وضع داكن
18-04-2024
Logo
قوانين القرآن الكريم - الدرس : 06 - قانون الحياة الطيبة والمعيشة الضنك
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس سنن الله في خلقه، والموضوع اليوم قانون الحياة الطيبة والمعيشة الضنك.

مقدمة:

1 – الإنسان مفطور على حبِّ الحياة الطيبة:

 أؤكد لكم ولا أبالغ أنه على وجه الأرض ستة آلاف مليون، ما منهم واحد إلا ويتمنى السلامة والسعادة، وبتعبير قرآني يتمنى الحياة الطيبة، يفهمها راحة نفسية ، يفهمها سمعة طيبة، يفهمها صحة، يفهمها مكانة، يفهمها تيسيرا، يفهمها سرورا، يفهمها رضى، يفهمها توفيقا، هذه حياة طيبة، والمطلق على إطلاقه.

2 – الإنسان مفطور على بغض المعيشة الضنك:

 وما من واحد إلا ويتألم ألما لا حدود له من المعيشة الضنك، وهي تعني التعسير، والضيق، والانقباض، والشعور بالقهر، والإحباط، واليأس، والحقد، فتلك حياة طيبة، وهذه حياة ضنك.

3 – ليس المحسنُ عند الله كالمسيء:

 

 أولاً: مستحيل وألف ألف أَلف مستحيل أن يعامل المحسن عند الله كالمسيء ، والمستقيم كالمنحرف، والمنصف كالظالم، والمخلص كالخائن، والدليل، بالمناسبة في الدين ليس هناك رأي شخصي، الدليل:

(( إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ))

[ السجزي عن أبي هريرة ]

 

(( ابن عمر، دينك دِينك، إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا ))

 

[ كنز العمال عن ابن عمر ]

 وأنا أتمنى على كل واحد منا ألا يقبل في الدين شيئاً من دون دليل، وأتمنى عليه أيضاً ألا يرفض في الدين شيئاً من دون دليل، ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء، الدليل على أنه مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن يعامل الله المستقيم كالمنحرف، أو المنحرف كالمستقيم، والصادق كالكاذب، والمحسن كالمسيء، والمنصف كالجاحد، والمخلص كالخائن هذه الآية، ووالله الذي لا إله إلا هو لو لم يكن في كتاب الله إلا هذه الآية لكفت:

﴿ أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ ﴾

( سورة الجاثية الآية: 21 )

 في البيع والشراء يسيء، يغش، يكذب، كشف أن هذا الشاري جهول بالسعر، فيرفع عليه السعر، وإن كان جاهلا بالنوع يبيعه السلعة السيئة على أنها جيدة، هذه إساءة، إساءة بالبيع والشراء، وهناك إساءة في الدراسة، يغش، وإساءة بالعمل، إذْ يحب الموظف أن يرتاح، فيأتيه مراجع من مكان بعيد فلا يلبّي حاجته، أو يضع أمامه العراقيل ليبتز من ماله.

 

4 – بالفطرة ندرك العمل الطيب والعمل السيِّئ:

 بالفطرة نحن جميعاً ندرك العمل الطيب، والعمل السيئ، والإنسان كما قال الله عز وجل:

﴿ بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَه ُ﴾

( سورة القيامة )


 فالإنسان بالفطرة يعرف ما إذا كان مستقيماً أو منحرفاً، الآية الدقيقة:

 

﴿ أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ ﴾

 والله أيها الإخوة، لولا أن الله فطرنا فطرة عالية حيث إنك تكشف خطأك ذاتياً، وتعلم علم اليقين ما إذا كذبت على هذا الإنسان أو صدقته، ما إذا غششته أو نصحته، ما إذا ورطته أو حفظته، ما إذا كذبت عليه أو صدقته، ما إذا أعطيته أو منعتَه، هذا شيء يكشف بالفطرة.
الآن الإنسان إذا كان عمله جيدا:

 

 

﴿ أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ ﴾

 

 

﴿ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾

( سورة الجاثية الآية: 21 )


 صدقوا ولا أبالغ، هذا لا يتناقض مع عدل الله فحسب، كلمة كبيرة جداً، بل يتناقض مع وجوده.

 

 

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴾

 

( سورة المؤمنين الآية: 115 )

 

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى ﴾

 

( سورة القيامة )

 إنسان يغش المسلمين، يبيعهم بضاعة لا تصلح للطعام البشري، لكن بأساليب أو بأخرى يدخلها، أو باستثناءات، ويبيع الناس، يتوهم أنه سيربح أرباحا طائلة، ويعيش حياة رغيدة، ثم يفاجَأ بمرض عضال، ثم يفاجأ بمصادرة المال، ثم يفاجأ بتلف البضاعة، ثم يفاجأ بورطة كبيرة جداً، فيدمره الله عز وجل.
إخواننا الكرام، أحد أكبر أنواع الغباء ألا تدخل الله في حساباتك، تظن بذكائك أنك تجمع أموالاً طائلة.

 

 

﴿ أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ ﴾

 والله الذي لا إله إلا هو تعرف أنت بفطرتك من دون تعليم، من دون توجيه ، من دون نصح، تعرف بفطرتك ما إذا كنت محسناً أو مسيئاً، نصوحاً أو غشاشاً، مخلصاً أو خائناً، رحيماً قاسياً أو منصفاً أو جاحداً.

 

 

﴿ أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾

 

المستقيمون لهم حياة طيبة:

 

 أنا أبشر الإخوة الكرام المستقيمين بحياة طيبة، وهذه ليست من عندي، بل هي من عند خالق السماوات والأرض.
والله أقول لكم هذه الكلمة: يكاد المؤمن يعلم الغيب، يكاد، معنى يكاد أنه لا يعلم الغيب، لكن يعلم القوانين الإلهية.
 اشترى إنسان مع أخته بيتا، ودفع كلٌّ منهما ثمن البيت مناصفة، لكن البيت لجمعية تعاونية خاصة بالمحامين، أخته هي المحامية، فهو باسم الأخت، أخوها فدفع النصف، بالتمام والكمال، البيت كان ثمنه 250 أف ليرة، صار ثمنه 13 مليون ليرة، وباسم الأخت، التي طمعت في البيت بحكم أنها في القضاء، وخبيرة، ومحامية، ألزمته أن يخرج من البيت، ما ترك وسيلة، وابنه أحد إخوتنا، والقصة طويلة، أخرجته من البيت إنسان واستولت على البيت وحدها، فقال لي الأخ: هكذا فعلت عمتي معنا، أخوها عنده 14 ولدا، استأجروا مستودعات في الغوطة، وتوزعوا بين الأهل، حياتهم تعيسة جداً، أنا والله قلت له: الله العليم، الله عز وجل سينتقم منها أشد الانتقام، لكن متى ؟ لا أعرف، والله غاب عني شهرا، ثم جاءني وقال: عمتي مصابة بالسرطان، ويمكن للسرطان أن يدوم فترة طويلة، غاب شهرا ثانيا، ثم قال لي: والله ماتت، هل يمكن أن تلقي لنا كلمة في التعزية ؟ وذهبت إلى البيت، وألقيت الكلمة، لكن مَن وريثها الوحيد ؟ أخوها.

ليسوا سواءً قطعا:

 إخواننا الكرام، إذا لم يُدخِل الإنسانُ اللهَ في حساباته يكون أحمق، يكون غبيا، يدمر ذاته بيده.

 

﴿ أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾

 

﴿ سَوَاء مَّحْيَاهُم ﴾

( سورة الجاثية الآية: 21 )


 دقق، الآخرة موضوع ثان، الآن في الدنيا، زواجه، هل زواج هذا كزواج هذا ؟ هل صحة هذا كصحة هذا ؟ هل سمعة هذا كسمعة هذا ؟ هل مكانة هذا كمكانة هذا ؟

 

﴿ سَوَاء مَّحْيَاهُم ﴾

في الدنيا قبل الآخرة.

 

 

﴿ أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم ﴾

 

﴿ وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ﴾

 

( سورة الجاثية الآية: 21)

 الغباء كل الغباء، والحمق كل الحمق، والضلال كل الضلال أن تتوهم أنه بذكائك أن تجمع المال على حساب حقوق الآخرين، وتنجو من عذاب الله، فيكاد المؤمن يعلم الغيب، لأنه يعلم قوانين الله عز وجل، وفي هذه الدروس إن شاء الله سوف نعالج ثلاثين قانونا من قوانين القرآن الكريم.

 

 

﴿ أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ﴾

 

آية قرآنية أصلٌ في تقرير الحياة الطيبة:

مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً

 أيها الإخوة، الآن الآية الأصل في هذا القانون، وهذه بشارة لكل مؤمن، لكل شاب.
والله أعرف أحد رجال الدعوة إلى الله كان يحدثني، يقول لي: كلما رأيت شاباً مستقيماً أقول له: أبشر ولا تخف، إنها ثقة بالله عز وجل، وأنا أقول لكم: أيها الشباب، المستقيم منكم نبشره بحياة طيبة، الآية:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا ﴾

( سورة النحل الآية: 97 )

 

1 – مَنْ عَمِلَ صَالِحًا

 هذه كلمة واسعة جدًّا، بزواجه كان صالحا، في كسب ماله كان صالحا، في علاقاته مع النساء كان عفيفا، في حكمه إذا كان قاضيا كان عدلا

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا ﴾

 واسعة جداً، الطالب صالح، والمدرس صالح، والمحامي صالح، والطبيب صالح، والتاجر صالح، والمزارع صالح، وتعلم علم اليقين وبالفطرة ما إذا كنت صالحاً أو غير صالح.

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى ﴾

 

( سورة النحل الآية: 97 )

 

 

2 – مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى

 هذا قانون، ( مَن ) أداة شرط لازمة، أكثر القوانين على صيغة شرط، كـ: مَن يجتهد ينجح.

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى ﴾

 بشكل مطلق، في أي مكان، في أي زمان، في أي عصر، في أي مصر، من آدم إلى يوم القيامة.

 

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى ﴾

 هذه الآية بشارة لكل شاب مؤمن، حتى إنْ لم يملك شيئًا، لا بيتا، ولا دخلا كافيا، ولا وظيفة، ولا تجارة، وهو متفتح بالحياة، ولا أمل له، كيف يهيئ الله عز وجل له عملا، وزوجة، وبيتا، وحياة سعيدة، واستقامته فقط ؟ مع الله عز وجل لا يفلح الذكي، يفلح المستقيم، والذكي يؤتى من مأمنه، ويؤتى الحذِر من مأمنه.

 

 

3 – وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً

 

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾


 هذا إله، هذا الوعد فوق المكان والزمان، فوق الظروف، بلاد متخلفة، بلاد متقدمة، بلاد غنية، بلاد فقيرة، لرجل ساكن في الريف، أو ساكن في المدينة، دخله محدود، أو دخله غير محدود، موظف، تاجر، هذه الأمور لا علاقة لها هنا علاقة، بأي مكان، بأي زمان، بأي عصر، بأي مصر، بأي ظرف، بأي بيئة:

 

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

 

﴿ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾

 

( سورة النحل )

 

 

لكن إياكم والحياة الضنك:

1 – وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا

 

بالمقابل:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي ﴾

( سورة طه الآية: 124 )


 الصلاة ذكر، وهو قد أعرض عن الصلاة، والقرآن ذكر، وهو أعرض عن القرآن.

 

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي ﴾

 

 

 

﴿ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ﴾

 

( سورة طه الآية: 124 )

 أقول لكم: إذا كان في الأرض، أو من آدم إلى يوم القيامة إنسان واحد مُعرِض عن ذكر الله، وهو سعيد فهناك إشكال في هذا الدين، هذا كلام خالق الأكوان، وزوال الكون أهون عند الله من ألا تحقق هذه الآية:

 

 

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي ﴾


 الذي ما صلى، ما ذكر، ما صام، ما حج وهو مستطيع، ما قرأ القرآن إطلاقاً، بل تابع المسلسلات والأفلام، والسياسة والأخبار، والمجلات والإنترنت، والفضائيات، وما قرأ القرآن، ولا الحديث ولا السيرة، ولا المثل العليا في حياة الصحابة.

 

 

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ﴾

 

2 – المعيشة الضنك معيشة قاسية جدا، ولو مع الغنى:

 متعبة، ولو كان الرجل غنيا، لأنه يضيق قلبُه، دقق، إياك، ثم إياك، ثم إياك أن تتوهم أن الحياة الطيبة تعني الغنى، والله الذي لا إله إلا هو الكهف الذي كان فيه أصحاب الكهف جنة.
أحياناً والله حينما تفقد حريتك، وكنتَ مع الله فالمكان الذي أنت فيه جنة، وبطن الحوت جنة، سيدنا يونس، والغار جنة، هذه السكينة، يمنحك الله السكينة، تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء.

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾

 سأل بعضهم مفسراً: ما بال الأغنياء والملوك ؟ المال بين أيديهم كثير، ولا مشكلة لديهم في الدخل إطلاقاً، قال: ضيق الوقت، والله في قلب المؤمن رضى، وسكينة وسعادة وأمن، وتفاؤل وسرور والله لو وُزِّع على أهل بلد لكفاهم، مؤمن بلا ميزة مستحيل، لك مليون ميزة عند الله عز وجل، تؤتى الحكمة، تؤتى الرضى، تؤتى السكينة، تؤتى السعادة، وأحيانا تجد بيتا متواضعا قطعة من الجنة، وبيت ثمنه 180 مليونا، وفيه أثاث بعشرة ملايين، وفيه كل الأجهزة، لكنه قطعة من الجحيم.

 

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ﴾

 والله أيها الإخوة، راجعت مرة في الإنترنت موقعا، ففوجئت أن أكثر من 700 إنسان هم قمة النجاح انتحروا، لماذا ينتحرون ؟ كم هو الشقاء الذي عاشوه في داخلهم حتى دفعهم هذا الشقاء إلى أن ينتحروا.
الذي صمم الجسر الأول بين أوربا وآسيا في استنبول، وفي أثناء قص الشريط الحريري انتحر المهندس، وهو أحد خمسة مهندسين كبار في العالم، ألقى بنفسه من الجسر، ذهبوا إلى غرفته في الفندق، كتب في ورقة: لقد ذقت كل شيء في الحياة فلم أجد لها طعماً، فأردت أن أذوق طعم الموت.

 

 

3 – لابد للإنسان من هدف كبير في الحياة:

 ليس هناك أشقى في الحياة من إنسان بلا هدف، والمشكلة أيها الإخوة هذه النفس البشرية مصممة تصميما رائعا، مصممة لمعرفة الله، مصممة لهدف لا نهائي، فلما يختار الإنسان هدفا نهائيا محدودا، هو سعيد قبل أن يصل إليه، يعيش في الأحلام، لكن بعد أن يصل إليه تختم حياته، هذا بيته، هذه مركبته، هذه زوجته، هؤلاء أولاده، هذا دخله، كل يوم هو في دوامٍ ينغِّص حياته، يبدأ الشقاء، فما لم يكن لك هدف كبير، ما لم تسعَ لمرضاة الله فلن تنجح في الحياة.
 أقسم لكم بالله إن المؤمن لا يشيخ، في سن التسعين هو شاب، وقد كان أحد العلماء منتصب القامة، حاد البصر، مرهف السمع، أسنانه قائمة على أصولها في فمه، يقول لشاب في الطريق: لقد كنت تلميذي، وكان أبوك تلميذي، وكان جدك تلميذي، فيقال له: يا سيدي، ما هذه الصحة ؟! يقول: يا بني، حفظناها في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً عاش قوياً.
والله أقسم لكم بالله إن الإنسان المؤمن لا يشيخ أبداً، شاب حتى الموت، طبعاً معه أسيد أوريك، معه التهاب مفاصل، مصاب بخمسين علة، لكن نفسيته نفسية شاب.
أيها الإخوة.

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾
 

بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ

 لذلك أنت أحياناً هناك آية كريمة تقرأها:

 

 

﴿ بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ﴾

 

( سورة يونس الآية: 39 )

 

ما تأويل القرآن ؟ وقوعُ الوعد والوعيد:

 ما تأويل القرآن الكريم ؟ قال بعض العلماء: تأويل القرآن الكريم وقوع الوعد والوعيد، فإذا أكرمك بحياة طيبة فحياتك الطيبة تأويل هذه الآية، وإذا كان الإنسان يعاني ما يعاني فمعيشة الضنك الذي يعيشها تأويل هذه الآية.
 إن الإنسان أحيانا يلاحظ في حياته الاجتماعية إنسانا مستقيما، هو في جنة.
حدثني أخ محسن كبير قال لي: كنت عند أحد أرباب الأموال، قال لي: والله حجمه أربعة آلاف مليون، هو خبير، قال لي: قد ما شكا لي همومه فبركت، ولم أستطع أن أقف، متضايق من البلد، ومن زوجته، ومن أولاده، وليس هناك سوق قوية، قال لي: بعد ساعة جاءتني امرأة محجبة، تطلب مساعدة ألف ليرة في الشهر، وهي ساكنة ببلدة إلى جانب دمشق، وهناك جمعية يعرفها، وعنده اجتماع عندهم، فبلغهم أن يتابعوا هذا الطلب، فذهبوا معه إلى البيت.
 زار هذا الرجل بيت هذه المرأة، ثم قال لي: هي ساكنة في بيت تحت الدرج، القسم العالي غرفة، والأقل علوًّا مطبخ، ثم الحمام، وهناك فسحة صغيرة، قال لي: شعرنا شعورا غير طبيعي، في هذا البيت سرور وسعادة، قال لي: مستحيل أن يسكنه إنسان، الزوج نائم وهو مريض، وعنده ولدان نظيفان مرتبان، البيت فيه تفاهم، فيه ود، فيه محبة، مع أن هذا البيت متواضع، فقال لهم: سوف نعطيكم ألفين في الشهر، قال: لا، نحن تكفينا ألف ليرة ، معاش زوجي يكفينا، لكن يلزمنا ألف أجرةَ البيت، قال لي: وازنت بين أربعة آلاف مليون، الرجل الذي بركت عنده من كثرة همومه، وبين هذا البيت المتواضع، إن الله يعطي الصحة، والذكاء، والمال، والجمال للكثيرين من خلقه، لكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين.

 

المؤمن المستقيم أسعدُ إنسان على وجه الأرض:

 أقول لكم أيها الإخوة، إن لم تقل: ليس في الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون اتقى مني، ففي الإيمان خلل، أنت مع الله، أنت مع القوي، أنت مع الغني، أنت مع الرحيم، أنت مع المحسن، أنت مع الودود، أنت مع الشكور، مع الله لا شقاء، بل أنت في سعادة، لذلك:

 

 

فَلَيتَكَ تَحلو وَ الحَياةُ مَريـرَة ٌ وَلَيتَكَ تَرضى وَالأَنامُ غِضابُ
وَلَيتَ الَّذي بَيني وَبَينَكَ عامِرٌ  وَبَيني وَبَينَ العـالَمينَ خَرابُ
إِذا نِلتُ مِنكَ الوُدَّ فَالكُلُّ هَيِّن وَ كُلُّ الَّذي فَوقَ التُرابِ تُرابِ
***

 أحياناً تكون الطائرة على وشك السقوط، حدث فيها خلل خطير، ومرة مضيف بالطائرة من تلاميذي، حدثني عن وضع الركاب، قال لي: شيء غير معقول إطلاقاً، البعض يضرب نفسه، والبعض ينادي بويله، والبعض يمزق ثيابه، والبعض يصرخ، والبعض ينبطح على الأرض، الوضع غير طبيعي، ثم تصورت الصحابة.
 إنّ سيدنا سعد بن الربيع تفقده النبيُّ عليه الصلاة والسلام فلم يجده، فأرسل أحد الصحابة ليتفقده في ساحة المعركة، رآه مع الجرحى يئنّ، قال له: يا سعد، أنت مع الأموات أم مع الأحياء ؟ قال له: << أنا مع الأموات، ولكن بلغ رسول الله مني السلام، وقل له: جزاك الله خير ما جزى نبي عن أمته ـ كان في قمة السعادة ـ وقُل لأصحابه: لا عذر لكم إذا خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف >>.
اقرؤوا تاريخ الصحابة، إن سبعين صحابيا لمّا قرُبَ لقاء ربهم كانوا في أعلى درجة من السعادة، الموت تحفة المؤمن، الموت عرس المؤمن.
الأمر بين أيدينا أيها الإخوة، سعادتك بيدك، سعادتك:

 

 

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾


والشقاء بيدك.

 

اتَّهِم نفسك دائما بالتقصير والمعصية:

(( يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ، إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ ـ دقق ـ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ))

[ مسلم عن أبي ذر الغفاري ]


 اتهم نفسك دائماً، هناك خلل، هناك خطأ، هناك كلمة قاسية، هناك مال غير مشروع قبضته، هناك موقف فيه كِبر، حينما ترى الشيء على خلاف ما تتمنى فاتهم نفسك، لذلك:

 

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾

 

( سورة محمد الآية: 19 )

واضحة، أكمل:

﴿ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ﴾

( سورة محمد الآية: 19 )


 الأمر بيده، فإذا جاءت الأمور على خلاف ما تتمنى فاعلمْ أن ثمة ذنبا، فابحث عن هذا الذنب.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور