وضع داكن
16-04-2024
Logo
مختلفة - الجزائر - المحاضرة : 12 - لقطات وخواطر إيمانية (( وعد الله ))
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد , وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين , وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته , وارض عنا وعنهن يا رب العالمين , اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهن , إلى أنوار المعرفة والعلم , ومن بحور الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الأخوة الأحباب ؛ أشكر لكم هذه الدعوة الكريمة التي إن دلت على شيء فعلى حسن الظن بي ، وأسأل الله أن أكون عند حسن ظنكم ، وإن وجدتم فيما سأقوله لكم في هذا اللقاء الطيب ما كنتم تتوقعونه فلفضل لله وحده ، وإن لم تجدوا ما كنتم تتوقعون فحسبكن الله ونعم الوكيل .
أيها الأخوة الأكارم ؛ الكون قرآن صامت , والقرآن كون ناطق , والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي .
لذلك أثرت في هذا القاء الطيب أن أقدم لكم بعض الخواطر المتعلقة بآيات الجزء الأخير من القرآن الكريم .

وعود الله

بادئ ذي بدء : الحقيقة الدقيقة التي قد تغيب عن معظم المسلمين أن كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ، بل إن 

علماء الأصول يقولون علة أي أمر أنه أمر .

فيا أيها الأخوة الأحباب ؛ إذا فتحت القرآن الكريم لتقرأ أي أمر تأتي في القرآن اعتقد يقيناً أن هذا الأمر يقتضي الوجوب ، ومن توهم أن الإسلام عبادات شعائرية ليس غير ، وقع في خطأ كبير ، الإسلام مجموعة أوامر ونواهي تغطي كل شؤون الحياة , وتبدأ من فراش الزوجية وهو أخص خصوصيات الإنسان , وتنتهي بالعلاقات الدولية ، منهج كامل .

لذلك بعضهم يقول ، وأدع لكم ما إذا كان هذا الكلام صحيحاً ، هذا الإسلام ينبغي أن يؤخذ كله حتى نقطف ثماره , أما أن أصطفي منه ما أشاء , وما يعجبني وما لا يعجبني ، والأشياء البسيطة أفعلها والمتعبة أتركها ، بهذا لن يتحقق ما يطمح المسلمون إليه .
إخوتنا الكرام ؛

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾

[ سورة النور الآية : 55]

بربكم لا تقولوا ، فكروا في الحقيقة المرة التي هي أفضل ألف مرة من الوهم المريح هل نحن مستخلفون في الأرض ؟ وعد ، زوال الكون أهون عند الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ومع ذلك يقول الله عز وجل :

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾

 

[ سورة النور الآية :55 ]

أي دين وعد بتمكينه ؟ الدين الذي يرتضيه الله ، قد نفهم الدين فهماً خاطئاً , قد نفهم الدين مظاهر , قد نفهم الدين أناشيد , قد نفهم الدين مظاهر كبيرة , الله عز وجل يقول :

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾

[ سورة النور الآية :55]

يعني قد يقول الواحد منا نحن لسنا مستخلفين , ولسنا ممكنين , ولسنا آمنين ، وهذا وعد إلهي , الجواب بكلمة واحدة تنتهي بها هذه الآية :

﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾

[سورة النور الآية :55]

فإذا أخل الطرف الآخر بما عليه من عبادة فالله جل جلاله في حلٍ من وعوده الثلاث لذلك قالوا : الحرب بين حقين لا تكون ، مستحيل ! الحق لا يتعدد , وبين حقٍ وباطلٍ لا تطول لأن الله مع الحق , وإذا كان الله معك فمن عليك ؟.

(( ما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي أعرف ذلك من نيته ، فتكيده أهل السماوات والأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً , وما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه ، وقطعت أسباب السماء بين يديه ))

[حديث قدسي]

أيها الأخوة الكرام ؛

﴿ يعبدونني ﴾

إن قصرنا في العبادة دفعنا الثمن باهظاً , الله عز وجل كما قلت قبل قليل زوال الكون أهون عنده من أن ألا يحقق وعوده للمؤمنين , فإذا أردنا أن نستعيد أمجاد المسلمين , إذا أردنا أن ننقل هذا الإسلام إلى أهل الأرض كما خصنا الله بذلك .

﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ﴾

[ سورة البقرة الآية : 143 ]

اختار الله هذه الأمة لتكون وسيطةٍ بينه وبين خلقه لذلك قال الله تعالى :

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾

[ سورة آل عمران الآية : 110 ]

هذه الخيرية ، لكن علماء اللغة يقولون : كنتم في هذه الآية بمعنى أصبحتم , يعني أصبحتم بهذه الرسالة

﴿ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾

ما علة الخيرية ؟

﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾

[ سورة آل عمران الآية : 110 ]

فإذا لم نأمر بالمعروف ولم ننهَ عن المنكر فقدنا خيرتنا ، عندئذٍ الوعد الإلهي لا يتحقق والخيرية لا تكون بل نحن إذا كأي أمةٍ خلقها الله .

﴿ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾

[سورة المائدة الآية :18]

إن لم نبحث في علة الخيرية ، من هنا قال عليه الصلاة والسلام :
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

(( كيف بكم إذا لمْ تأمروا بالمعروفِ ولم تَنْهَوْا عن المنكر ؟ - الصحابة صعقوا - قالوا : يا رسول الله ، وإنَّ ذلك لكائن ؟ قال : نعم ، وأشدُ ، كيف بكم إذا أمرتُم بالمنكر ، ونهيُتم عن المعروف ؟ قالوا : يا رسول الله وإنَّ ذلك لكائن ؟ قال : نعم ، وأَشدُّ كيف بكم إذا رأيتُمُ المعروفَ منكرا والمنكرَ معروفا ))

[ أخرجه زيادات رزين ]

يعني لتقريب بيت من الشعر دخل الشاعر السجن في عهد عمر لأنه قال هذا البيت ماذا قال ؟ قال :

دع المكارم لا ترحل ببغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

هذا شعار كل إنسان الآن ما دام دخله كبير , بيته واسع , زوجته أمامه بأبهى زينة أولاده , معه دخل , معه مصروفه , كل أسبوع في عنده نزهة ، بقلك وعلى الدنيا السلام , هذا البيت التي عدته العرب أهجا بيت قاله شاعر , ودخل الشاعر السجن في عهد سيدنا عمر , شعار كل إنسان ، لذلك :

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾

[ سورة آل عمران الآية :110]

فإن لم نكن كذلك .

﴿ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾

[ سورة المائدة الآية:18]

أيها الأخوة ؛ سامحوني لعلى في بعض كلماتي حقائق مرة لكنني والله أراها أفضل ألف مرة من الوهم المريح , في كلام سهل جداً يدغدغ مشاعركم جميعاً ، بس عنا مشكلة , السؤال الكبير أين الخلل ؟ يعني أمة بتعد مليار و ثمانمائة مليون , وفي الحديث الصحيح :
عن ابن عباس رضي الله عنهما , أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال :

(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[ أخرجه التَّرمِذِي ، وأبو داود ]

مليار وثمانمائة مليون ليست كلمتهم هي العليا , وليس أمرهم بيدهم , وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل .
إذاً أيها الأخوة ؛ لابد من عودة , لا بد من مراجعة الحسابات , لا بد من إعادة المعادلات , لا بد من أن نسأل أنفسنا دائماً أين الخلل ؟ .
أخوانا الكرام ؛ يعني كحقيقة مريحة هذا الدين الإسلامي العظيم دين جماعي ودين فردي , معنى الجماعي : لو أن الجماعة طبقته لانتصرت , ودين فردي لو أن الواحد طبقه لقطف معظم ثماره , إذا الواحد طبقه , يعني إذاً ليس لك أن تقول : ماذا أفعل الناس كلهم تركوا الدين هذا كلام خطأ .
لذلك أيها الأخوة ؛ هذه الأمة أمة القرآن , أمة الوحيين , أمة خصها الله بهذه الرسالة أمة وعدها الله أن تكون خير أمة , علة خيرتها

﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾

فإذا قصرنا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كنا كأي أمة خلقها الله .

 

معرفة الأمر والآمر

أيها الأخوة الكرام ؛ الآن الملمح الثاني في هذا اللقاء الطيب ، في عنا شيء اسمه أمر وعنا آمر , أرجو أن يكون هذا الكلام محور هذا اللقاء , أنت إذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر , أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر .
للتقريب : قد تأتيك ورقة من دائرة البريد أن تعال غداً الساعة العاشرة تسلم رسالة مسجلة ، لا تتحرك شعرة بيدك وقد تذهب وقد لا تذهب ، وقد تأتيك ورقة من جهة إن دخلت إلى البناء قد لا تخرج منه ، لا تنام الليل , ما الفرق بين الورقتين ؟ الآمر .
إذا عرفت من هو الآمر ، ما عنده من عطاء لو أطعته , ما عنده من عقاب لو عصيته ، لعددت للمليون قبل أن تعصيه .
أخوانا الكرام ؛

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا﴾

[ سورة الطلاق الآية : 12 ]

دققوا ، الآن القرآن كله ، وهذا الكون كله سيلخص بكلمتين

﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً﴾

[ سورة الطلاق الآية : 12 ]

أختار من أسماءه اسم القدير والعليم , للتوضيح :
أحد الأخوة الكرام يركب مركبته ، والإشارة حمراء والشرطي واقف ، وفي ضابط بسيارة بطرف آخر، وفي شرطي على دراجة نارية يلحق ، وأنت مواطن عادي ، ممكن تتجاوز الحمراء ؟ عندنا مستحيل ، وعنكم مستحيل أعتقد ، لماذا ؟ لأن الذي وضع قانون السير ، دقق علمه يطولك ، وقدرته تطولك , في حجز مركبة ، في مبلغ كبير , فأنت مع واضع قانون السير لا يمكن أن تعصيه إذا كان يعلم وسيعاقب ، ارجع لقوله تعالى :

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا ﴾

نقطتين ، اختار الله من أسماءه اسمين :

﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً﴾

علمه يطولك وقدرته تطولك , فكيف تعصيه ؟

تَعْصِي الإِله وَأنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ ذاك لعمري في المقال بديعُ
لَوْ كانَ حُبُّكَ صَادِقاً لأَطَعْتَهُ إنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ
***

كأنني سمعت قبل أن آتي إليكم أن أبى مدين شعيب من هنا , من تلمسان ، دفين التلمسان ، ما شاء الله ! الأبيات له قال :

فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنا
ولو سـمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنا
ولو ذقت من طعم المحبـة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلا بحبنا
***
ولو نسـمت من قربنا لك نسمة لمت غريباً واشتياقاً لقربنا
ولو لاح من أنوارنا لك لائح تركت جميع الكائنات لأجلنا
فما حبنا سـهل وكل من ادعى سهولته قلنا له قد جهلتنا
فأيسر ما في الحب للصب قتله وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنا
***

أيها الأخوة الأحباب ؛ محور هذا اللقاء الطيب في آمر وفي أمر , إن عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر , إن عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر كيف أعرف الآمر ؟ الآمر له آيات كونية , يعني آيات كثيرة ، لكن أوضح هذه الآيات :
أن بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية فقط ، يقطع الضوء في الثانية ثلاث مئة ألف كيلو متر ، بالدقيقة ضرب ستين ، بالساعة ضرب ستين ، باليوم ضرب أربع وعشرين ، بالسنة ضرب ثلاث مئة وخمسة وستين، أربع سنوات ضرب أربعة , يعني ابنك الصغير بالدقائق مع آلة حاسبة يحسب لك المسافة بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب عدا الشمس , لو في مركبة أرضية وتوجهنا إلى هذا الكوكب الذي هو أقرب كوكب على الإطلاق كوكب ملتهب عدا الشمس لاحتجنا إلى , يقلك ركبت طائرة مشيت اثنى عشرة ساعة ، لاحتجنا إلى خمسين مليون عام , محسوبة بدقة ، خمسين مليون عام من أجل أن تصل إلى أقرب نجم ملتهب , نجم القطب أربعة آلاف سنة ضوئية ، ضرب ألف معناها ، المرأة المسلسلة مليونا سنة ضوئية , أحدث مجرة أربع وعشرون ألف مليون سنة ضوئية ، اقرأ القرآن :

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾

[ سورة الواقعة الآية : 75_76]

لذلك إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم , وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم , وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم , والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطيك شيئا ويضل المرء عالما ما طلب العلم فإذا ظن أنه علم فقد جهل .
إذاً التفكر في خلق السماوات والأرض يضعك وجها لوجه أمام عظمة الله , التفكر في خلق السماوات والأرض أوسع باب ندخل منه على الله , التفكر في خلق السماوات والأرض أقصر طريق إلى الله , لأن في القرآن ألف وثلاث مئة آية كونية هي , هذه الآيات ما الموقف منها ؟

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

[ سورة آل عمران الآية : 190_191]

أخوانا الكرام ؛ مرة ثانية سامحوني , إذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعته , أما إذا الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في معصيته , فكأنني وضعت يدي على مشكلة المسلمين الأولى ، الأمر معروف بالابتدائي ، والمتوسط ، والتوجيهي ، والجامعة ، أحكام الصلاة والصيام ، والحج ، والزكاة , والكذب , والربا ، وما إلى ذلك , الأمر بين أيدينا لكن ضعف معرفتنا بالخالق , الخالق له آيات كونية هذا الكون .
يعني مثل بسيط : هذا الكأس من الماء في بالماء خاصة لولا هذه الخاصة ما كانت هذه المحاضرة ، ولما كانت تلمسان كلها ، ولا الجزائر ، ولا شمال إفريقيا , ولا الشرق الأوسط , ولا الأرض , ما هذه الخاصة ؟ أن هذا الماء شأنه كشأن أي مادة إذا سخنتها تتمدد ، كأي مادة , وإذا بردتها تتقلص , فإذا بردناها من عشرين إلى خمسة عشر ، من اثنى عشر ، إلى عشرة ، عم تنكمش إلى ثمانية ، إلى سبعة ، إلى ستة ، إلى خمسة ، إلى أربعة ، شيء يصعب تفسيره ينعكس القانون ، يتمدد الماء ، لولا هذا القانون ما في حياة على سطح الأرض ما الذي يحصل ؟ البحار تتجمدد ، فإذا تجمدت وكثافتها زادت تغوص ، فإذا غاصت تجمد الماء الذي فوقها تجمد غاص بعد حين تتجمد البحار ، ينعدم التبخر ، تنعدم الأمطار ، يموت النبات ، يموت الحيوان ، يموت الإنسان ، حياتنا جميعا حياة أهل الأرض منوطة بقانون بالماء ، هذا الماء يتميز أنك إذا بردته كأي عنصر آخر ينكمش ، أما عند زائد أربعة يتوسع ، والدليل :
ائتِ بقارورة املأها إلى الأخير ، احكم إغلاقها ، ضعها في الثلاجة تنفجر ، الماء يتمدد لأن , ما هذا القانون ؟ هذا القانون سر حياة البشر كله ، هل درسنا هذا القانون ؟ الإنسان بعينه في ماء لو سافر إلى القطب الشمالي ، أو إلى دول قريبة من القطب الشمالي ، ستين تحت الصفر ، أقل درجة حرارة 67 تحت الصفر في القطب الشمالي ، لو سافر واحد إلى هناك وفي بعينه ماء , الماء يتجمد يفقد بصره ، من أودع في ماء العين مادة مضادة للتجمد ؟ يد من ؟ حكمة من ؟ رحمة من ؟ أقسم لكم بالله الآيات التي في أجسامنا ، وفي طعامنا , وشرابنا ، وفي من حولنا شيء لا يصدق , هذا الطفل في رحم أمه ، برحم ما في هواء ، نفس ما في ، وله رئتان معطلتان الله عز وجل فتح بين الأذنين ثقب ، اكتشفه عالم فرنسي اسمه بوتال , الدم بدل أن ينتقل من القلب إلى الرئتين ليتجدد أوكسجينه ، ينتقل من أذين إلى أذين اختصاراً , والرئة معطلة ، عند الولادة تأتي جلطة تغلق هذا الثقب ، هكذا قال لي الدكتور في الجامعة ,لكن هذه الجلطة بيد من ؟

لو لم تأتي هذه الجلطة صار في مرض اسمه مرض خطير ، يموت الطفل بعد أشهر ، يعني بصير لونه أصفر دائما ، الزرقان هذا المرض يميت الطفل ، هذا الثقب ثقب بوتال الذي كشفه عالم فرنسي تأتي جلطة تغلق هذا الثقب ، بيد من ؟ لكن لحكمة بالغة الله يبقي بين كل 500 ألف طفل واحد مفتوح الثقب تبعه ، ليكون تعريف للخلق بعظمة هذا الثقب , ثقب بوتال .
إذاً الإنسان إذا نظر إلى خلقه , يعني لو الله أودع بالشعر أعصاب حس ، ماذا تفعل ؟ أين ذاهب ؟ والله إلى المستشفى ، خير إن شاء الله ؟ والله بدي أحلق ، بدك عملية جراحية بدك تخدير كامل ، من أجل أن تحلق ، من الذي ألغى أعصاب الحس بالشعر ؟ من الذي ألغى أعصاب الحس بالأظافر ؟ الله عز وجل , في أشياء بين أيدينا .
أخوانا الكرام ؛ والله العين يحكى عليها سنة , الآن مثلا آخر غشاء بالعين شفاف كيف شفاف ؟ لأنه لو كان يتغذى بالأوعية الشعرية سوف ترى من شبكة , أول خلية تأخذ غذائها وغذاء جارتها وينتقل الغذاء عبر الغلاف الخلوي ، من الذي اختص هذه الطبقة في العين بأن تكون شفافة شفافية تامة ؟ من أجل صفاء الرؤية , والله يا أخوان أجسامنا فقط وكل إنسان قادر يفكر ليعرف عظمة الله من أجسامنا ، والله قال :

﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾

[سورة الذاريات الآية :21]

الطعام , الشراب , يعني مثلا القمح : المحاصيل تنضج في يوم واحد ، أما الفواكه لي أخ عنده حقل بطيخ قال لي : بجمع بطيخ 90 يوم ، بثلاثة أشهر ، لو كان البطيخ ينضج بيوم واحد ماذا نفعل به ؟ نحتاجه طوال شهر الصيف , الفواكه نضجها متدرج , أما المحاصيل لو كان كل قمحة بدنا نمسكها استوت نقطعها ، شيء لا يحتمل , المحاصيل بيوم واحد ، فكر الأشياء بين أيدينا موضوع الماء , موضوع الطعام , الفواكه , الثمار شيء لا يصدق .
إخوانا الكرام ؛ إن عرفته ثم عرفت أمره تفانيت في طاعته من هنا قال الله عز وجل

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ﴾

[ سورة عبس الآية :24]

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ﴾

[ سورة الطارق الآية :5]

يعني هذا الحوين يلقح البويضة , باللقاء الزوجي يتم فرز 300 مليون حوين ، وتحتاج بويضة واحد , ما هذا الخلق العظيم ؟ أقسم لكم بالله لو أمضينا سنوات ، تلوى سنوات في الحديث عن عظمة خلق الإنسان لا ننتهي , هذا الإله العظيم يعصى ؟ ألا يكسب وده ؟ ألا ترجى جنته ألا تخشى ناره ؟ إذاً :

﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾

[ سورة الطارق الآية :5_8]

﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّا ﴾

[ سورة عبس الآية :24_25]

﴿إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَت﴾

[ سورة الغاشية الآية :17]

﴿وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾

[ سورة الغاشية الآية:20]

آيات تدعونا إلى التفكر , ما الذي يمنع أن الإنسان من حين إلى آخر ، صباح كل يوم يفكر بآية من آيات الله حتى تزداد عظمة الله عندهم .

الغرور

إخوانا الكرام ؛ في آية أخرى أردت أن تكون محور هذا الحديث الطيب إليكم إن شاء الله :

﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴾

[ سورة الانفطار الآية :6]

لماذا يغتر الإنسان بالله عز وجل ؟ الله غفور رحيم , الله قال :

﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ﴾

[ سورة النحل الآية :110]

الذين تابوا وعملوا الصالحات .

﴿إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[سورة الأعراف الآية:153]

﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ﴾

[سورة الحجر الآية : 49-50]

فالقرآن بين أيدينا , يعني أنا أتمنى ألا تغتر ، أي ألا تظن أن هذا الشيء ، مفهوم العوام أحياناً يعمل غرور , يعني مرة إنسان يعمل في محل تجاري , عِمل عَمل سمعته أنا , جمع القمامة بعلبة فخمة ، وغلفها بغلاف هدايا ، وشريط أحمر وردة ، ووضعه على طرف الرصيف فإذا أحد المارة أخذه وأسرع ، قام لحقه ، بعد مئة متر فتح الشريط ، متوقع هدية ألماس ، أو ذهب أو شي , بعد مئة متر ثانية ، فتح الورق بعدين فتح العلبة طلع قمامة المحل , هي الحادثة الغريبة جداً , أقسم لكم بالله سوف يشهدها الإنسان الذي اغتر بالحياة الدنيا :

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾

[سورة فاطر الآية:5]

في آية كريمة تقول :

﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ﴾

[سورة الانفطار الآية: 13-14]

هذا كلام خالق الأكوان , يعني ألا تعتقد معي أن وعد الله حق ، وأن زوال الكون أهون على الله ألا يحقق وعوده للمؤمنين .

﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ﴾

[سورة الانفطار الآية:13]

نعيماً لا ينفذ , أنا أسأل الله لكم أن تتصل نعم الدنيا عندكم بنعم الآخرة , يعني إنسان أحياناً يغادر قبل أن يغادر ينادى .

(( أن عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك غيري ، وأنا الحي الذي لا يموت ))

[ورد في الأثر]

تصور من بيت إلى قبر , من بيت من عدة غرف , أصدقاء , سهرات , حفلات زيارات , سفر , ولائم , إلى قبر , ماذا في القبر , البطولة أن تفكر في المصير , يعني أنا أقول لكم التفكر بالموت في أحاديث تأمر به أكثروا ذكر هادم اللذات ، ومفرق الأحباب ، ومشتت الجماعات .
مرة قصة قديمة جداً كنت في شيكاغو سرت على شريط متحرك كان نادر الآن في كل المطارات فيه شريط متحرك , أنا واقف على الشريط يمشي سرعتي مضاعفة عن الناس وفي سور , أولاً السرعة مضاعفة ، والسور يمنعني أن أبتعد عن الشريط يمنة أو يسرى , كيف ربطت هذا الشريط مع هذا الحاجز بالموت , الموت , التفكر بالموت يسرع السير إلى الله , والتفكر بالموت يمنع أن تذل قدمك يمنة أو يسرى , أكثروا ذكر هادم اللذات ، ومفرق الأحباب ، مشتت الجماعات .

((عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من أحببت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ))

[ أخرجه الحاكم عن سهل بن سعد]

أيها الأخوة :

﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴾

[سورة الانفطار الآية:13-14]

الآن الله عز وجل يخاطب هذا الإنسان :

﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ﴾

[سورة الانشقاق الآية:6]

بالآخرة موضوع آخر , بالآخرة :

﴿لهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾

[سورة ق الآية:35]

بالآخرة أطلب تعطى ,

﴿لهم ما يشاءون﴾

أي شيء طلبته بين يديك .

 

﴿قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ﴾

[سورة الحاقة الآية:23]

أما بالدنيا لابد من عمل صالح ، لابد من جهد

﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ﴾

فلذلك قالوا : طلب الجنة من غير عمل ذنب من الذنوب , إذاً الآية الأولى :

﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا ﴾

[سورة ق الآية:35]

بالآخرة , في الدنيا

﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ ﴾

يعني حجمك بالدنيا بحجم عملك الصالح , الآن دقق في طريق أنت راكب مركبة , في صخرة بالطريق على حجم المركبة فيك تكمل ؟ ما بتقدر, هذه عقبة , طيب أزلتها ، في عقبة ثانية ، المعاصي عقابات في الطريق إلى الله .

﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾

[سورة المطففين الآية:15]

المعاصي والمخالفات عقبات في الطريق إلى الله , الآن الحالة الأولى أنا أزلت هذه العقبات أزحت هذه الصخور ، الطريق سالك ، لا يكفي ، لابد من حركة على هذا الطريق , الحركة العمل الصالح ، الاستقامة سلبية , ما أكلت مال حرام , ما غشيت , ما اغتبت , ما كان الإنسان عاق لوالديه ، كلها ما ، هي استقامة , العمل الصالح ؛ أعطيت , أنفقت ، نصحت , دعوت , بنيت مسجد , فالعمل الصالح إيجابي عطاء .
لذلك أحد المؤلفين ألف كتاب عن رسول الله قال : ( يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ يا من قدست الوجود كله ورعيت قضية الإنسان , يا من زكيت سيادة العقل ، ونهنهت غريزة القطيع يا من هيأك تفوقك لتكون واحد فوق الجميع ، فعشت واحد بين الجميع , يا من كانت الرحمة مهجتك والعدل شريعتك , والحب فطرتك , والسمو حرفتك , ومشكلات الناس عبادتك ) .
أقول لك وأنا أعني ما أقول : إن أردت أن تعرف نفسك ما إذا كنت من أهل الجنة أم من أهل الآخرة , قل لي بصدق ما الذي يسعدك , أن تأخذ أم أن تعطي ؟ الأنبياء أعطوا ، والأقوياء أخذوا ، والمؤمن يأخذ ويعطي , ينبغي أن يسعدك أن تعطي , أن تعطي من وقتك , من مالك , من علمك , من خبرتك , أن تعطي بلسانك , بيدك , بعملك , بسفرك ، هذا العطاء , فلذلك الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا , والأقوياء أخذوا ولم يعطوا , والمؤمن مسموح له أن يأخذ وفق منهج الله ، وأن يعطي ممن أعطاه الله عز وجل , يعني صباحا تدعو في الصلاة اللهم هب لنا عمل صالح يقربنا إليك .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم :

((من أصبح وأكبر همه الدنيا جعل الله فقره بين عينه ، وشتت عليه شمله ولم يؤتيه من الدنيا إلا ما قدر له ، ومن أصبح وأكبر همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه وجمع عليه شمله وأتته الدنيا وهي راغما ))

[أخرجه الترمذي]

فلذلك أيها الأخوة ؛ نحن بحاجة إلى مذكر دائم , بحاجة إلى شحن كهذا الهاتف الخلوي إذا ما شحنته ينطفئ ويسكت انتهى ، وأنت مثل هذا الهاتف ، طبعاً مع الفارق بحاجة إلى شحن يومي الشحن نوعان , شحن فكري بحضور درس علم , وشحن روحي بعقد صلة مع الله عز وجل , الآن الله عز وجل يقول :

﴿مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ ﴾

[سورة إبراهيم الآية:46]

الآن دقق :

﴿وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾

[سورة إبراهيم الآية:46]

بربكم لو اجتمعت دول الأرض أن تزيح جبل من مكانه تستطيع ؟ لا تستطيع , كلام خالق الأكوان

﴿ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾

الآن اسمع الآية الأخرى :

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾

[سورة آل عمران الآية:120]

لمجرد أن نصبر وأن نتقي الله هذا الكيد وهذا المكر يلغى , فلذلك المعصية مع الصبر ما في بعدها إلا القبر , أما الطاعة مع الصبر في بعدها النصر ،

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾

الفلاح والمفلحون.

أيها الأخوة ؛ الغريب أن بالقرآن الكريم بأكمله في ثلاثة آيات فقط حول الفلاح , ما هو الفلاح ؟ في نجاح , النجاح : أن تنجح في كسب المال معك ملايين مُملينة , النجاح أن تصل إلى مكان رفيع هذا نجاح , النجاح ممكن أن احكي لك عنه عشر ساعات , ما هو الفلاح ؟ الفلاح أن تنجح في الدنيا والآخرة معا .

﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾

[سورة البقرة الآية:5]

الفلاح أن تنجح في تحقيق الهدف الذي خلقت من أجله هذا هو الفلاح , فلذلك الفلاح الفلاح أن تنجح في تحقيق الهدف الذي خلقت له ، من هنا قال الله عز وجل :

﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً﴾

[سورة النساء الآية:146]

﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ ﴾

معنى ذلك : رد فعل إن آمنت وشكرت حققت الهدف بوجودك لماذا ؟ لأن هذا الكون مسخر لنا تسخرين : تسخير تعريف وتسخير تكريم ، رد فعل التعريف أن تؤمن ورد فعل التكريم أن تشكر ، فإذا آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك وعندئذٍ تستحق جنة الدنيا وجنة الآخرة .

﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾

[سورة الرحمن الآية:46]

أخوانا الكرام ؛ أحيانا يعني في دليل على فساد الإنسان غير موضوع الأفكار ، قال تعالى :

﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى* عَبْداً إِذَا صَلَّى﴾

[سورة العلق الآية:9-10]

الآية عجيبة ، أين التتمة ؟

﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى* عَبْداً إِذَا صَلَّى﴾

كأن الله يقول لك انظر إلى أخلاقه , إلى مواعيده , انظر إلى علاقاته , أنظر إلى كسب ماله , انظر إلى نفق ماله يعني .

﴿وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ﴾

[سورة المؤمنون الآية: 74]

﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾

[سورة الماعون الآية:1-2]

يعني لو أن الإنسان انحرفت عقيدته يبقى مستقيماً قضية لها تفسير آخر , بس مستحيل وألف ألف مستحيل أن تنحرف العقيدة دون أن تنعكس انحرافك في السلوك ، إذاً هذا معنى قوله تعالى :

﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى* عَبْداً إِذَا صَلَّى﴾

بعد ذلك :

﴿أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى﴾

[سورة العلق الآية:11-12]

أنت درست سلوك الإنسان , المؤمن صادق , لذلك سيدنا جعفر ابن أبي طالب لما وقف أمام النجاشي هذا النجاشي سأله عن الإسلام قال :

(( أيها الملك كنا قوم أهل الجاهلية , نعبد الأصنام ونأكل الميتة , ونأتي الفواحش
ونقطع الرحم , ونسيء الجوار ، حتى بعث الله فينا رجلاً , نعرف أمانته , وصدقه وعفافه , ونسبه ))

[أخرجه ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب]

يعني إذا حدثك فهو صادق , وإذا عاملك فهو أمين , إذا استثيرت شهوته فهو عفيف أخلاق .
عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( إنما بعثت معلماً ))

[أخرجه الحارث في مسنده وأبو داوود الطيالسي في مسنده ]

عن أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ))

[أخرجه البزار في مسنده والإمام أحمد في مسنده ]

النبي الكريم أفصحنا , وأجملنا , ممكن حدثك ساعة عن صفاته , لكن حينما أراد الله أن يثني عليه أثنى على أخلاقه , قال له :

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

[سورة القلم الآية:4]

يعني كأن الله عز وجل يقول يا محمد أنت أنت :

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾

[سورة آل عمران الآية:154]

معه وحي , ومعه قرآن , ومعه فصاحة , ومعه جمال , ومعه كمال , ومعه حسب ومعه نسب , وقال له أنت أنت بذات

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾

فكيف لإنسان ما عنده فصاحة , ولا بيان , ولا جمال , ولا كمال , ولا وحي , ولا قرآن وغليظ ، لماذا الغلظة يا أخي ؟ نحن نريد دعوة متوازنة .
أيها الأخوة الكرام ؛ لذلك الله عز وجل قال :

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ ﴾

[سورة آل عمران الآية:159]

الآن دقق :

﴿مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾

[سورة آل عمران الآية:159]

فبما رحمة من الله ، يعني يا محمد بسبب رحمة استقرت في قلبك لنت لهم , فلما كنت ليناً لهم التفوا حولك , أنا فيني أدرس قانون من هذه الآية يسمى قانون الالتفاف والانفضاض , في أب ما يتمنى أن يلتف أبناءه حوله , في مدير مؤسسة ما بيتمنى أن يلتف الموظفين حوله , كل إنسان بيتمنى إذا كان بمكان قيادي أن يلتف الناس حوله , قانون الالتفاف والانفضاض هذا هو :

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾

[سورة آل عمران الآية:159]

أنت اتصلت بنا يا محمد فامتلئ القلب رحمة انعكست الرحمة ليناً ، هذا اللين جعل من حولك يلتفون ويتعاونون , وأنت أنت بذات

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾

فأنا أقول هذه الآية يحتاجها كل أب , وكل أم , وكل معلم , وكل مدير مؤسسة , أي منصب قيادي على عشر أشخاص .

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾

[سورة آل عمران الآية:159]

أيها الأخوة الكرام ؛ بقي شيء واحد وأخير طبعاً أشير إلي بقي خمس دقائق مضى ثلاث ونصف على ما أعتقد , آخر شيء هناك اختلاف طبيعي , يعني غداً واحد رمضان , اليوم 29 شعبان سمعنا صوت مدفع , عندكم مدفع للإثبات ؟ ما في عندكم مدفع , عنا بالشام في مدفع سمعنا صوت مدفع ، يا ترى مدفع رمضان ولا تفجير بجبل ؟ لا نعرف ، هذا اختلاف طبيعي سببه نقص المعلومات , أحياناً مع بعضنا بسبب نقص المعلومات هذا لا يمدح ولا يذم , أما أخطر اختلاف , الاختلاف القذر اختلاف اللهو .

﴿ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ﴾

[سورة آل عمران الآية:19]

العلم موجود وفي خلاف , والخلاف المحمود اختلاف التنافس , هذا يريد أن يسبق أخاه في إنفاق المال ، هذا في الدعوة إلى الله ، فبين اختلاف طبيعي ، واختلاف قذر ، واختلاف محمود وهو الاختلاف في العمل الصالح .
أرجو الله سبحانه وتعالى أن نكون جميعاً في طاعة الله عز وجل , وأن يحفظ لكم إيمانكم , وأهلكم , وأولادكم , وصحتكم , ومالكم , وبلدكم , إن شاء الله . 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور