وضع داكن
29-03-2024
Logo
رحلة استراليا 3 - المحاضرة : 21 - ذكرى المولد وكيفية الاحتفال به .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

 أعزائي المستمعين أهلاً ومرحباً بحضرتكم في هذا اللقاء المباشر الطيب بإذن الله تعالى الذي سيكون ضيفنا فيه إن شاء الله فضيلة العلامة الدكتور محمد راتب النابلسي، باسمي واسمكم أتفضل بخالص الشكر والامتنان لفضيلته، فضيلة الشيخ أهلاً وسهلاً بك، وجزاك الله خيراً، وأسأل الله عز وجل أن يجزل مثوبتك، ويعلي درجتك، إنه بكل جميل كفيل.
الدكتور راتب:
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وجعل هذه الإذاعة إن شاء الله منبراً إسلامياً و كل من سعى في إنشائها، ومتابعتها، له أجر كبير.
المذيع:
 أعزائي نحن اليوم في هذه الأيام نعيش وقتاً تمتلئ فيه وتعمنا البركات بذكرى مولد سيد البشرية، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
 نريد أن نعرف كيف نحتفل بالمولد النبوي، فاليوم بإذن الله تعالى نعيش مع فضيلة الشيخ بإذن الله، السيرة النبوية والفهم الصحيح للاحتفال بالمولد النبوي وكيف نتذكر هذه الذكرى؟ أهلاً وسهلاً.

الحديث عن النبي و أخلاقه و شمائله جزء من التعريف بهذا الدين العظيم :

الدكتور راتب:
 بكم جزاك الله خيراً.
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
 الحقيقة الدقيقة، الأساسية والخلافية عند شرائح المسلمين هي حكم الاحتفال بعيد المولد، الحقيقة هناك من يرى أن الاحتفال بعيد المولد بدعة، وهناك من يرى أن الاحتفال بعيد المولد من صلب الدين، والحقيقة وسط بين طرفين، أذكر بعض الآيات، إذ قال الله عز وجل:

﴿ وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾

[ سورة هود الآية: 120]

 فإذا كان قلب سيد الخلق وحبيب الحق يزداد ثبوتاً إيمانياً بسماع قصة نبي دونه، فلأن يمتلئ قلبنا إيماناً بسماع قصة الأنبياء والمرسلين من باب أولى، هذه آية كريمة تحضنا على معرفة رسول الله.
آية ثانية:

﴿ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ ﴾

[ سورة المؤمنون الآية: 69]

 وكأن الله عز وجل يحثنا على معرفة رسوله، آية ثالثة:

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ﴾

[ سورة سبأ الآية: 46]

 ولا إله إلا الله محمد رسول الله، وكأن الشطر الثاني من كلمة الإسلام الأولى هي معرفة رسول الله.
 فالحديث عن شمائل النبي، عن أخلاق النبي، عن سيرة النبي، عن معجزات النبي، عن رحمة النبي، عن عدل النبي، عن أنه زوج صالح، وحاكم عادل، وأب رؤوف، الحديث عنه جزء من الدعوة إلى الله، جزء من التعريف بهذا الدين العظيم.

 

حكم الاحتفال بعيد المولد النبوي :

ولكن الإشكال أن ندعي أن الاحتفال بعيد المولد هو عبادة، العبادات في الأصل مبنية على الحظر، ولا تشرع عبادة إلا بالدليل القطعي والثابت، بينما الأشياء أساسها الإباحة، ولا يحرم شيء إلا بالدليل، بالعبادات لا تشرع عبادة إلا بالدليل، أما بالأشياء فلا يحرم شيء إلا بالدليل.
 إذاً لا تستطيع لا أنت، ولا أنا، ولا أي جهة بالأرض، ولا أي اتجاه إسلامي، ولا أي منظمة إسلامية، ولا أي تيار إسلامي، ولا أي فرقة إسلامية، ولا أي جماعة إسلامية، أن تبتدع عبادة، لمجرد أن تسمي الاحتفال بعيد المولد عبادة فهو بدعة، أما بمجرد أن تفهم العبادة بعيد المولد أن تعرف الناس برسول الله على أنه نوع من الدعوة إلى الله، أن تعرف الناس بأخلاق النبي، بشمائل النبي، بخصائص النبي، برحمة النبي، بعدل النبي، بتواضع النبي، بطريقة زواجه، طريقة سياسته، معاملته لجيرانه، لمن حوله، فهذا جزء من الدعوة إلى الله، يندرج تحت الدعوة إلى الله، بشرط ألا نعدها عبادة، وأن يكون هذا على مدار العام، ليس من الضروري أن يكون هذا فقط في الثاني عشر من ربيع الأول، هذا يكون على مدار العام، فتعريف الناس برسول الله جزء من التعريف بهذا الدين، لأنه لا إله إلا الله محمد رسول الله.إذاً هذه الحقيقة الأولى يمكن أن نلتقي في المسجد، وفي البيوت، ما الذي يمنع أن تدعو أخوانك الخلص، الصادقين إلى سهرة في بيتك، أن تدعو عالماً جليلاً عرف بالصلاح والعلم، وأن يكون محور هذا الحديث في هذا اللقاء الطيب عن رسول الله، عن شمائله، عن أخلاقه، عن محبته، عن دعوته، عن معجزاته، هذا من صلب الدين، بل من صلب الدعوة إلى الله، ولكن إياك ثم إياك ثم إياك أن تقول: هذه عبادة، العبادات مبنية على الحظر، والمنع، ولا تشرع عبادة إلا بالدليل القطعي والثابت، أما الأشياء فالأصل فيها الإباحة، ولا يحرم شيء إلا بالدليل.
المذيع:
 هذا ألبس على كثير من الناس، كثير من الناس إذا أنكرت عليه شيء، يقول: إذاً قيادة السيارة بدعة، إذاً ركوب الدراجة بدعة، فهو يخلط بين الأشياء وبين العبادات.

العبادات مبنية على الحظر والمنع أما الأشياء فالأصل فيها الإباحة :

الدكتور راتب:
 العبادات لها حكم، والأشياء لها حكم.
المذيع:
 إذاً الأشياء الأصل بها الإباحة، لكن العبادة الأصل بها المنع، جزاك الله خيراً.
الدكتور راتب:
 ما لم يأت بالدليل القطعي والثابت، وإلا لو سمحنا للمسلمين أن يبتدعوا عبادات لكنا أمام مليون عبادة، وكنا أمام مليون شيء شائك وتائه ومعقد، وقد لا ننتهي، الدين أساسه الحظر.
المذيع:
 فضيلة الشيخ بالنسبة لمن يقول: يوم نجا الله فيه موسى من فرعون، كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم، وكان بعض الناس يقولون: أليس ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم أهم من يوم نجا الله فيه موسى من فرعون؟.

الاحتفال بعيد المولد النبوي يكون لا على أنه عبادة بل نشاط إسلامي :

الدكتور راتب:
 أنا لا أمنع أن نحتفل بميلاد النبي، لا على أنه عبادة، على أنه نشاط إسلامي، طبعاً ميلاد النبي شيء مهم جداً، هل هناك من إنسان أعظم من رسول الله؟. لكن الشيء الدقيق جداً أن سيدنا عمر أرّخ بهجرته لا بميلاده، وأن حكمة تأريخ السنوات الهجرية لهجرته، هجرته عمل، هجرته إنجاز، هجراته انتقال من دار الكفر إلى دار الإيمان، من مجتمع التفلت إلى مجتمع الانضباط، الإنسان يقيّم لا بميلاده بل بعمله، هذه لفتة لطيفة جداً أن التاريخ لم يبدأ بميلاده بل بدأ بهجرته. 

 

المعنى الواسع للهجرة :

 

 والحقيقة الهجرة لها معان واسعة جداً، أي إنسان هجر أهل الضلال وانضم إلى أهل الحق فهو مهاجر، ولو بقي في بلدته، هجر المعاصي، واتجه إلى الطاعات، هذا المعنى الواسع للهجرة، المعنى الواسع الهجرة حركة، لا يوجد عندنا إسلام صامت، إسلام سلبي، عندنا إسلام حركي، أنت ما لم تعط لله، ما لم تمنع لله، ما لم ترض لله، ما لم تغضب لله، ما لم تصل لله، ما لم تقطع لله، ما لم تكن حركاتك وسكناتك مبنية على أساس من ورع وطاعة ومنهج إلهي فأنت لست مؤمناً.
 إذاً القضية الآن قضية الحركة وفق منهج الله، من هنا أقول لك: الإنسان كائن متحرك ومعنى كائن متحرك ما الذي يحركه؟ حاجته إلى الطعام والشراب، وحاجته إلى الزواج، وحاجته إلى تأكيد الذات، إذاً الإنسان كائن متحرك، وحركته وفق منهج الله عز وجل.

من عظّم و اكتفى بالتعظيم و لم يتابعه لا قيمة لتعظيمه :

 إذاً قضية الاحتفال بعيد المولد ينبغي أن تنضوي تحت الدعوة إلى الله، وتحت التعريف برسول الله، تمهيداً للاقتداء به.
 تصور أباً عالماً كبيراً، وله ابن، هذا الابن أمضى حياته كلها في الحديث عن والده، وعن علم والده، الابن أمي، لو حدث الناس عن والده مئة سنة، ولم يقتدِ بوالده لطلب العلم، هذا الشيء لا يقدم ولا يؤخر، وقد يقود هذا إلى التبرك أحياناً، أنا لا أنكر التبرك، لكن أنكر أن نكتفي به.
 لو فرضنا إنساناً عظيماً يحمل عدة شهادات كبرى، وله أثر في الحياة، وترك بصمات عريضة، وله مكتب، لو المستخدم الأمي في أثناء غيابه جلس على طاولته، هل يرتقي؟ ولا درجة، أما إذا درس الابتدائي فمشى في طريق سيده.
 ترتقي أنت إذا تابعت من تعظم، أما إذا عظمت واكتفيت بالتعظيم، ولم تتابع، لا قيمة لهذا التعظيم، لو أن المسلمين في كل أقطارهم احتفلوا بعيد المولد كل يوم، على مدى العام، وبيتهم ليس إسلامياً، والدخل ليس إسلامياً، والإنفاق ليس إسلامياً، والعادات والتقاليد ليست إسلامية، لو احتفلوا كل يوم طوال حياتهم، هذا الاحتفال لا يقدم ولا يؤخر، ما لم تتبع.
 لذلك قالوا: هناك نصائح ثلاثة تكتب على ظفر: "اتبع لا تبتدع، اتضع لا ترتفع، الورع لا يتسع".
المذيع:
 فضيلة الشيخ لو أبقينا الوقت الباقي في الاتباع، كيف الاتباع أولاً؟ أو نلخصها بمعادلة الرياضيات، محبة النبي صلى الله عليه وسلم هي اتباعه .

ربط محبة الله باتباع النبي صلى الله عليه و سلم :

الدكتور راتب:

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾

[ سورة آل عمران الآية: 31]

 ربط الله محبته باتباع النبي.

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾

[ سورة آل عمران الآية: 31]

يقول ابن القيم: من أعجب العجب أن تعرفه ثم لا تحبه، ومن أعجب العجب أن تحبه ثم لا تطيعه، فعلامة الحب الاتباع، وعلامة الاتباع الطاعة لله عز وجل .
 إذاً نحن نريد أن نؤكد للإخوة المستمعين أن الاحتفالات على أنني لا أحرمها، لكن لا تكفي، أنا يكبر عندي أن نكتفي بها، إذا اكتفينا بالاحتفالات، ولم نتبع سيرة النبي هذا العمل لا يقدم ولا يؤخر، صار فلكلوراً، أحياناً الدين ينقلب إلى فلكلور، وعادات، وتقاليد.
المذيع:
 أنا أريد أن أضيف نقطة بسيطة فضيلتك تعلق عليها: لو أن لنا أباً، وأقمنا له عيد ميلاد، ولله ورسوله المثل الأعلى، ثم عققناه بقية العام، لا أعتقد أنه سيكون سعيداً معنا.
الدكتور راتب:
 بالعكس يرى أنكم تضحكون عليه.
المذيع:
 كيف نعظم سنة النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الديار خصوصاً؟.

كيفية تعظيم سنة النبي صلى الله عليه و سلم :

الدكتور راتب:
 والله أنت حينما تعتقد أنك تنتمي إلى سيد الأنبياء والمرسلين، وأن منهج النبي الكريم هو تعليمات الصانع، وأنت حريص على سلامتك وسعادتك، فقد عظمته.
أنت لاحظ نفسك حينما تقتني آلة غالية الثمن، عظيمة النفع، معقدة التركيب، هناك تحليل للدم تقليدي- مخبر- والطبيب طلب عشرة تحاليل، وكل تحليل فيه زراعة، وفيه تأمل، وفيه أشياء دقيقة جداً، لو أنه عثرت على كومبيوتر تضع لهذا المريض نقطة دم في مكان، وتأتيك التحاليل بدقة بالغة، هذا الكومبيوتر ثمنه ملايين مملينة، لكن الشركة التي باعتك إياه نسيت إرسال تعليمات التشغيل، ألا تعتقد أن تعليمات التشغيل أهم من الكومبيوتر؟ لو استعملته من دون تعليمات لعطبته، ولو خفت عليه فجمدته جمدت ثمنه، فالتعليمات أهم من الكومبيوتر، لذلك قال تعالى:

﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ ﴾

[ سورة الرحمن الآية:1 ـ 3 ]

 يا رب أيعقل أن نُعلم القرآن قبل أن نخلق؟ نقول: لا، هذا الترتيب ليس ترتيباً زمنياً إنما هو ترتيب رتيب، أي لا معنى لوجودك من دون منهج تسير عليه، لا معنى لوجدك أصلاً من دون منهج تسير عليه.
وانظر إلى حياة أهل الغرب، حياة فيها مصائب، فيها متع رخيصة، لكن لا يوجد فيها سعادة، لأن السعادة تحتاج إلى أن تعرف الله، أن تطبق منهجه، إن طبقت منهجه سلمت، إن تقربت إليه سعدت، الفرق بين السلامة والسعادة فرق كبير، إذا كان مالك حلالاً، ما عرفت الزنا، ما عرفت الكذب، صادق، تزوجت امرأة مؤمنة، بيتك إسلامي، الأولاد إسلاميون، لكن ليس لك عمل صالح، أنت تسلم، لا يوجد مفاجآت في حياتك، لا يوجد دمار، لا يوجد مصيبة ساحقة.

((ما من عثرة، واختلاج عرق، ولا خدج عود إلا بما قدمت أيديكم، وما يعفو الله أكثر))

[ أخرجه ابن عساكر عن البراء ]

 فأنت حينما تستقيم تسلم، أما السعادة فشيء آخر، لكن لا تسعد إلا إذا عملت عملاً صالحاً قال تعالى:

﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾

[ سورة فاطر الآية: 10]

 أنت كإنسان جبلت على حبّ وجودك، وعلى حبّ سلامة وجودك، وعلى حبّ كمال وجودك، وعلى حبّ استمرار وجودك، فسلامة الوجود بطاعة الله، وكمال الوجود بالقرب من الله بالعمل الصالح، أما الشيء الثالث فمحير، واستمرار الوجود بتربية أولادك، إن ربيتهم تربية إسلامية كانوا خلفاء، أعمالهم، وأعمال أولادهم، وأعمال أولاد أولادهم، وأعمال أولاد أولاد أولادهم، إلى يوم القيامة في صحيفتك.
 لذلك:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾

[ سورة الطور الآية: 21]

 قال علماء التفسير: ألحقنا بهم أعمال ذريتهم.

 

الاحتفال بعيد المولد نشاط دعوي للتعريف برسول الله :

حكم الاحتفال بعيد المولد هو نشاط دعوي للتعريف برسول الله، لأنه هو ذاته قال الله له:

﴿ وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾

[ سورة هود الآية: 120] 

فإذا كان فؤاده يزداد إيماناً لسماع قصة نبي دونه فلأن يمتلئ قلبنا إيماناً بسماع قصة سيد الأنبياء والمرسلين من باب أولى، هذا الغطاء الإيديولوجي بالتعبير المعاصر، والغطاء العقدي بالاحتفال بعيد المولد، والاحتفال بعبد المولد قد يكون في أي مكان، وفي أي زمان، وعلى مدى العام، والاحتفال بعيد المولد لا يعني أنه عبادة، هو نشاط دعوي فقط.
المذيع:
 إذاً هذا هو اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، النقطة التي سبقتها كانت الاتباع، وتعظيم السنة، النقطة التي تليها كيف نتعامل مع السنة؟.

 

كيفية التعامل مع السنة الشريفة :

الدكتور راتب:
 قبل، الآية التي تلفت النظر:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[سورة الأنفال الآية:33]

 أولاً:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ ﴾

 ما من صيغة أشد من هذه الصيغة، علماء النحو قالوا: هذا نفي الشأن، هناك نفي الحدث، وهناك نفي الشأن، قد نسأل إنساناً لا سمح الله ولا قدر: هل أنت جائع؟ يقول: لا، أما إذا إنسان له مكانة كبيرة، يتمتع بأخلاق عالية جداً، وقلت له خطأ فادحاً: هل أنت سارق؟ هل تصدق لا يقول لك: لا، يقول لك: ما كان لي أن أسرق، ما كان لي نفي الشأن تنفي تقريباً عشرة أفعال، لا أفعل، ولا أرغب، ولا أحب، ولا أقر، ولا أوافق، ولا أشجع، ولا ولا، ولا، هذه ما كان أشد صيغة نفي في اللغة.
فقال تعالى:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ﴾

 أي مستحيل وألف ألف مستحيل أن يعذب المسلمون وسنة النبي قائمة فيهم، طبعاً الآية في حياة النبي لها معنى واضح، لكن دعك من حياة النبي لأنها انقضت، معنى الآية الآن ما دامت سنة النبي قائمة في بيوتهم، في أعمالهم، في أتراحهم، في أفراحهم، في كسب أموالهم، في إنفاق أموالهم، في تربية أولادهم، في علاقاتهم، في نزاعاتهم، في حلهم، في ترحالهم، في طلاقهم، في زواجهم، ما دامت سنة النبي قائمة في حياتهم فهم في مأمن من عذاب الله.
 معنى ذلك كل ما نعانيه في حياتنا اليومية له سبب واحد عدم اتباعنا لسنة رسول الله، أقول أنا تعقيباً على هذه الآية: هذه الآية فيها بحبوحة، أنت في بحبوحة طاعة رسول الله

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

 وهناك بحبوحة ثانية بحبوحة الاستغفار:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾

[ سورة الأنفال الآية: 33]

 فاتباع النبي بحبوحة من الله عز وجل،

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

المذيع:
 أسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن يتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
 فضيلة الشيخ كيف نبث في أولادنا هذه الأفكار، الدين كما قلت من قبل ليس ممكناً هنا، الناس أصابوا حد دنياهم بغير دين فكيف نجعل من النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً كبيراً لأبنائنا؟.

التربية الإيمانية سبب سعادتنا و سعادة أولادنا :

الدكتور راتب:
 والله أنا لي كلمة شهيرة جداً: فاقد الشيء لا يعطيه، هذا الذي تتمنى عليه أن يبث تلك الحقائق لأولاده، ويتابعها، أب مؤمن، وعالم، ومربّ، أما إذا كان الأب إيمانه ضعيفاً، وجاهلاً، لا يملك الرغبة لهداية ابنه، شيء طبيعي جداً أن يكون في البيت تفلت، فهذا الشيء طموح كبير، أن هذا الأب يكون على علم، وعلى فهم، وعلى شخصية قوية، وعلى رغبة بهداية ابنه، عندئذٍ لابد من لقاء يومي مع أولاده للحديث عن رسول الله، هذا الأب حينما يُهمل أولاده يكتشف اكتشافاً خطيراً بعد فوات الأوان أنه خسر أولاده، والذي يحصل دائماً أن الأب بأول حياته الزوجية منهمك بتأمين رزقه، بتأمين بيت، أو مهتم بزوجته اهتماماً بالغاً، فحينما يأتي له ابن لا يعتني به، وأنا معلوماتي الدقيقة العلمية أن تربية الابن تبدأ من يوم ولادته وحتى السنة السابعة من عمره، وبعد هذا التاريخ الأمر صار صعباً جداً، فعاداته، وخبراته،و ملكاته، هذه كلها تكون في أول سبع سنوات، فما لم يكن هناك اهتمام في هذه السنوات السبعة هناك مشكلة كبيرة جداً.
 إذاً نحن بحاجة إلى أن تعلم كيف نربي أولادنا تربية إيمانية، يمكن أن تكون هذه التربية سبباً لسعادتهم، وبالتالي لسعادتنا.
المذيع:
 النقطة الأخرى فضيلة الشيخ بالنسبة أيضاً لتربية الأولاد، بعض الأشياء التي قد تكون غيبية، قد تكون ليس لها تخيل للطفل، إذا عرضناها على أولادنا لا شك أنهم يعرضوها على زملائهم في المدارس، وما إلى ذلك، كيف نوصل هذه المعلومات عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ بعض الناس يبسطونها حتى تصل إلى درجة البلاهة، هل نحدث أبناءنا على أنهم يفهمون؟

 

أعظم عمل على الإطلاق أن يكون ابنك كما تريد وتتمنى :

الدكتور راتب:
 والله أقول لك: هذا العبد الفقير لي سلسلتان في تربية الأولاد في الإسلام، ومن فضل الله عز وجل كان لهم رواج كبير، أذكر أن في بعض الإذاعات في لبنان أعادت هذه السلسلة اثنتي عشرة مرة، وبالفضائيات يكررونها، وبالرسالة، وباقرأ، فهذه السلسلة بموقعي موجودة، عندك أربعة و ستون درساً، كيف تربي ابنك تربية إيمانية، ثم تربية علمية، ثم تربية نفسية، ثم تربية اجتماعية، ثم تربية جسمية، ثم تربية جنسية، وكل باب له بحوث طويلة، وكله من الكتاب والسنة، قد تفاجأ أن علوم التربية في أعلى درجاتها موجودة في الدين الإسلامي، وشيء دقيق جداً أنا علمت هذه السلسلة مرتين تقريباً.
 أول شيء التربية الإيمانية، وخصائصها، أسالبيها، طرقها، ثم التربية العلمية، ثم التربية الجسمية، ثم التربية النفسية، ثم التربية الاجتماعية، ثم التربية الجنسية.
ثم الآن الملاحظة، كيف أقدم لابني ملاحظة؟ كيف ألقنه؟ كيف أستنتج منه؟ كيف أحاوره؟ كيف أناقشه؟ هناك عشرون أو ثلاثون وسيلة لنقل المعرفة، هذه الموسوعة أنا أتمنى على كل أب حريص على أولاده أن يقرأها، يستطيع أن يأخذها من الانترنيت مجاناً، يفتح على تربية الأولاد في الإسلام، يفتح على موقع النابلسي، موقعي يزوره في اليوم مليون إنسان، ويسحب منه - آخر إحصاء جاءني من أربعة أيام - كل يوم من فوق المليون ملف يومياً، يكتب تربية الأولاد بالبحث تأتيه الدروس.
 فهذا الابن غال جداً، أنت قيمتك بأولادك، لذلك النبي قال:

((أفضل كسب الرجل ولده))

[أخرجه الطبراني عن أبي بردة بن نيار]

 أي أعظم عمل على الإطلاق أن يكون ابنك كما تريد وتتمنى دائماً، وهناك مقولة قلتها في أمريكا مرات عديدة في مؤتمر إسلامي بمؤتمر المايا بلوس أنجلوس قلت: لو بلغت منصباً ككلينتون - كان وقتها كلينتون الزوج وليست الزوجة - وثروة كأوناسيس، وعلماً كأينشتاين، وابنك ليس كما تتمنى فأنت أشقى الناس، هذه حقيقة.
المذيع:
 ربما الكثير ينظر إلى فضيلتك على أنك قدوة كيف تحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم؟

 

كيفية احتفال الدكتور راتب النابلسي بمولد النبي صلى الله عليه وسلم :

الدكتور راتب:
 والله أنا لا أعده عبادة، كي لا أقع بالبدع، لكن أنا أحتفل بأن أعطي سير النبي، عندنا دروس سيرة بالجامع مستمرة، أنا أعد احتفاله على مدى العام، أنا عندما أجمع أخواني بالمسجد أو أجمع أقربائي في البيت، وأحدثهم عن رحمته، قال مرة النبي صلى الله عليه و سلم:

(( أول من يمسك بحلق الجنة أنا ))

أي أول إنسان يضع يده على باب الجنة أنا.

(( أول من يمسك بحلق الجنة أنا فإذا امرأة تنازعني، تريد أن تدخل الجنة قبلي، قلت من هذه يا جبريل؟ قال: هي امرأة ربت أولادها ))

[ الأدب المفرد للبخاري ]

 فالمرأة حينما تربي أولادها تقوم بأعظم عمل على الإطلاق، لأنها قدمت للمجتمع إنساناً صادقاً، إنساناً أميناً، إنساناً مخلصاً، إنساناً عفيفاً، قدمت عنصراً صالحاً، لذلك:

﴿ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى ﴾

[ سورة آل عمران الآية: 36]

 ماذا كان ردّ الله عليها؟ قال:

﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ ﴾

[ سورة آل عمران الآية: 36]

 وضعت أثنى لكنها ستنجب سيدنا عيسى.
المذيع:
 فضيلة الشيخ هذا كان من رحمة النبي صلى الله عليه وسلم، هلا تحدثنا الأخوة في الخارج ينادونك، ينتظرونك، هل تحدثنا عن رأفة النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً نختم به إن شاء الله على أمل وأظن أن هذا آخر لقاء سيكون لنا مع فضيلتك.

 

رأفة النبي صلى الله عليه و سلم :

الدكتور راتب: 

((مَن لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ ))

[ أخرجه زيادات رزين عن جابر بن عبد الله]

 الآية الكريمة دقق جداً:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾

[ سورة آل عمران الآية: 159]

 أي بسبب رحمة استقرت في قلبك يا محمد كنت ليناً لهم، إذاً التفوا حولك.

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾

[ سورة آل عمران الآية: 159]

 أي لو كنت منقطعاً عنا لامتلأ القلب قسوة، ولانعكست القسوة غلظة، وفظاظة، عندئذٍ ينفض الناس من حولك، هذه الآية تكاد تكون قانون الالتفاف والانفضاض، هذا القانون يحتاجه الأب، والأم، والمعلم، وأعلى إنسان بالبلد، يحتاجه أي إنسان يحتل منصباً قيادياً، يتصل بالله، يمتلئ قلبه رحمة، تنعكس ليناً بمعاملته، يلتف الناس حوله، ينقطع عن الله، يمتلئ قلبه قسوة، القسوة تترجم إلى غلظة وفظاظة، ينفض الناس من حوله.
المذيع:
 فضيلة الشيخ قبل رحيل فضيلتك بإذن الله تعالى، هل من دعوة لهذه الجالية؟.

دعوة الدكتور راتب النابلسي للجالية الإسلامية في أستراليا :

الدكتور راتب:
 والله أنا أدعو لهذه الجالية أن توفق في تربية أولادها، لأن تربية الأولاد هي المشكلة الأولى في حياة الجالية، وأنا ما التقيت مع أب وكان ابنه على غير ما يريد إلا كان يعبر عن ألمه الشديد الذي لا يحتمل، فالتربية أهم نصيحة أوجهها لهم، بلاد جميلة، على الشبكية جنة، أما بعد عشرين سنتيمتر للدماغ تصبح جهنم، فإذا الإنسان ربى أولاده، وكان بيته إسلامياً، وكسب أولاده، أولاده انضموا لهذا الدين العظيم، لهذه الأمة التي اختارها الله لرسالته، يكون قد أفلح، أما إذا حقق مصالحه المادية في هذه البلاد، بلاد جميلة، ودخلها كبير، ومركباتها جيدة، وأكل طيب، وسفر، وجمال ولم يعبأ بأولاده، ثم اكتشف بأن أولاده ليسوا مسلمين، أصلاً لا دين لهم إطلاقاً، فتبدأ متاعبه، وهذا الذي أتمناه لهذه الجالية، أن توفق في تربية أولادها.
المذيع:
 دعوة للعبد الفقير.
الدكتور راتب:
 اللهم وفق من حولي، ومن يستمع إلي، وفقه لما تحبه وترضاه، احفظ للجالية إيمانها وإيمان أهلها وأولادها، احفظ لهم مصالحهم إن شاء الله، احفظ لهم أموالهم، احفظ لهم دينهم، هذا أقصى ما أدعو لهذه الجالية التي كرمتني بالدعوة إلى هذه البلاد.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 أسأل الله عز وجل أن يطيل بقاءك، وأن يبارك في عمرك، وأن يزيدك علماً، نتمنى إن شاء الله أن نراك وقد تغير حالنا، بإذن الله تعالى، جزاك الله خيراً، فضيلة الشيخ على تلبية هذه الدعوة، وأسأل الله أن يبارك فيك.
 أعزائي المستمعين إلى أن نلتقي في لقاء قادم بإذن الله لكم منا أطيب المنى.
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا أرضنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصبحه وسلم . 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور