وضع داكن
29-03-2024
Logo
ومضات في آيات الله - الدرس : 21 - لا يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ........
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

اثنان لا يتوازنان محسن ومسيء:

 أيها الأخوة, في هذه السورة عدة آيات تؤكد أنه: لا يستوي الأعمى والبصير ، ولا الظلمات ولا النور، ولا الظل ولا الحرور، وما يستوي الأحياء ولا الأموات، لو تتبعنا أكثر الآيات في كتاب الله المتعلقة بالموازنة, هذه الآيات لها دلالة كبيرة جداً، من هذه الدلالات: أنك إذا توهمت أنه يستوي عند الله من عمل الصالحات مع من عمل السيئات فأنت لا تعرف الله.
 الله عز وجل يقول:

﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾

[سورة القصص الآية: 61]

 مؤمن موعود بالجنة، والذي يعده هو الله عز وجل، ومن أوفى بعهده من الله ، ومن أصدق من الله حديثا، لا يستوي مؤمن ولو كان في السلم الاجتماعي في الحضيض، ولو كان فقيراً، ولو كان معتماً عليه في الظل، ولو بدا مهمشاً في الحياة، لأنه مؤمن، وأصحاب الوجاهة والمكانة والصولجان في المقدمة، وتحت الأضواء، العبرة بالنهاية.

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾

[سورة الجاثية الآية: 21]

 يعني في اللحظة التي تتوهم فيها أن الحياة للشاطر، ولو كان دخله حراماً، ولو حصل أموالاً من طريق غير مشروع، يا أخي شاطر، وركز وضعه، واشترى بيتًا، واشترى مركبة، وما شاء الله حوله، هذا فهم شيطاني، لأن الله يقول لك:

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾

[سورة الجاثية الآية: 21]

الله منحك حرية الاختيار فأحسن التصرف:

 أيها الأخوة, من لوازم الاختيار: أن تفعل ما تريد إلى أمد بعيد، ولا يحدث شيء، تحتال، وتغتصب، وتأكل مالاً حراماً، وتستمتع بما لا يحل لك، وتغوي الفتيات، وقلبك نبضه ثمانون، والضغط اثنا عشر، ثمانية، وعملت فحوصات كاملة، مثل البغل، لا مشكلة:

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾

[سورة الجاثية الآية: 21]

 إلى أمد يبدو أنك تفعل ما تريد، ولا تلقى عقاباً، لو جاء العقاب عقب السيئة ألغي الاختيار، لو جاء الثواب عقب العمل الصالح ألغي الاختيار، ما معنى اختيار؟ أن تأخذ أبعادك، أن تفعل ما تشاء، لكن اعلم علم اليقين أنه لا بد من حساب، قال تعالى:

﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾

[سورة الحجر الآية: 92-93]

 من هو الذكي؟ من هو العاقل؟ من هو الموفق؟ هو الذي يعلم أن هذا الذي يفعله لن ينجو من العقاب، أنت مع إنسان لا يمكن أن تستورد بضاعة إلا في نسخة, تذهب إلى المالية، فلو أغفلت هذه الصفقة أهدرت حساباتك، وكلفت بأضعاف مضاعفة من الضرائب، ليس هناك تاجر في بلد هكذا نظامه يفعل مادة بمستورداته، يقول لك: هناك نسخة للمالية تذهب، لماذا مع إنسان يضبطك, ويطولك علمه، وتطولك قدرته، لماذا أنت منضبط معه؟ لماذا تظن أنك لن يطولك عقاب الله؟ لماذا تأخذ ما ليس لك، وتحتال، وتبني مجدك على أنقاض الناس، وتأخذ أموالهم بالباطل، وتكذب عليهم؟ أي لا يوجد حِرف ليس بها غش.

لن تنجو من عقوبة السيئة ستطولك أمدها:

 أقسم لي شخص قال لي: قبل أربعين خمسين سنة يأتي إنسان، ومعه زيتون يحب أن تعصر أمامه، يوضع الزيتون في المعصرة، ويعصر، ويجمع المحصول في حوض ، ويعبأ له، ويأخذه، وهو يقسم بالله أنه تم عصره أمام عينيه، ماذا يفعل صاحب المعصرة؟ يضع برميل زيت نباتي في السقيفة، ويمدده لقعر الحوض، ويعصر الزيتون نصف عصرة، ويفتح المفتاح، يعبئ له الزيت تماماً، أي هذا إنسان يغش، معقول لا يناله عقاب الله عز وجل ؟
المشكلة: أن توقن أن المعصية لن تنجو من العقاب، إن لكل سيئة عقاب، ولكل حسنة ثواب.

 لذلك:

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾

[سورة الجاثية الآية: 21]

﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ﴾

[سورة السجدة الآية: 18]

﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾

[سورة القلم الآية: 35-36]

 أرأيت إلى هذه الآيات؟.

 

انج نفسك بالإحسان إليها:

 الآن: كن ذكياً، لا تحب أحداً أحب نفسك فقط؛ أن تؤذي الناس، أن تبتز أموالهم، أن تأخذ ما ليس لك، أن تحتال عليهم، أن تخيفهم، أن توهمهم، يوجد مهن راقية بشكل كثير أيها الأخوة, لا يستطيع الموكل عند المحامي، ولا المريض عند الطبيب أن يكشف خطأه، مستحيل، قال لك: أريد عشرة تحاليل، لا يوجد إمكانية أن تناقش الطبيب، قد تحتاج إلى تحليل واحد، يقول لك المحامي: هذه الدعوى رابحة, وهو يعلم علم اليقين: أنها خاسرة سلفاً، لأن هناك اجتهاداً في محكمة النقض يمنع أن تنجح هذه الدعوى، ومع ذلك تأخذها، وتلهم هذا الموكل أنها رابحة، وتأخذ من أمواله ما تشاء.
 أقسم لي طبيب مؤمن -أنا أحترمه- أقسم لي يميناً بالله: أنه يستطيع أن يجعل المريض يبيع بيته وهو راض، لا يمكن أن تصلح الحياة بدون إيمان بالله، لذلك هذه الآيات التي فيها توازنات:

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾

[سورة الجاثية الآية: 21]

﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ﴾

[سورة السجدة الآية: 18]

﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾

[سورة القلم الآية: 35-36]

﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾

[سورة القصص الآية: 61]

لا تسول لك نفسك إذا احتلت على الناس تنجو من عذاب الله:

 أيها الأخوة، ثم والله، ثم والله, الذي لا يدخل في حساباته عدل الله وعقاب الله يعد أغبى أغبياء الأرض، أحمق، يظن أنه عصى، واحتال على الناس، وابتز أموالهم، و عاش في بحبوحة.
 لي طالب في الحادي عشر قديماً, له خال صاحب سينما، أصابه مرض خبيث وهو في الأربعين، فكان مرة إلى جانبه، فبكى خاله، فقال له خاله: أنا جمعت أموالاً طائلة كي أمضي خريف عمري في بحبوحة، وفي يسر، هكذا الموت داهمني، وأنا في سن مبكر، معقول تبني ثروتك على فساد الشباب! يأتيهم بأفلام مثيرة جداً من أجل أن يقبلوا على هذه الدار، وتربح ملايين مملينة على حساب أخلاقهم، وانحرافهم، وارتكابهم للمعاصي والآثام؟ في اللحظة التي تتوهم أنه يمكن أن تأخذ ما ليس لك، ويمكن أن تحتال على الناس، ويمكن أن تتمتع بما لا يحل لك، ويمكن أن تبتز أموال الناس، وأنت في أعلى درجة من الوقار والاحترام، وأن تنجو من عذاب الله، فهذا مستحيل.

بضاعة الغافلين:

 لي قريب يعمل في تصليح السيارات, له جار، جاءه إنسان اشترى مركبة حديثة جداً من بلد خليجي، وهو في نشوة فرحته أصابها خلل طارئ، يقول لي قريبي: قضية تصلح في عشر دقائق، المصلح انتبه أن هذا الإنسان لا يعلم عن السيارات شيئًا، أي أنه جاهل ، وحريص على هذه المركبة، ومتألم جداً من هذا الخلل الذي أصابها، قال له: أريد أن أفك غطاء الكولاس، وعشرة آلاف ليرة، وافق رأساً، ويريد ثلاثة أيام، قال لي: أخذ عياله أولاده في أول يوم بعد أن صلحها في خمس دقائق إلى الزبداني، وثاني يوم على طريق المطار، و ثالث يوم على سوق وادي بردى، وجاء رابع يوم صاحب المركبة، فأعطاه إياها وأخذ عشرة آلاف، وهو قد صلحها في خمس دقائق، ماذا قال له هذا قريبي الذي هو جاره؟ قال له: حرام عليك، هذا غش، قال له: هكذا العمل، بعد أربعة أيام يعمل ابنه في مخرطة, فدخلت شظية صغيرة من الفولاذ في قرنية العين، أخذه إلى بيروت, دفع ستة عشر ألف ليرة لبنانية، كانت الليرة بمئة وستين ليرة سورية, أي قريبًا من أربعة وعشرين ألفاً دفعهم خلال ساعة، الأحمق هو الذي يظن أن أعماله السيئة ينجو من عقاب الله بها.

إن لم تكن مسلماً فأنت مجرم وان لم تكن مؤمناً فأنت فاسق:

 هذه النقطة:

﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ﴾

[سورة السجدة الآية: 18]

﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾

[سورة القلم الآية: 35-36]

 انتبه! إن لم تكن مسلماً فأنت مجرم، وإن لم تكن مؤمناً فأنت فاسق، وينبغي بحسب منطق اللغة: أفمن كان مؤمنا كمن كان كافراً؟ أفنجعل المسلمين كغير المسلمين؟ لا، قال لك:

﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ﴾

[سورة القلم الآية: 35]

 أي إن لم تكن مسلماً فأنت مجرم بالمعنى الواسع، وإن لم تكن مؤمناً فأنت فاسق، وإن لم تكن على الحق فأنت على الباطل، إذاً:

﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً﴾

[سورة القصص الآية: 61]

لا تضر آخرتك بدنياك:

 شخص انضبط مع منهج الله، انضباطه منعه من أن يكون في الدنيا في المقدمة، لأنه من أحب دنياه أضر بآخرته، ومن أحب آخرته أضر بدنياه، المؤمن أحد أسباب ضعفه في هذا الزمن أن مناورته ضعيفة جداً، لأنه يوجد عنده قيود شرعية, لا يستطيع أن يستضيف مندوب شركة، ويقدم له فتاة كي يأخذ الوكالة، عنده قيود، وأحد أسباب قوة الكافر التي تبدو مناورته واسعة جداً، لأنه لا يوجد عنده قيد أبداً، يقدم كل شيء للطرف الآخر، يخون أمته من أجل الدنيا، فالإنسان يجب ألا يغتر بارتفاع الكفار في الدنيا وضعف المؤمنين، والعاقبة للمتقين، البطولة من يضحك آخراً.

أفمن كان على نور من ربه كمن هو أعمى!!؟:

 لفت نظري هذه الآيات التي فيها موازنات:

﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ﴾

[سورة فاطر الآية: 22]

 مثل الذي يذكر الله والذي لا يذكره كمثل الحي والميت:

 

﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ﴾

 

[سورة فاطر الآية: 19]

 المؤمن بصير، والكافر أعمى.
 الكافر شهوته جعلته أعمى، حبك الشيء يعمي ويصم، ثم إن الله قال:

﴿إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾

[سورة الأعراف الآية: 183]

 دقق: المتانة مقاومة قوى الشد، والقساوة مقاومة قوى الضغط، الماس أقسى عنصر، والفولاذ المضفور أمتن عنصر، قال الله:

﴿إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾

[سورة الأعراف الآية: 183]

 الكافر يتوهم أنه حر وطليق وذكي، وهذا شيء واضح جداً, في أوربا يسمون الإنسان الغربي بالإنسان المتأله، فيعتد بقوته وبعلمه ويأخذ بالأسباب، ولا يتكل على الله أبداً، فتأتي المصائب تباعاً.
 فيا أيها الأخوة, أردت من مجموع هذه الآيات التي فيها موازنات أن ننتبه أن لكل سيئة عقاباً، والله عز وجل يرخي الحبل، بتعبير معاصر يقول لك: فلان نفسه طويل، تفعل ما تشاء، وتستعلي، وتتغطرس، وتستبد، وتنكل بخصومك، وتقتل الأبرياء، وتقول من أجل الحرية، تقول ما تشاء، لهؤلاء الذين يدعون الحرية صنفوا في مقياس الإرهاب, أول دولة إرهابية في العالم إسرائيل، والثانية أمريكا، هذا التصنيف، هذا تصنيف الفطرة، والدول الذين صنفوا هؤلاء دول أوربية، دول متقدمة, صُنفوا بأنهم أول دول إرهابية في العالم، لك أن تقول ما تشاء، لذلك: الله عز وجل ما خاطب الكفار ولا في آية واحدة, لأنهم أحقر من أن يخاطبوا.

رجلان لا يتناقشان منتفع بباطل أو قوي وغبي:

 قلت لكم قبل يومين: إن المنتفع لا يناقش، والقوي لا يناقش، والغبي لا يناقش، وقد يجتمعون في واحد؛ لا تناقش قوياً، لا تناقش غبياً، لا تناقش إنساناً منتفعاً بفكرة أو بمبدأ يطرحه للناس، أما الحر فيناقش، لذلك المنتفع بالباطل لا يناقش، وهو أحقر من أن تناقشه، بل إن الله جل جلاله يوم القيامة يحجبه:

﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ ﴾

 - بالتعبير العامي: أي اخرس-:

وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ﴾

[سورة يس الآية: 65]

 نريهم أعمالهم.
 الآن بالتحقيقات الراقية جداً لا يحققوا مع الإنسان، يرى المذنب شريط عمله ملونًا، هل بإمكانه أن يقول: لا؟ تعرض عليه جرائمه، ماذا يقول؟ إذاً: إياك أن تتوهم أنه يمكن أن تؤذي مخلوقاً, أو تبتز ماله, أو أن تعتدي على عرضه، وأن تعد نفسك ذكياً وشاطراً، و أنك حققت متعة ومالاً، وأنت في قمة المجد والتفوق، هذا أغبى إنسان على وجه الأرض.

أوربا غفلت عن آخرتها:

 كنت في ندوة إعلامية قبل بضعة أشهر فقلت في الندوة: إن أوربا عقلها من ذهب، متقدمة جداً علمياً، وقلبها من حديد, متوحشة إنسانياً، فقال لي محاور: لا أدري لماذا قال هذا الكلام؟ ثم اعتذر قال: أنا أريد أن أنقل لك ماذا يفكر المشاهدون؟ قال لي: وماذا يمنع أن يكون الإنسان عقله من ذهب، وقلبه من حديد؟ ماذا أجيبه؟ قلت: لا يمنع، بالعكس إذا كان عقل الإنسان من ذهب، وقلبه من حديد صار قوياً، وجمع ثروة طائلة، وبنى مجده على أنقاض الناس، وبنى غناه على فقرهم، وبنى عزه على ذلهم، وبنى أمنه على خوفهم، فهو أذكى إنسان في العالم، تفاجأ، قلت له: هذا بشرط ألا يكون هناك آخرة، فإذا كان هناك آخرة فهو أغبى إنسان على وجه الأرض، ويوجد آخرة، ويوجد تسوية حسابات، ويوجد وقوف بين يدي الله عز وجل، أي نهدم بناء، ونحن مرتاحون, نريد أن نغتال شخصاً, نقتل معه ثمانية عشر، مكافحة الإرهاب، وهكذا تمضي الحياة، وتنتهي الحياة، ولا يوجد شيء أبداً بعد الحياة، من يعتقد ذلك كأنه ملحد، أن يستوي المجرم مع المحسن.
 الأنبياء والمؤمنون نشروا الحق في العالم، وهؤلاء الطغاة أرادوا أن يعيشوا وحدهم على أنقاض الشعوب, هل يستوي هذا مع هذا؟ هذا لا يتناقض مع عدل الله فحسب، بل يتناقض مع وجود الله.

فمن نكث فإنما ينكث على نفسه:

 طبيب من الأطباء الكبار قال لي: أنا خرجت خمسين جيلا من الأطباء، ومعه ثلاثة بوردات، مرت فترة، عافاه الله الآن مريض، لزم الدروس في هذا المسجد، وكان بعد كل خطبة يزورني في المكتب، حدثني عن حاله قال لي: جاءتني مريضة معها سرطان بالصدر منتشر، ومعها زوجها، فهو تألم من تفاقم هذا المرض، فانتحى بزوجها جانباً، وقال له: أنت مجرم، قال له: لماذا؟ قال له: هذا سرطان متطور جداً، أين كنت في بداياته؟ كان يمكن علاجه بالأشعة، ممكن بالاستئصال، ممكن بالدواء الكيماوي، أين أنت؟ قال له: كنا عند الطبيب الفلاني لم يقل: إنه سرطان، قال: التهابات، وأعطانا مضادا حيويا، ومسكنات، ثم قال هذا الطبيب -الأستاذ الكبير-: قال لي: والله طلاب الطب يعلمون أن هذا سرطان، لو قال له: ورم خبيث انتهى عنده، وانتقل إلى طبيب أعلى، أبقاه عنده سنتين يعطيه كورتيزون ومسكنات ومضادات التهاب، فلما علم الزوج ما فعل معه هذا الطبيب، -يوجد أطباء ملائكة، أنا ما أتحدث عن مهنة، يوجد أطباء مؤمنون، أولياء، وعندهم إخلاص لا حدود له، أنا أتحدث عن حالة واحدة أنا لا أتهم مهنة، كل مهنة فيها جيدون وسيئون-.
 الزوج عندما علم الحقيقة انبطح على الأرض، -أي فعل حركات غريبة، كأنه إنسان قد جنّ-، قال له: يا رب إذا كنت موجوداً فانتقم منه، قال لي: والله اقشعر جلدي، وذهب وبعد ستة أيام ماتت المرأة، قال لي: بعد أحد عشر شهراً يأتيني إنسان أنيق جداً، لكنه كئيب، وجلس على المعقد متثاقلاً، قال له: تفضل، قال له: أنا زميلك الدكتور فلان معي سرطان بالصدر، الطبيب نفسه، يقسم بالله بحسب خبرته أنه بدأ من دعوة هذا الزوج.
 أنا أتمنى هذه الحقيقة, لا تتصور تعتدي، أو تبتز، أو تأخذ ما ليس لك، وتظلم زوجتك، أو تظلم ابنك، أو تظلم ابنك، والأمر هكذا يمر، لا بأس، لا:

﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾

[سورة الحجر الآية: 92-93]

 الله عز وجل قد يعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين، وقد يكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين، ولكن تسوية الحساب التام يوم القيامة:

﴿وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾

[سورة آل عمران الآية: 185]

نفسك أمانة في عنقك لا تجرها إلى الداء العضال:

 الآن لا تحب أحداً أحب نفسك، ٍإن انطلقت من أنانية مفرطة، ومن حب لذاتك لا ينتهي، ينبغي أن تستقيم على أمر الله، خذ مالك، ودع الذي ليس لك، وانج بجلدك من الله عز وجل, لأن بطش ربك لشديد، ولو معك وقت تتتبع ما يجري عند الناس, لرأيت العجب العجاب, كيف يعامل الله العباد؟ كل شيء بثمنه، إن لكل حسنة ثواباً، ولكل سيئة عقاباً.
 هذا الموضوع تقريباً يغطي كل الآيات التي بها موازنات:

﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً﴾

[سورة السجدة الآية: 18]

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾

[سورة الجاثية الآية: 21]

﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ﴾

[سورة القلم الآية: 35]

﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ﴾

[سورة فاطر الآية: 22]

َ

﴿هلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾

[سورة الزمر الآية: 9]

 كل الآيات المتعلقة بالموازنات يجب أن تأخذ منك مأخذاً كبيراً، وأن تعتقد أن الذكاء كل الذكاء، والتوفيق كل التوفيق، والفلاح كل الفلاح، والنجاح كل النجاح في طاعة الله عز وجل، والتزام أمره.

رأس الحكمة مخافة لله:

 وقد قال عليه الصلاة والسلام:

((رأس الحكمة مخافة الله))

 مرة قال لي طالب: أنا لا أخاف من الله، نظرت إليه في صف فيه خمسة وخمسون, طالب بكالوريا، قلت له: أنت بالذات معك حق، قال لي: لماذا؟ قلت له: يا بني, يذهب الفلاح إلى الحقل, معه ابنه عمره سنتان, يضعه بين القمح, يمر ثعباناً طوله اثنا عشر متراً، لا يخاف منه، لأن إدراك لا يوجد، فلا يوجد خوف، من يخاف؟ الذي عنده إدراك, فأنت بالذات معك حق ألا تخاف من الله, لأنه لا إدراك لك.
 أخواننا الكرام, كلما ازداد علمك ازداد خوفك من الله.

 

ما جاء عن ورع النبي:

 أرسل صلى الله عليه وسلم خادماً, فتأخر, فغضب النبي كأي بشر، معه سواك يقول للخادم: لولا خشية القصاص لأوجعتك بهذا السواك.
 احمل سواكاً أرسل وحاول أن تضرب به أحداً.
 عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ:

((مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتَمْرَةٍ مَسْقُوطَةٍ فَقَالَ: لَوْلَا أَنْ تَكُونَ مِنْ صَدَقَةٍ لَأَكَلْتُهَا, وَقَالَ هَمَّامٌ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-, عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: أَجِدُ تَمْرَةً سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي))

 هذا الورع، فأنت انج بجلدك من الله أرسل, وإلا كان الحساب دقيقًا، الله عدله مطلق، كما تريد أن تتكلم عن نفسك أرسل, لكن الله عز وجل متكفل أن يحاسبك حساباً دقيقاً.

 

قضى الله أن يكون قانوني الدنيا والآخرة على اختلاف بينهما محنة للعباد:

 وفي قوله تعالى:

﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾

[سورة الصافات الآية: 50-57]

 أيها الأخوة, أساس الدنيا السعي والكد، ولا تصل إلى شيء إلا بشق الأنفس, أرسل بدليل قوله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ﴾

[سورة الانشقاق الآية: 6]

 لكن نظام الآخرة أساسه:

﴿لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ﴾

[سورة النحل الآية: 31]

 أي أنت في الدنيا من أجل أن ترى إنساناً في حلب, لا بد من أن تركب المركبة خمس ساعات، أما في الآخرة فيكفي أن يخطر في بالك إنسان أين هو؟.

 قال:

﴿فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ﴾

[سورة الصافات الآية: 55]

 نظام الآخرة نظام مستقل، نظام الدنيا مبني على السعي، ونظام الآخرة مبني على الإكرام, أنت حينما وصلت إلى الجنة لك ما تشاء، كلك أعين، وكلك آذان، ويمكن أن تأكل مليار تفاحة, وتأخذ طعومها اللذيذة من دون أن تكون عبئاً عليك.
 أي نظام الآخرة ملخص في هذا الحديث القدسي:
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, قَالَ اللَّهُ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ؛ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ, وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ, وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ...))

[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح]

نظام آخر أساسه الإكرام:

﴿قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ﴾

[سورة الحاقة الآية: 23]

 فيها ما تشتهي الأنفس, وتلذ الأعين، فيها جنة تمتع كل من دخلها، وفوق الجنة فيها نظر إلى وجه الله الكريم:

﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾

[سورة القيامة الآية: 22-23]

 وفوق النظر إلى وجه الله الكريم رضوان من الله أكبر، ففيها متع من نوع آخر، ليس بينها وبين متع الدنيا إلا الاسم فقط، وفيها نظر إلى وجه الله الكريم، وفيها رضوان من الله، وهذا أكبر شيء في الجنة، وليس لها نهاية إلى أبد الآبدين:

﴿وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾

[سورة طه الآية: 73]

﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾

[سورة الضحى الآية: 4]

 ونظامها نظام إكرام، لا يوجد أمراض، ولا يوجد التهاب مفاصل، ولا يوجد جلطة، ولا يوجد تشمع كبد، ولا يوجد خثرة بالدماغ، ولا يوجد زوجة مشاكسة لا تحتمل، ولا يوجد ابن عاق، ولا يوجد شريك ظلوم، ولا يوجد خوف من جهات عديدة، ولا يوجد قهر، ولا حروب ولا دمار، فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، هذه يضحي بها الجنة؟ هي من وعد الله عز وجل:

﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً﴾

[سورة النساء الآية: 87]

﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾

[سورة التوبة الآية: 111]

اجمع إلى إيمانك بالله اليقين بحقيقتي الدنيا والآخرة:

 أيها الأخوة الكرام, يقول أحد علماء الحديث: قرأت ألوف الأحاديث، ورأيت حديثاً جامعاً مانعاً، يقول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث:

((اعمل للدنيا بقدر بقائك فيها، واعمل للآخرة بقدر مقامك فيها، واتق الله بقدر حاجتك إليه، واعمل لله بقدر حاجتك إليه، و اتق النار بقدر صبرك عليها))

 نحن حينما نوقن بالآخرة, شهد الله تنعكس موازيننا، كل شخص له موازين، إذا جمع مالاً يرى نفسه فائزاً، إذا آمنت بالآخرة تنعكس الموازين، ترى الفوز لا في أخذ المال، بل في إعطائه، إذا آمنت بالآخرة ترى الفوز في التعب المضني في سبيل الله، لا في الاستلقاء، واستهلاك جهود الآخرين، إذا أيقنت بالآخرة لا ترى أنك مضطر أن تستجدي من الناس إعجابهم بما تفعل، تفعل لله عز وجل، فحينما نؤمن بالآخرة تنعكس كل الموازين، والذي ينقصنا إيمان بالآخرة يضاف إلى الإيمان بالله، أما الإيمان بالله وحده فلا يكفي, يجب أن توقن أن:

 

((هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي))

 

دعاء الختام:

 بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور