وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 62 - سورة التوبة - تفسير الآيات 109-111، أساس بنيان المؤمن التقوى، الأمن حالة نفسية، والكفاية حالة مادية للمؤمن الذي يعيش نعمة الأمن
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين. 


الأشياء الأساسية في حياة الإنسان هي من بنيانه :


أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثاني والستين من دروس سورة التوبة، ومع الآية التاسعة بعد المئة وما بعدها، وهي قوله تعالى: 

﴿  أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(109)﴾

[ سورة التوبة ]

أيها الإخوة الكرام، كلمة: ﴿أَسَّسَ بُنْيَانَهُ﴾ زواجك من بنيانك، إنجاب أولادك من بنيانك، تربية أولادك من بنيانك، كسب مالك من بنيانك، إنفاق مالك من بنيانك، هويتك في المجتمع من بنيانك، عملك من بنيانك، نشاطك، حركتك، هذه الأشياء الأساسية في حياتك، هذه من بنيانك، هناك إنسان بنى حياته على طاعة الله، بنى حياته على تقوى الله، بنى حياته على العمل الصالح، بنى حياته على تصورات صحيحة، استقاها من الكتاب والسنة، بنى حياته على سر وجوده وغاية وجوده. 

﴿  وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56)  ﴾

[ سورة الذاريات ]

فالإنسان يبني حياته، أو يبني بنيانه، أو يبني هويته، أو يبني نشاطه، أو يبني عمله الصالح، أو يبني حركاته وسكناته. 


انطلاق المؤمن في كل نشاطاته من طاعة الله :


فالإنسان فيه حاجات ثلاثة أودعها الله فيه، أودع فيه حاجته إلى الطعام، حفاظاً على وجوده كفرد، إذاً هو كائن متحرك، ينبغي أن يتحرك ليعمل، يكسب مالاً يشتري به طعاماً ليأكل، طبعاً لولا الحاجة إلى الطعام والشراب ما رأيت على وجه الأرض شيئاً، لا طرقات، ولا جامعات، ولا جسور، ولا مؤسسات، ولا معامل، ولا حدائق، كل شيء تراه بعينك أساسه الحاجة إلى الطعام والشراب، هذه الحاجة يجب أن يلبيها.

عنده حاجة ثانية إلى الطرف الآخر، الحاجة إلى الزواج من أجل الحفاظ على بقاء النوع.

عنده حاجة ثالثة إلى تأكيد الذات، الحاجة للتفوق، حاجة إلى بقائه كفرد، وحاجة إلى بقاء النوع، وحاجة إلى التفوق، هذه الحاجات جعلته كائناً متحركاً، يجب أن يعمل من أجل أن يكسب المال، ليشتري به طعاماً، وشراباً، وكتاباً يقرأه.

إذاً الإنسان كائن متحرك، وليس كائناً سكونياً، هذه الطاولة كائن سكوني لو تُرِكت على ما هي عليه ألف عام تبقى كما هي، كائن سكوني، أما الإنسان كائن متحرك لأن الله أودع فيه الشهوات، وما أودع فيه الشهوات إلا ليرقى بها إلى رب الأرض والسموات، الشهوات حوافز، ما أودع الله في الإنسان الشهوات إلا ليرقى بها إلى رب الأرض والسموات.

إذاً: الإنسان يتحرك ليبني نفسه، الزواج بناء، إنجاب الأولاد بناء، العناية بالأولاد بناء، تعليمهم بناء، إرشادهم إلى الحق والخُلُق بناء.

الآن الله -عز وجل- يقول: ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ﴾ الآن حركته بالأرض، نشاطاته، أوقات فراغه، زواجه، إنجاب أولاده، هويته في المجتمع، عمله، اختصاصه، المؤمن ينطلق في كل هذه النشاطات من طاعة الله، يتحرك وفق مرضاة الله، يسعى لنيل رضوان الله، هدفه الجنة: 

(( وما قرب إليها من قول أو عمل ))

[ أخرجه ابن حبان عن عائشة أم المؤمنين ]


اللذة و السعادة :


لذلك هذا الإنسان تحرك وفق ما خلق له، هناك معنى دقيق جداً هو أن الإنسان خُلِق لمعرفة الله، لذلك جُعلت طاقته لا نهائية، لو أنه اختار هدفاً محدوداً المال مثلاً، فإذا وصل إليه شعر بالملل والسأم، اختار الجاه وصل إليه شعر بالملل والسأم، وكأن الله -سبحانه وتعالى- لم يسمح للدنيا أن تمد الإنسان بسعادة مستمرة، بل بلذائذ متناقصة، هذا إذا كانت وفق شرع الله، أما إذا كانت وفق معصية الله فاللذائذ متناقصة مع كآبة، بشكل أو بآخر ما سمح الله للدنيا أن تمدك بشكل مستمر باللذة، اللذة متناقصة، واللذة تنتهي بالكآبة، لذلك الفرق الكبير بين اللذة والسعادة، فرق بين المشرق والمغرب، اللذة أساسها متع حسية، وهذه المتع الحسية تحتاج إلى مال، وتحتاج إلى وقت، وتحتاج إلى صحة، ولحكمة بالغة بالغةٍ بالغة دائماً الإنسان تنقصه واحدة، في البدايات الصحة طيبة والوقت وافر لكن لا يوجد مال، في منتصف الحياة يوجد مال وصحة لكن لا يوجد وقت، منغمس بعمله حتى قمة رأسه، لما تقاعد وسلّم المعمل لأولاده صار عنده وقت ومال لكن لا يوجد عنده صحة، دائماً هناك نقطة تنقص الإنسان، أما إذا اتجه إلى الله فهو في سعادة مستمرة لأن اللذة غير السعادة، اللذة تأتي من الخارج، تأتي من المادة، من متع حسية، واللذة متناقصة في تأثيرها، وتنتهي بكآبة، أما السعادة تنبع من الداخل، ومستمرة، ومتنامية. 


الموت ينهي كل شيء :


أنا أقول دائماً: إذا صح أن لكل إنسان خطاً بيانياً المؤمن وحده خط بيانه صاعداً صعوداً مستمراً، وقد يكون موته نقطة على هذا الخط الصاعد، والصعود بعد الموت، صاعد صعوداً مستمراً، أما خط الآخر غير المؤمن قد يكون صاعداً صعوداً حاداً، لكنه فجأة ينتهي بانهيار حاد، صعود حاد، وانهيار حاد، لأن الموت ينهي كل شيء، ينهي قوة القوي وضعف الضعيف، وغنى الغني وفقر الفقير، ووسامة الوسيم، ودمامة الدميم، وذكاء الذكي، ينهي كل شيء.

إذاً الآن هناك موازنة دقيقة، مثلاً الله قال: 

﴿ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا ۚ لَّا يَسْتَوُونَ (18) ﴾

[ سورة السجدة ]

مسافة كبيرة جداً. 

﴿  أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ(35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ(36)  ﴾

[  سورة القلم ]

﴿  أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ(61)﴾

[  سورة القصص ]

مسافة كبيرة جداً، الإيمان شيء، والكفر شيء آخر، هنا يوجد طمأنينة، يوجد سكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، يوجد سكينة، ورضا، وتوازن، وتفاؤل، وثقة بالله -عز وجل-، وحركة نحو جنة عرضها السموات والأرض. 


بنيان الإنسان ينبغي أن يكون وفق منهج الله عز وجل :


أنا أقول: بنيانك أيها الإنسان، أي زواجك، ألصق شيء بالإنسان زوجته وحرفته، فالبطولة في المؤمن أن يحسن اختيار زوجته، واختيار حرفته، هناك حِرَف أساسها معصية الله -عز وجل-، وحِرَف أساسها طاعة الله -عز وجل-، فالزوجة والحرفة موضوعان خطيران لصيقان بالإنسان، فأنا أقول: بنيانك أيها الإنسان، أي فكرك، تصوراتك، عقيدتك، مبادئك، قيمك، حركاتك، سكناتك، هذه ينبغي أن تكون وفق منهج الله. 

﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ﴾ التقوى هي الطاعة، التقوى معناها واسع جداً، لكن في أبسط معانيها الطاعة، طاعة الإنسان لمنهج ربه. 

﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ﴾ أي اختار زوجة صالحة، كما يُقال: تسره إن نظر إليها، وتحفظه إذا غاب عنها، وتطيعه إن أمرها، أسس بنيانه بزواجه، الآن أنجب أولاداً ربّاهم تربية حسنة، تربية إيمانية، تربية إسلامية، تربية علمية، تربية أخلاقية. 

﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ﴾ فوجودك بنيان، حركاتك وسكناتك بنيان، كسب مالك بنيان، إنفاق مالك بنيان، علاقاتك الأسرية بنيان، علاقاتك مع من حولك بنيان، علاقاتك مع من فوقك بنيان، علاقاتك مع من هو تحتك بنيان، أنت لك حركة، لأنك بحاجة إلى الطعام والشراب حفاظاً على وجودك، وبحاجة إلى طرف آخر إلى زوجة والزوجة إلى زوج حفاظاً على بقاء النوع، ولأنك بحاجة إلى تأكيد الذات حفاظاً على الأهمية والتفوق، لأنك كائن أُودعتْ فيك هذه الحاجات فأنت لك بنيان، بنيانك الأساسيات في حياتك.

أحياناً تجلس مع إنسان، تسأله: أين أنت ساكن؟ ماذا تعمل؟ إلى أي درجة علمية وصلت؟ هل أنت متزوج؟ هل عندك أولاد؟ هذه أساسيات الحياة، فكأن الله -عز وجل- يقول: البنيان أساسيات الحياة، هذه تُبنَى بناء. 

﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ﴾ على طاعة الله، على الانصياع لمنهج الله، على الوقوف عند الحلال والحرام:" ليس الولي الذي يطير في الهواء، وليس الولي الذي يمشي على وجه الماء، لكن الولي كل الولي الذي تجده عند الحلال والحرام"

﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ﴾ طلب العلم، تحرّى الحلال في كسبه، تحرّى الصواب في إنفاقه، اختار زوجة صالحة مؤمنة، أنجب أولاداً ربّاهم تربية إسلامية، اختار عملاً وحرفة في خدمة الناس، هناك حِرَف أساسها ابتزاز أموال الناس، هناك حِرف أساسها إفساد الناس، هناك حرف أساسها العدوان على الناس، هناك حرف أساسها خدمة المجتمع. 


الفرق بين التقوى و الرضوان :


﴿تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ﴾ والفرق بينهما دقيق، التقوى: الطاعة، أما الرضوان: التقرب، مثلاً: طريق وأنت معك مركبة، هناك عقبات على هذا الطريق، العقبات صخور كبيرة على عرض الطريق، هذه العقبات لا يمكن إلا أن تزيلها من الطريق حتى تمشي على هذا الطريق.

فالمعاصي والآثام عقبات في الطريق إلى الله، فالإنسان إذا استقام على أمر الله كأنه أزال كل هذه العقبات، دخله حلال، بيته حلال، زواجه صحيح، أولاده رباهم تربية صحيحة، أوقات فراغه يمضيها في عمل جيد، ﴿أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ﴾ الرضوان غير التقوى، أنت لما استقمت قلت: أنا ما أكلت مالاً حراماً، ما، أنا ما اغتبت، ما، كل أنواع الاستقامة تبدأ بما، أما أنت فضلاً عن هذه الاستقامة فأنت مُكلَّف أن تعمل صالحاً، العمل الصالح حركة نحو الله. 

﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) ﴾

[  سورة فاطر ]

الاستقامة امتناع، أما العمل الصالح فهو بذل شيء من أجل هذا الدين، من أجل الآخرة، من أجل طاعة الله -عز وجل-. 


الشهوة حيادية نرقى بها إلى أعلى عليين أو نهوي بها إلى أسفل سافلين :


الآن الموازنة دقيقة: ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ﴾ أساسيات حياته، اختيار حرفته، هذا من البنيان، اختيار زوجته من البنيان، اختيار الإنجاب أو عدم الإنجاب من البنيان، تربية أولاده من البنيان، اختيار حِرَف أولاده من البنيان. 

﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ﴾ أي المؤمن أحياناً يأتيه دخل محدود لكنه حلال مئة بالمئة، يقبل عليه ويرضى به، وهناك دخل فلكي غير محدود، لكنه مبني على معصية، يركله بقدمه، هذا الإيمان، هو توهُّم خاطئ جداً أن المسلم يصلي، لا، والله لا أبالغ لعل منهج الله يقترب من خمسمئة ألف بند، في بيتك، في فراشك، مع أهلك، مع أولادك، مع جيرانك، مع أصدقائك، في حرفتك، مع من تتعامل معه، مع من هم فوقك، مع من هم دونك، في إملاء أوقات فراغك، الحركة الإنسان بحاجة للطعام والشراب، وبحاجة إلى الجنس، وبحاجة إلى تأكيد الذات، هذه الحاجات جعلتك كائناً متحركاً، الحركة من أجل أن تكسب المال، من أجل أن تأكل، أن تتزوج، أن تعلو في الأرض، هذه الحركة إما أن تكون وفق منهج الله، أو بخلاف منهج الله.

لكن أنا أطمئن الإخوة المشاهدين: ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها.

مرة ذكرت قصة أنه لي جار في الحي الذي أسكنه في الشام، عالم جليل تجاوز سنه المئة عاماً، زرته مرة فقال لي: عندي ثمانية و ثلاثون حفيداً، قلت: سبحان الله! تزوج امرأة، أنجب منها أولاداً تزوجوا، جلبوا له الكنائن، وأنجب البنات تزوجن فجلبن له الأصهار، في أول مستوى هو وزوجته، ثم أولاده، ثم بناته، ثم أحفاده، المجموع ثمانية وثلاثون حفيداً، قلت أنا: هذا الهرم الرائع الطاهر، الخيّر، أساسه علاقة جنسية، وفي أي بيت دعارة هناك علاقة جنسية.

فالشهوة حيادية، نرقى بها إلى أعلى عليين، أو نهوي بها إلى أسفل سافلين، الشهوة حيادية، الله جعل بالإنسان شهوات، وما من شهوة أودعها الله بالإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، بتعبير آخر بالإسلام لا يوجد حرمان أبداً، أي شيء تشتهيه نفسك له منهج صحيح، له قناة نظيفة، فالمؤمن ما حرم نفسه متع الحياة، لكن تحرك حركة نظيفة، وتحرك حركة صحيحة، وتحرك حركة هادفة، وارتقى بحركته إلى الله ورسوله. 

﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ﴾ شفا؛ على حافة، ﴿جُرُفٍ هَارٍ﴾ بئر غير مبني، وقد يُهدَم، ﴿فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾ .


عدم استواء المؤمن مع الفاسق :


فلذلك: ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ﴾ مرة قال لي إنسان لعله مداعباً: تقول المؤمن سعيد، والله مثله مثل الناس، هكذا أكد لي بجلسة فيها عدد كبير من الناس، فأنا خطر في بالي مثل أوضح به الحقيقة، قلت له: إذا إنسان موظف ودخله محدود جداً، وعنده أولاد كثر، وبيته بالأجرة، وعليه دعوى إخلاء، ووضعه المادي صعب جداً، لهذا الإنسان عم يملك خمسمئة مليون، وليس عنده أولاد، وتوفي بحادث، ما الذي حصل الآن؟ الذي حصل أن هذا الإنسان الموظف، الفقير، المُعدم، الذي عنده ثمانية أولاد، وما عنده دخل يكفي إنفاق أيام معدودة، فجأة امتلك خمسمئة مليوناً، لكن الروتين، والإجراءات المالية، وبراءات الذمة تطول، حتى قبض أول مبلغ بعد سنة، لماذا هذا الموظف المُعدَم الفقير المحروم أسعد إنسان بهذه السنة؟ ما قبض قرشاً، لكن صار معه خمسمئة مليوناً، إذا رأى سيارة فارهة يقول: سأشتري مثل هذه، وإن رأى بيتاً فخماً يقول: سأشتري هذا البيت، هذا معنى: ﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً ﴾

﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) ﴾

[  سورة التوبة  ]

﴿فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ فلذلك هنا موازنة دقيقة جداً ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ﴾ ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ ﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾

إذاً: الآية الكريمة: ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ﴾ أي أساسيات حياته، زواجه من بنيانه، دراسته، درس اختصاصاً ينفع الأمة، حرفته، بيته يوجد حي ملتزم، وهناك أحياء متفلتة جداً، يخاف على أولاده، فبيته، دراسته، تفكيره، حرفته، زوجته، أولاده، أساسيات حياته.

مثلاً المركبة أساسياتها المحرك، أساسياتها الوقود، أساسياتها المقود، العجلات، هذه الأساسيات، أما لونها فهذا شيء ثانوي، أما الأساسيات فواضحة. 

﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا﴾ على حافة، ﴿جُرُفٍ هَارٍ﴾ على بئر غير مبني، فاحتمال انهدامه كبير جداً، ﴿فَانْهَارَ بِهِ﴾ لم ينهار في البئر، بل في نار جهنم، ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ .


من يرفض الحق أصلاً يمتنع عن الهدى :


لو تتبعنا قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ مثلاً إنسان يمشي في طريق، وليكن من دمشق إلى حمص، في منتصف الطريق طريقان، وهناك إنسان واقف دليل، لم يسأل هذا الدليل، ولم يعبأ به، واختار أحد الطريقين، فالذي اختاره كان خطأ، كيف يستطيع الدليل أن ينصحه؟ ما سأله، بل رفض كلامه.

فالإنسان عندما يرفض الحق أصلاً إذاً هو امتنع عن الهدى، هذا يسمونه تحصيل حاصل، لما هو رفض هداية الله -عز وجل- ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ ظلم نفسه بترك الدين، ما بحث عن الله، ما بحث عن منهجه، ما التقى بعالم، ما حضر مجلس علم، ما قرأ كتاباً، ما سأل عن سر وجوده، وغاية وجوده، ما عرف تعريفه الحقيقي، هو المخلوق الأول الإنسان، المُكلَّف المُكرَّم.

أنا مرة التقيت مع خبير دولة أجنبية، أحببت أن أذكر له شيئاً عن الدين، فبعد أن بدأت قال لي: معذرة، هذه الموضوعات بأكملها، وتفاصيلها، لا تعنيني، ولا أهتم لها، ولا ألقي لها بالاً، وانتهى الأمر. 

﴿  وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ(23)  ﴾

[  سورة الأنفال ]

فالإنسان له اختيار، إذا ما اختار طريق الحق، لم يختر طريق الحق، سيكون في ضلال، وسيكون في انحراف، وسيكون في بعد عن الله، وسيدفع ثمن انحرافه شيئاً باهظاً. 


الإنسان مخير و لولا أنه مخير لما كان من فضل له إذا آمن :


إذاً: ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ﴾ على منهج الله، على الحلال، على الحرام، على الخير، على الشر، على الحق، على الباطل، زواجه، اختيار حرفته، تربية أولاده، نشاطاته، إملاء أوقات فراغه، كله وفق منهج الله، فهذا من حال إلى أحسن، من خير إلى خير، من تقدم إلى تقدم، من تألق إلى تألق، من فلاح إلى فلاح. 

﴿أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَار﴾ قصص لا تعد ولا تحصى قد تنشئ ملهى ليلياً، طبعاً هناك معاصٍ لا تعد ولا تحصى، قد تنشئ دار قمار مثلاً، والمال كله حرام، والحقيقة لماذا الإنسان مُخيَّر؟ لأنه لولا أنه مخير لما كان من فضل له إذا آمن، لولا أنه مخير لما كان للجنة من معنى، فاختياره دليل رقيه، اختياره يثمِّن عمله.

لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب، ولو تركهم هَمَلاً لكان عجزاً في القدرة، إن الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلّف يسيراً، ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً.


الإنسان أعقد آلة في الكون تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز :


إذاً الآن كلام دقيق: أنت أيها الإنسان لك بنيان، أساسيات حياتك، دراستك، هناك دراسات ترقى بالإنسان، ودراسات تهوي به إلى أسفل سافلين، هناك تجارة رابحة، وصالحة، وحلال، ورد في بعض الآثار النبوية: 

((  إن أطيب الكسب كسب التجار، الذين إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا ائتمنوا لم يخونوا، وإذا اشتروا لم يذموا، وإذا باعوا لم يطروا، وإذا كان لهم لم يعسروا، وإذا كان عليهم لم يمطلوا  ))

[  الجامع الصغير عن معاذ وفي سنده ضعف ]

فهذا الإنسان حينما يختار حرفة ترقى به، يختار زوجة ترقى به، ينجب أولاداً ويربيهم تربية تجعلهم قرة عين له في المستقبل، هذا إنسان تحرك وفق منهج الله، من أنت أيها الإنسان؟ أنت أعقد آلة في الكون، تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، ولك صانع عظيم، وحكيم، ولك تعليمات التشغيل والصيانة، الآلة الراقية معها تعليمات المصنع، فما من جهة على وجه الأرض أجدر أن تُتَّبع تعليماتها كالجهة الصانعة، لأنها الجهة الخبيرة قال تعالى: 

﴿ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)﴾

[  سورة فاطر ]

إذاً فالذي: ﴿أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ .

أنت اجمع الآيات والله لا يهدي: القوم الفاسقين، القوم الظالمين، هناك معان كثيرة، تقريباً اثنتا عشرة آية ابحث عنها في المعجم المفهرس، أو في الكمبيوتر، وحاول أن تبتعد عن هذه الصفات التي لا تؤهل أصحابها إلى بلوغ المنى في الدنيا ولا في الآخرة.


الفطرة و الصبغة و الشرع :


أيها الإخوة الكرام، هناك فِطرة، وهناك صِبغة، وهناك منهج، الآن الشرع يتوافق مع الفطرة، يتناقض مع الهوى، الإنسان لو أنه لم يستيقظ على صلاة الفجر أعطى جسمه راحته الكاملة وظل نائماً للساعة العاشرة، لكن لأنه ترك صلاة الفجر يحس بانقباض، فهذا العمل تناقض مع فطرته، وتوافق مع شهوته، الحب النوم أو الاستمرار في الفراش، إذاً: 

﴿  لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(110)﴾

[ سورة التوبة ]

هذه الآية معناها توافق الفطرة مع المنهج، الآية الدقيقة في هذا المعنى: 

﴿ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) ﴾

[ سورة يونس  ]

أن تقيم وجهك للدين حنيفاً هذا يتطابق تطابقاً تاماً مع فطرتك، مع بنيتك، مع خصائصك، أي شيء أمرك الله به أنت مُبرمَج عليه، مُولَّف عليه، لذلك الإنسان عندما يستقيم يحس براحة لا تقدر بثمن، هذه الراحة لأن المستقيم اصطلح مع فطرته، يعني الله -عز وجل- أمرك أن تكون صادقاً ونفسك مُبرمَجة، مُصمَّمة، مولَّفة، مُسوَّاة. 

﴿  وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(7)﴾

[ سورة الشمس ]

على أن تكون صادقاً، مثل عندما مركبة مصممة على طريق مُعبَّد فإذا سرت بها بطريق وعر، أحجار، وأكمات، وحفر، تسمع أصواتاً وتكسيراً، هذه مُصمَّمة على طريق مُعبَّد، فإذا سرت بها على طريق مُعبَّد كانت انسيابية، وحركتها سهلة، ورائعة. 


الكآبة سببها البعد عن الله عز وجل :


لذلك: ﴿لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾ هو يشعر بخطئه، هذه الكآبة.

لذلك في بعض البلاد الغربية أجروا إحصائية للأمراض النفسية فالنتيجة كانت مئة وستة وخمسين بالمئة، يعني 100 شخصاً معه أمراض نفسية، و56 شخصاً معهم مرضان نفسيان، هذه الكآبة سببها البعد عن الله -عز وجل-.

أنت مصمم وفق منهج الله، فأول ثمرة يجنيها المؤمن أنه اصطلح مع نفسه، يقول لك: أنا مرتاح، مسرور، يحس أنه في أعلى عليين. إذا رجع العبد العاصي إلى الله نادى منادٍ في السموات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله. 

فالحالة النفسية للمؤمن حالة مريحة جداً لأنه اصطلح مع خالقه، إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ويا ربي ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟ إذا كان الله معك فمن عليك؟ لا يستطيع إنسان في الأرض أن ينال منك، وحينما لا يكون الله معك قد يتطاول عليك من هو أقرب الناس إليك، هذه الحقيقة.


من يطيع الله عز وجل يشعر بسعادة لا توصف :


إذا: ﴿لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾ هذه الكآبة التي تصيب العاصي، الكآبة التي تصيب المنحرف، شيء طبيعي جداً، هو مبرمَج على طاعة الله، مُولَّف على طاعة الله، والدليل: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾ الله -عز وجل- حينما سوّى هذه النفس سواها وفق منهج الله، فلمجرد أن تطيع الله تشعر براحة، هذه السعادة لا توصف.

لذلك: نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله. 

﴿لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾ أَقلقَهم، أوقعهم في أزمة نفسية، أوقعهم في كآبة، كآبة المعصية، شيء دقيق جداً أن الإنسان حينما يعصي الله يقع في كآبة، يقع في ضيق، والدليل: 

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124)﴾

[ سورة طه  ]

قال بعض العلماء: ما بال الأقوياء والأغنياء؟ قال: هم كذلك، في معيشة ضنك، ضنك معيشتهم ضيق القلب، أي يا ربي ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟. 

﴿لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا﴾ بنوا حياتهم على دخل حرام، على علاقات متفلتة مع النساء، على احتقار من هو دونه، على كسب غير مشروع، على إنفاق غير مشروع، على تفلت في العلاقات، بنى حياته على المعاصي والآثام، هو في بعد عن الله، هو في قلق، في خوف من المستقبل، من المجهول. 


المؤمن يتمتع بأمن لا يوصف : 


﴿لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾ هناك حالة اسمها الانسجام، بينك وبين نفسك، بينك وبين خالقك، بينك وبين من حولك، بينك وبين من فوقك، بينك وبين من تحتك، أي ثمار الإيمان كبيرة جداً، مستحيل أن تُضغَط في كلمات، أو في بنود ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ﴾ .

﴿لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ﴾ تتقطع قلوبهم أسفاً على ما هم فيه، قلقاً على ما هم فيه، خوفاً مما هم فيه، أي المؤمن يتمتع بأمن: 

﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81) ﴾

[ سورة الأنعام ]

قال: 

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ(82) ﴾  

[  سورة الأنعام  ]


المؤمن في أمن و كفاية و الكافر في خوف و قلق :


إخواننا الكرام، في اللغة لفتات دقيقة جداً، لما قال -عز وجل-: ﴿أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ﴾ فرق كبير بين أن يقول: ﴿أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ﴾ أو أولئك الأمن لهم، إذا قلنا: أولئك الأمن لهم ولغيرهم، لا يوجد قصر ولا حصر، ﴿أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ﴾ لهم وحدهم، كأن تقول: إياك نعبد أم نعبد إياك، فرق كبير جداً إياك نعبد أي لا نعبد غيرك، هناك قصر وحصر، أما نعبد إياك ونعبد غيرك، هنا: ﴿أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ﴾ هذا اسمه أمن الإيمان، أمن الإيمان، ﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ .

ولا أعتقد أن في الأرض نعمة تفوق نعمة الأمن، قال تعالى: 

﴿ الذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ(4)﴾

[  سورة قريش ]

يقابل هذه الآية: 

﴿  وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ(112)﴾

[  سورة النحل ]

إن كنت مؤمناً فأنت في أمنٍ وكفاية، الأمن حالة نفسية، والكفاية حالة مادية يقابلها: ﴿فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ﴾ الجوع حاجة مادية، والخوف مُقلِق نفسي. 

إذاً: ﴿لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾ توافق الفطرة مع المنهج، ﴿إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ .


من باع الله عز وجل نفسه فله جنة عرضها السموات و الأرض :


ثم يقول الله -عز وجل-: 

﴿  إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(111)﴾  

[  سورة التوبة ]

أي عقد بيع، أنت بعت الله -عز وجل- نفسك وكل ما حولك فأنت حينما تبيع هذا البيع فالله -عز وجل- يكافئك بجنة عرضها السموات والأرض.

لكن لهذه الآية بحث طويل أرجو الله -سبحانه وتعالى- أن نتوسع بها في لقاء قادم.

والحمد لله رب العالمين. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور