- أحاديث رمضان
- /
- ٠18رمضان 1435 هـ - خواطر إيمانية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
انعكاس الرحمة ليناً في التعامل مع الناس :
الحديث الشريف اليوم عن الديلمي رواه أبو بكر رضي الله عنه يقول عليه الصلاة والسلام :
(( إن كنتم تحبون رحمتي فارحموا خلقي ))
ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ، لكن الآية الدقيقة التي هي أصل في هذا الموضوع هي قوله تعالى :
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
الباء في فبما باء السبب ، أي بسبب رحمة استقرت في قلبك يا محمد ، من خلال اتصالك بنا ، كنت ليناً لهم ، هذه الرحمة انعكست ليناً في تعاملك معهم ، هذا اللين الذي ظهر منك دعاهم إلى أن يلتفوا حولك .
﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ ﴾
هناك شرح ولو كنت منقطعاً عنا لامتلأ القلب قسوة ، ولانعكست القسوة غلظة وفظاظة عندئذٍ ينفض الناس عنك ، من يحتاج هذه المعاني ؟ الأب ، الأم ، الأخ الأكبر ، رئيس الدائرة، أي منصب قيادي في الأرض ، من أقل منصب إلى أعلى منصب ، يحتاج هذا القانون ، حينما تتصل بالله يمتلئ القلب رحمةً ، هذه الرحمة تنعكس ليناً ، هذا اللين يسبب أن يلتف الناس حولك ، هذا الشيء يتمناه الأب ، والأم ، ورئيس الدائرة ، والمعلم ، والمدرس ، وأستاذ الجامعة ، ويتمناه أعلى منصب قيادي في البلد .
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
أخواننا الكرام :
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
من خلال اتصالك بنا ، امتلأ قلبك رحمة ، هذه الرحمة انعكست ليناً ، هذا اللين سبب التفاف الناس حولك ، وهذا الموقف يتمناه أي إنسان في الأرض له منصب قيادي ، الأب له منصب قيادي ، المعلم في الصف ، أستاذ الجامعة ، رئيس الدائرة ، وأعلى منصب في البلد .
﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ مِنْ حَوْلِكَ﴾
بطولة الإنسان التكيف مع القوانين و التوافق معها :
الشيء الدقيق قال : 
﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾
فأنا أقول : كل إنسان أحد أسباب سعادته أن يلتف من يلوذ به حوله ، هذا الالتفاف له سبب ، وله قانون ، والعبد الفقير ألقيت دروساً عديدة جداً في الشام حول قوانين القرآن ، يمكن أن تستنبط من القرآن مئات القوانين ، القانون فيه مقدمات و نتائج حتمية ، القانون بين المقدمة والنتيجة علاقة علمية ، فهناك قوانين كثيرة ، بطولتك ، وذكاؤك ، وتوفيقك ، ونجاحك ، وفلاحك أن تكتشف هذه القوانين ، وأن تتوافق معها ، فالذكاء كله في التكيف ، والتكيف مع هذه القوانين . إذا إنسان ألقى بنفسه من الطيارة ، ورأى أن قانون السقوط قانون قديم ، وتقليدي ، و رجعي ، فلم يفتح المظلة ، ينزل ميتاً ، أي أنت اقتنعت أم لم تقتنع ، أعجبك أو لم يعجبك ، عدم اقتناعك ، وعدم ترحيبك بهذا القانون ، لا يلغي مفعوله ، هذا القانون نافذ بك شئت أم أبيت ، من هو المظلي ؟ الذي يخضع لقانون السقوط ، لابد من مساحة كبيرة جداً تقاوم الهواء ، هذه المقاومة يصبح بموجبها السقوط بطيئاً و هذا الذي ينجي المظلي .
قانون الالتفاف والانفضاض يحتاجه كلّ إنسان من دون استثناء :
فلذلك أيها الأخوة ؛ قانون الالتفاف والانفضاض 
هذا القانون يحتاجه كل إنسان من دون استثناء . أحياناً في البيت خادمة ، وهناك بنت ، إذا البنت استيقظت في ساعة متأخرة ، المسكينة تعبانة ، والخادمة إذا استيقظت في ساعة متأخرة تقوم عليها الدنيا ولا تقعد ، هذا استخدام مكيالين أنا والله لا أصدق أن مؤمناً يستخدم مكيالين ، أحياناً الكنة تعامل في البيت غير معاملة البنت . مرة كنت بمحل ، الابن حمل توباً ، قال له والده : إياك يا بني ظهرك ، رحمة بالابن، عنده موظف ، حمله أول توب ، والثاني ، والثالت ، والرابع ، لم يعد يستطيع التحمل ، قال له : أنت شاب ، لماذا هذا الكيل بمكيالين ؟ إنسان أحضر لزوجته غسالة أوتوماتيك ، الأم أقامت الدنيا عليه ، و عندما صهرها أحضر لابنتها غسالة ، رضيت عنه 
ما هذه المواقف ؟ عندما تتناقض مواقفك سقطت من عين الله، يجب أن تكيل بمكيال واحد ، حتى أنا والله أقول : الذي عنده خادمة - لعلكم لا تقبلون هذا الكلام - إن لم يعاملها كابنته سيحاسبه الله ، قطعت عشرة آلاف كيلو متر ، وعندها أولاد لتعمل، وهناك أناس يطعمونها الطعام القديم يكون هناك طبخ جيد شهي ، يقولون لها : كلي هذا ، الله كبير. الإنسان حينما لا يدخل الله عز وجل في حساباته ، يتلقى ضربة قاصمة من الله ، والله عز وجل يريد منك أن تعامل كل من حولك بمقياس واحد ، بمكيال واحد ، أحياناً ترى أن حقوق الإنسان بالدول المتقدمة شيء مذهل . كنت بالدانمارك من فترة ، إنسان سوري مقيم هناك ، معه إقامة ، ومعه جنسية ، سافر لاسطنبول يبدو أنه تعرض لحادث ، خبّر حكومته ، فوراً جاءت سيارة أقلته إلى المطار ، وأخذته إلى بلاده الدانمارك ، ثم أعطوه شيكاً بقيمة التذاكر التي دفعها ليزور اسطنبول للاستجمام ولم يتح له هذا، هكذا يعاملون الناس .
العاقل و الموفق من يدخل الله جلّ جلاله في حساباته :
أحد العلماء يقول : إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة . ولابن تيمية نص دقيق قال : " الدنيا تصلح بالكفر والعدل ، ولا تصلح بالإيمان والظلم" . الأصل العدل ، تجد عندنا حق الفيتو ، هذا حق عنصري ، خمس دول إن قالت : لا ، التغى القرار 
أحياناً هناك ظلم ببلاد العقل لا يصدقه ، ممنوع أن نستصدر قراراً من مجلس الأمن ، لأن هناك دولة رفعت حق الفيتو فالتغى القرار ، ثلاث سنوات يموت الناس بالمئات كل يوم ، لكن لو التجئنا إلى مجلس الأمن ، لا يوجد حق الفيتو ، هذه مشكلة ، إذاً حق الفيتو عنصري ما قولكم ؟ مثلاً : أنت بسهرة تتكلم عن أم زوجتك ، كل السهرة سخرية ، وإن تكلمت عن أمك كلمة تقيم عليها الدنيا ، معنى هذا أنك عنصري . أخواننا الكرام ؛ ما دام هناك عنصرية في الأرض الحروب لن تتوقف ، أنت عندما تتصور أن لك ما ليس لغيرك ، أنت عنصري ، وعندما تتصور أن على غيرك ما ليس عليك فأنت عنصري أيضاً ، حينما تكيل بمكيال واحد أنت إنساني ، والله هناك آلاف آلاف الأخطاء التي يرتكبها المسلمون بظن منهم أنها ذكاء ، أو شطارة ، أو نجاح بالعمل ، فالشيء الذي ترفضه أنت لا تفعله مع الآخرين ، هذا الذي يرفع قدرك عند الله ، بعض الشعراء قالوا :
قتل امرئ في بلدة جريمة لا تغتفر وقتل شعب مسلم مسألة فيها نظر
***
مرة مسؤول كبير في العالم الغربي جاء المنطقة من أجل أسير واحد اسرائيلي ، ولنا عند اليهود أحد عشر ألفاً و ثمانمئة أسير لم يتكلم من أجلهم إطلاقاً . هناك مكيالان بالحياة ، ما دام هناك مكيالان إذاً لا يوجد سلم ، ولا استقرار ، هذه قضية دقيقة جداً ، أنا أقول : إذا لم تتمكن أن تصلح الجميع أصلح نفسك ، أنت ممكن أن تقيم الإسلام في بيتك ، وفي عملك ، وتنتهي هنا مسؤوليتك ، أن تقيمه في نفسك أولاً ، وفي بيتك ثانياً ، وفي عملك ثالثاً والله كبير ، والله الذي لا إله إلا هو هذه كلمة الله كبير أستطيع الحديث عنها عشر ساعات . لو فرضنا نقطة دم كرأس الدبوس تجمدت في أحد أوعية الدماغ بمكان شلل ، بمكان فقد ذاكرة ، بمكان فقد بصر ، مهما كنت عظيماً ، مهما كنت قوياً ، مهما كنت متمكناً ، نقطة دم أقل من رأس دبوس إذا وقفت وتجمدت في أحد أوعية الدماغ انتهيت ، يقول لك : سكتة دماغية، خثرة بالدماغ ، سكتة بالقلب ، هذا الإنسان بثانية ينتهي ، على الإنسان ألا يقول : أنا ، يقول : أنا قائم بلطف الله . لذلك من أدق الأدعية التي قرأتها عن رسول الله كلمتان : " اللهم إنا بك وإليك ، قائم بك" فالإنسان منوطة طموحاته ، ومكاتنه ، وهيمنته ، على سيولة الدم في أوعيته ، منوطة هيمنته ، وقوته ، وسيطرته ، وتحكمه على نمو خلاياه ، ولحكمة بالغةٍ بالغةٍ بالغة حتى الآن الورم الخبيث يتحدى العالم كله ، ليس له قاعدة ، يصيب الصغار والكبار ، والأقوياء والضعفاء ، والأغنياء والفقراء ، لذلك من أدعية رسول الله :
(( اللهم إنا نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء ))
فكلما أدخلت الله جل جلاله في حساباتك كنت عاقلاً ، كنت ذكياً ، كنت موفقاً. الإله العظيم يرى ماذا تفعل ، وهناك حسابات كثيرة ، والخيارات عند الله لا تعد ولا تحصى ، أحياناً يلقي في روع من حولك محبتك .
﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾
فرعون أراد أن يقتل أبناء بني إسرائيل جميعاً ، هذا الذي سينهي حكمه رباه في قصره شيء عجيب !! الله عز وجل ألقى على هذا الغلام الصغير محبة امرأة فرعون .
﴿ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا ﴾
الله أمره نافذ .
﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
أنا أقول : أي إنسان لا يدخل الله في حساباته يعد من أغبى الأغبياء ، قبل أن تقول كلمة ، قبل أن تبتسم ، قبل أن تأمر ، قبل أن تصل ، قبل أن تقطع . مرة لي أستاذ في التعليم الثانوي ، ذكر لنا قصة ، له عمة يحبها حباً يفوق حدّ الخيال، رآها بعد أن ماتت تشتعل ، أقسم بالله بقي يراها هكذا ثماني سنوات ، ثم رآها في هيئة لطيفة وجهها منير ، سألها ما القصة ؟ قالت له : الحليب ، سأل ، بحث ، دقق ، وجد عندها أولاد زوج ، وعندها أولاد ، ابن زوجها تشربه نصف الكأس حليباً ونصفها ماء ، وابنها كل الكأس حليب ، والله شيء مخيف ، الله كبير .
ارتباط ذكاء الإنسان و نجاحه بطاعة الله :
أيها الأخوة الكرام أقول : ذكاؤك ، سياستك ، توفيقك ، نجاحك ، عقلك ، منوط بطاعة الله .
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
إذا قال طفل عقب العيد لخاله : معي مبلغ عظيم ، كم مئة دينار فرضاً أو خمسين ؟ إذا قال مسؤول كبير بالبنتاغون : أعددنا لحرب العراق مبلغاً عظيماً أنا أقدره بمئتي مليار ، إذا قال خالق الأكوان رب العالمين :
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
معنى ذلك أن أعظم عطاء إلهي أن تعرفه ، إنك إن عرفته عرفت كل شيء ، وإن فاتتك معرفته فاتك كل شيء . فلذلك طلب العلم فريضة على كل مسلم ، الجزء العلوي من الإنسان قوة إدراكية ، ما لم تلبَّ هذه القوة الإدراكية بالعلم هبط هذا الإنسان عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به .
الاستماع للدرس
تحميل النص
إخفاء الصور
