وضع داكن
28-03-2024
Logo
ومضات في آيات الله - الدرس : 30 - أفلا يتدبرون القرآن
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

لا تقف أثر القرآن إلا إذا عشت معانيه وكنت من رواده:

 أيها الأخوة الكرام, ما الفرق بين فهم الآية وتدبرها؟.
 قد يظن ظان أن فهم الآية يساوي تدبرها، مع أن الفرق كبير بينهما, فهم الآية أن تقول مثلاً:

﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾

[سورة الأحزاب الآية: 71]

 أي معنى هذه الآية: أن الذي يطيع الله ورسوله حقق نجاحاً كبيراً في الدنيا والآخرة، هذا فهم الآية، أما تدبر الآية: أين أنت من هذه الآية؟ هل أنت مطيع لله عز وجل؟ وإذا كنت كذلك هل شعرت بالفوز؟ هل تعيش هذه الآية؟.
 التدبر أن تسأل نفسك دائماً: أين أنا من هذه الآية؟.
 لذلك: الله عز وجل يصف هذا القرآن الكريم بأن فيه ذكرنا:

﴿فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾

[سورة الأنبياء الآية: 10]

 أي فيه نماذج بشرية.

 

 مثلاً:

﴿كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾

[سورة الذاريات الآية: 17]

 هذا نموذج أنت من هؤلاء:

﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ﴾

[سورة آل عمران الآية: 135]

 أنت من هؤلاء؟ هناك مجموعة نماذج بشرية بالقرآن، فإذا قرأت القرآن، وأردت أن تتدبره, ينبغي أن تسأل نفسك دائماً هذا السؤال: أين أنا من هذه الآية؟ هل أنا مطبق لها؟ هل أطبق هذه الآية تطبيقاً كلياً أم جزئياً أم تطبيقاً يسيراً؟ هل تنطبق عليّ آيات النفاق؟ هل تنطبق عليّ آيات المؤمنين؟:

﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً﴾

[سورة الأنفال الآية: 2]

 هل أنا في الموضع الذي ينبغي أن أكون أم في موضع لا ينبغي أن أكون؟ فمحاسبة النفس في أثناء تلاوة القرآن هو التدبر، لذلك قال تعالى:

﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾

[سورة محمد الآية: 24]

 التدبر فيه حض من الله عز وجل، ألا: تعني الحض؛ أي لم لم تتدبروا؟ ألا تتدبروا؟:

﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾

[سورة محمد الآية: 24]

 مثلاً:

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً﴾

[سورة الكهف الآية: 107]

 الآية الثانية:

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾

[سورة النحل الآية: 97]

 هل تحيا أنت -أيها المؤمن- الحياة الطيبة التي وعد الله بها؟ وعد الله حق، وزوال الكون أهون من أن لا يحقق وعوده للمؤمنين، هل تعيش هذه الحياة الطيبة، أم أن قوله تعالى:

﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً﴾

[سورة طه الآية: 124]

 أتنطبق عليك الآية الأولى أم الآية الثانية؟:

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾

[سورة فصلت الآية: 30]

 هل أنت مطمئن؟ هل تخاف من شبح المستقبل؟ من المجهول؟ هل تخاف على رزقك أم على صحتك أم على أولادك؟ هل القلق يشيع في كيانك أم أنك لا تخاف, تعتمد على حفظ الله لك، وعلى توفيق الله له، وعلى تأييد الله لك، وعلى وعد الله لك؟.
 أي في كل آية تتعلق بنموذج بشري، نموذج لمؤمن أو منافق أو كافر، أي ممكن إن ولدت مع المؤمنين أن تثني على هذا الدين، يا أخي ما هذا الدين؟ دين الإسلام دين عظيم، وإن وجدت مع أناس آخرين قلت: هذه كلها خرافات:

﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾

[سورة البقرة الآية: 14]

 آية خطيرة جداً، الإنسان الذكي دائماً يتلون، يستطيع أن يمثل دور المؤمن، إذا كان مع المؤمنين, يا أخي انشرح صدري لهذا المجلس, جزاكم الله كل خير، تجليات، فإذا التقى مع أهل الدنيا يقول: ما شاء الله أنتم متفوقون، هذه الحياة التي تحيونها، هذا نفاق، يا ترى آيات النفاق تنطبق على هذا الإنسان؟.
 قال تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾

[سورة آل عمران الآية: 102]

 أن تطيعه فلا تعصيه، وأن تذكره فلا تنساه، وأن تشكره فلا تكفره.
 هل تنطبق عليك هذه الآية؟:

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ﴾

[سورة الحج الآية: 11]

 ما دامت الأمور كما تتمنى, وكما تريد, والصحة طيبة, والدخل جيد, والبيت منتظم, يقول لك: الحمد والشكر لله، أما إذا جاءت الأمور على غير ما تريد, أسأت الظن بالله:

﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾

[سورة آل عمران الآية: 154]

 هل تظن بالله ظن الجاهلية إذا جاءت الأمور على غير ما تريد؟.
 الموضوع طويل جداً، كلما قرأت عن صفة مؤمن أو منافق أو كافر كن جريئاً, ضع نفسك على المحك, هذه أين أنت من هؤلاء؟ أي:

﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾

[سورة المؤمنون الآية: 1-2]

 هل أنت خاشع في الصلاة؟:

﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾

[سورة البقرة الآية: 45]

 هل ترى أن الصلاة كبيرة, مجهدة، متعبة؟.

 

صنف نفسك مع القرآن:

 مرة يروى أن الحجاج كان متخفياً, مرّ بدكان يبيع قدور, رأى صاحب الدكان يصلي قاعداً, فقال له: بكم هذا القدر؟ دكان عالية جداً، وقف، ووضع السلم, وصعد إلى آخر درجة، وآتاه بالقدر، قال له: عفواً أريد القدر الآخر، ثم عاد الكرة هذه, قال له: الذي على يساره، جعله يصعد إلى السلم ثلاث مرات هذه, ثم علاه بالدرة، في البيع والشراء تجد نفسك نشيطاً، وتصلي قاعداً؟ يا ترى ممكن أنا بأمور الدنيا أسترسل ساعة وساعتين وثلاثا، وإذا كانت الخطبة فوق النصف ساعة, أضجر، وأتكلم كلاماً يليق أو لا يليق، أقلّ متابعة لبرنامج ثلاث ساعات تقريباً.
 أذكر مرة أخًا توفي -رحمه الله، ونرجو له المغفرة-، إذا قرأ الإمام ما يزيد على الصفحة تقوم الدنيا ولا تقعد، وكأن وظيفته متابعة الإمام، شخص بعد أن انتقد خرج من المسجد، وأدار معه حديث بالتجارة ساعة ونصفًا وهو واقف ولم يعترض، وأنت واقف في صلاة لا تحتمل أن يُقرأ فوق الصفحة, بينما تدير حديثاً طويلاً يزيد على ساعة ونصف؟ أما متعلق بالدنيا!؟.
 نشاطك إلى أين تنشط للدنيا أم للآخرة؟ فإذا قرأت القرآن كن جريئاً؛ لا تجامل نفسك، لا تحابي نفسك، لا توهم نفسك أنك مؤمن كبير، إن رأيت صفات المنافقين متلبساً بها ظاهرة خطيرة جداً، إن رأيت صفات ضعاف المؤمنين:

﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾

[سورة الأحزاب الآية: 23]

 لكن الطرف الآخر يعبد الله على حرف, فأنت من أين؟:

﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى﴾

[سورة النساء الآية: 142]

 أنت ممن؟.
 الآية في الأحزاب:

﴿مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً﴾

[سورة الأحزاب الآية: 12]

 والآن بعد الإحباط العام في العراق وفي أفغانستان، وبعد ما يجري من أحداث جسام، هناك شعور أن الله لم ينصرنا، هناك شعور أن هذا الدين لم لم ننتصر؟ هذا الشعور؛ الإحباط مع الاستفهام، مع الحيرة، قد يولد اللا مبالاة، معنى ذلك: في الامتحان لم ننجح، رسبنا في الامتحان، أما:

﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾

[سورة آل عمران الآية: 139]

 هذا حال المؤمن:

﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾

[سورة الأحزاب الآية: 23]

 هذا هو المؤمن.
 أي أنا أريد من هذا اللقاء الطيب إن شاء الله, وقبل الأخير، أو الأخير: أن إذا قرأت القرآن اقرأ و تدبر، ومعنى تدبر: اسأل نفسك دائماً: هل أنت من هؤلاء أم من هؤلاء أم من هؤلاء؟ إن كنت من المؤمنين من أي مستوى؛ من المؤمنين الصادقين, من الذين اتقوا الله حق تقاته، أم من المقتصد؛ منهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله؟ أنت من السابقين السابقين أم من أصحاب اليمين؟ وإن شاء الله لسنا من المكذبين الضالين، لكن بين السابقين والسابقين، وبين أصحاب اليمين، اجعل هذا الذهن يتحرك في أثناء القراءة، كلما قرأت آية أو حديثاً, وازن بينها وبين حالتك النفسية، أين أنت من هذه الآية؟ هذا هو التدبر.
الفهم بسيط جداً, نأتي بمثل:
 أنت إذا قرأت قوله تعالى:

﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾

[سورة الأحزاب الآية: 71]

 المعنى سهل جداً, ويمكن أن يشرح ببساطة، لكن لو كنت إنساناً مؤمناً, صادقاً, مستقيماً, ملتزماً, محباً, طائعاً, مشتاقاً لله عز وجل، وكان دخلك محدوداً جداً، وبيتك صغير جداً، ولك صديق على مقعد الدراسة, صار من أغنياء البلد، لكنه فاسق وفاجر, لثانية واحدة لو قلت: هنيئاً له على هذا الدخل الوفير، وعلى هذه الدنيا العريضة، هذه الآية التي قرأتها قبل قليل:

﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾

[سورة الأحزاب الآية: 71]

 أنت ما قرأتها، ولم تفهم معناها، ولم تتدبرها، لمجرد أن قلت: هنيئاً لفلانٍ، ذو دخل كبير، ودنيا عريضة, أما إذا قلت:

﴿وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً﴾

[سورة القصص الآية: 80]

 فأنت مؤمن ورب الكعبة، أي إذا كنت في الدرجة الدنيا من السلم الاجتماعي، ولك دنيا متواضعة، ولك حياة خشنة، لكنك واثق أنك مؤمن، وأنك تحقق الهدف من وجودك، وأن الله راض عنك، وهو يحبك، وأن عملك كله في طاعة الله، وفي خدمة الخلق, لمجرد أن تتمنى أن تكون مكان إنسان غني جداً، لكنه فاسق جداً، لا قيمة إطلاقاً لوضعك ولاستقامتك، لأنها تقليد، وليست علماً.

 أنا قلت أيها الأخوة: المقلد أو العابد مقاومته هشة جداً، لأدنى ضغط يخرق استقامته، ولأدنى إغراء يخرق استقامته، أما المؤمن القوي إيمانه كالجبل الشامخ، والآن بالبحر قد تجد سفينة حمولتها مليون طن كالجبل، وقد تجد قارباً أدنى موجة تتلاعب به، ويوجد إنسان خفيف ، يوجد إنسان شامخ في رسوخه في طريق الإيمان، لذلك الصحابة الكرام كانوا في أعلى درجة من الإيمان، أسأل الله أن نكون في المستوى المطلوب.
 أي أردت من هذا اللقاء موضوع التدبر، كلما قرأت آية اسأل نفسك وبجرأة، ولا تحاب نفسك، ولا تمدح نفسك، ولا تتملق نفسك، واعتبر أن الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح، اسأل نفسك: أين أنت من هذه الآية؟ لذلك القرآن هو منهجنا، هو كتابنا المقرر، ينبغي أن نقرأه كل يوم, وأن نتدبره، فهو كتابنا، ودستورنا، ومنهجنا، وحبل الله المتين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور