وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 68 - سورة التوبة - تفسير الآيات 122 - 123، الدعوة فرض عين على كل مسلم في حدود القدرة، الحرب بين باطلين لا تنتهي.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.


الدعوة إلى الله أفضل عمل على الإطلاق :


 أيها الإخوة الأكارم، مع الدرس الثامن والستين من دروس سورة التوبة، ومع الآية الثانية والعشرين بعد المئة وهي قوله تعالى:

﴿  وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ(122)﴾

[ سورة التوبة ]

 أيها الإخوة الكرام، لعل هذه الآية تنضوي تحت موضوع كبير هو الدعوة إلى الله، والله سبحانه وتعالى حينما وصف النبي عليه الصلاة والسلام قال:

﴿  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً(45) وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً (46)﴾

[  سورة الأحزاب ]

 فالنبي -عليه الصلاة والسلام- وهو سيد الخلق، وحبيب الحق، من أدق أوصافه أنه داعٍ إلى الله، لذلك ليس من عمل أفضل عند الله على الإطلاق من الدعوة إلى الله، لأن الدعوة إلى الله تعرف الإنسان بحقيقة إنسانيته، تُعرّف الإنسان بأنه المخلوق الأول رتبة، تُعرّف الإنسان بأنه المخلوق المُكرَّم، تعرف الإنسان بأنه المخلوق المُكلَّف، تعرف الإنسان بأن حياته الدنيا ذات مهمة خطيرة جداً، إنها العمل الصالح، فالطريقة المجدية الوحيدة التي تنقل الإنسان من الجهل إلى العلم، من البعد عن الله إلى القرب، من دنس الشهوة إلى قُدس الطاعة، العبادة التي تؤهل الإنسان أن يكون مؤمناً، وأن يحقق الهدف من وجوده، بل أن يحقق الهدف الذي أراده الله له.

﴿  وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56)  ﴾

[ سورة الذاريات ]


الدعوة إلى الله دعوتان :


 هذه العبادة إن صحت التسمية هي الدعوة إلى الله -عز وجل-، وليس على وجه الأرض إنسان أفضل عند الله:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)  ﴾

[  سورة فصلت ]

 لكن هنا محل الإشارة إلى أن الدعوة إلى الله دعوتان، دعوة إلى الله خالصة، ودعوة إلى الذات مُغلَّفة بدعوة إلى الله، فالدعوة إلى الله الخالصة من خصائصها الاتباع، أما الدعوة إلى الذات من خصائصها الابتداع، الدعوة إلى الله الخالصة من خصائصها التعاون، أما الدعوة إلى الذات من خصائصها التنافس، الدعوة إلى الله الخالصة من خصائصها الاعتراف بالآخر، أما الدعوة إلى الذات من خصائصها إلغاء الآخر، فلذلك ما كل من دعا إلى الله دعا إلى الله، كما ورد في الأثر القدسي:

((  ليس كل مصلٍّ يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، ولم يصر على معصيتي، وكف شهواته عن محارمي، وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب، وآوى الغريب، كل ذلك لي، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوأ عندي من نور الشمس، على أن أجعل الجهالة له حلماً، والظلمة نوراً، يدعوني فألبيه، يسألني فأعطيه، يقسم علي فأبره، أكلأه بقربي، وأستحفظه ملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها، ولا يتغير حالها  ))

[ أخرجه البخاري في التاريخ الكبير وهو ضعيف ]


حاجة الدعوة إلى الله إلى العلم و الإخلاص :


 حينما قال الله -عز وجل-: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ﴾ أي جماعة ﴿ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ هذه الآية ومثيلاتها، بل والآيات التي تتحدث عن الدعوة إلى الله تبين أن أعظم عمل على الإطلاق هو الدعوة إلى الله، لأنك تأخذ بيد أخيك الإنسان إلى الله، تأخذه إلى طاعة الله، تأخذه للعمل الصالح، تأخذه إلى ما خُلِق من أجله، تأخذه إلى جنة عرضها السموات والأرض، تأخذه إلى خيري الدنيا والآخرة.

 فلذلك هذا الذي سُمِح له أن يدعو إلى الله، يجب أن يذوب محبة لله -عز وجل- على هذا الفضل العظيم الذي سمح الله له به.

 إذاً: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾ من بعض الأقوال أن الله أوحى إلى موسى: 

(( كن لي كما أريد، أكن لك كما تريد. ))

[ ابن القيم في مدارج السالكين ]

 فإذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- من أوصافه الأساسية أنه داعية إلى الله -عز وجل- إذاً حينما تقرأ قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾   وينبغي أن أؤكد على أنه إذا دعوت إلى الله بعلم، الدعوة إلى الله تحتاج إلى علم مكين، وتحتاج إلى إخلاص، لأن الله -عز وجل- حينما قال:

﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) ﴾

[  سورة النمل  ]

 قال علماء التفسير: الله -عز وجل- يقبل العمل الصالح إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة، فإذا كان خالصاً ولم يكن موافقاً للسنة لا يعد عملاً صالحاً، إذا كان وفق السنة ولم يكن خالصاً لا يعد عملاً صالحاً، فالإخلاص ومطابقة السنة كلاهما شرط لازم غير كافٍ". 


ما من عمل أعظم عند الله من الدعوة إلى الله بعلم وبإخلاص وبحكمة :


  إذاً قوله تعالى: ﴿كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾ تعلَّمْ وعلِّمْ.

(( خيرُكمْ من تعلّمَ القُرآنَ وعَلَّمَهُ ))

[ أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي عن عثمان بن عفان ]

 هذه في اللغة اسم تفضيل، خيركم على الإطلاق من تعلم القرآن وعلمه، لأن هذا القرآن تعليمات الصانع، هذا القرآن فيه أسباب نجاحنا، أسباب تألقنا، أسباب سعادتنا، أسباب حفظنا، أسباب رقينا، إذاً ما من عمل أعظم عند الله من الدعوة إلى الله بعلم، وبإخلاص، وبحكمة ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾


أي مؤمن على الإطلاق مكلف أن يدعو إلى الله :


 طبعاً قد يتوهم متوهم أن الداعي إلى الله يجب أن يكون خطيب مسجد حصراً، أو له مكانة كبيرة، لا، أي مؤمن على الإطلاق، بأي حجم، مكلف أن يدعو إلى الله، والنبي قال:

((  بلِّغُوا عني ولو آية  ))

[ أخرجه البخاري والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]

 أنت استمعت في خطبة الجمعة إلى تفسير آية، تأثرت بها كثيراً، هذه الآية مع تفسيرها انقلها إلى زوجتك، إلى أولادك، إلى جيرانك، إلى من حولك، إلى إخوانك بلقاء خلال الأسبوع هذا: (بلِّغُوا عني ولو آية) وهذا معنى قول الله عز وجل:

﴿ قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) ﴾

[  سورة يوسف  ]

 فالذي لا يدعو إلى الله أصلاً هذا ليس متبعاً لرسول الله، حتى إنه ورد في الأحاديث:

(( مَن ماتَ ولم يغزُ ولم يحدِّث نَفسَهُ بالغَزوِ ماتَ علَى شُعبةٍ من نفاقٍ ))

[ صحيح مسلم ]

 لابد من أن تدعو إلى الله، والآية الصريحة الدقيقة الواضحة:

﴿  وَالْعَصْرِ(1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوا بالصَّبْرِ(3)﴾

[  سورة العصر ]

 فالتواصي بالحق ربع النجاة، بل أحد أركان النجاة، والآية الثانية: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ فلابد من أن تكون متبعاً لرسول الله، والدليل:

﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31) ﴾

[  سورة آل عمران  ]

 فالآية هنا: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾ تعلم وعلّم، تقرب وقرّب، استبن وبيّن، فالمؤمن له نشاط، وهذا المؤمن الذي يبتعد عن الدعوة إلى الله، يبتعد عن شيء أساسي في حياة كل مؤمن (بلِّغُوا عني ولو آية) .


التجارة الرابحة هي التجارة مع الله عز وجل :


 النقطة الدقيقة جداً هذا الذي دعوته إلى الله، إذا استجاب لك، والتزم الأمر والنهي، وتألق عند الله، أعماله كلها في صحيفتك، من دعاهم إلى الله أعمالهم كلها في صحيفتك أيها الأخ الداعية الأول، إلى يوم القيامة، التجارة مع الله مربحة كثيراً:

﴿  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ(10)﴾

[  سورة الصف ]

 الله سمّى العمل الصالح تجارة مع الله، أنت بالتجارة العادية تربح بالمئة عشرة، فكيف مع الله تربح بالمئة مليار؟ هذه تجارة رابحة. 


الدعوة إلى الله فرض عين و فرض كفاية :


  إذاً: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ﴾ أريد أن أؤكد بالمفهوم التقليدي أن فقط الخطباء دعاة، العلماء دعاة، الذين يظهرون على الشاشات دعاة، الذين لهم مظهر ديني صارخ دعاة، لا، أي مؤمن على الإطلاق ينبغي أن يكون داعية، والدليل ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء، الدليل: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾ ربع النجاة، أحد أركان النجاة، والدليل: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ لا تكون متبعاً لهذا النبي الكريم إلا إذا دعوت إلى الله عز وجل.

(بلِّغُوا عني ولو آية) أقول لكم بشكل دقيق: الدعوة إلى الله كفرض عين في حدود ما تعلم فقط، ومع من تعرف، أما الدعوة إلى الله مع التبحر، والتعمق، والتوسع، والقدرة على الإجابة عن أي سؤال، عن أي شبهة، هذا فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل، وهذا معنى قوله تعالى:

﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(104)﴾

[ سورة آل عمران  ]

﴿مِّنكُمْ﴾ من للتبعيض، إذاً: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾


علة خيرية هذه الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :


 إخوتنا الكرام، ألم تقرؤوا قول الله عز وجل:

﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ(110)﴾

[   سورة آل عمران  ]

 هذه الخيرية التي وصفها الله تعالى أمة النبي بها ما علتها؟ الخيرية، ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ هذه الخيرية ما علتها؟ قال: ﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ علة خيرية هذه الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأمر بالمعروف يوسع دوائر الحق، والنهي عن المنكر يوسع دوائر الحق، فإذا توسعت دوائر الحق ضاقت دوائر الباطل، فلذلك الدعوة إلى الله فرض كفاية، تحتاج إلى تفرغ، وإلى تبحر، وإلى تعمق، أما الدعوة إلى الله كفرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف، وكأن الله سبحانه وتعالى حدثنا في هذه السورة سورة التوبة عن ضرورة الجهاد في سبيل الله، وعن ضرورة الدعوة إلى الله.

 إذاً: ﴿وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ .


إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله فيجب على الإنسان أن يكون قوياً :


 أيها الإخوة، ثم يقول الله عز وجل:

﴿  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ(123)﴾

[  سورة التوبة ]

 الحقيقة الإسلام فضلاً عن أنه وحي السماء، ومنهج الله في الأرض، لكن يحتاج إلى قوة، عند الآخرين القوة هي الحق، وهذا خطأ كبير، وهذا خطأ فاحش، الحق ما جاء به وحي السماء، ولكن يحتاج إلى قوة، بين أن تقول: القوي على حق، في الغرب هكذا يعتقدون، ما دمت قوياً فأنت على حق، ولو كنت ظالماً، ولو أخذت ما ليس لك، ولو احتللت أرضاً ليست لك، ما دمت قوياً فأنت على حق، لكن الحق ما جاء به وحي السماء والحق يحتاج إلى قوة، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام :

(( المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف  ))

[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة ]

 أقول لكم: إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً، لماذا؟ أولاً لأن النبي قال هذا: (المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف) أما الشيء الثاني فالقوي خياراته في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى، فالذي يحتل منصباً رفيعاً بجرة قلم يحق حقاً، ويبطل باطلاً، والذي يملك مالاً وفيراً، بهذا المال يرعى الفقراء، يزوج الشباب، ينشئ الجمعيات الخيرية، يرعى الأرامل، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، حينما تعلم علم اليقين أن علة وجودك في الدنيا هي العمل الصالح، تأتي القوة ومنها قوة المال، وتأتي القوة ومنها قوة المنصب، وتأتي القوة ومنها قوة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لترفع العمل الصالح إلى أعلى مستوى. 


من اختار طريق الله رفع الله له ذكره :


  إذاً الذي ينبغي أن يكون واضحاً أن الإيمان وحي السماء، والله عز وجل أعطانا الخيار، قال:

﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) ﴾

[  سورة الكهف ]

﴿  إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً(3)﴾

[  سورة الإنسان ]

﴿  سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ(148)﴾

[  سورة الأنعام ]

 هذه الحقيقة أيها الإخوة، أن الإنسان مع أن الله -عز وجل- أعطاه الخيار، لكنه إذا اختار طريق الحق رفع الله ذكره، بل ألم يقل الله -عز وجل-:

﴿  أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ(1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ(2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ(3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ(4)﴾

[  سورة الشرح ]

 قال بعض العلماء: كل الصفات التي أثنى الله بها على نبيه الكريم لكل مؤمن منها نصيب، بقدر إيمانه، واستقامته، وإخلاصه.

 إذاً: الحق مع أنه من عند الله، لكن يحتاج إلى قوة، فإذا كان طريق الحق سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً لأن خيارات العمل الصالح المتاحة أمام القوي ليست متاحة أمام الضعيف، فالغني بماله، والقوي بسلطته، والثري بثرائه. 

عبادة الهوية :

 لذلك النقطة الدقيقة هنا أن العبادة كُلِّف بها كل البشر، لكن هناك ما يسمى بعبادة الهوية، أنت من؟ أنت غني؛ العبادة الأولى في إنفاق المال، أنت من؟ أنت قوي؛ العبادة الأولى في إحقاق الحق، أنت عالم؟ العبادة الأولى في إلقاء العلم، والدليل:

﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا (39) ﴾

[  سورة الأحزاب ]

 هذا الذي يدعو إلى الله، لو خشي غير الله، فسكت عن الحق خوفاً، أو نطق بالباطل نفاقاً، انتهت دعوته، الآية دقيقة: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ﴾ لو أن هذا الذي خشي غير الله، سكت عن الحق خوفاً من القوي، أو نطق بالباطل نفاقاً له، انتهت دعوته، كما أن الإنسان يرقى إذا أنفق ماله، هذه عبادة الغني الأولى، ويرقى إذا أنصف الضعيف، هذه عبادة القوي الأولى، الآن ويرقى بعلمه إذا أنفقه، نطق به، ولم يخشَ في الله لومة لائم، هذا الذي يقوله الله -عز وجل- دائماً: ﴿وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ﴾ مرة ثانية: لو خشي غير الله، فسكت عن الحق خوفاً، أو تكلم بالباطل طمعاً، انتهت دعوته: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ﴾ طبعاً مرة ثانية:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) ﴾

[ سورة البقرة  ]

 أما إذا منعك القوي أن تنقل هذا الدين للآخرين تقاتله، أنت لا تقاتل الإنسان ليؤمن، لأن الله -عز وجل- يقول: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ لكنك تقاتل من يمنعك أن تنشر هذا الدين، وهذه مشروعية الجهاد في الإسلام، تقاتل من يمنع هذه الرسالة أن تصل للآخرين. 


الإسلام لا ينتشر بالإكراه ينتشر بالاختيار :


 الله -عز وجل- يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ﴾ لماذا يلونكم؟ الآية الكريمة: الله -عز وجل- أمرنا أن نقاتل المشركين كافة، لكن هنا الذي يليك أقرب إليك من البعيد، والذي يليك تخف مؤن الحرب معه، جارك، والذي يليك ربما إذا انضم إليك أصبحت قوة كبيرة.

مرة ثانية: الإسلام لا ينتشر بالإكراه، ينتشر بالاختيار، والإنسان مخير وليس مسيراً، و ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ لكن الذي يمنعك أن توصل رسالة الله إلى البشر هذا الذي يقاتل في الإسلام. 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ﴾ بعضهم قال: لأن قتال هؤلاء القريبين أقل كلفة، وأنت مستوعبهم أكثر من غيرهم، وهذا هو الطريق لمواجهة العدو الأبعد، هذا سر ﴿الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ﴾ .


اختلاف أخلاق المؤمن في السلم عن أخلاقه في الحرب :


 لكن الذي يلفت النظر: ﴿وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ تقرأ أنت القرآن:

﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)﴾

[  سورة فصلت ]

 إنسان يعاديك، يتطاول عليك، وأنت تحتمله، وتسمح له أن يتحرك معك، ما هذه الأخلاق؟! هذه أخلاق السِّلم، فأنت في الحياة المدنية، ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ في الأحوال العادية، في أيام السلم، المودة، والمحبة، والعفو، والتسامح، هذه أخلاق الإنسان المؤمن، لكنه في الحرب:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) ﴾

[  سورة التوبة ]

 الغلظة في الحرب مطلوبة، وإلا لا معنى للحرب إطلاقاً، فهنا الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ الغلظة قوة التحمل، والغلظة القسوة في محاربتهم.

 دائماً وأبداً كان سيدنا عمر كما يقال، تروي عنه السيدة عائشة: "كان إذا قال أسمع -جهوري الصوت- وإذا سار أسرع، وإذا ضرب أوجع".

فهنا: ﴿وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ قوة التحمل، إن حاربوكم فيجب أن تحتملوا قسوتهم، وإن حاربتموهم كونوا قساةً معهم ﴿وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ طبعاً هذه أخلاق الحرب، وفي السلم هناك أخلاق. السلم له أخلاق، والحرب لها أخلاق.


الله مع المؤمنين بالحفظ و التأييد و النصر و التوفيق :


﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ الله -عز وجل- حينما يقول: ﴿ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ أي معهم مؤيداً، معهم ناصراً، معهم موفقاً، معهم حافظاً، والمعية دائماً لها معنى دقيق في القرآن، إذا قال الله -عز وجل- :

﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) ﴾

[  سورة الحديد ]

 هذه معية عامة، قال علماء التفسير: هو معكم بعلمه، لكن حينما يقول الله -عز وجل-:

﴿ إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ۖ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) ﴾

[  سورة الأنفال ]

 أي معهم بالتوفيق، معهم بالحفظ، معهم بالتأييد، معهم بالنصر، إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟.

أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنـا  فــــإنا منحنا بالرضا من أحبنا

ولـــذ بحمانا واحتمِ بجنابنا  لـــنحميك مما فيه أشرار خلقنا

وعن ذكرنا لا يشغلنك شاغـل  وأخـلص لنا تلقى المسرة والهنا

* * *

فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنــــا

ولـو سمعت أذناك حسن خطابنـا  خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـا

ولــو ذقت من طعم المحبة ذرة  عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـا

* * *

ولــو نسمت من قربنا لك نسمة  لمت غريباً واشتياقاً لقربنــــا

فــــما حبنا سهل وكل ادعى  سهولــــته قلنا له قد جهلتنا

فأيسر ما في الحب بالصد قتلــه  وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنا

* * *

 إذاً أيها الإخوة، الله عز وجل يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ﴾ هم أقرب إليكم فإذا اهتدوا أصبحتم قوة أقوى.

﴿وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ هذه أخلاق ليست ثابتة في المؤمن طارئة، هو في الحرب له موقف، وفي السلم له موقف، من أبرز آيات السلم: ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ هذه أخلاق السلم، أما في الحرب: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾

 هنا: ﴿وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ أي قوة تحمل، وحينما تهجمون عليهم لابد من قوة رادعة، إذاً: هناك أخلاق الحرب، وأخلاق السلم.

﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ وإذا كان الله معك فمن عليك؟ كلمة مع المتقين معهم مؤيداً، معهم ناصراً، معهم موفقاً، معهم مكرماً.


الدين لا يحتمل الإضافة أو الحذف :


 أيها الإخوة، الذي وقع في عالم الإسلام نحن حينما أضفنا على الدين ما ليس منه ظهرت الفرق، والطوائف، وتشتتت الأمة، هذا الإسلام ينبغي أن نأخذه كله كما أُنزل، وكما قال النبي:

(( كلَّ مُحدثَةٍ بدْعةٌ، وكل بدْعَةٍ ضَلاَلَة  ))

[ أخرجه أبو داود والترمذي عن العرباض بن سارية ]

 أنا أقول- وهذا اجتهاد شخصي- : إنك إذا أضفت على الإسلام ما ليس منه تشرذمنا، وتفرقنا، وتشتتنا، وأصبحنا فرقاً وطوائف، أما إذا حذفت منه ما عرف منه بالضرورة ضعفنا، نضيف نتفرق، تحذف نضعف، فالذي يفسر ضعف المسلمين أننا أضفنا على الدين ما ليس منه هذا الدين لا يحتمل الإضافة، لأنه من عند الله عز وجل، كماله مطلق. 


القضايا التي عالجها الدين تامة عدداً كاملة نوعاً :


  والله عز وجل قال:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) ﴾

[  سورة النساء ]

 من هم أولي الأمر؟ كما قال الإمام الشافعي: هم الأمراء والعلماء، العلماء يعرفون الأمر، والأمراء ينفذون الأمر، ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ الآن: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ﴾   لو اختلفتم مع علمائكم، أو مع أمرائكم، ما الحل؟ قال: ﴿فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ كأن الله -عز وجل- حوّلك أو أحالك على الكتاب والسنة، هل تصدق أو هل يُعقَل أن يحيلك الله لحل كل المشكلات إلى يوم الدين للأمة الإسلامية والعربية أن يحيلك الله على الكتاب والسنة ثم لا تجد في الكتاب والسنة حلاً لهذه المشكلات؟ مستحيل.

﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (3) ﴾

[  سورة المائدة ]

 قال العلماء: التمام عددي والكمال نوعي، أي عدد القضايا التي عالجها الإسلام تامٌّ عدداً، وطريقة المعالجة كاملةٌ نوعاً ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ فالإكمال نوعي، والإتمام عددي، أي عدد القضايا التي عالجها الإسلام تام عدداً، الآن طريقة المعالجة كاملة نوعاً، للتوضيح: أنا أقرضت إنساناً عشر ليرات ذهبية، ردها لي بالتمام والكمال، بالتمام عشرة، بالكمال جيدة، ليرة ذهبية جيدة، أي حروفها واضحة تماماً، ردها لي بالتمام والكمال.

﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ فعدد القضايا التي عالجها الدين تام عدداً، طريقة المعالجة كاملة نوعاً. 


حاجة الإسلام إلى العلم و القوة :

  إذاً الآية الأولى: دعوة المؤمنين للتفقه في الدين، ثم لنشر هذا الدين، إذاً أعظم عمل على الإطلاق الدعوة إلى الله.

 الآن: والقوة، نحن بحاجة إلى علم، وإلى قوة، بالعلم نرقى، وبالقوة نقدم مثلاً يُحترم.

 مرة أحد ملوك الغساسنة، اسمه جبلة بن الأيهم، جاء المدينة مسلماً، في عهد سيدنا عمر، هذا ملك، فلما جاء مسلماً رحب به أشد الترحيب، هذا الملك جبلة في أثناء طوافه حول الكعبة بدوي من فزارة داس طرف ردائه، فانخلع الرداء من على كتفه، ولأنه حديث عهد بالملك التفت إلى هذا الأعرابي وضربه ضربة هشّمت أنفه، هذا الأعرابي ذهب إلى عمر ليشكوه، سيدنا عمر استدعى جبلة، تصور أحد المتخاصمين ملك، اسمه جَبَلة بن الأيهم، وخصمه أعرابي من الطبقة الدنيا في المجتمع، الآن يقال: من رعاع الناس، من دهماء الناس وسُوقتهم، فجاء شاعر صاغ هذا الحوار شعراً.

فقال عمر: أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح؟

فقال جبلة: لست ممن ينكر شيا

أنا أدبت الفتى أدركت حقي بيدي،

فقال عمر لجبلة: أرضِ الفتى لابد من إرضائه

ما زال ظفرك عالقاً بدمائه

أو يُهشَمنَّ الآن أنفك

وتنال ما فعلته كفك

قال: كيف ذاك يا أمير! –صُعق-

هو سوقة وأنا عرش وتاج،

كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً

قال عمر: نزوات الجاهلية، ورياح العنجهية قد دفناها

أقمنا فوقها صرحاً جديداً

وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً

فقال جبلة: كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعز

أنا مرتد إن أكرهتني

قال له: عنق المرتد بالسيف تحز

عالم نبنيه، كل صدع فيه يُداوى

وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى.

 هذا هو الإسلام، فيه تساو.

إذاً الله -عز وجل- يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ﴾ الإسلام لا ينتشر بالسيف حقيقة مطلقة، لكن الذي يمنعك أن تنشره يجب أن تحاربه فقط، فإذا سمح لك انتهى الأمر.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ﴾ لأن قتالهم أقل كلفة، وأنت أعلم بهم من غيرهم، وإذا آمنوا معك توسعت حدود المملكة الإسلامية، وبعد ذلك تأتي بالذي يأتون بعد الأولين. 


الغلظة في الحرب :


  ولكن: ﴿وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ الغلظة يعني أن تكون شديداً، الغلظة في الحرب أحد أسبابها، وأنا أقول بعض الأمثلة: إذا كنت في مسبح، إنسان قال للثاني: رشه، ما معنى رشه؟ أي بالماء، أما إذا كنت في ساحة معركة والضابط قال للجندي: رشه، ما معنى رشه؟ بالرصاص.

 البيئة تختلف، هنا بيئة حرب، هنا بيئة استجمام، فأخلاق الحرب غير أخلاق السلم، فأخلاق السلم: ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ أما أخلاق الحرب: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾


الحق واحد لا يتعدد :


 لذلك:

﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)﴾

[  سورة البقرة ]

 إخواننا الكرام، مقولة دقيقة: الحرب بين حقين لا تكون، لماذا؟ لأن الحق لا يتعدد، الحق واحد، كما أنه بين نقطتين لا يمر إلا مستقيم واحد، الحرب بين حقين لا تكون، الآن الحرب بين حق وباطل لا تطول، لأن الله مع الحق، الثالثة: وبين باطلين لا تنتهي، فالآية أخيراً: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ﴾ .


الصبر طريق النصر :


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)﴾

[  سورة آل عمران ]

 أيضاً إذا كان عدوك صابراً كن أنت أشد صبراً منه ﴿وَرَابِطُوا﴾ ابقَ في مكانك متحفزاً لأي عدوان آخر: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ وإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟.

 وفي درس آخر إن شاء الله نتابع هذه الآيات في سورة التوبة.

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور