وضع داكن
20-04-2024
Logo
رمضان 1435 - خواطر إيمانية - الدرس : 28 - الافتقار إلى الله .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .

دور الشيطان يبدأ بعد استقامة الإنسان و اصطلاحه مع الله :

 أيها الأخوة الكرام ؛ من الآيات التي قرئت في هذه الصلاة المباركة إن شاء الله قوله تعالى :

﴿ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾

[ سورة الأعراف الآية : 16 ]

 أخواننا الكرام ؛ ما دام الإنسان متفلتاً ، غير منضبط ، ليس مستقيماً ، لا يتحرك وفق منهج الله ، لا يقترب من الشيطان ، لأنه حقق الهدف ، التفلت ، والمعصية ، وعدم الالتزام ، وعدم تطبيق منهج الله عز وجل ، متى يتدخل الشيطان ؟ قال :

﴿ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾

[ سورة الأعراف الآية : 16 ]

 حينما يبدأ الإنسان بعد أن اصطلح مع الله ، وتاب إلى الله ، بتطبيق منهج الله في عمله، و دخله، و إنفاقه ، و بيته ، و أوقات فراغه ، و هواياته ، حيث يجعلها كلها وفق منهج الله ، عندما بدأ يستقيم بدأ دور الشيخوخة :

﴿ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾

 هناك أربع جهات يأتي منها الشيطان ، والآية أغفلت جهتين ، الأربع جهات :

﴿ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ﴾

[ سورة الأعراف الآية : 17 ]

 أي في المستقبل ، عصر حضارة ، عصر تقدم ، عصر حقوق الإنسان ، عصر نبذ الخلافات ، نبذ ما وراء الطبيعة ، نبذ الدين ، الدين أفيون الشعوب إلى آخره ، مقولات لا تنتهي ، عندما بدأ يستقيم ، بدأ يتحرك وفق منهج الله جاء دور الشيطان .
 لكن أنا أريد أن أقول كلمة دقيقة ذكرتها من قبل : أن الله عز وجل لو وضع هؤلاء الكفار والشياطين بكوكب ثان لكنا في حال أفضل ، لو جعل المؤمنين بكوكب ، و الشياطين بكوكب آخر، ما الحكمة من وضعهم معاً ؟ العلماء قالوا : الحق لا يقوى إلا بالتحدي ، هذه المعركة الأزلية الأبدية التي أرادها الله بين الحق والباطل فيها حكمة كبيرة جداً ، فالحق لا يقوى إلا بالتحدي ، وأهل الحق لا يستحقون الجنة إلا بالبذل والتضحية ، فمعركتنا مع الباطل معركة أزلية أبدية ، وهذه المعركة قدرنا يجب أن نقبلها .

 

الإسلام منهج دقيق جداً تكفل الله عز وجل بحفظه :

 أيها الأخوة الكرام :

(( إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء ، ومنزل ترح لا منزل فرح ، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء ، قد جعلها الله دار بلوى ، وجعل الآخرة دار عقبة ، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً ، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً ، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي))

[ كنز العمال عن ابن عمر ]

 فالشيطان يأتي الإنسان حينما يبدأ بالاستقامة ، يبدأ بمعرفة الله ، يبدأ بضبط أموره ، يبدأ بإقامة الاسلام في نفسه ، وفي بيته ، وفي عمله ، حينما يبدأ بمحاسبة نفسه ، حينما يبدأ بإصلاح من حوله ، عندما يتحرك الإنسان يأتي الشيطان ليؤدي دوره الذي أراده هو في عالم الأزل .
 لكن أنا أقول كلمة اقبلوها مني : لا تقلق على هذا الدين إنه دين الله ، ولكن اقلق ما إذا سمح الله لك أو لم يسمح أن تكون جندياً له ، هنا القلق ، سمح الله لي أن أكون داعية ، سمح الله لي أن أدافع عن هذا الدين ، سمح الله لي أن أكون منصفاً ، هذا هو المسلم .
 حاكم الفرنجة بعد الحروب الصليبية قال : نادوا محمداً ليدافع عنكم ، فسيدنا صلاح الدين استأذن رسول الله أن ينوب عنه في الدفاع عن الاسلام وانتصر ، فلذلك :

﴿ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ﴾

 كل شيء بالمستقبل حضارة ، تقدم ، رقي ، حقوق إنسان ، لا يوجد تزمت ، القرآن الكريم قرئ في باريس على أنه فلكلور شرقي ، فصار الدين تراثاً ، صار خلفية إسلامية ، أرضية إسلامية ، مشاعر إسلامية ، توجهات إسلامية ، أقواس إسلامية ، بطاقة إسلامية ، الاسلام شيء آخر ، الاسلام منهج دقيق جداً ، و لكن الشيطان يشيد بالحضارة ، الحضارة المبنية على المادة.
 أنا سافرت إلى أمريكا قبل أشهر استخلصت كلمتين هم يعيشون لحظتهم ، موضوع الآخرة ، الموت ، القبر ، الجنة ، النار ، هذا الشيء لا يدخل بحساباتهم أبداً ، يعيشون لحظتهم هدفهم الرخاء ، فكل إنسان يعيش لحظته هدفه الرخاء ، إنسان شرد عن الله عز وجل ، إذاً يأتي الشيطان من المستقبل ، يخوفك من المستقبل ، إياك أن تصلي ، أخذوا اسمك ، مثلاً ، أي يخوفك، أحياناً كل بلد لها ظروفها ، هناك بلاد فيها شدة بالغة جداً ، يخوفك أحياناً من شيء معين، من فقر مدقع ، إذا دفعت مالك ستصاب بالفقر .

التحريش بين المؤمنين ورقة رابحة بيد الشيطان :

 الآن :

﴿ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ ﴾

[ سورة الأعراف الآية : 17]

 أيمانهم أي هذا العالم لا يفهم شيئاً ، هذا اسمه تحريش بين المؤمنين ، الشيطان أيها الأخوة يبدأ بالكفر ، يوسوس للإنسان بالكفر ، فإن رآه على إيمان يوسوس له بالشرك ، رآه على توحيد يوسوس له بالكبائر ، رآه على طاعة يوسوس له بالصغائر ، رآه على ورع ، بقي معه الورقة قبل الأخيرة و هي التحريش بين المؤمنين ، فكل إنسان يحرش بين المؤمنين .

﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ﴾

[ سورة الأنعام الآية : 159 ]

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾

[ سورة الحجرات الآية : 10 ]

 كل إنسان يدعو إلى التفرقة هذا ابتعد عن الله .

﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ﴾

 بل هذه الورقة الرابحة بيد الطغاة .

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً ﴾

[ سورة القصص الآية : 4 ]

الإسلام دين واقعي لا يكلف الإنسان فوق طاقته :

 إذاً هذا الشيطان :

﴿ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ﴾

 يخوفك من التدين ، يخوفك من أداء الصلوات الخمس ، يخوفك من إنفاق المال ، يدعوك إلى عدم الإنفاق مخافة الفقر ، هناك إنسان يبدأ يحدث المؤمنين ويصب سهامه على العلماء، الطفل مثلاً من يؤثر به ؟ الأسرة ، الأسرة متهمة بالعصر الحديث ، من أيضاً ؟ المدرسة ، المعلم دخله قليل جداً ، طبعاً أنا عندما أضعضع التعليم ، وأضعضع الأسرة ، وأضعضع المرجعيات الاسلامية أنهيت الدين ، والإنسان يأخذ دينه من بيته أولاً ومن مدرسته ومن المراجع الاسلامية .
 إذاً الأسرة متهمة ، وإذا كان التعليم علمانياً إذاً المراجع الدينية مهاجمة فينتهي الدين، هذه :

﴿ عَنْ أَيْمَانِهِمْ ﴾

 أي يكلفه بشيء فوق طاقته ، يقول لك : فلان ختم القرآن بليلتين ، أو بليلة واحدة ، ستون صفحة ، أي يعطيك نماذج فوق طاقتك ، الاسلام واقعي .
 هناك رجل دخل إلى المسجد النبوي بعصر سيدنا عمر , فرأى سيدنا عمر قال له : يا أمير المؤمنين ألا تنام الليل ؟ فكان الجواب : إني إن نمت ليلي أضعت نفسي أمام ربي ، وإن نمت نهاري أضعت رعيتي ، لا ينام أبداً !! هذا شيء غير واقعي ، من يستطيع ألا ينام إطلاقاً ؟ بعد ذلك عثرت على رواية فيها كلمة واحدة ، إني إن نمت ليلي كله أضعت نفسي أمام ربي .
 الاسلام واقعي ، والعلم واقعي ، العلم علاقة بين متغيرين يطابق الواقع عليه دليل .

 

تدخل الشيطان بالدين لتنفير الناس منه :

﴿ عَنْ أَيْمَانِهِمْ ﴾

 إما أن يزين لك كرامات غير معقولة ، أو شطحات غير معقولة ، أو يصور لك الدين الإسلامي خطاً رفيعاً إذا خرج عنه الإنسان خرج من الإسلام ، لا ، الاسلام شريط عريض .

﴿ عَنْ أَيْمَانِهِمْ ﴾

 يدخل في الدين أيضاً ، يزين لك البدع ، يزين لك الخرافات ، الشطحات ، الكرامات ، هذه :

﴿ عَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ﴾

[ سورة الأعراف الآية : 17 ]

 المعاصي ، والآثام ، عش حياتك ، عش شبابك ، لا تتقوقع ، لا تكن معقداً ، هذه كلمات الشيطان هي :

﴿ عَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ﴾

[ سورة الأعراف الآية : 17 ]

 المبالغات ، والتطرف ، والشطحات ، والسحبات ، كلها يستخدمها الشيطان كي ينفرك من الدين ، والآن أساساً أعداء الدين عملهم تفجيره من الداخل ، كيف ؟ أولاً : بالفتاوى ، أي فتوى من أعلى شخصية إسلامية ، في مصر قديماً أفتى أحدهم بإيداع المال بالبنك بالفائدة ، أعلى شخصية دينية بمصر ، بالفتاوى ، والتأويلات ، أو اصطناع شخصيات إسلامية مهزوزة ، هذا يسمونه التفجير من الداخل ، هناك حرب صريحة ، و حرب مبطنة .

﴿ عَنْ أَيْمَانِهِمْ ﴾

[ سورة الأعراف الآية : 17 ]

 من التطرف .

﴿ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ﴾

[ سورة الأعراف الآية : 17 ]

 بالمعاصي والآثام .

﴿ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾

[ سورة الأعراف الآية : 17 ]

الافتقار إلى الله و الاعتزاز به جهتان آمنتان من الشيطان :

 أي جهتين أغفلتا في هذه الآية ؟ العليا والسفلى ، الافتقار إلى الله ، هذه الجهة آمنة من الشيطان ، والاعتزاز بالله هذه الجهة آمنة من الشيطان ، عن أيمانهم ، عن شمائلهم ، عن خلفهم لكن إذا اتجهت إلى الله هذا الطريق الآمن ، وإذا افتقرت إلى الله :

﴿ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾

[ سورة الأعراف الآية : 17 ]

تحميل النص

إخفاء الصور