسنة ، أو بأسبوع ، أو بيوم ، إذا لم يكن له قعر يفرغ بثانية ، الإحكام حدي أما عدم الإحكام فنسبي .

 

المذيع:
الاستقامة هل لها ثمرات تقطف في الحياة الدنيا على مستوى الأفراد والجماعات ؟

ثمرات الاستقامة :

الدكتور راتب :

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾

[ سورة الجن: 16-17 ]

هذا الدين بالمناسبة دين فردي جماعي في آن واحد ، لو طبقه فرد وحده قطف كل ثماره فردياً ، لو طبقته الأمة قطفت كل ثماره جماعياً ، الأمة إن طبقت هذا الدين تنتصر أما الفرد إن طبقه فيسعد في بيته ، لذلك يمكن أن يقيم الإنسان الإسلام في نفسه أولاً ، وفي بيته ثانياً ، وفي عمله ثالثاً ، وعندئذ يقطف كل ثماره ، أما إذا طبقته الأمة فتنتصر ، تقطف الثمار الكبيرة ، هذا المنهج يبدأ من أخصّ خصوصيات الإنسان من علاقاته الأسرية وينتهي بالعلاقات الدولية .

 

خاتمة و توديع :

الدكتور راتب :
أكرمك الله ؛ أرجو الله أن ينفع بعلمكم ، لم يبق من وقت في هذه الحلقة إلا أن أشكركم على هذه النفحات العطرة ، وأنتم أعزائي المشاهدين أيضاً أشكركم شكراً عميقاً على هذه المتابعة ، ألقاكم في حلقة مقبلة إن شاء الله ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور