1999-07-01
طلب مني أن أقدم كتاباً في ( فضائل الصحابة في ميزان الشريعة الإسلامية ) تأليف الأخ الكريم ( الأستاذ عمر الحاجي )
وكأن التقديم ـ فيما أعلم ـ يقتضي قراءة الكتاب قراءة متأنية متفحصة، ثم التقييم وفق أسس صحيحة من التدليل والتعليل، ولما كان الوقت لا يسمح لي بذلك، فقد آثرت أن أصدّر الكتاب بكلمة عن أصحاب رسول الله ( ص ) أمناء دعوته، وقادة ألويته، الذين اختارهم الله جلّ في علاه ـ وهم صفوة من البشر ـ ليكونوا سياجاً حول رسوله، وليكونوا أنصاراً لدينه، كيف لا وقد قال المصطفى (ص):
(( إن الله اختارني واختار لي أصحابي ))
* * *(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف ؛ حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه، وصدقه وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده، ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات ))
فالنبي ( ص ) سيد المربين وإمام المعلمين، وقد أرسله الله رحمة للعالمين، وقد جاء في الحديث الشريف:(( إنما بعثت معلما، إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ))
يقول أحد المفكرين: إن مثلاً واحداً أنفع للناس من عشرة مجلدات .. لأن الأحياء لا تصدق إلا المثل الحي، لهذا كان الني الواحد بمثله الخلقي الحي، وجهاده أهدى للبشرية من آلاف الكتَّاب، الذين ملئوا بالفضائل والحكم بطون المجلدات، إن أكثر الناس يستطيعون الكلام عن المثل العليا، ولكنهم لا يعيشونها .. لهذا كانت حياة الأنبياء إعجازاً وكانت نتائج دعوتهم إعجازاً، بينما لا تلقى دعوة الداعين غير المخلصين من أتباعهم إلا الاستخفاف والسخرية، فالإسلام لا يحييه إلا المثل الأعلى، والقدوة الحسنة، والسلوك المستقيم، والانضباط الذاتي والعفة عن المطامع والعفة عن المحارم، والعمل الصالح، والتضحية والإيثار، قال عليه الصلاة والسلام:(( ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل ))
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان مثلاً أعلى لأصحابه الأطهار وأسوةً حسنةً للمؤمنين الأخيار، وقدوة صالحة لأتباعه الأبرار، فقد اتسمت دعوته باتساع رقعتها، وامتداد أمدها، وعمق تأثيرها، لأنه طبق بسلوكه ما قاله بلسانه، فقد كان صلى الله عليه وسلم على خلق عظيم، وكان خلقه القرآن، وأحبه أصحابه إلى درجة فاقت حد التصور وأطاعوه طاعةً جاوزت حدود الخيال، قال أبو سفيان يوم كان مشركاً:(( ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً ))
فالسر في قوة تأثير الني صلى الله عليه وسلم في أصحابه .. أنه كان لهم أسوة حسنة وقدوة صالحة ومثلاً يُحتذى .(( والله لقد دلني على هذا النبي الأمي أنه كان لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به، ولا ينهى عن شيء إلا كان أول تارك له، وأنه يغلب فلا يبطر، ويُغلب فلا يضجر ويفي بالعهد وينجز الوعد ))
لقد كان صلى الله عليه وسلم، جم التواضع وافر الأدب، يبدأ الناس بالسلام، ينصرف بكله إلى محدثه صغيراً كان أو كبيراً، ويكون آخر من يسحب يده إذا صافح، وإذا تصدق وضع الصدقة بيده في يد المسكين، وإذا جلس، جلس حيث ينتهي به المجلس، لم يُر مادَّاً رجليه قط، ولم يكن يأنف من عمل لقضاء حاجته أو حاجة صاحب أو جار وكان يذهب إلى السوق، ويحمل بضاعته، ويقول أنا أولى بحملها وكان يجيب دعوة الحر والعبد، والمسكين، ويقبل عذر المعتذر .﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾
* * *﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا(8)لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا(9)إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا(10)﴾
ثم بين الباري جل وعلا أن الفلاح في الإيمان بالنبي ( ص )، واتباعه، ونصرته، قال تعالى:﴿ فَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)﴾
وكيف لا نرضى عن أصحاب رسول الله ( ص ) أو عن بعضهم وقد رضي الله ـ في عليائه ـ عنهم إذ يقول:﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)﴾
والذي لا يرضى عنهم، فقد ردّ على الله كلامه، وهذا يقوده إلى الكفر والعياذ بالله ومن توقيره وبرّه توقير أصحابه وبرّهم، ومعرفة حقهم، والاقتداء بهم، وحسن الثناء عليهم، والاستغفار لهم، و الإمساك عما شجر بينهم، ومعاداة من عاداهم، وأن يُلتمس لهم ـ فيما نقل عنهم ـ أحسن التأويلات، ولا يذكر أحد منهم بسوء، فحبهم دين وأيمان وإحسان ؛ وبغضهم كفر ونفاق وطغيان .(( ليبلّغ الحاضر الغائب، الله الله في أصحابي لا تتخذونهم غرضاً من بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ... ))
وقد ورد عن النبي ( ص ) أنه قال:(( إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا ))
بل إنه صلى الله عليه وسلم بين أن الخيرية التي يريدها الله للمؤمن أن يحب أصحاب رسول الله، فقال:(( إذا أراد الله برجل من أمتي خيرا ألقى حب أصحابي في قلبه))
وقد بين النبي ( ص ) الواحد من أصحابه كألف، فلو أنفق الواحد من الناس مثل أحد ذهباً، ما بلغ مدّ أحد أصحابه، فقال:(( دعوا لي أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا لم يبلغ مد أحدهم ولا نصيفه ))
* * *