وضع داكن
16-04-2024
Logo
الدرس : 1 - سورة مريم - تفسير الآيات 1 - 5 ، تربية الأولاد الصحيحة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

 

تربية الأولاد من الأعمال المستمرة إلى يوم القيامة :


أيها الأخوة المؤمنون ؛ الآيات الأولى من سورة مريم ، وهي قوله تعالى :

﴿  كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً (5)﴾

[ سورة مريم ]

(( عنْ أَبـِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُـولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ ، إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ . ))

[ مسلم  ]

 مهما تكن حياتك مفعمة بالأعمال الصالحة ، مهما تكن حياتك مليئة بالأعمال الطيبة ، حينما تنتهي الحياة ينقطع العمل ، لكنك إذا أردت عملاً مستمراً إلى يوم القيامة ، فعليك بتربية أولادك ، أو عليك بترك علم نافع ، أو صدقة جارية ، سيدنا زكريا نبي كريم ، طلب من الله عز وجل أن يهبه غلاماً يرثه بالدعوة إلى الله ، والعلماء الكبار من شأنهم أن يهيئوا خلفاء لهم ، قد تجد دعوة عريضة كبيرة تنتهي بموت الداعية ، لذلك كدعاة ، كآباء ، كمؤمنين ، العوام لهم مثل يقولون : ساقية جارية ولا نهر مقطوع ، فالإنسان مهما كان عمله كبيراً ينتهي بموته ، يروى عن الإمام الغزالي أنه كان يجلس في مجلسه أربعمئة عمامة ، ومع ذلك حينما توفي رحمه الله انتهى عمله ، أما إحياء علوم الدين ، هذا العمل بقي مستمراً إلى آخر الزمان ، لابد من ترك أثر ، إما ولد صالح ، مؤمن ، عالم ، فقيه ، أو علم ينتفع به ، أو صدقة جارية ، فهذا النبي الكريم طلب من الله من يرثه في الدعوة إلى الله عز وجل .

 

من يبذل جهده في تعليم أولاده فهو الرابح دائماً :


دائماً الإنسان ليس من شأنه أن يعيش في عصره فقط ، وأن يتقوقع في زمانه ، عليه أن ينظر إلى مستقبل الدعوة ، فإذا الإنسان له دعوة اقتداء بهذا النبي الكريم عليه أن يهيئ من يرثه من بعده في هذه الدعوة ، إذا أب عرف الله عز وجل عليه أن يربي أولاده تربية يكونون خلفاء من بعده ، مرةً حضرت تأبيناً لعالم جليل بهذه البلدة الطيبة ، طبعاً كان التأبين في أكبر جامع في دمشق ، والخطباء أشادوا بهذا العالم الخطيب ، لكن فوجئنا ونحن في التعزية أن ابن هذا العالم وقف بيننا خطيباً ، وألقى خطبةً لا تقل عن خطبة والده ، وكان في التعزية وزير الأوقاف ، فقدم بشرى لذوي المتوفى أن ابنه أصبح خطيباً من بعده في نفس الجامع ، بقيت هذه الصورة في ذهني ، معنى ذلك أن هذا العالم لم يمت ، هذا الرجل كان له ولدان يخطبان في دمشق ، طلبا العلم ، فكل جهدك الذي تبذله في تعليم أولادك استثمار لك ، إذا تركت ولداً صالحاً يدعو الله من بعدك ، أو تركت ولداً يمشي على سيرتك ، يقفو أثرك ، فهذه من نعم الله الكبرى ، فهذا القرآن الذي يتلى علينا كل يوم ليس القصد أن نستمتع بقصة سيدنا زكريا ، لا ، القصد أن نقتدي بهذا النبي الكريم ، فأنت على مستوى داعية ، على مستوى عالم ، لو أنت تاجر ، ولك معاملة إسلامية ، متميزة ، يجب أن تربي ابنك على هذه المعاملة نفسها ، حتى يكون الأمر مستمراً ، لذلك يجب هذا الحديث أن يكون في أذهاننا :

(( عنْ أَبـِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُـولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ ، إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ . ))

[ مسلم ]

 

تربية الأولاد تربية إسلامية أعظم عمل على الإطلاق :


لا أبـالغ إذا قلت لكم : إن أعظم عـمل على الإطلاق أن تربي ابنك تربية إسلامية ، أن تجعله عالماً ، أن تجعله طالب علم شرعي ، أن تطمح أن يكون هذا الابن داعية إلى الله عز وجل ، لأن أكثر الناس يريده طبيباً ، في شارع واحد بالجسر يوجد أربعة وستون طبيب أسـنان ، يريده مهندساً ، لمـاذا لا نتمنى أن يكون ابننا عالماً شرعياً ؟ داعية إلى الله عز وجل ؟ لماذا كلية الطب تستقطب الأذكياء فقط ولا تستقطب الشريعة الأذكياء ؟ لماذا ؟ لماذا نريد صلاح أمورنا وأولادنا ولا نتمنى لهم أن يكونوا طلاب علم شرعي ؟ لماذا ؟ هذا خطأ كبير في المجتمع الإسلامي ، يجب على كل أب أن يكون طموحه الأول أن يكون ابنه عالماً ، عالم يدعو إلى الله عز وجل ، كل أعماله إلى يوم القيامة في صحيفته ، بشكل عام الآن العلم ، يوجد علم نادر جداً له دخل جيد ، أما بقية الفروع فلا تسمن ولا تغني من جوع ، شخص خطب فتاة ، ماذا يعمل الشاب ؟ قالت لها : مهندس ، قالت لها : وأبوه ؟ قالت لها : أيضاً مهندس ، فأجابتها : من يصرف عليك ؟! أي ممكن الإنسان أن يكون معه أعلى شهادة لكن لا يوجد عمل ، العمل الوظيفي انتهى ، ما بقي غير العمل الآخر ، إذاً العلم وحده لا يكفي ، مادام لا يكفي فعلّمه علماً شرعياً ، مادام العلم لا يسمن ولا يغني من جوع إذاً علمه علماً شرعياً ، واقتد بهذا النبي الكريم .

 

الله تعالى يحب من يدعوه بقلب مخلص صادق :


شيء آخر : " إذ نادى ربه نداء خفيا " ، قال تعالى : 

﴿ ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين (55) ﴾

[ سورة الأعراف ]

 فسر بعضهم " المعتدين " هؤلاء الذين يدعون الله بصوت عالٍ ، بصخبٍ ، بضجيج ، هذا عدوان في الدعاء ، يقول عليه الصلاة والسلام : " إنكم لا تخاطبون أصم " ، الله عز وجل يحول بين المرء وقلبه ، بإمكانك أن تدعو الله عز وجل دعاءً صادقاً ، خالصاً ، وشفتاك لا يتحركان ، بقلبك ، " إذ نادى ربه نداء خفياً " ، ليس المطلوب الضجيج والصخب ، ورفع الصوت ، والدعاء المنمق ، والمسجع ، لا يحب الله التقعر بالألفاظ ، ولا المتشدق ، يحب قلباً  مخلصاً ، صادقاً ، ملتفتاً إليه .

 

 الحرص البالغ على تربية الأولاد :


أول نقطة أعتقد أن أعظم عمل على الإطلاق أن تربي ابنك تربية صحيحة ، أن تجعله عالماً ، أو أن تجعله داعية ، أو أن تجعله طالب علم شرعي ، لأن كل أعماله في صحيفتك وأنت لا تدري ، الله عز وجل قال :

﴿ والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين (21)﴾

[ سورة الطور ]

أعماله كلها في صحيفة الأب ، والذي يربي أولاده تربية إسلامية لا يموت ، بمعنى أنه لو مات كان ابنه خليفة له من بعده لذلك الحرص البالغ على تربية الأولاد .

 

العدوان على الدعاء :


 الشيء الثاني : يوجد ثلاثة عدوانات على الدعاء ، أول عدوان أن تكون معتدياً على الناس ، عندئذٍ الله جل جلاله لا يستجيب لك ، " ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين " ، أي إذا أنت اعتديت الله سبحانه وتعالى لا يقبل دعاءك ، ولا يستجيب لك ، هذا أول معنى .

 المعنى الثاني : إذا رفعت الصوت بالدعاء هذا عدوان على مقام الألوهية ، إنك لو خاطبته سراً سمعك .

العدوان الثالث : أن تدعوه من دون تضرع ولا تذلل ، ناظر لمكانتك الدينية ، لمكانتك الاجتماعية ، لشهاداتك ، لحجمك المالي ، لا ،  ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين" ، وكن مستقيماً مع خلقه حتى يستجيب لك ، " ادعوا ربكم تضرعا " ، تذللاً ، تواضعاً ، من طريق منكسر ، " وادعوا ربكم " ، همساً بينك وبينه ، وبإمكانك أن تدعو الله الدعاء الصادق المستجاب دون أن تحرك شفتيك كما فعل سيدنا زكريا ، " إذ نادى ربه نداء خفيا " إنسان دخل يقابل إنساناً قل : يا رب إني تبرأت من حولي وقوتي ، والتجأت إلى حولك وقوتك يا ذا القوة المتين ، أردت أن تلقي درس ، قل اللهم إني تبرأت من حولي وقوتي وعلمي ، والتجأت إلى حولك وقوتك وعلمك يا ذا القوة المتين ، كلما تحركت حركة ادع الله ، لست مضطراً أن ترفع يديك بالطريق وتقول : يا رب ، لا ، لست مضطراً ، وأنت ساكت ، وشفتاك مغلقتان ، بإمكانك أن تدعو الله عز وجل ، ويستجيب لك وأنت لا تدري .

 

قرة العين جزاء تربية الأولاد في الدنيا قبل الآخرة :


لذلك النقطة الثانية بالدرس : عليك أن تربي أولادك التربية الإسلامية حتى تكون أعمالهم كلها في صحيفتك .

 من أجلّ الأعمال أن تلتفت إلى ابنك ، إلى أخلاقه ، إلى حفظه للقرآن ، أن تأتي به إلى المسجد ، أن تعلمه على إنفاق المال ، أن تدربه ، هذا الذي يرضي الله عز وجل .

 لذلك قال عليه الصلاة والسلام : " خير كسب الرجل ولده " ، أي أعظم عمل أن تؤدب ابنك على معرفة الله ، وحبّ النبي عليه الصلاة والسلام ، وتلاوة القرآن ، أي يجب أن تقتطع من وقتك الثمين وقتاً لتربية أولادك ، وتوجيههم ، وتعليمهم ، ودفعهم إلى طاعة الله عز وجل ، لذلك ربنا عز وجل قال أعطانا جزاء تربية الأولاد في الدنيا قبل الآخرة ، ما هذا الجزاء ؟ قرة العين . 

﴿ والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما (74)﴾

[ سورة الفرقان ]

لا يصدق شعور الأب إذا رأى ابنه في طاعة الله ، إذا رأى ابنه يتعلم ، إذا رأى ابنه يتكلم كلاماً صحيحاً ، شيء لا يوصف ، هذا يحتاج إلى جهد ، كل شيء يأتي من كل شيء ، أما كل شيء من لا شيء فلا يأتي .

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور