وضع داكن
29-03-2024
Logo
مختلفة لسورية الفضائية - الندوة : 17 - الاستقامة
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

عبادة الله عز وجل علة وجود الإنسان في الأرض :

 أيها الأخوة المشاهدون، قيل: الاستقامة عين الكرامة، والحقيقة أن المسلم ما لم يستقم على أمر الله لن يقطف من ثمار الدين شيئاً، عندئذٍ يصبح الدين ثقافةً، وعادات، وتقاليد، يصبح الدين شعوراً إسلامياً، طموحاً إسلامياً، أرضية إسلامية، خلفية إسلامية، لكن الإسلام شيء آخر، ذلك لأن علة وجود الإنسان في الأرض أن يعبد الله، قال تعالى:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[سورة الذاريات]

 والعبادة في أدق معانيها: طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية، هي طاعة، هي استقامة، هي التزام، هي وقوف عند الحلال والحرام، أن يراك الله حيث أمرك، أن يفتقدك حيث نهاك، الاستقامة هي الدين كله، وما لم نستقم على أمر الله لن نقطف من ثمار الدين شيئاً، هذه حقيقة مرة لكنها أفضل مئة مرة من الوهم المريح، ذلك أن الإنسان كائن متحرك، ما الذي يحركه؟ تحركه حاجات أودعها الله فيه، تحركه الحاجة إلى الطعام والشراب، ولولا هذه الحاجة لما وجدت على ظهر الأرض شيئاً، حاجته إلى الطعام والشراب حفاظاً على وجوده كفرد، لكن حاجته إلى الجنس هي حفاظ على بقاء النوع، بعد حاجته إلى الطعام والشراب حفاظاً على وجوده الشخصي، ومع حاجته إلى الجنس حفاظاً على بقاء النوع، هناك حاجةٌ إلى تأكيد الذات هذه الحاجة هي الحفاظ على بقاء الذكر، لقد أودع الله بالإنسان الشهوات، قال تعالى:

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

[سورة آل عمران الآية:14]

 هذه الشهوات تجعلنا نتحرك، كالمحرك في المركبة، نتحرك نحو تلبية هذه الحاجات، ولكن هذه التلبية يمكن أن تكون بمستوى180 درجة، إلا أن الشارع الحكيم والمنهج القويم سمح للإنسان أن يتحرك بدافع شهواته مئة درجة، ما الاستقامة؟ أن يوقع حركته في الحياة وفق هذا الحيز الذي سمح الله به، هذا مفهوم الاستقامة بشكل دقيق جداً، الحركة التي نتحركها بدافع من حاجتنا إلى الطعام.

 

من اتبع هواه وفق هدى الله عز وجل لا شيء عليه :

 لذلك حينما وصف الله الأنبياء، وصفهم بأنهم يأكلون الطعام، هم مفتقرون في وجودهم إلى تناول الطعام، ومفتقرون إلى ثمن الطعام، فقال الله عز وجل:

﴿ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ﴾

[سورة الفرقان الآية:20]

 هذه حاجة أولى، والحاجة إلى الطرف الآخر، حاجة الشاب إلى شابة، وحاجة الشابة إلى شاب، هذه الحاجة حفاظاً على بقاء الجنس البشري، وأما الحاجة الثالثة فهي الحاجة إلى بقاء الذكر، فلذلك هذه الشهوات حينما نتحرك من خلالها وفق منهج الله لا شيء علينا، والدليل قوله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾

[سورة القصص الآية:50]

 أي المعنى المخالف أن الذي يتبع هواه وفق هدى الله عز وجل لا شيء عليه إطلاقاً، ليس في الإسلام حرمان، ما من شهوه أودعها الله في الإنسان إلا جعل له قناةً نظيفةً تسري خلالها، الشهوات التي أودعت فينا يمكن أن نلبيها وفق منهج الله بطريقة رائعة ونظيفة، ولها ثمرة كبيرة، فلذلك حينما أودع الله في الإنسان حبّ المرأة سمح له بالزواج، حينما أودع الله في الإنسان حبّ المال سمح له بالكسب المشروع، فأي شهوة أودعت فينا لها قناة نظيفة تسري خلالها، لذلك الشهوة إما أن تكون سلماً نرقى بها إلى أعلى عليين، أو أن تكون دركات نهوي بها إل أسفل السافلين.
 حقيقة الاستقامة أن الحركة التي يتحركها الإنسان بدافع من شهواته، حينما يجعلها وفق الحيز الذي سمح الله به يكون مستقيماً، فليس في الإسلام حرمان، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل له قناةً نظيفةً تسري خلالها.
هل من سؤال حول هذا الموضوع؟

أسئلة وأجوبة :

السؤال الأول:

 فضيلة الدكتور، جزاكم الله عنا كل خير، أود أن أسأل عن الفرق بين العمل الصالح والاستقامة؟

الفرق بين العمل الصالح والاستقامة :

الدكتور راتب:
 والله سؤال دقيق جداً، بارك الله بك، الاستقامة تشبه طريقاً إلى الله، قبل الاستقامة كان هناك عقبات، أكمات، حفر، بالاستقامة أزلنا كل العقبات، وصار الطريق سالكاً إلى الله، الاستقامة طابعها سلبي، يقول لك: أنا ما كذبت، ما اغتبت، ما غششت، ما أكلت مالاً حراماً، طبيعة الاستقامة إذا وازنها الإنسان مع العمل الصالح طبيعة سلبية، حينما تمتنع عن أي معصية، عن أي شيء نهى الله عنه، فأنت مستقيم، أما العمل الصالح فعطاء، أن تعطي من مالك، من وقتك، من جاهك، من علمك، من إمكاناتك، هذا العمل الصالح، هو الذي يرقى بالإنسان.

﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾

[ سورة فاطر الآية:20]

 الاستقامة تمهيد، لكن هناك حقيقة دقيقة، الاستقامة والعمل الصالح إذا اجتمعا تفرقا، إذا قلنا: الاستقامة والعمل الصالح، الاستقامة امتناع، والعمل الصالح عطاء، أما إذا قلنا: الاستقامة وحدها تعني العمل الصالح، وإذا قلنا: العمل الصالح وحده يعني الاستقامة، إذا اجتمعا تفرقا، لذلك الاستقامة سلبية، امتناع عن أي شيء نهى الله عنه، أما العمل الصالح فعمل ايجابي، عطاء، والإنسان يرقى بالعطاء، أي بالاستقامة نسلم، وبالعمل الصالح نسعد، الإنسان بحاجة إلى سلامةٍ، وإلى سعادة.

السؤال الثاني:

 دكتور راتب، ما علاقة الاستقامة بـ:

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾

[سورة الفاتحة]

 علاقة الاستقامة بقوله تعالى

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾

الدكتور راتب:
 الحقيقة

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾

 إحدى الآيات في الفاتحة، وقد جمع القرآن في الفاتحة، وجمعت الفاتحة بـ

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾

 نحن يا رب نعبدك ولكن أعنّا على هذه العبادة، فالإنسان حينما يركع بالصلاة كأنه يقول: سمعاً وطاعة يا رب، حينما يقرأ الفاتحة، يقرأ المصلي

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾

﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾

[سورة الفاتحة]

 الآن لو قرأ من القرآن:

﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾

[سورة الإسراء الآية:53]

 حينما يركع كأنه يقول: سمعاً وطاعةً يا رب، وحينما يسجد يقول: يا رب أعني على طاعتك، فالإنسان مفتقر، ألم يقل سيدنا يوسف عليه السلام:

﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ ﴾

[سورة يوسف الآية: 33]

 فأنت لا حول لك عن معصية الله إلا بمعونة الله، ولا قدرة لك على طاعة الله إلا بمعونة الله، فجمع القرآن كله في الفاتحة، وجمعت الفاتحة في

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾

 وللعالم الكبير ابن القيم كتابٌ عظيم اسمه مدارج السالكين في منازل إياك نعبد وإياك نستعين ، بارك الله على هذا السؤال، سؤالٌ آخر.

السؤال الثالث:

 فضيلة الدكتور هل للاستقامة مستويات؟

مستويات الاستقامة :

الدكتور راتب:
 طبعاً، ترك الكبائر مستوى، ترك الصغائر مستوى أرقى، ترك ما سوى الله مستوى أرقى وأرقى، فكلما ازددت معرفة بالله تزداد استقامتك دقة، مثلاً إنسان لا يرتكب الكبائر، هذا مستقيم، نوع من الاستقامة، لا يقتل، ولا يزني، ولا يشرب الخمر، لكن حينما يغتاب الإنسان إنساناً، الغيبة معصية ليست كالزنا طبعاً، هناك مستوى أدق حينما تبتسم ابتسامة ساخرة هذا عمل لا يرضي الله عز وجل، فكلما ازددت معرفة بالله ازددت دقة في استقامتك إلى أن تصبح استقامتك وفق منهج الله تماماً، فالقضية قضية معرفة، كلما عرفته أكثر ازددت طاعة له أكثر.

السؤال الرابع:

 فضيلة الدكتور، هل يكفي أن نستقيم فنحقق تمام عبوديتنا لله عز وجل؟

الإنسان بالاستقامة يسلم وبالعمل الصالح يسعد :

الدكتور راتب:
 الإنسان أودع الله فيه الشهوات، لكن الشيء المهم أنه فُطر، وجُبل، وبُرمج، وولف، كلها كلامات تشبه بعضها، فُطر على حبّ وجوده، وعلى حبّ سلامة وجوده، وعلى حبّ كمال وجوده، وعلى حبّ استمرار وجوده، حينما تستقيم على أمر الله تحقق سلامة وجودك، مثلاً: اخترت امرأة صالحة تسلم من الشقاء الزوجي، ربيت أولادك وفق منهج الله تلافيت عقوق الأولاد، أنت حينما تستقيم على أمر الله، تحقق سلامة وجودك، لكنك حينما تعمل عملاً صالحاً تحقق كمال وجودك، هناك فرق كبير، بالاستقامة تسلم، وبالعمل الصالح تسعد، بالاستقامة تحقق سلامة وجودك، بالعمل الصالح تحقق كمال وجودك، وأما استمرار وجودك فكيف يكون؟ بتربية أولادك:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾

[سورة الطور الآية:21]

 شكراً لكم على هذه الأسئلة، وأرجو لكم مستقبلاً باهياً، وصياماً مقبولاً، إن شاء الله.
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور