وضع داكن
29-03-2024
Logo
مختلفة - الأردن - المحاضرة : 22 - إني مهاجر إلى ربي .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

الإنسان هو المخلوق الأول رتبة :

 أيتها الأخوات الفضليات ؛ أيها الأخوة الأكارم ؛ من عرف نفسه عرف ربه ، ينبغي أن نعلم يقيناً أن الإنسان هو المخلوق الأول عند الله ، الأول رتبة لقوله تعالى :

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾

[ سورة الأحزاب: 72 ]

 الإنسان هو المخلوق الأول رتبة ، وهو عقل يدرك ، وقلب يحب ، وجسم يتحرك ، وغذاء العقل العلم ، وغذاء القلب الحب الذي يسمو به ، وغذاء الجسم الطعام والشراب ، فإذا لبى حاجات قلبه ، وعقله ، وجسمه ، تفوق ، وإذا اكتفى بواحدة تطرف ، والإنسان أي إنسان من السبعة مليارات والمئتي مليون - وهو عدد سكان الأرض الآن - حريص على سلامته وعلى سعادته وعلى استمراره ، سلامته صفات سلبية أي ما أصابه مرض ، ما أصابه فقر ، ما أصابه قهر ، هذه سلامته وسعادته معانيها إيجابية حينما اتصل بأصل الكمال ، بالمطلق، بالغني ، بالرحيم ، اشتق منه صفات سعد بها ، وأقبل على الله بها ، وأما الزمن فهو بعد الإنسان الرابع ، الأشياء لها طول وعرض وارتفاع فإذا تحركت لها بعد رابع هو الزمن ، ومن أدق تعريفات الإنسان للإمام الحسن البصري : الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه . لأنك أيها الإنسان زمن ، أو لأن رأس مالك هو الزمن ، أو لأن أثمن شيء تملكه هو الزمن ، أقسم الله لك بمطلق الزمن ، فقال تعالى :

﴿ وَالْعَصْرِ ﴾

[ سورة العصر: 1]

 واو القسم ، والمقسوم به العصر ، جواب القسم :

 

﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

[ سورة العصر: 2]

 خاسر لأن مضي الزمن يستهلكه فكيف يتلافى هذه الخسارة ؟ ورد في أدعية النبي الكريم : " لا بورك لي في طلوع شمس يومٍ لم أزدد فيه من الله علماً ، ولا بورك لي في طلوع شمس يومٍ لم أزدد فيه من الله قرباً " والمغبون من تساوى يوماه ، فلذلك ينبغي في كل يوم أن نزداد علماً ، وأن نزداد قرباً ، وكان عليه الصلاة والسلام إذا استيقظ يقول :

(( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي، وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي، وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ ))

[ الترمذي عن أبي هريرة ]

 أي الإنسان حينما يستيقظ معنى ذلك أن الله سمح له أن يعيش يوماً جديداً ، فإذا عافاه في بدنه - وهذه نعمة لا يعرفها إلا من فقدها - وأذن له بذكره ، فقد حقق الهدف من خلقه .

 

العبادة علة وجود الإنسان في الدنيا :

 أخواتنا الفضليات ؛ أخواتنا الكرام ؛ الحقيقة أن الله عز وجل حينما قال :

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء: 147]

 معنى ذلك هذا الكون لا نهاية له ، وقد تفاجؤون أن الأرض كوكب صغير في المجموعة الشمسية التي هي نقطة في درب التبابنة ، ودرب التبابنة مجرتنا ، وهذه المجرة مجرة متواضعة جداً من بين ألوف ملايين المجرات ، ومع ذلك قيل لهذا الإنسان :

أتحسب أنك جرم صغير  وفيك انطوى العالم الأكبر ؟
***

 الإنسان هو المخلوق الأول والمكلف أن يعبد الله ، علة وجودك في الدنيا عبادة الله، والدليل وبالمناسبة لا تقبل شيئاً في الدين من دون دليل ، ولا ترفض شيئاً من دون دليل ، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء ، لا بد من أن تطالب ، لأن هذا العلم دين فانظر عمن تأخذ دينك ، ابن عمر دينك دينك إنه لحمك ودمك ، خذ عن الذين استقاموا ، و لا تأخذ عن الذين مالوا .
 بالمناسبة الإنسان تشمل الذكر والأنثى وفي بعض التوجيهات النبوية :

(( طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ...))

[ ابن ماجه عن أنس بن مالك]

 قال شراح الحديث : على كل شخص مسلم ذكراً كان أو أنثى .
 يا أيتها الأخوات الفضليات ؛ لأنكم الكثرة الإنسان هو المخلوق الأول والمكرم والمكلف ، مكلف بالعبادة ، ومن أدق تعريفات العبادة : إنها طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية .
 أخواتنا الفضليات ؛ إنسان أرسله والده إلى باريس ليدرس الطب في السوربون ، هذه المدينة العملاقة الكبيرة المنوعة نقول : علة وجود هذا الشاب في هذه المدينة شيء واحد هو الدراسة ، وينبغي أن نعلم يقيناً أن علة وجودنا في الدنيا شيء واحد أن نعبد الله ، العبادة في أدق تعريفاتها طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية.

 

في العبادة جانب معرفي وجانب سلوكي وجانب جمالي :

 في هذا التعريف جانب معرفي ، وجانب سلوكي ، وجانب جمالي ، الجانب الحركي الاستقامة ، الخضوع لمنهج الله ، طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، قال شراح الحديث : ما عبد الله من أطاعه ولم يحبه ، كما أنه ما عبد الله من أحبه ولم يطعه ، طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية ، المعرفة اليقينية هي السبب ، والسعادة الأبدية هي الثمرة ، والموضوع الدقيق في التعريف الاستقامة ، وما لم نستقم على أمر الله لن نقطف من ثمار الدين شيئاً ، أي الدين من دون استقامة فولكلور ، عادات ، تقاليد ، تراث ، خلفية إسلامية ، أرضية إسلامية ، توجهات إسلامية ، مشاعر إسلامية ، أقواس إسلامية ، زخرفة إسلامية ، هذه كلها شيء ، والإسلام شيء ، والإسلام الحقيقي شيء آخر .

 

الدّين منهج تفصيلي و ليس إعجاباً سلبياً :

 أيها الأخوة الكرام ؛ هناك حقيقة مرة أنه ما من مسلم على وجه الأرض إلا ويعبر عن إعجابه بهذا الدين ، ديننا دين عظيم ، دين التوحيد ، دين الفطرة ، نبينا سيد الأنبياء والمرسلين ، خاتم الأنبياء ، كتابه خاتم الكتب ، بعثته خاتمة البعثات ، هذا كلام ولكن أن تخضع لمنهج الله التفصيلي وقد يصل لخمسمئة ألف بند ، يغطي كل حياتك ، وكل شؤونك ، وكل أطوارك ، وكل مناحي نشاطاتك ، هذا الدين منهج تفصيلي يبدأ من أخصّ خصوصيات الإنسان من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، لذلك أول نقطة دقيقة أؤكد عليها أن الدين ليس إعجاباً سلبياً - تمدح الدين - أب عالم كبير ولسبب أو لآخر لم يتعلم ولده إطلاقاً كان ابنه أمياً ، فإذا تحدث عن أبيه وقال : عالم كبير ، وعالم جليل ، ومن فلتات الزمان ، ووحيد عصره ، وشقيق زمانه ، كل هذا كلام لا يجعل هذا الابن عالماً ، امدح ما شئت ، الأب عالم كبير والابن جاهل ، فلذلك أنا أتمنى أن نستبدل الإعجاب بالطاعة ، أن نستبدل التضخيم بالسلوك ، لذلك مفارقة حادة وغريبة أن النبي الكريم وهو الصادق المصدوق ولا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى النبي الكريم يقول :

(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس]

 لن لنفي المستقبل :

(( ... اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

 لم يهزموا ، وإذا كان المسلمون مليار وسبعمئة مليون وليست كلمتهم هي العليا ، وليس أمرهم بيدهم ، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل ، بل إن حرباً عالمية ثالثة معلنة على المسلمين ، كانت فيما قبل تحت الطاولة ، واليوم فوق الطاولة جهاراً ونهاراً هكذا ، أي لما الانتخابات الحرة النزيهة فرزت إسلاميين في الجزائر ألغيت ، ولما الانتخابات الحرة النزيهة فرزت إسلاميين في فلسطين ألغيت ، ولما الانتخابات الحرة النزيهة فرزت إسلاماً في مصر ألغي الانتخاب ، ووضع الرئيس في السجن ، لذلك قال بعض كبار الشخصيات في أمريكا : بما أن العالم الغربي مهيمن على الشرق لن يسمح بقيام حكم إسلامي ، والذي نراه ونسمعه كل يوم يؤكد هذه الحقيقة ، فنحن في محنة كبيرة ، العالم كله لا يريدنا أن نعود لهذا الدين لأنه سبب قوتنا ، وسبب وحدتنا ، يريد أن تكون الفتن بيننا ، من هنا كان التآمر الغربي على المسلمين في أعلى درجة في العالم ، فالدين أولاً ليس إعجاباً سلبياً ، وليس تراثاً ، وعادات ، وتقاليد ، وفولكلور ، ليس كذلك لأن جميع الوعود الإلهية معطلة :

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 نحن لسنا مستخلفين :

﴿ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 وديننا ليس ممكناً بل يواجه حرباً عالمية ثالثة :

﴿ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾

[ سورة النور: 55 ]

نحن لسنا آمنين ، الخلل في العبادة :

﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 فإذا أخلّ الطرف الآخر بما كلفه الله به من عبادة فالله جل جلاله في حلّ من وعوده الثلاثة .

 

بطولة الإنسان أن ينتصر على نفسه :

 ما إن تستقر حقيقة الإيمان في قلب المؤمن حتى تعبر هذه الحقيقة عن ذاتها بحركة ، الحركة التزام ، الحركة تربية الأولاد ، الحركة حجاب النساء ، الحركة أن يقام الإسلام في نفسك ، وفي بيتك ، وفي عملك ، الحركة أن تسهم في نشر هذا الدين ، فلذلك هناك دعوة إلى الله ، هذه الدعوة تأخذ مناحي عديدة ، منها كما قال بعض الصحابة : " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر جهاد النفس والهوى " .
 البطولة أن تنتصر على نفسك ، يقول تشرشل زعيم كبير في بريطانيا : ملكنا العالم ولم نملك أنفسنا .
 أعظم ما في هذا الدين أن المؤمن يمكن أن يسيطر على ذاته ، ذاته هي الأمانة التي وكلنا الله بها :

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾

[ سورة الأحزاب : 72 ]

 فلما قبِل حمل الأمانة سخر له هذا الكون تسخير تعريف ، وتسخير تكريم ، موقف الإنسان من تسخير التعريف أن يؤمن ، ومن تسخير التكريم أن يشكر ، فإذا آمن وشكر حقق الهدف من وجوده .

 

الولاء و البراء :

 أخواننا الكرام ، نبتدئ بأن الموضوع الذي طلب مني الهجرة ، الله عز وجل قال:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾

[ سورة الأنفال: 72 ]

 لذلك العلماء استنبطوا أن هناك - إن صح التعبير - فريضة سادسة ، أركان الإسلام تعرفونها ، وأركان الإيمان تعرفونها ، هناك فريضة سادسة هي الولاء والبراء ، أن توالي المؤمنين ولو كانوا ضعافاً وفقراء ، وأن تتبرأ من الكفار والمشركين ولو كانوا أقوياء وأغنياء ، هذا الولاء والبراء سمة أساسية من سمات شخصية المسلم :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا ﴾

[ سورة الأنفال: 72 ]

 وأنا لا أنسى موقف هذا البلد الطيب من استقبال هؤلاء الذين خافوا على أنفسهم من القتل في بلاد مجاورة ، الاستقبال تشكرون عليه والله ، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يحفظ لكم بلادكم ، وأمنكم ، واستقرار هذه البلاد ، فهذه نعمة بالغة لا يعرفها إلا من فقدها .
إذاً :

﴿ أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾

[ سورة الأنفال: 72 ]

 هذا الولاء والبراء :

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ﴾

[ سورة الأنفال: 72]

 أي الإسلام حركة .

 

الإنسان كائن متحرك تحركه أشياء ثلاثة :

 يا أيها الإنسان أنت كائن متحرك ، ما الذي يحركك ؟ الحاجة إلى الطعام والشراب، تتحرك للبحث عن عمل تكسب به رزقك ، هذه الحاجة الأولى حفاظاً على بقاء الفرد ، وما الذي يحركك أيضاً ؟ الحاجة إلى الزواج ، هذه الحاجة مؤداها الحفاظ على بقاء النوع ، لولا الزواج لانقرض النوع البشري ، دون أن تشعر أودع فيك هذه الحاجة للزواج طبعاً ذكور وإناث من أجل بقاء النوع ، الطعام والشراب من أجل بقاء الفرد ، والزواج من أجل بقاء النوع ، وأودع فيك حاجة ثالثة تأكيد الذات ، التفوق ، أنت بحاجة أن تكون الأول باختصاصك ، في حرفتك ، في مهنتك ، في علمك ، أنت بحاجة إلى يشار إليك بالبنان ، فلان الأول ، الحاجة للتفوق من أجل بقاء الذكر ، وبالمناسبة الذين يطورون البلاد من جميع أنواع التطوير هم من هؤلاء النخبة ، الخمسة بالمئة ، ماذا فعل الغرب بنا ؟ سرق منا المتفوقين الذين يعول عليهم في التغيير ، النخبة القليلة لأن هناك عالم نفس اسمه بوس رسم خطاً بيانياً ، هذا ينطبق على كل شيء ، خمسة بالمئة تفوق ، خمسة بالمئة تخلف ، تسعون بالمئة وسط ، هؤلاء النخبة المعول عليهم في التغيير ، هؤلاء سرقوا إلى بلاد الغرب فلذلك أنا أذكر مثلاً خمسة آلاف طبيب من سوريا معهم بورد مقيمون في أمريكا ، لحم كتفهم من خيرات بلدهم ، فلما وصلوا إلى هناك ونالوا البورد رأوا الحياة فارهة والدخل فلكي فاستقروا ونسوا مهمتهم ، هذه مشكلة كبيرة جداً، لذلك الانتماء للأمة مهم ، الذي ينتمي إلى أمته مهم جداً ، أي هذا الطيار إذا قال له أحدهم : هذه الغرفة ضيقة جداً لما أنت فيها ؟ اجلس بين الركاب ؟ تحدث معهم ؟ سامرهم ؟ سقطت الطائرة ، أربعمئة راكب في عنق هذا الطيار ، إذا قلنا للمرأة : أنت قاعدة في البيت معنى هذا أنت متخلفة ، المرأة المتفوقة الأولى عند الله التي تربي أولادها :

(( أول من يمسك بحلق الجنة أنا، فإذا بامرأة تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي، قلت : من هذه يا جبريل ؟ قال : هي امرأة ربت أولادها ))

[ ورد في الأثر ]

 فأنا أهيب بأخواتنا الفضليات أن يعرفن خطر الدور الذي كلفوا به من قبل الله عز وجل ، امرأة اشتكت إلى النبي الكريم فسمع الله شكواها من فوق سبع سموات ، إن زوجي تزوجني وأنا شابة، ذات أهل ، ومال ، وجمال ، فلما كبرت سني ، ونثر بطني ، وتفرق أهلي ، وذهب مالي ، قال : أنتِ عليّ كظهر أمي ، ولي منه أولاد ، إن تركتهم إليه ضاعوا- أنا أربيهم- وإن ضممتهم إليّ جاعوا ، هو يعمل ويكسب رزقاً ليطعمهم ، وبكى النبي الكريم وسمع الله شكوى هذه المرأة من فوق سبع سموات ، وكان سيدنا عمر إذا رآها في الطريق نزل عن جواده أدباً معها .

 

مساواة المرأة للرجل في التّكليف و التّشريف و المسؤوليّة :

 فيا أيها الأخوة الكرام ؛ من مسلمات هذا الدين أن المرأة مساوية للرجل تماماً مساواة كاملة نوعاً ، ومساواة تامة عدداً في كل النواحي ، وهناك من يقول : الرجل مساو للمرأة ، تعظيماً لها في التكليف ، وفي التشريف ، وفي المسؤولية ، مكلفة كما هو مكلف ، مشرفة كما هو مشرف ، مسؤولة كما هو مسؤول ، ولكن إذا قال الله عز وجل :

﴿ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى ﴾

[ سورة آل عمران : 36 ]

 معنى ذلك أن خصائص الرجل الجسمية والفكرية والنفسية والاجتماعية كمال مطلق للمهمة التي أنيطت به ، وأن خصائص المرأة الجسمية والفكرية والنفسية والاجتماعية كمال مطلق للمهمة التي أنيطت بها ، بينهما تكامل ، وحينما توهمنا التشابه وقعنا في خطأ كبير ، لذلك:

(( لَعَنَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَلَعَنَ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ ))

[ابن ماجة عن ابن عبَّاس ]

إعلان الحرب على المسلمين جهاراً نهاراً :

 الآن الآية الدقيقة الدقيقة في هذه المناسبة :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ﴾

[ سورة الأنفال: 72 ]

 الآية التي بعدها :

﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾

[ سورة الأنفال: 73 ]

 أيضاً يتعاونون ، ويخططون ، ويسهرون ولا ينامون ، يخططون لإفقار المسلمين ولإضلالهم ، ولإفسادهم ، ولإبادتهم ، كما ترون روسيا أرسلت كلبة اسمها لايكا إلى الفضاء الخارجي بالخمسينات ، العالم الغربي قام ولم يقعد ، كيف تضحون بكلبة ؟ وأربعمئة إنسان مقتول من المسلمين بلا سبب ، وبلا ذنب ، وأربعمئة من المفقودين ، وأربعمئة من المعتقلين، وعشرة ملايين بلا بيوت ، والعالم الغربي كله ساكت ولا كلمة ، لأن الذين يموتون هم من السنة، والحرب واضحة جلية ، جهاراً نهاراً ، لذلك :

﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾

[ سورة الأنفال: 73 ]

 يتعاونون ، يخططوط ، يسهرون لإفقار المسلمين ، ولإضعافهم ، ولإذلالهم ، ولإبادتهم ، الشيء العجيب بهذه الآية الثانية :

﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ ﴾

[ سورة الأنفال: 73 ]

 الهاء على من تعود ؟ آية مستقلة :

﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾

[ سورة الأنفال: 73 ]

 الهاء تعود على الآية السابقة كلها :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾

[ سورة الأنفال: 72 ]

 ويا أيها المؤمنون إن لم تكونوا كذلك :

﴿ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾

[ سورة الأنفال: 73 ]

وهذا الذي يجري في العالم حرب عالمية ثالثة معلنة على المسلمين .

الأخذ بالأسباب و التوكل على الله :

 لذلك تعلمنا الهجرة ونحن في ذكرى الهجرة أن نأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم نتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، حينما انتقل النبي الكريم من مكة المكرمة إلى بيت المقدس ، انتقل بمعجزة أي بخلاف قوانين الأرض ، بثوان انتقل من مكة إلى بيت المقدس وعرج به إلى السماء إلى سدرة المنتهى وعاد وفراشه ساخن ، قد يقول قائل : لمَ لم ينتقل من مكة إلى المدينة كما انتقل إلى بيت المقدس بثانية ؟ بحادثة الإسراء والمعراج ؟

﴿ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ﴾

[ سورة الإسراء : 1]

 وبالهجرة ليرينا من آيات الله ، كيف أخذ بالأسباب ، اختار صديقاً حميماً سيدنا الصديق ، استأجر خبيراً في الطريق ليس مسلماً ، رجح الخبرة على الولاء ، وسار مساحلاً بعكس المدينة ، وذهب إلى غار ثور ، وأقام فيه أياماً ثلاثة ، حتى خفّ الطلب عليه ، القصة طويلة لكن أريد أن أقول لكم لقطة واحدة في الهجرة نحتاجها جميعاً : النبي عليه الصلاة والسلام حينما اكتشفت قريش أنه خرج من مكة وضعت مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ، سراقة طمع بمئة ناقة ، قال له النبي الكريم : كيف بك يا سراقة إن لبست سواري كسرى ؟ إنسان أُهدر دمه، مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ويقول : إنني سأصل سالماً ، وسأنشئ دولة ، وسأعد جيشاً، وسأحارب أكبر دولة في الشرق فارس ، وسأنتصر عليها، وسوف تأتيني غنائم كسرى إلى المدينة، ولك يا سراقة سوار كسرى وهذا حصل في عهد سيدنا عمر ، جاء بسراقة وألبسه بيده سواري كسرى ، وقال : بخ بخ أعيرابي من بني مدلج يلبس سواري كسرى !!
أخواننا الكرام ؛ زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، زوال الكون لذلك :

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 أخواننا الكرام ؛ الأخذ بالأسباب من الدين ، وترك الأخذ بالأسباب معصية ، والأخذ بالأسباب والاعتماد عليه شرك ، إذا اعتمدت على الأسباب ونسيت مسبب الأسباب أشركت ، وإن لم تأخذ بها فقد عصيت ، فالغرب أخذ بها ، واعتمد عليها ، وألهها ، ونسي الله ، وقع في الشرك ، والشرق المسلم لم يأخذ بها أصلاً فوقع في المعصية .
 أخواننا الكرام ؛ لكن الاستعانة بالمشرك الخبير جائز لأن النبي استأجر دليلاً في الطريق ليس مسلماً ، فيلسوف ومفكر كبير مصري سئل : ماذا نأخذ من الغرب وماذا ندع ؟ فقال : نأخذ ما في رؤوسهم وندع ما في نفوسهم . أما المصاب فأن نأخذ ما في نفوسهم من تفلت وإباحية ، وأن ندع ما في روؤسهم من علم .

 

العصر الإسلامي الأول عصر مبادئ لا عصر أشياء :

 أخواننا الكرام ؛ نحن في عصر الأشياء ، هذا الدين عصر المبادئ ، هناك عصر المبادئ ، وعصر الأشياء ، وعصر الأشخاص ، الآن قيمة المرء متاعه ، أثاث بيته ، ماركة سيارته ، هناك رقم جانب السيارة ، يوجد مئة وثمانون وهناك ستمئة ، مكانته يستمدها من متاعه، هذا عصر الأشياء ، قيمة المرء متاعه ، وقبلها عصر الأشخاص ، سيدنا صلاح الدين، والأبطال العظام ، وقبلها عصر المبادئ ، سيدنا عمر جاءه ملك الغساسنة جبلة بن الأيهم مسلماً ، في أثناء طوافه حول الكعبة داس بدويٌّ طرف ردائه ، فانخلع رداؤه عن كتفه ، فالتفت إلى هذا الأعرابي و ضربه ضربة هشمت أنفه ، هذا الأعرابي ليس له إلا عمر يشتكي إليه ، ذهب إليه ، واشتكاه ، سيدنا عمر جاء بهذا الملك جبلة ، وقف أمامه نداً لند - ملك الغساسنة وإنسان من الدهماء بالتعبير المعاصر ، من السوقة ، من الطبقة الدنيا - وقال له : أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح ؟ قال جبلة : لست ممن ينكر شياً، أنا أدبت الفتى ، أدركت حقي بيدي. فقال عمر : أرضِ الفتى، لابد من إرضائه ، مازال ظفرك عالقاً بدمائه ، أو يهشمن الآن أنفك و تنال ما فعلته كفك، قال : كيف ذلك يا أمير ؟ هو سوقة وأنا عرش وتاج ؟ كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً ؟ قال عمر : نزوات الجاهلية ، ورياح العنجهية قد دفناها ، أقمنا فوقها صرحاً جديداً ، وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً . فقال جبلة : كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى و أعز ، أنا مرتد إذا أكرهتني . فقال عمر : عنق المرتد بالسيف تحز ، عالم نبنيه، كل صدع فيه يداوى ، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى ، هذا عصر المبادئ والقيم .
لذلك في نهاية الزمان موت كعقاص الغنم ، لا يدري القاتل لمَ يقتل ؟ ولا المقتول فيمَ قتل ؟ يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ، ولا يستطيع أن يغير ، إن تكلم قتلوه ، وإن سكت استباحوه .
 أيها الأخوة الكرام ؛ أدعو الله سبحانه وتعالى أن ينصرنا ، وأن يحفظ لنا إيماننا وأولادنا وصحتنا واستقرار هذه البلاد ، وهذه نعمة كبرى لا يعرفها إلا من فقدها .
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور